أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - أنا أتألم.. أنا إذن موجود!..















المزيد.....


أنا أتألم.. أنا إذن موجود!..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 21:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وديع العبيدي

أنا أتألم.. أنا إذن موجود!..

"الألم هو انشقاق القشرة التي تغلف ادراككم." –النبي- جبران
"عهد بالأرض إلى يد الشرير، وأعمى عيون قضاتها. إن لم يكن هو الفاعل، إذن من هو؟"- أيوب 9.
"ان شكواي اليوم مرّة، ولكن اليد التي عليّ أثقل من أنيني." – أيوب 23: 1
There s not a drug on earth can make life meaningful. – Sarah Kane
ان العناء هو الثمن الذي ينبغي عليك دفعه لكي تظل قابضا على يقينك، ولذلك فأن مراعاتك الصواب والحق في حياتك، هي أهم من سعادتك، يكفيك أن تتذكر الأسرار التي بحت بها لك، لأن امضي في تنعمك بالطيور والأشجار والنهر، على نحو ما يفعله الآخرون الذين يرون ما تراه. / د. صبري قباني
" ما لجرحٍ بميت ايلامُ".- أبو الطيب المتنبي

*

لو سئل الانسان قبل ولادته إذا كان يريد أن ينولد في هذا العالم، فكم هي نسبة الموافقة؟..
هناك عدة عمليات وجودية أساسية، ليس للكائن الحي أي إرادة أو سلطان فيها، ومن هذه العمليات: الولادة/ التنفس / الموت / استجابات الغرائز الجسدية كالطعام والجنس والنوم.
لو كان لمخلوق (انسان/ حيوان) اليد في أن يولد أو لا يولد، كم كانت الاستجابة ستكون؟..
لو كان لمخلوق (انسان/ حيوان) اليد في أن يتنفس أو لا يتنفس، كم كانت نسبة الاستجابة ستكون؟..
لو كان لمخلوق (انسان/ حيوان) اليد في أن يموت أو لا يموت/ كيف كانت النتيجة ستكون؟..
المشكلة أن الكائن (الحي) يولد ويتنفس ويموت، رغما عنه وعن أنفه، فكيف يفعل؟..
*
عدم اشباع حاجة الغريزة يورث الألم..
الغريزة عمياء، سلطة عمياء، تدفع صاحبها دفعاً لاشباعها، ولا تترك له حيلة أو مفرا.
ما مدى قدرة الكائن على تحمل الجوع أو الامتناع عن الطعام والماء؟.. نسبية، ولكنها ليست مطلقة، وإذا اضطر يأكل التراب والعيدان.
ما مدى قدرة كائن على عدم النوم أو الامتناع عن النوم؟.. في أحسن الأحوال نسبية ولكن ليست مطلقة.
هل ثمة كائن حي يمتنع عن اشباع حاجاته الجنسية؟.. طبعا لا. كيف يفعل من لا يجد وسيلة لذلك؟..
ثمة ثلاثة احتمالات لذلك تتفاوت نسبة الارادة بينها..
- احتمال حصول الاثارة أثناء النوم، ونزول المني بشكل لا إرادي كما عند الصبيان في بداية البلوغ.
- احتمال تراجع الرغبة الجنسية وضمور أنسجة العضو التناسلي والغدد الفارزة للمادة الجنسية عند الامتناع لمدة طويلة عن ممارسة الجنس أو استخدام الاجهزة التناسلية، كما يحدث عند الرهبان وكبار السن.
- استعمال ما يسمى العادة السرية.

تتفاوت المقدرة ومدة الامتناع عن الجنس من كائن لآخر، ومن فرد لآخر، ولكن الامتناع الطويل أو النهائي ليس من غير ألم، وفي حالات معينة من الامتناع تنزل قطرات من الدم مع البول، تزيد أو تقل، وقد تتحول الى نوع من تبول دموي، يقتضي المداخلة الطبية والجراحية.
فحالات الالتهابات والاضطرابات الداخلية وتمزق الانسجة والنزف الداخلي قد تحدث كذلك في حالات الجفاف المعوي والتي تكون نتيجتها الموت. اما الامتناع الطويل عن النوم باستخدام العقاقير والمنشطات، فنهايتها الانهيار العصبي والنفسي والجسدي، مما لا مفر منه.
هذا يعني بالاجمال، أن العمليات الوجودية الرئيسة هي خارج ارادة المخلوق، أما العمليات الوجودية التابعة للوجود والتي تركت مسألة استجابتها للمخلوق، فليس بالامكان الامتناع عن تلبيتها من غير عواقب وآلام.
*
تعريف الألم..
.. هو ضغط (شدّ) خارجي أو داخلي. والألم قد يكون حسّي أو نفسي/ مادي أو معنوي. ولا يقل أحدهما الآخر. تختلف حدة الألم ومعالجته باختلاف السبب والمسبّب. أحيانا يشعر الانسان بألم لا يعرف كنهه، أو يكون سببه خارج إرادته. وقد يكون السبب في نطاق سلطته لكنه لا يسطيع معه شيئا. وقد يكون المسبب خارجيا من عامل خارجي خارج نطاق قدرته. وقد يكون شخص آخر على معرفة به، لا يستطيع مقاومته، أو أنه يستطيع مقاومته لكنه لا يرغب في ذلك. هذه الحالة المزدوجة بين المقدرة على التخلص من الألم، وعدم الرغبة في التخلص تدخل في باب الاعتياد على الألم، أو التكيف معه، أو بلوغ نقطة يتساوي فيها الألم واللذة.
يقول أنصار هذا الاتجاه، أن الألم هو ما يجعل للحياة معنى. الألم يبرر الحياة، لأنه يوحي بالكفاح من أجل البقاء وبالتالي ثمة قضية.
يختلف مفهوم الألم بحسب المنظار المنظور عبره إلى الألم. فهناك ألم فيزياوي أو ألم نفسي. ألم مادي أو معنوي أو روحي. ثمة ألم فكري/ ذهني أو جسدي/ عضوي. ألم مؤقت أو دائمي، ألم نقطوي موضعي أو شامل أو كلي. أما المنظور المتبع في هذا الموضوع فهو الألم الوجودي، المبررات والمخارج الوجودية، الفلسفية والدينية للألم. فالغاية هنا ليست معالجة الألم بالاعتبارات الطبية والنفسية، وانما محاولة فهم الألم، مسوغاته ومبرراته وأسبابه.
*
ألم إرادي وألم غير إرادي..
يمكن تصنيف الألم إلى عدة أصناف: فيزيائي- نفسي – فكري (وجودي).
كما يمكن تصنيفه بحسب السبب والإرادة، لكن ما يهم هنا هو الألم الناجم بسبب وجودنا في الحياة. البعض قد يستسهل الموضوع ويقول: إذا كان هذا يؤلمك ابتعد عنه، تجاهله، تناساه!..
هذا إذا كان الأمر خاضعا للاختيار، أما ما لا يخضع للاختيار، فهو ما تحدث عنه أيوب.
العلاقة الجدلية بين الحياة والألم. وبدقة أشدّ، الولادة والألم. لقد بذل النص التوراتي جهدا كبيراً لتأويل علاقة الحياة بالمعاناة والشقاء وتقريب وصفها من ذهن (فهم) الانسان، وذلك باستخدام قانون (العلة) الأرسطي، قاعدة السبب والنتيجة. ولكن الخروج من دائرة الألم أو (التطهّر) مبدأ اغريقي متعارَف، يبقى إشكاليا. ان كل التفسيرات المقدمة في هذا المجال، نظر للانسان كمخلوق قاصر تابع لأله مطلق الارادة والمعرفة والسلطان، وكل واجباته تنحصر في فكرة الخضوع والطاعة لنوال مرضاة سيده. كما يسعى العبد لاسترضاء سيده (صورة القانون الأرضي- البشري)!. وانطلاقا من هذا القصور، فالانسان لا يدرك سر وجوده، بل لا يحق له ذاك!.
*
ماهية الألم..
هل الألم مخلوق أو مصنوع، مولود أو أزلي؟..
هل الألم مادي أم روحي؟..
المشكلة القائمة هي التعريف، تعددية التعريف واختلاف المرجعيات يستتبع اختلاف النتائج والتأويلات. وحدة التعريف هي المستحيل.
تجمع أساطير الميثولوجيات القديمة على تأسيس قصص الآلهة على الصراع فيما بينها. صراع يلخص اختلاف الرغبات وتعدد الأطماع والغايات. ومن نتائجه تغيرات موازين القوى وتطور قصص الخليقة، ومبررات انتقال الصراع من السماء إلى الأرض مع الآلهة المهزومة. تخذت الفلسفة الاغريقية فكرة الصراع وحولتها إلى قاعدة جدلية تتأسس عليها القواعد الكونية، أو الخليقة الأرضية بمجموعتها الشمسية والجرمية.
فكرة الصراع تطورت إلى فكرة الجدل إلى فكرة التناقض أي وجود قوتين مختلفتين متعاكستين في الجوهر والاتجاه ومتفاوتتين في القوة أو الامكانيات.
استقى الاغريق فكرهم من العقائد والديانات البدائية القديمة، ومن بطانة فكر الاغريق وفلسفاتهم استلهمت الديانات الكتابية (الابراهيمية) أفكارها الأساسية المستندة على جدلية الخير والشر، النور والظلام، السماء والأرض، الروح والمادة، الفردوس والجحيم، الحق والباطل، الباب الضيق والباب الواسع، الطريق المستقيم والطريق المعوج، الحياة والموت، الانثى والذكر، اللذة والألم، الثواب والعقاب.
يختلف الفكر الديني عن الفلسفي بتحويله الأفكار إلى سياقات وقوالب جامدة (قدسية) غير قابلة للتطور أو المناقشة، وفي فترة متأخرة، صار بعضها بتقبل فكرة التأويل والاجتهاد بحدود معينة، لا تمس القواعد والأساسات.
من جانب آخر، واصلت مسيرة الفكر الفلسفي تطور مناقشاتها الجدلية بعد فترة من الخمول، مستعيدة مجدها السحيق في عصر النهضة أو الأنوار، مستعيدة فكرة التضاد في مفهومها الهيجلي أو الماركسي باعتبارها القاعدة المعرفية على تنوع تأويلاتها. وهو ما يضيق مسافة الخلاف بين الفكر الديني الروحاني أو الفكر الفلسفي العلماني . سواء تم التسليم بوجود إله (آلهة) أو اختزاله والرمز له بالمادة أو الطبيعة، سواء تم الأخذ بقصة الخليقة التوراتية والمستقاة أصلا من قصة الخلقة البابلية والأكدية، أو استعيض عنها بفكرة التضاد والصراع الجدلي، فأن الأسئلة الوجودية تبقى هي نفسها، في ظل التأويل الديني أو الفلسفي. وما تزال معظم الكتب الجدلية تبدأ أو تدور حول الأسئلة الثلاثة الملغزة (من أين/ لماذا.. / إلى أين؟؟؟..). وفي نفس المستوى ما زال الغموض والالغاز يكتنف قصة الوجود والحياة والألم. خلال ذلك يبقى سفر أيوب الذي يعتبر من أقدم أسفار العهد القديم (التناخ) تاريخا، أكثر المناقشات (debate) الجدلية جرأة ووضوحا. لكنه.. هو الآخر، ينتهي إلى التسليم، بعجز معرفة البشر عن ادراك أبعاد معرفة رب السموات، وقصور حكمة الانسان عن مطاولة الحكمة الالهية. والنتيجة..
"1- الانسان مولود المرأة، قصير العمر ومفعم بالشقاء.
2- يتفتح كالزهر ثم ينتثر، ويوارى كالشبح فلا يبقى له أثر.
5- إن كانت أيامه محدودة، وعدد أشهره مكتوبا لديك، وعيّنت أجله فلا يتجاوزه،
6- فأشح بوجهك عنه ودعه يستريح مستمتعا، ريثما ينتهى يومه كالأجير. / أيوب 14
*
عجز الفلسفة..
من بدهيات المعارف الفلسفية عدم العثور عن معنى أو تفسير للحياة.
لكن ما (لا) تفسير أو تبرير له أكثر من الحياة نفسها، فهو موضوع الألم.
ان من يقدم عرضا (قهريا)، لا بدّ أن يقدم حوافز مشجعة لتسويغ عرضه، أما أن يكون العكس، فهذا مطب وجودي آخر، من مطبات الخليقة. ولكن..
ما الذي يجعل الخليقة تواصل وجودها، رغم كل هذه المطبات الوجودية والأسئلة الملغزة المغلقة؟..
*
تبرير الدين للألم..
"ثم قال للمرأة: أكثّرُ تكثيرا أوجاع مخاضكِ، فتنجبين بآلامٍ أولاداً."*
هل منع الألم المرأة من مواصلة الانجاب، أم أن آلام المرض والحروب والفقدان، حفزت الرجال للامتناع عن البحث عن الانثى الولود؟.
لا شك أن كثيرين قالوا مثل أيوب عندما وقعوا في تجارب غير عادية..
"ثم تكلم أيوب، فشتم اليوم الذي ولد فيه. ثم قال: ليته بادَ اليوم الذي ولدت فيه، وفني الليل الذي قيل فيه، قد حبل فيه بطفل ذكر. لا يرعاه الله من فوق، ولا تشرق عليه نهار. ليستولِ عليه الظلام وظل الموت، ليكتنفه سحاب ولروعه ظلمات النهار. أما ذلك الليل فليعتقله الدجى المتكاثف، ولا يبتهج مع سائر أيام السنة، ولا يحصَ في عدد الشهور. ليكن ذلك الليل عاقراً، ولا يردد فيه هتاف(..) لأنه لم يغلق رحم أمي، ولم يستر الشقاء عن عيني. لمَ لمْ أمتْ في الرحم. ولمَ لمْ أسلم الروح عندما خرجت من بطن أمي؟.. لماذا لمْ أطمر في الأرض كسقط لم يرَ النور؟."/ أيوب – 3: (1-7، 10-11، 16)
*
الكائن العنيد..
"وكان الانسان لنفسه ظلوما."- - نص قرآني
لكن.. ثمة علة أخرى، غير علة الوجود والتنفس اللاإرادية، هي علة الرغبة في تكرار الأخطاء واستعادة الآلام، جريا على القول (داوِني بالتي كانت هي الداءُ)*.. المرأة التي لا تنجب تفعل المستحيل وتقطع البلدان والبحار من أجل الحصول على طفل .. (أعرف امرأة طلقت زوجها بعد عِشرة أكثر من عَشر سنوات وأنجبت طفلا بلا زواج!) .. مع كل احترامي وتقديري للمرأة، إلا أنني لم أجد أنانية تفوق أنانية المرأة في الحصول على طفل. (أمامي الآن على شاشة التلفاز امرأة لها ثمانية أولاد وتريد بنتا، وأخرى لها ثمانية بنات وتريد ولدا)*. بعض الصينيات يهربن عبر الحدود من أجل تعددية الأطفال، وبعض البلدان تمنحهن حق اللجوء لهذا السبب. أين يكون مكان الألم أو الآلام في قصة الانجاب؟. ان قصة الخليقة مدينة للمرأة، ليس في مقدرتها الطبيعية على الانجاب، وانما في تحديها للآلام؟..
هذه العلاقة مع الألم هي معيار التفرقة بين مفهوم الأنانية عند المرأة ومفهوم الأنانية عند الرجل. فالشخص الأناني – المحب لذاته بشكل فوق العادة- هو شخص يخاف الألم ويهرب منه بكل وسيلة، بينما المرأة الأنانية لا تخاف الألم وانما هي شخص يتقبل الألم لكي يفعل رغبته ، وفي مقدمة رغبات المرأة يأتي الانجاب، ويستخدم البعض تعبيرا آخر له بالقول (المرأة تحقق كيانها أو وجودها- تشبع رغبة الأمومة عندها).
*
الخوف.. حالة فوق الألم..
قد يعاني شخص من تلف أحد أسنانه ولكنه لا يذهب إلى الطبيب خوفا من الألم. وقد يعاني أحدهم ألما في مكان من بطنه، لكنه لا يذهب للمستشفى خشية العملية. أعرف شخصا كان يشكو على الدوام من معدته بشكل دفعه للاعتقاد بإصابته بالسرطان. وبين مدة وأخرى يتحدث عن ناس توفوا فجأة بسبب السرطان، وناس أصحاء ذهبوا إلى الطبيب لسبب ما وأخبرهم بإصابتهم بالسرطان. كان هذا الشخص يخاف ويعاني إلى درجة الموت، ولكنه يفضل أن يعيش في وهم على أن تتأكد أوهامه. سألته عدم سبب عدم الذهاب الى المستشفى، قال أنه ذهب إلى المستشفى وحددوا له موعدا للفحص بالسونار فلم يحضر الموعد. قال أنه لا يخاف من السرطان ولا يخاف من الموت.
- مم تخاف إذن.. لماذا لا تذهب إلى المستشفى ثانية؟..
- سوف يحولونني لفحص السونار..
- وإذا حوّلوك لفحص السونار.. أين هي المشكلة؟..
- هذه هي المشكلة؟..
- أي مشكلة؟..-
- السونار هو المشكلة؟..
- ما المشكلة في السونار؟.. تشخيص موضعي دقيق..
- أخاف من هذا الشيء الذي يدخلونه داخل الجسم ويدفعونه حتى مدخل المعدة..
- انه أنبوب دقيق ولا يسبب ألم..
- انبوب دقيق ولا يسبب ألم.. (قال ساخرا).. أنا أموت منه..
- سيكون هناك تخدير موضعي.. وأنت لست أول من يفعله..
- أخاف منه أقول لك.. اترك الموضوع..
- لا أترك الموضوع وأنت تشكو هذا الألم..
- سيذهب الألم.. يأتي ويذهب.. ليس غريبا عليّ..
- هذا ليس كلاما.. تعاني هذا الألم ولا تقبل العلاج..
- السونــــــار.. (قالها ممطوطة هكذا)..
- وإذا قلت لك أنني جربت السونار..
- لا أصدقك..
- وهل كذبت عليك من قبل..
- متى فعلته..
- في التسعينات..
- ولا تزال على قيد الحياة (قال مازحا)..
- انت تضخم الموضوع فقط.. وتحب أن تشكو لتكسب العطف..
- أنا أشكو لكسب العطف.. صدقني أن الألم يمزقني.. لكني لا أتكلم..
- اذهب إلى المستشفى ولا تخف من السونار.. عليك أن تنتهي من الموضوع بشجاعة..
- تقول أن أذهب الى المستشفى..
- طبعا..
- وأعمل السونار..
- اعمل السونار..
- وهذا الانبوب الطويل يوصل حتى المعدة..
- عادي..
- صحيح علي أن أذهب وأعمل السونار.. أريد أن أخلص من الألم..
- تتحرر من الخوف ايضا.. الخوف والألم..
- أريد أن أعمل ذلك.. أنا أتعذب..
- لا تترك الخوف يدمر حياتك..
- اشكرك,,
- لا داعي للشكر.. اذهب في أسرع وقت.. وخبرني بالنتائج..
- اخبرك..

بعد اسبوعين.. قابلني مبتسما.. وقال.. أشكر الرب.. لا يوجد سرطان..
- مبروك.. ذهبت للمستشفى..
- وعملت السونار أيضا.. مجرد التهاب في الاثني عشري.. نصحوني بعدم تناول المهيجات .. الفلفل.. والامتناع عن التدخين..
- وستفعل..
- مسألة حياة وموت.. طبعا افعل..
*
المواجهة بداية العلاج..
فليس الألم هنا هو الفعّال، وانما الخوف من الألم.. وهما أمران مستقلان عن بعضهما، ولكن أحدما قد يحفز الآخر ويقرن به. التكرار قد يلاشي الألم كما يقال في المثل الشعبي (الألم يسحق أو يقتل الألم)، وهو ما يحدث في تكرار الانجاب أو تكرار قلع السن. أما الخوف فلا يخضع لمثل هاته القاعدة. لأن البذرة التي يقوم عليها الخوف تتعلق بالمستقبل، المجهول، اللغز، غير المستكنه. الخوف ينبع من شدة الحساسية.. وشدة الحساسية أو الحساسية الزائدة في بعض التعبيرات، هي الاشارات المنطلقة من مناطق حسية تتجاوز الحدود الطبيعية. يستخدم البعض تعبير ما وراء الشعور أو ما تحت الشعور/ باطن الوعي/ اللا وعي الكامن/ للاصطلاح على كل شعور أو رد فعل غير عادي. هذه المنطقة (خارج الوعي/ فوق الشعور) لا تخضع للتجربة وليس لها معين في الخزين المعرفي المتداول، وهذا ما يجعلها تنفلت من عقال العقل وتلتصق بالخيال أو ما يعرف بالوهم. الوهم يستمني بالخيال فيكبر ويتضخم ويتحول إلى تنين حينا، ويتناسل إلى أوهام وتنانين صغيرة ينهش كل منها صاحبه من جهة حينا آخر. هذا الوهم وكل تخرصاته ليس له وجود خارج خيال الشخص المصاب به (المريض بالفوبيا)، وعلاجه بيد صاحبه عن طريق التمرد على الوهم وتحدي الخوف مجازفة وبلا تردد، وهكذا يتحرر الشخص من الوهم أو الخوف. وأقرب توصيف لهذه الخطوة في الأمثال العراقية هو (وجع ساعة ولا كل ساعة).
في مطار عربي كان أكاديمي عراقي ينتظر موعد اقلاع طائرته. ولسبب ما شعر ان بعض الشرطة يراقبونه. بدأ هذا الوهم بالتضخم ، ولكن صاحبه بدلا من الاستسلام له وانتظار ما يحدث في اللحظة الأخيرة عند صعود الطائرة، قرر القفز نحو الأمام. بدلا من الابتعاد والانزواء والتخفي عن أعين الشرطة، صار يدفع اتجاه خطواته مقتربا من أماكن وجود رجال الشرطة، منتبها من اتجاه نظراتهم، وحين التقاء نظراته بنظرات أحدهم، سأله إن كان هناك تأخير في موعد اقلاع طائرته، واستمع إلى إجابة الشرطي الهادئة ثم شكره وابتعد عنه، مطمئنا إلى موت الخوف في داخله.
وعلى العكس من هذه الشخصية، التقيت بشخص عراقي كن يقيم في الكويت، وفي أعقاب غزو العراق للكويت ابعد إلى العراق، فاحتجزته مديرية أمن البصرة مدة ، ثم قامت بتسفيره إلى مديرية الأمن العامة في بغداد، وبعد تلقيه صنوفا من التعذيب فيها قام العراق بتسفيره إلى ايران باعتباره من التبعية الايرانية. في ايران التقى ببعض أقاربه، وهؤلاء قاموا بتزويجه من امرأة ايرانية مسنة لا يعرفها، وعندما وصل إلى النمسا بعد معاناة، استمرت كوابيس معاناته تقلقه ليلا وتتمثل له أوهاما آناء النهار، فتجده يقوم ويترك المكان فجأة وبسرعة وهو يتوهم اقتراب خطوات أحدهم منه أو ملاحقته له. ورغم حصوله على اللجوء في النمسا، فقد حاول الهروب منها إلى المانيا أو هولنده، ولكنه اكتشف وجود من يتعقبه فقفل راجعا لفشل محاولة التخلص من (شارلي). وقد راجع دائرة الشرطة أكثر من مرة مبلغا عن شخص يتعقبه اسمه (شارلي) كلفته المخابرات العراقية بملاحقته. وكان يروي قصصا لا يستطيع من يسمعها إلا أن يصدقها ويصدق كل دعاواه. وهو يقول ان شارلي هذا افريقي يعمل جاسوس للعراق.
*
شعور بالضياع (الوحدة)..
في لندن رأيت امرأة لبنانية تدور على محلات العرب وهي تذرف الدموع، وتعرض مشكلتها. لديها ابن جريح ارسل إلى لندن للعلاج ولكنه مات أثناء ذلك. ولغرض تسفير جثته إلى بلده تلزمها سلطات المطار بشهادة وفاة من سفارة بلده، والسفارة اللبنانية لا تصادق لها الشهادة بدون رسم مالي ليس في وسعها. وبدون دفع الرسم لا تحصل على شهادة وفاة، وبدون هذه لن تستطيع اللحاق بالطائرة، وعندها تسقط التذكرة، فما هو مصيرها. أم وجثة وبلد غريب ووطن لا يرحم.
هذ الاستعراض السريع هو ما ترشح عنه الذاكرة. أما رواية الألم الحقيقية فهي ملحمة التاريخ البشري التي لم تدوّن غير نتف بسيطة منه، مما يدخل في باب التكرار الذي يحرر ويخفف من الفجيعة.
*
إذا أمكن تصوير الحياة (البشرية) على غرار الأجرام والأفلاك الكونية القائمة على جداول رياضية ومعادلات كيماوية دقيقة، فأن أي خلل أو اضطراب يعوق جريان الجداول والمعادلات في أوقاتها وسياقاتها المرسومة، هو ما يتمثل بالمرض أو الألم. لكن الانسان أو الحيوان كائنات لها قدر ملموس من الحرية، وثوابتها هي تلك النواميس الخارجة عن سلطتها أو تدخلها. ومن الصعب معرفة الجداول الزمنية التي تتحرك بحسبها الحياة الأرضية، مما يدخل في باب المجهول، أو المعرفة الالهية (!). لماذا يولد شخص في مكان معين وليس غيره، وزمن وتاريخ محدد، ليس قبل دقيقة أو بعد ربع ساعة. أسئلة لا يملك أي طبيب اختصاصي ولادة الجواب عنها. هل للاسم علاقة بالشخصية؟.. هل هو مخلوق جديد تماما أم أنه صورة مخلوق كان موجودا في زمان ومكان معينين، وأعيدت ولادته مرة أخرى. لقد حاولت الوجودية وفي شخص مؤسسها سرن كيركجورد فهم دور (القدر) في صياغة تفاصيل حياة الشخص، ولكنه مثل أيوب، انتهى إلى جدار.
يمكن القول أن الجسم يتألم عندما تقل وجبة الطعام عن مقدر الحاجة، أو عندما تزيد وجبة الطعام عن حاجة الجسم؟.. هل ينفع هذا المثال كجواب عام.
لماذا يحدث الحزن، البكاء، الكآبة؟.. هل الاسباب مادية كذلك أم غير ملموسة.
ما علاقة الحزن والفرح بالطبع، المزاج، النفس أو الشخصية؟..
هل للوراثة دور في هذا المجال؟.. كل هذه الموضوعات وما كتب فيها على كثرته لا يخرج عن مجال الاجتهاد والاعتقاد ولا مجال للقطع بها. أين يقف علم الارقام أو علم الأبراج وقراءات الأنجم في تفسير مسارات البشر؟.. وسائل عديدة ومعتقدات كثيرة، ولكن الجدل الفكري والفلسفي يبقى مستمرا، بينما الفكر الديني يفترض قوانينه الخاصة المرتبطة بالغيب دون أن يقدم على أرض الواقع أية إجابة حقيقية ناجزة لاطفاء جذوة الأسئلة المريرة وإقناع الانسان بجدوى وجوده أو استمراره في الوجود.
نحن نـتألم، ولا نعرف لماذا نتألم..
نحن نتألم، لأننا لا نعرف لماذا نتألم!.
هل للألم صلة بالمعنى؟.
*

لندن
السادس من فبراير 2010


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- التناخ العبراني- سفر أيوب- متفرقة.
- التوراه- سفر التكوين- الفصل الثالث- عدد 16.
- الشطر الثاني من شعر لأبي نؤاس الحسن ابن هانئ- وشطره الأول: دعْ عنك لومي فما في اللومِ إغضاءُ..
- BBC- Channel 4, one born every minite, Thursday, February 04, 2010, Nine o clock pm.
- Sarah Kane – 4.48 Psychosis- pub. By Methuen 2002, London



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الحيوانات تتألم ؟؟!!..
- حول نسبية المكان.. (سعدي يوسف نموذجا..) (4)
- مدن في حياتي .. الوجيهية (4)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (3)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (2)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (1)
- فليحة حسن.. وقصيدة (أنا لست مريم يا أبي!)..المقارَبة والاختل ...
- هذه الجريمة اليومية
- فراغات النسيج الاجتماعي في العراق
- المرأة كونترا المرأة
- رسالة من بعيد
- صادق الطريحي في (أوراقٌ وطنية)*
- -ولد للبيع-* الطفولة وبقايا الاقطاع
- -هذا عالم جايف.. اكتب!-
- سليم مطر في (إمرأة القارورة)
- سيلين براكاش- أوزر
- (سماء..)
- المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..
- مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي
- الاستهلال السردي في قصة التسعينيات..


المزيد.....




- اخترقت جدار منزل واستقرت في -غرفة نوم-.. شاهد مصير مركبة بعد ...
- مصر تعلن اعتزامها التدخل لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أ ...
- -القسام- تفجر عبوة -رعدية- بقوة إسرائيلية خاصة وتستهدف ناقلة ...
- قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس ال ...
- هولشتاين كيل يصعد للبوندسليغا للمرة الأولى في تاريخه
- البحرين تدعو للتدخل الفوري لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة ومن ...
- طلبت منه البلدية إخفاء قاربه خلف السياج.. فكان رده إبداعيا و ...
- استطلاع: نصف الأمريكيين يعتبرون الإنفاق على مساعدات أوكرانيا ...
- حاكم بيلغورود: 19 شخصا بينهم طفلان أصيبوا بالقصف الأوكراني ل ...
- مشاهد جديدة لسقوط حافلة ركاب في نهر ببطرسبورغ


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - أنا أتألم.. أنا إذن موجود!..