|
سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2963 - 2010 / 4 / 2 - 11:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا يمكن النظر إلى الطائفية ، بمنظار واحد ، أو بعين واحدة ، بمعنى إما أن تكون طائفية سياسية أو لا تكون ، لأن الطائفية سواء كانت سياسية أو مذهبية ، هي السمة الرائجة في كل المجتمعات الإنسانية ، وهي الجزء الأساسي الذي تتحدد على إثره ملامح الهوية ونوعها ، إن كانت وطنية جامعة ، أو مذهبية مناطقية. سوريا هي واحدة من المجتمعات العربية والإسلامية التي يذخر نسيجها الاجتماعي بتركيبة طائفية غنية ، وبذات الوقت معقدة ومتشابكة تنذر بالتمزق ، كلما اشتدت الأخطار الخارجية ، وازدادت دائرة التهميش والاضطهاد . لم تعرف سوريا الطائفية قط ، خلال القرن التاسع عشر ، إبان الحكم العثماني ، رغم وجودها الفاعل في لبنان ، الذي كان تابعاً لولاية الشام ، وقد شهد أولى حروبه الطائفية سنة 1845 ، من دون أن يمتد تأثيرها إلى دمشق ، كما لم تعرف الطائفية خلال النصف الأول من القرن العشرين ، الذي شهد الحربين العالميتين ، وإن كانت الطائفية المذهبية ( سنة ، نصيرية ، دروز ، إسماعيلية ) قد جرى صهرها في بوتقة وطنية واحدة ، لصالح تعزيز وتدعيم هويتها الوطنية . لكن الطائفية المذهبية في سوريا ، ورغم قلة أخطارها ، مقارنة بنظيرتها السياسية ، باتت أمراً واقعاً لا يمكن الهروب منه أو التستر عليه ، ولا يخفى الدور الفاعل الذي لعبته دولة الانتداب الفرنسي في تغذية الحس الطائفي بوجهه المذهبي ، وتالياً بوجهه السياسي ، فتقسيمها سوريا إلى خمس دول ، أهمها ما كان يسمى آنذاك ، بدولة العلويين في الساحل السوري وعلى امتداد جبال اللاذقية ، وكذلك دولة الدروز في جبل العرب ، كان بلا شك ، المقدمة الأولى ، التي مهدت لاحقاً ، بُعيد جلاء القوات الفرنسية عن سوريا ، لتثبيت أركان الطائفية السياسية ، التي وجدت في الأحزاب السياسية - كحزب البعث- مطية لامتطاء صهوة السلطة ، والغطاء الشرعي اللازم لتنفيذ مشاريعها السياسية . إن الوثيقة السياسية التي قدمها وجهاء الطائفية النصيرية للمندوب السامي الفرنسي في بيروت ، في ثلاثينيات القرن الماضي على خلفية توقيع القوى الوطنية السورية ممثلة بالكتلة الوطنية لاتفاقية العام 1936 التي رسمت معالم استقلال البلاد وحددت السقف الزمني لجلاء القوات الفرنسية ، فقد ناشدت تلك الوثيقة دولة المندوب الفرنسي ، بالبقاء في سوريا لغرض حماية كيان الطائفة وهويتها المذهبية من زحف الطوائف السورية الأخرى ، وعلى رأسها الطائفة السنية ، أو سلخ الساحل السوري - جبال اللاذقية - وضمه إلى دولة لبنان الكبير ، لضمان حقوق الطائفة وامتيازاتها ومكتسباتها السياسية ، لا سيما وأنها تعتبر نفسها ، الأكثر تظلماً وتهميشاً من بين الطوائف الأخرى في التاريخ السوري المعاصر . تلك الوثيقة المؤرشفة في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية ، دقت ناقوس الطائفية ، وشدت أنظار أبناء الطائفة النصيرية ( العلوية ) التسمية الأخيرة جرى اعتمادها وتعميمها بتزكية من السلطات الفرنسية ، شدت أنظارهم إلى خطورة أن يبقوا عرضة للمساومات السياسية والاستخدام المجاني ، كما في العهد العثماني ، مثلما يؤكد الكثير من مثقفيهم ومسئوليهم . وعليه ، فإن المرحلة التي تلت الاستقلال عام 1946 ، شهدت البداية الأولى لتأسيس واقع الطائفية السياسية التي تدثرت برداء العلمانية والقومية العربية ، لاسيما وأن فرنسا لم تستجب كفاية لمطالب تلك الوثيقة السياسية ، فجرى التعويض عنها ، بقبول الأمر الواقع ، والانخراط المنظم في الحياة السياسية ، من خلال بوابة الأحزاب ( زكي الارسوزي) والجيش ( صلاح جديد ، حافظ الأسد ، محمد عمران ) أو من خلال الاثنين معاً . في هذا السياق ، لا بد من الملاحظة في إطار رصد الظاهرة الطائفية في سوريا ، أن ظهور الطائفية السياسية لم تكن وليدة اللحظة التي تسلم فيها حافظ الأسد مقاليد السلطة ، بل امتدت على نحو نصف قرن ، منذ مطلع ستينات القرن الماضي ، ولم يجر الكشف عن وجهها إلا مؤخراً ، إبان وفاة حافظ الأسد ، وتسلم نجله بشار السلطة ، بغير ما يتفق مع دستور النظام نصاً وروحاً ، لجهة تحديد السن ( أربعون عاماً) ومع مبادئ البعث ، التي لا تؤمن البتة بالولاء الطائفي ، لكن التوريث أظهر مدى هشاشة تلك المبادئ أمام واقع الطائفية المزمن ، الذي قال كلمته بنقل السلطة من الأب إلى الابن ، وفعل فعله بتجاوز مواد الدستور ورأي الشعب . ومن المحطات الأخرى التي ظهرت فيها الطائفية السياسية ، أنه وقبل تاريخ العام 2000 مطلع القرن الحادي والعشرين ، العام الذي ورِثَت فيه السلطة طائفياً ، جرى ظهورها بوتيرة أقل حدة وصعوداً ، وذلك في مطلع ثمانيات القرن الماضي إثر استهداف مدرسة المدفعية في حلب التي قام بها النقيب إبراهيم اليوسف ، وراح ضحيتها شبان أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل ، سوى أنهم من أبناء طائفة النظام ، وذلك لأسباب شتى ، كان أبرزها العامل الطائفي في الجيش ، فكانت هذه العملية رداً طائفياً مدوياً ، تطور لاحقاً إلى مواجهات دامية في أحياء حماة وشوارع حلب ، بين رجالات النظام دون طائفته ، وبين الإخوان المسلمين دون المجتمع ، إلا أن الضحايا الذين قضوا في تلك المواجهات كانوا بالآلاف وقد دفعوا حياتهم ثمناً للاحتقان الطائفي . أما العوامل التي أفسحت المجال أمام الطائفية السياسية ، فيمكن تلخيصها بعاملين اثنين ، العامل الأول ، تمثل بفشل مشروع الوحدة العربية بين سوريا ومصر ، بفعل الأخطاء الجسيمة التي أحدثها نظام الوحدة في كل مناحي الحياة السياسية على صعيد إلغاء الأحزاب ، أو الحياة الاقتصادية على صعيد التأميم الاشتراكي لكل مرافق الدولة ومؤسساتها ، الأمر الذي أحدث فراغاً عميقاً ترك الدولة السورية مكشوفة الظهر بلا سند ديمقراطي أو مؤسساتي كان معمولاً به قبيل الوحدة ، ومن ذلك الفراغ العميق ، تسلل العسكر بواجهة البعث ، كما تسللت الطائفية السياسية بواجهة الاثنين ( الجيش والبعث ) . العامل الثاني ، تمثل في هزيمة العرب ( سوريا ، مصر ، الأردن ) في حرب الأيام الستة أمام إسرائيل عام 1967 ، وقد جرى توزيع مسئولية الهزيمة ، وفقاً لاعتبارات سياسية مغلفة بأخرى طائفية ، مع العلم أن الذي كان مسئولاً عن قيادة الجيش السوري آنذاك وزير الدفاع حافظ الأسد ، الذي برأ ساحته من حمل وزر الهزيمة، واستغل حالة الذهول والشلل التي أصابت الشارع السوري ، من خلال تحميل أوزارها لرفاقه البعثيين من الطوائف الأخرى ، مثلما جرى ليوسف زعين رئيس الوزراء في حينه . وبطبيعة الحال ، لم يكن ظهور الطائفية السياسية مقروناً بظرف سياسي معين شهدته سوريا وعاشته إحدى الطوائف دون غيرها ، بل كان منسلاً من رحم الطائفية المذهبية ، فالحس المذهبي الدفين في نفوس الأجداد ( أصحاب الوثيقة ) جرى غرسه في نفوس الأبناء والأحفاد ، ولا تنبع الخطورة هنا من الطائفية المذهبية وحدها ، كونها المحرك ( الدينمو ) لشحن العقول وشحذ النفوس بحقيقة كيانها الطائفي ، بل أن منبع الخطورة في الدرجة الأولى ، يكمن في تطييف مؤسسات الدولة ، وشخصنتها باسم العلمانية ، كما حصل مع مؤسسة الجيش ( سرايا الدفاع سابقاً ، الحرس الجمهوري لاحقاً ) ومع أجهزة الأمن ( المخابرات العامة والعسكرية والجوية ، أمن الدولة ، الأمن السياسي والعسكري ) ولم يكن "البعث" إلا غطاء لستر ظاهر تلك الطائفية . والسؤال الذي يتردد صداه في ثنايا العقل، أيهما أشد خطراً وتفتيتاً لهياكل الدولة والمجتمع، الطائفية السياسية أم المذهبية ؟. الجواب عن ذلك السؤال ، يحتمل أكثر من صيغة ، فالصيغة الأولى ، أن الطائفية المذهبية ظاهرة دائمة ، وحقيقة واقعة في كل المجتمعات ، وبالتالي لا خطر منها وعليها ، إذا ما انطوت في إطار المؤسسات وتحت كنف الدولة . الصيغة الثانية، أن لا سبيل لمواجهة الطائفية السياسية التي تعيشا سورية اليوم، إلا بإعادة تفكيك هياكل الدولة والمجتمع من جديد، وذلك يستدعي التغيير السياسي، لإعادة التوازن السياسي ( أقلية - أغلبية ) وليس التوازن المذهبي بين مؤسسات الدولة. إن ما تعيشه سوريا ، مرحلة متطورة من الطائفية السياسية ، فالناظر إلى مؤسسات الدولة ، لا يخطئ وجودها ، بل سيجدها موزعة على أساس طائفي ومناطقي ، حتى داخل صفوف " البعث" الذي تحكم الطائفة باسمه ، فالأغلبية السياسية التي ضمنتها من الطوائف الأخرى منذ انقلاب 23 فبراير/ شباط 1966، لا تعدو كونها مبايعة بأرخص الأثمان ، طمعاً بجزء يسير من كعكة السلطة . وما عزز حضور الطائفية السياسية ، اقتراب النظام من إيران والتحالف معها ، لأسباب ظاهرها سياسية - اقتصادية ، بداعي الدفاع عن فلسطين ودعم " المقاومة " وباطنها طائفي - مذهبي جرى العمل عليه منذ وصول رجل الدين الإيراني علي الخميني للسلطة في طهران عام 1979 ، وظهر جلياً في وقوف الأسد الأب إلى جانب إيران ودعمها في حربها ضد العراق طيلة ثمانية أعوام . كما تعزز حضورها ( الطائفية السياسية) أكثر من ذي قبل مع اعتلاء الأسد الابن سدة الحكم ، الذي تزامن مع تطورات إقليمية كبرى ، أبرزها الحرب الأميركية على العراق عام 2003 ، وسقوط نظام صدام حسين ، ما أعطى زخماً سياسياً متزايداً لجارته اللدودة إيران ، كي تبسط نفوذها الإقليمي في المنطقة وتنفيذ مشروعها المذهبي ( التشيع السياسي ) بغطاء سياسي عنوانه الدفاع عن المقدسات ، انطلاقاً من سوريا التي باتت ساحة مفتوحة أمام كل الاحتمالات .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطييف السياسة والإعلام في سورية
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
المزيد.....
-
جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك
...
-
احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي
...
-
هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام
...
-
الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست
...
-
استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ
...
-
-رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب
...
-
بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
-
روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
-
رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
-
هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟
المزيد.....
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
-
بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول
/ محمد شيخ أحمد
المزيد.....
|