أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمان ع الحبيب - الإبداع وصراع الثقافة !














المزيد.....

الإبداع وصراع الثقافة !


سلمان ع الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


المبدع في أي مجال ثقافي يشعر بأنه من الضروري أن يبني قيماً تكفل لمجتمعه أن
يعيش حياة هانئة مطمئنة وأن يؤسس فكراً يضمن للإنسان إنسانيته وحقيقة علاقته
بنفسه والعالم من حوله ، ضارباً بالأفكار السائدة المهترئة التي يتداولها
العامة من الناس دون غربلتها وتمحيصها ليرتقي بهم ويؤسس فيهم حب الحقيقة والخير
والجمال .

فالمبدع الحقيقي يرى أنه مسؤول عن بناء المجتمع ، ولا يحدث مثل هذا البناء إذا
كان صاحبه تابعاً لا يفكّر فيما ينتشر من أفكار ، ومن هنا كان لزاماً عليه أن
يتناول هذه الأفكار ليغربلها ويخرج صفوها وخلاصتها وربما يرفضها ويأتي بما هو
خير منها وأكثر نفعاً . ولا نقصد بذلك المساس بالثوابت الدينية والقيم
الإسلامية لأنها منهج رباني لا يحق لأحد أن يمسّه بتغيير أو تحريف أو إلغاء
ولكنّنا نعني الفكر الإنساني في شتى مجالاته واتجاهاته .
فالأديب – وهو الذي يعنينا هنا – في شعره أو نثره يحاول أن يقف موقف الفاحص
المتأني في قيمه الموروثة وفي أعرافه و عاداته وتقاليده التي درج مجتمعه على
قبولها والاستسلام لها دون أدنى نظر أو تساؤل ، وهنا يبدأ المبدع حالة الصراع
التي تهدف للبناء ليقدّم رؤيته الذاتية التي تعيد بناء مجتمعه وبناء الإنسان في
فرديته وفي مجموعته وبهذا يكون العمل الإبداعي عملية خلق جديد وليس ترفاً
فكرياً يهدف للمتعة الخالصة فالذي ينظر للفن بأنه مجرّد المتعة الذاتية ويجعل
من العمل الإبداعي غاية في ذاته فإنه بذلك يفصل المبدع عن المتلقّي الذي
يستهدفه المبدع ويرى فيه هدفاً حقيقياً لا ينبغي أن يتجاهله بأي حال من الأحوال
.
المبدع هو لسان حاله ولسان حال قومه ولسان حال الإنسان في أي عصر وفي أي مكان ،
وهو الروح التي تبعث الأجساد الميتة لتهبها الحياة ونعمة الوجود بصراعاته
المختلفة .
ولا يمكن لمبدع في أي مجال أن يكون انهزامياً أو سطحياً فآفة الإبداع الفكر
الساذج السطحي الذي لا يمس الأعماق، وآفته الأشد فتكاً الانهزامية فلا بدّ أن
يكون المبدع شجاعاً يتحمّل مسؤولية كلمته ولا يخشى من عواقب قراره من نقد جارح
وحسد معلن ومبطّن فحروفه هي جنوده وأسلحته التي تدافع عنه وهي التي تفرض ذاتها
بذاتها ، وكما يقول الشاعر :
عش دون رأيك في الحياة مجاهدا ً إنّ الـحـــــــياة عـقـــيـدة وجهـــــــادُ
وكثيراً ما نرى مبدعين لم يظهر إنتاجهم للوجود الحقيقي إلا بعد وفاتهم وربّما
أخذته مجتمعات أخرى خارج نطاق دائرته التي يعيش فيها، كما حدث للخيّام صاحب
الرباعيات الذي لم يلتفت إليه قومه ولكنّه وبعد دراسة من ناقد غربي لإنتاجه صار
الاهتمام بشعره من أبناء بلده ومن خارج بلاده وظلّ صوته يشدو بعد وفاته إلى
أيامنا هذه ولا أظنه سيقف إلا بانتهاء الحياة ، وإذا يمّمنا للإبداع القصصي
القديم فإننا نجد قصة ابن سينا ( حي بن يقظان ) الرمزية الفلسفية التي تحمل
معاني صوفية قد أثّرت في الآداب العالمية وترجمت إلى عدة لغات مع أن كثيراً من
العرب والمسلمين لم يقرؤوها ولم يلتفتوا لمعانيها التي تنص على قيمة العقل في
بلوغ الحقائق العليا وقد جعل ابن سينا العقل يحمل رمز ( حي ) لحلول صفة
الديمومة به والبقاء أما لفظة ( يقظان ) فيقصد بها الله تعالى لأنه لا تأخذه
سنة ولا نوم فالعقل يسير في رحلة طويلة يسائل نفسه دون الاعتماد على حواسه
وخياله ليأمن من الوقوع في الخطأ والباطل ، وقد ترجم هذه القصة تلميذه ابن عزر
إلى العبرية وبعد قرن ونصف أخذ الفيلسوف العربي ( ابن طفيل ) فكرة قصة حي ابن
يقظان بطابعها الفلسفي الرمزي والصوفي داعياً إلى فكرة الإشراق الروحي بالتأمل
، ثم جاء بعده ( السهروردي ) ليؤلف قصته ( الغريبة الغربية ) متأثراً فيها بحي
بن يقظان لابن طفيل ، كما تأثر عبد الرحمن جامي بابن سينا وابن طفيل بقصة شعرية
تحمل هذا العنوان ( سلامان وأبسال) مستفيداً من النظرة الفلسفية الصوفية عندهما
، وقد عدّ النقّاد في أوروبا قصة ( حي بن يقظان ) أفضل قصة في العصور الوسطى
وقد ترجمت في الآداب الأوربية إلى العبرية ثم إلى اللاتينية بعنوان ( الفيلسوف
المعلّم نفسه ) على يد ( بوكوك ) ومن اللاتينية ترجمت إلى الإنجليزية على يد (
جورج كيث ) من جماعة ( الكويكر ) لتكون مرجعاً في شعائرهم أما من حيث التأثر
الأدبي خارج نطاق الترجمة فقد تأثّر الكاتب الإسباني ( بلتاسار جراثيان ) في
قصته ( النقّادة ) بتلك القصة .
وهذا التأثر الغربي لم يكن محصوراً في المجال الأدبي فقد تأثر فلاسفة أوروبا في
القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بهذه القصة ففي القرن الثامن عشر كان الاعتقاد
عند الأوربيين بأن الفطرة الإنسانية بإمكانها الوصول إلى الفضائل والأسس
السامية في الشرائع الإنسانية ، و في القرن التاسع عشر تأثر الرمانتيكيون بقصة
ابن طفيل في دعوتهم لتجاوز العقل لحدود الشريعة مع أن أخذهم هذا فيه تحوير
لمفهوم قصة ابن طفيل إلا أنه يتفق في جوهره مع توجههم ( 1).
وأخيراً فصرخة المبدع وصوته يتجاوز الآفاق إذا حمل صاحبه روح الشجاعة والإقدام
في سبيل بناء القيم الثقافية التي تهزم الثقافة السائدة أو تحورها أو تعدّلها
ليستقيم أمر الإنسان في عين المبدع وروحه .



#سلمان_ع_الحبيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع وصراع الغربة !
- الإبداع وصراع الوجود
- أنشدنا شعراً !!
- تذكير المؤنث (دراسة نقدية في الخطاب الشعري )
- زفرات في حرم الهوى
- رحلة نحو الشمس - دراسة نقدية تفكيكية
- وللشوق ابتهال
- الحداثة وما بعدها في ميزان النقد
- ساعة بقرب الحبيب أو (دروس في الحب )
- النص بين سلطة الثقافة وسلطة القارئ
- الكبت قنبلة موقوتة !
- حين ينثر الرماد


المزيد.....




- فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا ...
- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...
- مهرجان الأردن لأفلام الأطفال.. غزة وحكايا النزوح والصمود في ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمان ع الحبيب - الإبداع وصراع الثقافة !