امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 00:26
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رغم حصول المالكي لوحدهِ على أكثر من 40% من مجموع أصوات المصوتين في العاصمة بغداد ، فان الطريق الى منصب رئيس الوزراء ليس مفروشاً بالورود أمامه . بل ان العراقيل والعقبات عديدة والإعتراضات على التجديد له لا تقتصر على قائمة علاوي او الكيانات السنية إذا جاز التعبير ولكن أطراف شيعية مهمة من أكثر المتحمسين ضده . فالتيار الصدري ومنذ البداية أكد من خلال قياداته انه يرفض التجديد للمالكي مُصّوِراً أمر تحجيم " جيش المهدي " في 2007 وكأنه جريمة إقترفها المالكي بحق هذا الجيش المُسالم والوديع ! ، وكأن المالكي شخصياً وحزب الدعوة فقط هم الذين وقفوا بوجه الميليشيات والعصابات المُسلحة التي كانت تعيث فساداً في البصرة والعمارة ومدينة الثورة في بغداد وغيرها من المدن ! ، طبعاً كان للمالكي دور بإعتباره رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة ، ولكنه او حزبه لم يكن يستطيع فعل الكثير لولا مُساندة كل الاطراف له من الشيعة والسنة والكرد ودعم الامريكان . ولكن المالكي وبالإستفادة من تقولات التيار الصدري ، جّيرَ كل العملية لمصلحة حزب الدعوة ومصلحته شخصياً ، وحصدَ نتائج هذا التجيير سريعاً في انتخابات مجالس المحافظات وبدتْ عليه بعض ملامح الغرور .. غرور السلطة والمَيل الى الإنفراد والتشبث بالكرسي وبوادر خطرة للإصابة بمرض الدكتاتورية ! . تيار الجعفري ورغم جهود المصالحة بينه وبين المالكي في الفترة الاخيرة ولقاءهما الذي ذّكرنا بلقاءات " تبويس اللحى " في لبنان ، فانه لم يُثمر عن نتائج إيجابية مهمة ، فلا زال الجعفري تحت تأثير " عزلهِ " ليس من منصب رئيس الوزراء فقط بل من زعامة حزب الدعوة الاسلامية ايضاً لصالح غريمهِ العتيد المالكي الذي يعتقد الجعفري انه إستولى على " الصاية والصرماية " كما يقول البغداديون ! ويتصور الجعفري انه الأحق والأجدى بهذا المنصب اليوم . حتى شُركاء حزب الدعوة السابقون في إئتلاف 2005 اي المجلس الاعلى الاسلامي وممثليهم الرئيسيين عمار الحكيم وعادل عبد المهدي وبيان جبر ، لايحبذون التجديد للمالكي ويحسبون ان من حقهم هذه المرة ان يكون المنصب من نصيبهم ! ، نستطيع القول انه ما عدا حزب الدعوة نفسه فان المالكي لا يلقى ترحيباً في الساحة الشيعية .
اما الكرد ، ومع محاولات رأب الصدع في العلاقات بينهم وبين المالكي والتي جرتْ على عدة مستويات ، فان الهواجس الكردية ما زالتْ قائمة تجاه مواقف المالكي بالنسبة الى الكثير من النقاط الجوهرية مثل المادة 140 وقانون النفط والغاز والمناطق المتنازع عليها ووضع البيشمركة وغيرها من الامور التي ليس فقط لم يستطع المالكي إنجازها خلال السنوات الاربع الماضية بل انه وضع العراقيل في عدة مناسبات في طريقها وشّجعَ أطرافاً اخرى على التمادي ضد المطالب الكردية . ان " البراغماتية " الواضحة التي ينتهجها الكرد في تعاملهم مع الفائزين في الانتخابات لا تُرّجح كفة التحمس للتحالف مع المالكي ، خصوصاً إذا كانت " عروض " الآخرين أكثر إغراءاً في إتجاه تحقيق مطالب الكرد المشروعة حسب وجهة نظرهم .
هذا من ناحية مواقف الكيانات السياسية من المالكي ، اما في جانب الجماهير او الشعب بصورةٍ عامة ، فان اكثر المآخذ على المالكي ، والتي أعتقد انها لا تمسهُ شخصياً ، ولكنها تتعلق بالطاقم الذي يعمل تحت اُمرتهِ من وزراء ومستشارين وموظفين كِبار ، وخصوصاً المشبوهين والمُتهَمين بقضايا فساد مالي واداري وإهمال وتقاعس أدتْ كلها الى مشاكل وعقبات كبيرة شّوهتْ العملية السياسية برمتها ، نتيجة دفاع المالكي عن هؤلاء بصورةٍ مباشرة وغير مباشرة وحمايتهم من المسائلة الحقيقية ، وما إفلات وزير التجارة " السوداني " من العقاب ووزراء الكهرباء والتربية والنفط وقائد عمليات بغداد وكبار الضباط ، إلا أمثلة على الفساد المتعدد الأوجه المُستشري في الطاقم الذي يعمل بمعية المالكي والذي يتحمل هو ايضاً مسؤولية اخطائهم وخطاياهم . هذا إضافةً الى إستغلاله الواسع لموقعهِ الحكومي في الترويج لنفسهِ وحزبهِ وعدم توانيهِ عن إستخدام الامكانيات الواسعة المُتاحة لإنجاح حملتهِ الانتخابية والحصول على اعلى الاصوات . كان نوري المالكي يعتقد جازماً ان إئتلاف دولة القانون سيحصل على مقاعد أكثر كثيراً من مقاعد القائمة العراقية او الإئتلاف الوطني العراقي ، بحيث انه رّكز في حملتهِ على تشكيل " حكومة قوية تعتمد على الإستحقاق الانتخابي وليس التوافق الوطني او المحاصصة " على إعتبار انه لن يكون بحاجة الى عقد صفقات او تنازلات مهمة الى هذا الطرف او ذاك . بينما جاءت النتائج مُخيبة لآمال دولة القانون بصورةٍ دراماتيكية . والحقُ يُقال ان أغلبية المُراقبين كانوا يتوقعون ان تحوز قائمة دولة القانون على قرابة المئة مقعد وكل من العراقية والإئتلاف الوطني على حوالي الخمسين مقعداً وتتوزع المقاعد الباقية على الكيانات الاخرى ، لكن تبين ان حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر ، وبغض النظر عن حجم التزوير والتجاوزات التي حصلت أثناء الانتخابات وبعدها فان الأرقام أفرزتْ واقعاً جديداً ، أرغمَ الجميع على التعامل وفقَ منظورٍ جديد مع هذهِ المُعطيات . فأولاً تغيرتْ لهجة " العراقية " مِنْ مُشككة ومُهددة الى قانعة وباحثة عن حلفاء لتشكيل الحكومة فور إعلان النتائج ، ولكني أعتقد ورغم تصريحات بعض قادة "العراقية" هنا وهناك حول " خيبة أملهم " وانهم كانوا يتوقعون نتائج أفضل وأرقاماً أعلى ، فان أشّدهم تفاؤلاً لم يكن ينتظر أكثر من سبعين مقعداً ، نعم انهم فوجئوا بحصولهم على "91" مقعداً ! . في نفس الوقت بدأتْ أصوات قادة إئتلاف دولة القانون تتعالى مُطالبة بإعادة العد و الفرز والتأكيد على حصول تزوير واسع ، وتدريجياً تخلى المالكي عن خطابه الرئيسي حول " الاستحقاق الانتخابي " ونزل الى مستوى " حكومة التوافق الوطني " التي تُشابه الحكومة السابقة الى حدٍ ما . إذ حتى لو أظهرتْ نتائج العد والفرز اليدوي تفوق المالكي بمقعد او مقعدين على علاوي ، فان ذلك لن يُغّير المعادلات الحالية .
أعتقد ان الاطراف الاقليمية الفاعلة مثل ايران والسعودية وتركيا وسوريا ، إستنفذتْ معظم جهودها ونشاطها في التأثير المباشر على مختلف أطراف العملية السياسية العراقية والآليات التي ستتشكل بها الحكومة القادمة ، ومن المُلاحظ بان التركيز كان على هذه الدول في الشهرين الماضيين مِنْ قِبَل السياسيين العراقيين ، وليس على الولايات المتحدة الامريكية ، مثل الفترات السابقة حيث كان القادة العراقيين يهرعون الى واشنطن في اي أزمة جدية . أرى اليوم أيضاً ان الجانب الامريكي ينتظر تبلور الاحداث ونضوجها أكثر بحيث تكون الاطراف المحلية مستعدة وجاهزة " للإستماع الى نصائح الاصدقاء الامريكان " ! ، وخلال فترة الإنتظار هذه ، يقوم السفير الامريكي في بغداد بلقاءاته مع كل الاطراف لإستمزاج آراءهم ، وحتى إقتراح مندوب الولايات المتحدة الامريكية السابق في الامم المتحدة " زلماي خليلزاد " بتقاسم السلطة بين علاوي والمالكي ما هو إلا " بالون إختبار " إعتبرهُ البعض غير منطقي وغير مقبول وتدخل سافر ، ولكنه في الحقيقة إقتراحٌ في منتهى الجدية ، وظهرتْ منذ الان بوادر ومساعي التقارب بين إئتلاف دولة القانون وإئتلاف العراقية ، هذا التقارب الذي لن يكون سهلاً بل تكتنفه الكثير من المشاكل والصعوبات التي يستطيع في النهاية حلها الراعي الامريكي للعملية السياسية العراقية .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟