|
الطائفية السورية كتاريخ سياسي لا مذهبي
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 12:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا ينظر إلى واقع الطائفية في سوريا على أنه واقع مستحدث بفعل ظروف سياسية وأخرى اجتماعية مستجدة، بل هو واقع تاريخي ممتد إلى مراحل مغرقة في القدم، لكنه في المقام الأول تاريخ سياسي، قبل أن يكون تاريخاً مذهبياً. وما يدلل على كون الطائفية في سوريا ، واقع سياسي وتاريخي ، علاقة الطوائف ببعضها ، منذ لحظة تكوين السلطة قديماً وحديثاً ، ولو أنها ( الطائفية) لم تكن في أبهى حللها وأسمى تعابيرها السياسية ، عندما تشكلت السلطة لأول مرة في التاريخ السوري المعاصر ، بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، والإعلان عن ولادة الدولة الوطنية الأولى عام 1918 بزعامة الأمير فيصل بن الحسين . وإذا ما جرى تقصي الأسباب حينها ، فإن الأمر لا يعود إلى غياب الظاهرة الحزبية ، كظاهرة معبرة عن بعض الانتماءات الطائفية ، ولا إلى رجحان كفة السلطة إلى مكون طائفي بعينه ، خصوصاً وأن التشكيل الأول للسلطة والدولة ، جاء إثر مشروع وطني كبير ( الثورة العربية ) شاركت فيه مختلف فئات الشعب ومن مختلف الطوائف . غير أن الظهور العلني لتلك العلاقة البينية العميقة بين الطوائف ، تحقق بوضوح أكثر ، بعد أن قطعت الدولة السورية خلال نصف قرن ، أشواطاً بعيدة في التأسيس لواقع الحزبية السياسية ، وعلاقة الأخيرة بالمجتمع والأفراد ، كدائرة من دوائر الانتماء السياسي الصرف ، أو الانتماء المذهبي ( جماعة الإخوان المسلمين ) أو الانتماء العقائدي ( حزب البعث - الشيوعي ) وقد استكملت لاحقاً بالانتماء الطائفي المتستر بالحزبية . ولطالما كان حزب البعث ، من أكبر الظواهر الحزبية وأوسعها انتشاراً على مستوى سوريا خلال نصف قرن ، فالملاحظ أن الانتماء الطائفي لم يرتكز على الانتماء العقائدي وحده ، فقد ارتكز كذلك على الانتماءات الأخرى ، واستطاع اختراقها بعناوين شتى ، أقواها عنوان الوطنية والقومية ، لكننا عندما نتحدث عن الطائفية كتاريخ سياسي ، لا نستطيع تجاوز ظاهرة الانتماءات الطائفية الضيقة التي غزت صفوف الدولة السورية تحت غطاء الانتماء العقائدي ، الأكثر انتشاراً وتضاداً مع واقع الطائفية التي نجحت في فرض خياراتها السلطوية ( تأبيد السلطة ) على حساب المشاريع القومية الكبرى ( الوحدة العربية ) التي تعد بمثابة الرافعة التي يتأسس عليها الانتماء العقائدي المُمثل هنا بحزب البعث ، كأكبر مثال وشاهد على ترجيح الكفة لصالح الانتماء الطائفي ، بدليل احتكارية السلطة واختزالها في شخوص الحزب ( المادة الثامنة في الدستور) ذي اللون الطائفي المتجانس مع الألوان الطائفية الأخرى ، حتى وأن تعددت الطوائف التي يتألف منها انتماءهم العقائدي المصبوغ أصلاً بانتمائهم الطائفي ، فالصراع الذي كان قائماً على سبيل المثال لا الحصر ، بين اللواء حافظ الأسد وغريمه التقليدي اللواء صلاح جديد ، لم يكن صراعاً عقائدياً على شكل البعث أو مضمون الحزب ، بقدر ما كان صراعاً شخصياً يخفى وراءه انتماءاً طائفيا مشتركاً لديهما ، لم تشأ له ظروف الاستيلاء على السلطة بالظهور خشية أن تتلبد " الأجواء الوطنية" التي جرى تهيئتها لاستقبال سلطة الأسد على اعتبار أنها تمثل سلطة الأمن والاستقرار ، بعد طول اضطراب ، استدعى ذلك الصراع ، وقبل أن يتفتق على شاكلة صراع طائفي ، استدعى من الأسد الحجر على رفيق دربه صلاح جديد ، وهو ما جرى حتى يوم وفاته في المعتقل عام 1993 . ومما لا يدع مجالاً للشك ، أن الانتماء الطائفي ، يأخذ من كل الانتماءات الأخرى ، ولو أنه في سوريا يأخذ من الانتماء العقائدي أولاً ، من دون أن يعطيها أو يقدم لها سوى صراعاً طائفياً مستتراً تحت عناوين السلطة . فالسلطة في بدايات تشكليها ، كانت أقل تطيفاً ، ليس بسبب عدم وجود الانتماءات العقائدية ، ولا لاختفاء ظاهرة الانتماءات المذهبية ، بل لأن السلطة كانت أقل تمركزاً في يد أكثرية - أقلية بعينها ، ولا في يد طائفة - حزب معين مثلما هو الحال الآن ، وحتى في أيام الانتداب الفرنسي لم تكن ثمة طائفية سياسية في سوريا ، وإن كانت الطائفية حينها لا تتعدى حضورها المذهبي كطوائف تتعايش داخل النسيج الوطني الواحد . من هنا فإن حضور الطائفية كتاريخ سياسي ، لا يلغي حضورها كتاريخ مذهبي ، فإذا ما كان وجهها السياسي من أسوأ الأوجه لا بل أخطرها وأكثرها رفضاً واستهجاناً للحالة السورية ، فإن الوجه المذهبي رغم علاته ومساوئه ، يبقى الخيار الأقل خطراً من ضمن الخيارات الأخرى الأشد خطراً على هياكل الدولة ونسيج المجتمع . إلا أن اللعب على هذا الأخير ، أي على الوجه المذهبي للطائفية ، لم يسلم هو الآخر من العبث ، فعمليات التشيع التي تقوم فيها إيران كدولة إقليمية لها مصالحها المتشعبة في كل أرجاء المحيط ، وبتشجيع من سلطة النظام السوري المتقاطعة معها طائفياً وسياسياً ، لا يبقي شيئاً من التماسك أو التعاضد لذاك النسيج ، الذي من المفروض أن يكون متراصاً رغم انسداد الآفاق السياسية . إن الطائفية كتاريخ سياسي ، لا يتعدى عمرها الزمني ، عمر النظام السوري الراهن ،الذي أسسه حافظ الأسد ، بعد قيامه بحركة 16 تشرين الثاني نوفمبر عام 1970 ، وقبل ذلك التاريخ كان العمل يجري عليها بصمت ، إلى أن جرى تثبيت أركان السلطة على أسس طائفية عنوانها العريض حكم البعث باسم الأمة تارة ، باسم القومية تارة أخرى ، أما وقودها فهو الطائفية والجيش التي امتطى الأسد صهوتها في كل صولاته وجولاته .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار ثائر الناشف مع قناة النيل حول تنظيم القاعدة في اليمن
-
طائفية السلطة أم سلطة الطائفة في سوريا ؟
-
طائفية السلطة ومدنية المجتمع في سوريا
-
مكتسبات الطائفية في سوريا
-
طائفية الطائفة في سوريا
-
سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
-
تطييف السياسة والإعلام في سورية
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
المزيد.....
-
لصوص يقتحمون مركزًا تجاريًا بسيارة دفع رباعي لسرقة خزنة.. شا
...
-
سرقة 50 عملة ذهبية من القرن الثامن عشر اكتُشفت في سفينة غارق
...
-
حصريا على CNN: ميركل تتحدث عن ترامب و-انبهاره- بسلطات بوتين
...
-
الصين تستعد لأضخم مناورة عسكرية مع روسيا قرب تايوان وحديث عن
...
-
المستشار الألماني وزيلينسكي يزوران المستشفى العسكري في كييف
...
-
ميركل تلتقي أوباما في واشنطن لإطلاق مذكراتها بأمريكا
-
روسيا.. انتهاء اختبار 3 أقمار صناعية خاصة بالأرصاد الجوية وا
...
-
البطاطس بين المنشط الجنسي والسلاح البيولوجي الأمريكي!
-
صحيفة: انقطاع كابل الاتصالات بين السويد وفنلندا
-
مصدر سوري: الطيران السوري الروسي يقضي على عشرات الإرهابيين ف
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|