|
انهيار سلطة المثقف وبروز المهمشين !
سلمان ع الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 01:34
المحور:
الصحافة والاعلام
المثقف الحقيقي لا يمكن أن يكون ذلك الشخص الذي يقوم بالتنظير في أبراج عاجية بعيداً عن المجتمع وحركته ، أو الذي يتبع سلطة معينة لا تمثّله ، وهو ليس ذلك الشخص الذي يخشى النقد فيكتب كتابات يخطب بها ود الجمهور العريض دون أن يزلزل البنى الثقافية التي تحتاج لإعادة بناء جديد يقوم على أنقاضها . المثقف الحقيقي يجب أن يكون عضوياً فاعلاً في المجتمع ، يساهم في صنع القرار ، وينتشل المجتمع من حالة الازدرراء والاستسلام والضعف والرجعية ، كما أنه يجب أن يكون متابعاً لحركة المجتمع وما يحري في الساحة مع انفتاحه على مختلف التيارات والاتجاهات والقدرة على احتواء الآخر وتقبّل وجهة نظره ، واحترام الاختلاف الذي هو سنة الحياة ، كما أنه يجب ألا يخضع لسلطة معينة ، بل أن يمثل نفسه ، ولا أقصد بالسلطة ، تلك السلطة السياسية ، ولكني أقصد بها كل سلطة يمكن أن تمارس ضغطاً على الفرد وتجعله يكتب بلسانها ويفكر بعقلها ويتحرك ضمن المسارات التي ترسمها له عبر مؤسساتها . وهي إما أن تكون سلطة سياسية أو مؤسسة دينية أو سلطة اجتماعية . كما يجب أن يكون المثقف الحقيقي قوياً قادراً على مواجهة النقد الهجوميّ الذي يشنه أعداء (الحقيقة ) وأعداء ( النجاح) ، محاولاً بذلك إسكات ذلك الصوت الذي يحاول إسقاطه . وفي وسائل الإعلام المختلفة قد نجد احتواءً لمثقفين زائفين لا تتوفر فيهم صفات المثقف الحقيقي بالإضافة إلى أنهم لا يمتلكون مهارات اللغة ومهارات التواصل الإعلامي وفنيات الحوار بما يكفي ، وبهذا يجمع هؤلاء المثقفون الزائفون قبحاًً على قبح . إنهم قد يلجؤون إلى حصونهم الإعلامية التي تحميهم وتشيد بدورهم المزعوم وبطولاتهم الزائفة كزيف ثقافتهم التي لا يملكون منها إلا الاسم فقط وهي منهم براء كبراءة الذئب من دم يوسف . إنّ الإعلام متمثلاً في الصحف والمجلات الورقية وبقية وسائل الإعلام الأخرى قام باحتكار أولئك المثقفين المزعومين كسلع رخيصة تافهة على الرفوف ، إلا أنه قام بالترويج لهذه السلع بإبراز محاسن مزعومة ليست فيهم ، لكنّها لا تجد قبولاً إلا من حمقى مغفّلين تغرهم المظاهر والكلمات والشعارات البراقة التي هي كسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً . وبفضل الانفتاح الإعلامي والانفجار المعرفيّ بدأتْ الأمور تأخذ مساراً آخر ، إذ تراجعت الصحف الورقية على المستويين العالمي والعربي وتراجعت سلطة المثقف المحتكَر ، وتمّ عقد المؤتمرات وكشف الإحصاءات التي تثبت هذا التراجع وبالتالي أدتْ إلى حدوث أزمة اقتصادية من خلال الاستغناء عن الكتّاب والمحرّرين والمكاتب الإعلامية بالإضافة إلى خفض أجور العاملين المتبقين ، كما أدّى ذلك إلى إغلاق بعض الصحف والمجلات العالمية وتحوّلت بعض الصحف الورقية إلى صحف إليكترونية لتتماشى مع الوضع الراهن الذي بدأ بالانتشار مع استحسان القرّاء له ، بل حاولتْ بعض الصحف الورقية الترويج لنفسها عبر جوائز ومكافآت عند شرائها كي تحصد أرباحاً بدلاً من بقائها في حالة احتضار إلى أن تموت ، وهنالك من يرجم الصحافة الإليكترونية وخصوصاً في عالمنا العربيّ لأنها لا تخضع لسلطة معينة كما أنها تمارس حرية أكبر في مجتمعات تحاول خنق الحريات . وقد اعترف الغرب بتراجع الصحافة الورقية وتراجع دور الصحفي الورقي في عصر المعلومات ، وتوصلوا إلى أنه لا سبيل لمعالجة وضع الصحافة الورقية أمام هذا الانتشار عبر الشبكة العنكبوتية وهم بذلك يقرّون إقراراً واضحاً بأن الصحافة الإليكترونية أثبتت تفوقها ، وقد قال توم جولدستين بجامعة كولومبيا : ( إذا لم تواكب الصحف الإليكترونية الأجواء المتغيرة فإنها ستفنى ) . وفي ظل هذه الأجواء التي أثبتت الصحافة الإليكترونية وجودها ، ظهر المثقف المهمش بعد أن كان صوتاً مخنوقاً ومنفياً في أرضه ، وأبرز وجوده عبر الصحف والمجلات والمنتديات الإليكترونية ، بل قام بعضهم بإنشاء مواقع شخصية لهم يبرزون فيها إنتاجهم ، وهذا يمثّل انقلاباً ثقافياً على أولئك المثقفين الزائفين ، وهو أشبه بالانقلاب العسكري الذي يزلزل أركان سلطة زائفة تحاول فرض سيطرتها بالجبر والخداع والمراوغة ، وما تمتلك من مال وقوة وجبروت . إنّ هذه الثورة الثقافية هي إعلان لحركة المجتمع بفعل الانفتاح والمعرفة وهي ثورة المهمشين في وجه المحتكِرين المستبدين الذين يمثلون سلطة ما ، وهي ثورة أشبه بحركة البروليتاريا في وجه أصحاب رؤوس الأموال . إنها ليست مجرد ثورة تمرد تستجيب لحركة المجتمع بمقدار ما هي بروز ( الحقيقة ) بدلاً من بروز ( الأشخاص ) حيث لم يعد الناس في عصر الانفجار المعرفي همجاً يتبعون أفراداً كالقطعان دون أدنى تمحيص ، فهم يريدون الكفء الذي يعبر عن الحقيقة التي تلامس عقولهم وواقعهم ، ولا يريدون الأشخاص الذين فرضتهم سلطة ما وهم لا يملكون مقوّمات الكفاءة التي تؤهلهم ليكونوا صوتاً مسموعاً يحترمه المجتمع .
* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )
#سلمان_ع_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بسملة الياسمين !!
-
المرأة حبيسة الوأد الاجتماعي !
-
امرأة على ضفاف أحلامي !
-
لا تقولي !!
-
لماذا نخشى النقد ؟!
-
من وحي الغربة !
-
غربة التحديث في مجتمع جامد !
-
صوت يخترق العتمة !
-
يوم في السنة للذكرى فلا تحاربوه !
-
حكم المنفى !
-
أحمر بالخط العريض وإعلامنا العربي !
-
سجين الأشواق !
-
ملاحقة حلم !
-
يوتوبيا التعايش ( نظرة تحليلية في الموقف من الآخر ) !
-
لعلّ الحب يواسيني!!
-
الإبداع وصراع الذات
-
الإبداع وصراع الزمن
-
الإبداع وصراع الثقافة !
-
الإبداع وصراع الغربة !
-
الإبداع وصراع الوجود
المزيد.....
-
ترامب يوجه تحذيرا بشأن عدم إطلاق سراح الرهائن من غزة قبل تنص
...
-
مهرجان كرامبوس: عرض الشياطين الذي يستقطب الأنظار في النمسا
-
حماس تؤكد مقتل 33 رهينة إسرائيلية وتحمل نتنياهو المسؤولية
-
اليمن ـ رصد أكثر من مليون حالة اشتباه بمرض الملاريا
-
تقرير عبري: نتنياهو أول من طرح فكرة تهجيرسكان غزة وينتظر الو
...
-
الصحة اللبنانية: مقتل 9 أشخاص وإصابة آخرين في الغارات الإسرا
...
-
بزشكيان يؤكد خلال اتصال هاتفي مع بوتين على الدعم الإيراني ال
...
-
بعد تصريحاته عن مساعدة المدمنين.. زاخاروفا تدعو هانتر بايدن
...
-
زيلينسكي يجري تعديلات جديدة في قيادة قوات كييف على خلفية فضا
...
-
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يتفقد قواته في جنوب لبنان
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|