أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(15)















المزيد.....


قفل قلبي(15)


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2936 - 2010 / 3 / 6 - 01:55
المحور: الادب والفن
    


(6)

ـ كيف عالجتيه..!!
ـ ألم يفصح بذلك..
ـ لم أنهي أوراقه بعد،ربما لن يذكر ذلك..
ـ وهل يعني لك ذلك شيئاً..
ـ فقط إنهاء المشهد الأخير لروايتي..
ـ قد أجدني غير راغبة في ذلك..
ـ لكنه مهم جداً..
في تلك اللحظة دخلت أمي،كنّا أنا والدكتورة على مائدة الفطور..قالت:
ـ ماذا أعمل،الحزن ينهشني..
قلت لها:
ـ ولم الحزن يا أمي..
ـ ستفقد مكانتك الاجتماعية..
ـ ومن قال هذا الكلام..
ـ سمعت أنهم سيحيلونك إلى تقاعد إجباري..
ـ وما الضير في ذلك..
ـ لا تقل مثل هذا الكلام..لن أحتمل ذلك يا أبني..
تدخلت الطبيبة..قالت:
ـ أيتها العمّة العزيزة،سيتفرغ للعيادة،العيادة أنفع مادياً،الحياة الوظيفية ستغدو جحيماً بسبب القرارات اليومية..
أجابت وهي غير مقتنعة بما قلنا:
ـ لا أريد أن تفقد حياتك السعيدة..!!
قامت وخرجت والدمع يتلألأ في موقيها..!!
قلت لزوجتي:
ـ يجب أن لا نهدر وقتنا..
ـ وما العمل التالي..
ـ علينا الذهاب إلى العاصمة،لابد أن أصنع لي ساقاً اصطناعية بعجالة..
ـ غداً..سنتوكل على الله..!!
***
في العاصمة،وجدنا عربة أوتوماتيكية،تعمل بأزرار،رغم سعره الباهظ اقتنيناها،وعدنا في المساء،كنت أحجل على عكّاز،وكانت الطبيبة تسندني أحياناً،زرنا أهلها،لم تكن أمها في المنزل،كانت في رحلة إلى (الموصل)لزيارة شقيقتها بسبب مقتل زوجها في المعركة الأخيرة،التقينا بأخواتها الثلاث،وأخويها،تناولنا طعامنا في مطعم في شارع(السعدون)،وعند الأصيل عدنا،عند الساعة الثامنة مساء كنا في البيت،وجدت أمي تمسح دموعها ما أن رأت العربة..قالت:
ـ لدي طلب عندكما..
أجابت الزوجة:
ـ سنلبي طلباتك أيتها الغالية..
قالت ودمعها ينسكب:
ـ أنا سأدفع العربة..
قلت لها:
ـ في البيت فقط..
بكت،وبكينا معها،امتزجت دموعنا،وبدأنا نمسحها من أعيننا..قلت:
ـ سنعيش عمرنا دموعاً..
قالت الزوجة:
ـ لا يجب أن نترك الحياة،علينا أن نتكيف للوضع الراهن..
قلت لهما:
ـ الدمع يحزنني،أريد أن ننسى هذا الأمر..
تقدمت مني أمي..قالت:
ـ أريد أن أطفأ آخر رغبة لدي..
قلت:
ـ وما هي رغبتك يا أمي..
ـ أجلس في العربة ودعني أن أدفعك داخل المنزل..
قالت زوجتي:
ـ دعها تفرح برغبتها..
فتحنا العربة،جلست في المقعد الجلدي،تقدمت أمي وراحت تقودني،في عينيها دموع غير طبيعية،لا أعرف أهي ما زالت دموع الحزن الذي عصف بروحها جرّاء بتر ساقي،أم دموع ولدت للحظة الآنية،راحت تدور بي الغرف والصالة،والزوجة تمشي معها،كأننا فوق(كورنيش)في أصيل سعيد،بدأت أمي تتحدث مع زوجتي:
ـ هكذا كنت أدفع العربة يوم كان صغيراً..
ـ ياه..أنت قويّة الذاكرة يا عمّة..
ـ كنت أدفع العربة وكان المرحوم يمشي معي..
ـ يا لكما من زوجين سعيدين..
ـ كانت روحه مرحة،في كل جملة يحشر كلمة غزلية،يحقنها في أذني..
ـ لعنهم الله أنهم يقتلون كل ما هو جميل..
ـ ليته الآن معنا،لفرح بكما أيما فرح..
ـ حسنا..ًغداً سنخرج وأنت تقومين بدفع العربة..
ـ ليت الغد يأتي الآن..
تدخلت في الحديث معهما:
ـ يا أمي غداً سأجعلك تتعبين من الدفع..!!
***
هذا الغد،ربما هو وهم،ربما الغد قرار رملي يصدر من وعاء الخيال،هذا الغد الذي جاء ومضى،من غير أن يحصل الذي تمنيناه،جولة سياحية،كي تفرح أمي وهي تستعيد لحظة قديمة،في تلك الليلة،عند منتصفه،أنهضتني زوجتي،وجدت نفسي في حالة إرهاق شديد..قالت:
ـ يا زوجي..عمّتي تعاني من إغماء مفاجئ..
لم تنفعها الإسعافات ولا المهدئات المنزلية،في الصباح تم نقلها إلى غرفة الطوارئ،بعد يومين توقف قلبها بسكتة دماغية مفاجأة،وخيم حزن تاريخي علينا..!!
***
ـ جاء كتابك..
ـ أبهذه السرعة..
ـ كلفت سائقك بذلك..
ـ حسناً فعلت،لا يجب أن نغرق أنفسنا في بحر اليأس،غداً سأفتح عيادتي..
ـ فكّرت أن نشتري مركبة أوتوماتيكية العصا..
ـ سمعت أن الدولة جلبت مركبات للمعاقين..
ـ أرجو أن لا ينسوك،أصبحوا بالملايين..
ـ علي أن أبعث بالمستمسكات المطلوبة كي يتم تسجيلي ضمن القوائم..
كنّا في حديقة المنزل،متقابلين،وجدتها مرهقة،في عينيها تعب كبير..قلت:
ـ لست على ما يرام يا زوجتي..
ـ قالت ربما سنفرح عن قريب..
ـ وما هو الفرح القادم..
ـ بطني بدأت تلح..
ـ آ..ها..يا له من فرح سينسف حزننا..
ـ أنها فرصة كبيرة،للتفرغ التام لشؤوننا الخاصة،سأقدم إجازة مرضية طويلة..!!
***
في الليل تناولنا عشاءنا،وصعدنا إلى غرفتنا العلوية،عانيت قليلاً وأنا أتعكز تارة وتارة تسعفني،سهرنا لبعض الوقت،وجدت نفسي تتوق لقراءة أوراق الولد الشقي،بعد مرور شهرين من وفاة أمي، سحبت مظروف الأوراق..قالت:
ـ أما زال يشغلك..!!
ـ قطعت شوطاً كبيراً معه،أريد أن أعرف تفاصيل حياته،كونه الجواب الذي ولد من سؤالي..
ـ حين تنهيها أريد أن أقرأها..!!
ـ آه..تذكرت النقطة التي ظلّت تشغلني..
ـ أرجو أن تتذكرها..
ـ عندك مفتاحها..
ـ عندي..
ـ كيف عالجتيه..
ـ وهل يتوجب أن تعرف..
ـ لابد أن أعرف مفتاح قضيتنا..
ـ ألم يذكر ذلك..
ـ ما زلت أبحث عن ذلك..
ـ يا زوجي الساعة بدأت تدنو من منتصف الليل،دعني أنام وأكمل أوراقك ربما ستجد ذلك..!!
ـ وإن لم أجد ذلك..
ـ عند ذاك لا يجب أن تسأل..
ـ وهل تخفين عنّي علاجك الساحر..!!
ـ علاج طبيعي،صدقني،لم أتجاوز حدود التجربة والتجريب،فقط ذاكرتي عملت ووجدت الفكرة ممكنة تطبيقها،هي بالحقيقة ليست من عندي،فكرة سمعتها من صديقة لي أيّام الكلية،لقد سمعتها هي بدورها من نساء زميلات أمها..
ـ ولم تخفينه إن كان علاجاً حداثياً،ربما ستنالين عليه براءة اختراع..
ـ لا..أنه خارج المألوف..لا يجب كشف المستور في زمن ظالم في بلاد ظالمة،يا زوجي العزيز..!!
***
رنت الساعة،رنين غاية في الصفاء،رنين سبق ميعاده،رن في تمام العاشرة والنصف،وجدت الأميال تتعثر،ليل مقمر،رغم حرارته،نامت الطبيبة باكراً،ورحت أسحب أوراق الولد الشقي من المظروف الورقي،حزمة واحدة فقط،رغبت أن أهتدي لكل ما توالد في ذهني من أسئلة حيوية لتقرير المصير،تركت ما قرأت جانباً،وبدأت أندمج..!!
***

الورقة الحادية والعشرون

على حافة اليأس،داخل جحيم الوقت،أتكور،مثل عذراء داخل شرنقة،عذراء سأمت عزلتها وراحت تنتفض وتمزق ما حولها،تريد أجواء تليق بها،أجواء تنجيها من التمزق البطيء لا ليلي ليل،ولا نهاري نهار،فقدت صلتي بالعالم،لأيّام أنت أشرفت على مكشوفات أوراقها،قبل أن تأتي الرحمة،مثل شيء كبير خيالي وكوني وسرمدي،ومض وميضاً شافياً وذاب،أمطرني بالراحة الخالدة،آه..أيها الطبيب العزيز،لابد أنها سردت لك ما جرى،كيف قامت بتحريري من ثمرة الآثام القصوى،كانت الرحمة التي جاءت في أوانها،لابد أنك الآن غاضب أو راضي بما فعلت،لكن متطلبات مهنتها أجبرتها أن تخرج من مألوف عادتها،قل أيها الطبيب،هل حقاً لا يوجد حياء في الطب،لا أريد إجابة،أنها لا تنفعني،قدر تعلق القضية بكيفية العلاج الساحر الذي تم في لحظة سامية، ليس بوسعي أن أتفوه بسر أقسمنا أن نكتمه ولو تطلب التضحية بأرواحنا،لقد تركت جلد الجحيم وصرت كائناً خرج في التو من مياه التطهر الكنائسي،بدأت أشعر أن ما جرى لي أو ما عشت مجرد كابوس طويل الأمد،رافقني في حلّي وترحالي،لم أنفك منه إلاّ على يد الطبيبة التي صارت زوجتك،وأعتقد جازماً أنني تسببت في زواجكما،هذا ما صرّحت به(الأم)لي..قالت:
ـ الطبيبة مهتمة بالطبيب أكثر مما تهتم بمرضاها..!!
قلت لها:
ـ الأطباء يعيشون عالماً مادياً منغلقاً،لم تعد مهنتهم مهنة إنسانية،قدر كونهم طفيليات تعتاش على جراحات الناس..
ـ ويحك،إذا ما سمعوك،سيرمونك إلى الجحيم..
ـ لا..لن يفعلوا مع ناس تملك أموال..
عرفت أنكما بدأتما حياتكما الخاصة،لكن المصيبة بدأت مع تخلصي من أدران الماضي العقيم،لم أعد أسمع رنين الساعة،لم أعد أرغب بالحياة،وجدت كياني يتوق للكسل والخمول،أفقد شهيتي للأشياء الجميلة..!!
***
على سرير حديدي،مقيداً،في غرفة ربما هي خارج العالم،كنت أصرخ،كنت أستغيث،وحدي بلا ثيابي،فجأة ظهرت(هي)من بين العتمة،من بين أخدود إهليلجي،وجدت الجسد يطوف،وجدت(هي)تتعرى على أنغام موسيقى،من بين العتمة خرجت(الحفّافة)،تعرت واندمجت،من بين العتمة خرجت تلك التي قالوا لي أنها ابنة عمك،تعرت واندمجت،خرجت الصبية الصغيرة التي كانت أمها تلقيها إلى سلة الزمن كي تجلب لها النقود،تعرت وراحت تندمج،جاءت(الأم)التي تبين لي فيما بعد(أم)وهمية،لعبة غبية لعبوها معي،تعرت هي الأخرى وراحت تشكل نهاية القوس العاري،موسيقى تنهض أغواري،وأنا بالطبع أيها الطبيب مقيد اليدين،مقيد القدمين،عارياً ممدداً على سرير كاد أن يطير بي من جراء صراخي،يتواصل رقص الأجساد العارية،أجساد شهية تتقدم نحوي،وحين ألتمس طراواتها،أنحت عيني في الفتحات اللحمية الصارخة،يبدأن بالتراجع..أصرخ:
ـ تعالوا لي،تعالوا لأحشر عذاباتي دفعة واحدة فيكن واقتلنني..!!
رقص يستمر،وأنا أطير شيئاً فشيئاً وأتبخر،فقد صلتي بما حولي،هجست أنه كابوس آخر من كوابيس ما بعد فعلتي تلك،ولحظة أفقت،ظللت أسترجع ما رأيت،وجدت اللذة ما تزال تسكن جسدي،رغم وجود ألم قاسي في الكائن المتوحش،عيناي ثقيلتان،خدر في جسدي،جفاف في لساني،ما الذي حصل،رأيت(هي)و(الحفّافة)و الصبية وتلك التي جلبوها لي وتبين أنها ابنة شقيق(الأم)التي ليست أمي،كنّ من حولي يرقصن،أين هن،في تلك اللحظة دخلت ممرضة وحقنتني بمنوم أبدي..!!
***
قالت(الغجرية):
ـ لم فعلت ذلك..
ـ ليس الأمر بيدي..
ـ لم لم تأتي..
ـ كنت جالسا،ووجدت(هي)في أحضاني..
ـ لولا الطبيبة لبتروه لك..
ـ تمنيت ذلك لتخلصت من مصدر الإثم..
ـ ستعود لسابق نشاطك،لن أدعك هذه المرة،سأسحل لك مهرة تنقذك من كوابيسك الهلوساتية..
ـ دعينا من حلمك القديم..
ـ يجب أن ترضخ للأمر الواقع..
ـ سأرضخ حين أكتشف من أنا..
دخلت الطبيبة،مسكت معصمي،وجدتها مشرقة الوجه،في عينيها خجل خالد..قالت:
ـ غداً ستغادر المشفى،عليك أن تبتعد كلياً من الفعل،لوقت ليس بالقليل..
قلت والخجل يعصف بوجهي:
ـ سأنام طويلاً،سوف أعيش خارج العالم،بعيداً عن الناس..
ـ لا أقصد هذا أيها الشقي،عليك أن تشغل نفسك بما يجنبك الهلاك..
قالت(الغجرية):
ـ لن أتركه،سأرافقه كظلّه..
أجابت الطبيبة:
ـ حياته مرهونة بتطبيق التعليمات العلاجية،كدت تفقد حياتك كلياً..
خرجت بعدما دوّنت كلمات على طبلة العلاج..!!
***
ما الذي جرى لي،ما زلت أجهل،كدت أموت من ألم يعصف في أحشائي،كيف تم علاجي،لابد أنك قمت بالفكرة،لكنك تخاف أن تبوح بها،ربما هي من أسرار المهنة،لكن المهم أنا،عدت وبقيت أفكر بالأجساد العارية التي دخلت إلى غرفتي،أجساد ترقص رقصات الشهوة الأزلية،تمارس فن الأغراء الكامل،تدنو مني وتهرب،وأنا أستصرخهن كي أتخلص من الجحيم المتنامي في كائني المشاغب،لم أستطع أن أهيمن كما كنت في أزمنة(هي)على شهوتي،حدث انفجار هائل،ورأيت بأم عيني رشاش الماء ينسكب من أنبوب يلتصق بجسدي،سائل تقيحي أصفر اللون مصحوباً بدم أسود،وغرقت في نوم لحدي،تلك هي المشاهد التي ما تزال تطاردني،فقط لو عرفت ما الذي جرى لكنت مرتاحاً، صرت في تلك الغرفة العلوية،غرفة(هي)،أنحت عيني في الفضاء الضاج بالكواكب،لا رنين يأتي،كل شيء تحجر،العالم نام أو مات،وحدي أذوي في غرفة الآثام الأبدية،تجيء(الغجرية)،تحاول أن تخفف من عناء الكوابيس،وترجعني من براثن الشرود الشائك،تحاول أن تطعمني،تسليني،محترسة من تلك الرغبة الجسدية التي قالت الطبيبة أنها خيط المصير لي،لكنها لا تعلم أن الكائن لا روح فيه،لم يعد ينسجم مع الواقع المفروض من حوله،لم يعد مشاغباً كما كان،خرجت(الغجرية)بعدما تناهى لها صوت(العم)الذي هو الآخر ليس عمّي،بقيت وحيداً،أستدرج حياتي الخالية،لا شيء يمسح غبار العار الذي يغلفه،فقط حالة واحدة،ظلّت تلح وتحضر،بعدما تكشفت لي الأمور،لم تكن(هي)تلك التي نامت بحضني،أسفل الشجرة،(هي)ماتت،كنت مندمجاً مع جسدٍ هائل،ربما تقمص هيئة(هي)،أنت تعرف طبعاً ما الذي حصل،في أشعتي السينية رأيت ما رأيت،من نظراتك التي كنت تمطرني بها،عرفت أنك وددت أن تمزقني،كنت أستحق التمزيق،لكنك لم تفعل،كنت تستعمل حكمة الطب الحديث كي تنقذني،ولكن هل حقاً أنا فعلت تلك الفعلة الشاذة،لابد أنني فعلت ذلك،رغم ضبابية المشهد،تأكدت من ذلك لحظة قالت لي(الغجرية):
ـ ربما سيبترونه..
ـ لم..
ـ داخل المجرى البولي توجد قشّة شعير..!!
***
جسدي أستعاد وزنه الطبيعي،قلبي صار ينفر من العالم،وكانت(الغجرية)تأتيني وتسليني..قالت:
ـ طال شفاءك..
ـ أرجو أن يطول أكثر مما قررت الطبيبة..
ـ وجدنا لك عروسة..
ـ أرجو أن لا تكون ابنة(عم)جاءت من عالم الغيب..
ـ عمّك وجدها لك..
ـ ومن قال أنني سأوافق على رغباتكما..
ـ لابد أن توافق،أنت تحتاج إلى زوجة تلملمك..
ـ وهل لملمتِ(العم)..
ـ لم أنت تنفر منّي،أنا خطيئة لابد منها،أبوك تسبب في تواجدي معك..
ـ لست بعاتب على ما جرى،أنا لا أرغب بالحياة الأسرية الحالية..
ـ لكنك تهرب دائماً إلى عالم النساء..
ـ صدقيني..هن يهربن إلي..
ـ عليك أن تفكر هذه المرة بجدية،لا يجب أن تضيّع نفسك..
ـ سأفكر حين أكتشف من أنا في هذا العالم المخبول..!!
***
بدأت أشعر بشيء ملهم يضيء كياني،وجدت الكتب لا تنفع،لا أعرف كيف قررت أن أحرق كل ما أملك من كتب،كانت الساعة قبل الظهيرة تقريباً،كنت على سطح البيت الكبير،جاءت (الغجرية)تمشي بتثاقل..قالت:
ـ ماذا تعمل..
ـ أحرق كتبي..
ـ خلتك ترتكب حماقة..
ـ ليس أوانه بعد..
ـ أرجو أن تصغي لعقلك..
ـ أصغيت ووجدت الحل الملائم..
ـ وماذا وجدت..
ـ سأهجر الدنيا الكاذبة..!!
تأوهت وشعرت براحة من كلامي،مسكتني من معصمي وأعادتني إلى الغرفة،أجلستني..وقالت:
ـ ليس بوسعي أن أتعب أكثر..
ـ كنتِ شعلة زمانك..
ـ بطني بدأت تتكور..
ـ آه..أنت تحملين أثمي..
ـ لم لا نهرب ونجعله شرعياً..
ـ أهرب..كلكن تطلبن الهروب من أجل عواطفكن..
ـ لا تأخذ كلامي على محمل الجد،كنت أمزح..
ـ المرأة الشهوانية لا تمزح..
ـ كفاك تجريحاً،سيجيء ولابد أنه سيحمل سماتك..
ـ لم لا تتخلصين منه..
ـ رغبت أن أحمل من أبيك،لكن القدر جعل ذلك منك..
ـ يبدو أنني لا أتحسن،طالما بقايا شروري ستمتد..
ـ علينا أن ننسى هذه القضية،يجب أن تفكر بمستقبلك،الفتاة التي وجدها لك(العم)جميلة ومستعدة أن تنسيك كوابيسك..
ـ ربما سأفكر في الأمر،لكن ليس قبل أن أكتشف منابع الضوء القادم في أغواري الرملية..!!
***
بدأت أتجول من جديد في الليالي،هذه المرة أمشي بسحرٍ خاص،أنظر إلى قيمة الأشياء من حولي، أرسم لها هالات ضوئية ساحرة،كل شيء جميل،لم أعد أرى الأشباح تغزوني أو تتقمص بهيئة(هي) ،بدأت أدقق في ملامح النجوم،شعرت أن في السماء مطر كوني يمكنه سحق النيران الأزلية،يأخذني التمعن لوقت طويل،أسترجع حياتي الماضية،ركام خانق،من كان المسؤول عليها،من صنعها،أنا أم(هي)أم(الأم)أم(أبي)أم الزمن،أم القدر،أم الدولة الكافرة،أم كلنا اشتركنا معاً في صياغة قيافة الجهل المتفشي في سواقي الإثم الاجتماعي..!!
***
أيها الطبيب،أشعر أنني بدأت أتشظى،ليس بوسعي أن ألملم الموضوع،سألقي بهذه المهمة عليك،بعدما خرجت من المشفى ولم أعد أراكما،أنت والطبيبة الجميلة،صرت أحيا في زمن جديد،زمن بارد،خالي من الحرائق الشهوانية،وجدت ميولي تميل ناحية صوت ساحر يندلق إلى الفضاء،صوت يبعثه المسجد في كل لحظة،في الليل ينداح صوت يغرد بضوء يريح أعصابي،وجدتني(الغجرية)ذات فجر متكئاً على حافة سياج المنزل..قالت:
ـ ماذا دهاك..
ـ لا شيء..
ـ أتريد أن تحطم أشلائك..
ـ كلا..
ـ كدت أن تهوي يا ولد..
ـ أنا..
ـ لو تأخرت ثواني لكنت محطماً في الحديقة..
ـ لا..أظنني رغبت بما ذهبتِ إليه..
مسكتني وأعادتني إلى غرفتي..قالت:
ـ لم أنت تسهر..
ـ وجدت صوت المسجد يسحرني..
ـ لم لا تذهب إلى المسجد..
ـ هذا ما كان يشغلني وكنت أهيئ نفسي لصراع جديد..!!
***
مستحياً من نفسي،مستحياً من العالم،وجدت نفسي داخل فضاء مضاء،وقفت مع الواقفين،أديت أوّل صلاة لي،وعدت ممتلئاً بانشراح كبير،لم تعد الأرض تسعني،وجدت نفسي في عالم غير واضح الملامح،مضيت أبحث عن جوابه،وجدت الرجل الملتحي واقفاً مع رجلين،هجس أنني قصدته،استأذن منهما وقدم نحوي..قال:
ـ أثلجت صدري حين رأيتك مع المصلين..
ـ أحمل تركة ثقيلة..
ـ حين تستقيم في حياتك،ستجد نفسك خالياً من أوساخ الدنيا..
ـ لكنه تاريخ آثم..
ـ حين تتركه وتستغفر ربّك الرحيم وتسلك سبيل الصلاح ستفلح من التخلص من عبئه..
أخذني إلى غرفته وناولني بعض الكراريس والكتب..قال:
ـ أقرأها كي تبدأ حياتك الأخيرة..!!
***
لابد أنك تريد أن تعرف شيئاً من الفرح الذي وجدته يوم تم استدعائك لحفلة زفافي،في تلك الأيام حدث تغير هائل في مشاعري،لقد فعلت تلك الكراريس فعلتها السحرية وغيّرت عقيدتي في الحياة،وجدت نفسي تمشي في البساتين،أنظر بعشق مغاير إلى الأشجار والطيور،قبل أن أتفاجأ بتلك الفتاة التي كانت تأتيني بالطعام،وكنت دائماً أمطر وجنتيها بالقبلات،كانت واقفة تتأملني،كانت صغيرة وكبرت فجأة..قلت لها:
ـ ماذا تعملين هنا..
ـ كنت أمشي وراءك..
ـ ولم تمشين ورائي..
ـ أمك طلبت منّا أن نراقبك..
ـ تراقبونني..
ـ قالت أخشى أن تعاوده الكوابيس..
ـ حسناً..لا كوابيس بعد اليوم..
وجدتها جميلة،تشبه فتاة ما،من هي،ربما أبحت لحظتها لك بمن تشبه،في تلك اللحظة وجدتها هي السيدة الوحيدة في عالمي المتناثر..قلت لها:
ـ هل توافقين أن أتزوجك..
صمتت ووجدتها تكركر..أضفت:
ـ لم تضحكين..
قالت بخجل واضح:
ـ أنت سيد غني وأنا بنت ناس فلاّحين نعمل لديكم..
ـ قولي لأمك..السيد يريد أن يتزوجني.!!
في تلك اللحظة هربت البنت باتجاه البيت،غابت بين كثافة الأشجار،وبعد لحظات وجدت أمها تتقدم منّي..قالت:
ـ أيها السيد هل تحتاج لعون..
ـ من قال هذا،أنا بحالة حسنة..
ـ أبنتي جاءت تركض،قالت السيد لا سامح الله فقد عقله..
ـ فقدت عقلي..
ـ هي قالت ذلك..
ـ كلا..أنا لم أفقد عقلي،قلت لها أذهبي إلى أمك وقولي لها السيد يريدني زوجة له..
ـ أ..حقاً ما تقول..
ـ نعم أيتها العمّة..!!
هربت هي الأخرى،بعد قليل جاء الرجل العجوز راكضاً..قال:
ـ هل تريد المساعدة..
ـ كلا أنا بحالة جيدة يا(عم)..
ـ زوجتي قالت السيد يشعر بتعب شديد..
ـ كلا..أنا على ما يرام يا عمّي..
ـ دعني أرافقك إلى البيت..
ـ ليس قبل أن أعلمك برغبتي المصيرية..
ـ رغبتك..
ـ نعم..أريد أبنتك زوجة لي..!!
هرب هو الآخر،خلت نفسي في حلم لا ينتهي،مشيت باتجاه البيت الطيني،وجدت الأب والأم والبنت في الباب،يرمقونني باحتراس..قلت لهم:
ـ أنا جاد فيما أقول..
أجابت الأم:
ـ وهل هي رغبتك أم رغبة أمّك وأبيك..
ـ وما دخلهما بحياتي الأخيرة..!!
***
أعلنت رغبتي لـ(الغجرية)..قالت:
ـ ويحك..أتتزوج من صبية وبنت فلاّح..
ـ وما دخل ذلك بالزواج..
ـ الناس تعرف مكانتك..
ـ وما هي مكانتي،ولد من غير أب وأم،صار بضربة أثم في ظل رجل ميسور وصاحب نفوذ..!!
ـ لكننا وجدنا لك فتاة جميلة وبنت(أكابر)..
ـ لا أرغب ما ترغبون،هذه هي من تكون زوجتي..
رضخا لي وحققا لي آخر الأحلام،وكنت حاضراً أيها الطبيب ورايتها من قرب،لكم هي سعيدة كانت وكنت أحاول أن أبدأ حياتي الجديدة،حياة ستطول،هذا ما ظننته يوم عرسي..!!
***
مر أسبوعان ونحن في القصر الكبير،لم يحصل شيء،كنت أحاول أن أسعدها وكانت تنظر إلي بعين مستفهمة..قالت لي أخيراً:
ـ أمي تسأل وتلح كثيراً..
ـ ماذا تريد..
ـ تريد أن تطمأن..
ـ على ماذا..
ـ أنت تعرف ماذا تطلب الأم من بنتها بعد ليلة الزفاف..
ـ قولي لها..سيتم كل شيء بخير،أنا في طور العلاج النهائي..!!
***
راجعت الطبيب المختص،دقق في أوراقي،ظلّ يغسلني بريبة جهنمية..قال:
ـ هل دخلت..
ـ ليس بعد..
ـ ولم لم تدخل..
ـ لم أشعر بشيء يتحرك في..
ـ يجب أن تخضع لدورة علاج..
أنقضت الدورة وتلتها دورات،الصبية بدأت تشعر بشيء مخيف يرتسم في صدرها،وأنا بدأت أشعر أنني فائض عن الحياة،تجرأت ذات ليلة وقلت لها:
ـ أنا لست برجل..
ظلّت فاتحة ثغرها،غير مصدقة ما تسمع..أضفت:
ـ يجب أن تعودي إلى اهلك وأعلمي أمك بذلك..!!
***
وحيداً أتجول،السأم يشتتني والكوابيس تطاردني،لا ليلي ليل ولا نهاري نهار،ما عادت الحياة تمهلني لحظة كي أجد نفسي أو أفهم من أنا،لم صرت ولم أواصل الحياة،أنا الآن في غرفتي،داخل البيت الكبير في البستان،وحيداً،كدت أن أفعل فعلتي لولا ورقتك،وجدتها على الأرض،نحت عيني فيها، دنوت ورفعتها،وجدتك تستحق الإجابات الكاملة،قلت أتفرغ لعالمي القديم،وجدت ذلك من المستحيل،لقد تركت القراءة بعدما أحرقت كتبي،حزمة أوراق نجت من تلك المحرقة،وجدتها مصادفة في جيب معطفي الشتوي،لا أعرف لم لم أبادر بحرقها،رميتها جانباُ،وأنها فرصة مثالية كي أشرح لك تاريخي المتطرف مثلما شرحته للرجل المعمم صاحب اللحية الطويلة،ها أنذا أنهيت الجمل الأخيرة، ليس بي رغبة مراجعتها،أعتقد فيها الكثير من الإجابات التي تبحث عنها،سأضعها في مظروف وأتركها لك،وحدي أمام ظلام كبير،وحفنة أوراق مبعثرة،بيدي مسدس العم،أخذته منه..قلت له:
ـ أشعر بالخوف في الليل..
قال:
ـ خذ هذا المسدس،دعه تحت رأسك حين تنام..!!
يا له من خير منقذ،ربما علم بكل شيء عني،لابد أنه خبر تلك المصائب الحياتية،لذلك أعطاني مسدساً حديثاً،ربما وهذا ما أقره وأعلن صوابه،أنه لا يجب أن يغدو ضحية مرتين،لابد أنه قرأ كامل تاريخي الرملي،وعرف من أنا،لذلك وجدني كائناً وجوده خطر على العالم،يجب أن يهيأ له المناخ الملائم والمكان المناسب اللذان يستحقهما،تدارست الفكرة من كل الجوانب،وجدت الحياة لم تعد لي كما كانت،لذا قررت بكامل الرغبة واليقين أن أنهي تاريخي المزيّف،ألم ينتحر(همنغواي)ألم ينتحر(مايكوفسكي)ألم ينتحر(يسينين)ألم تنتحر(فرجينا وولف)..لم لا ألحق بهم،وداعاً أيها المعالج..وداعاً أيها الطبيب..وداعاً أيتها الحياة النظيفة..وداعاً..وداعااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا..!!



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفل قلبي(رواية)14
- قفل قلبي(رواية)13
- قفل قلبي(رواية)12
- قفل قلبي(رواية)11
- قفل قلبي(رواية)10
- قفل قلبي(رواية)9
- قفل قلبي(رواية)8
- قفل قلبي(رواية)6
- قفل قلبي(رواية)7
- قفل قلبي(رواية)5
- قفل قلبي(رواية)4
- قفل قلبي (رواية)3
- (قفل قلبي)رواية 2
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(15)