أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - وديع العبيدي - فراغات النسيج الاجتماعي في العراق















المزيد.....

فراغات النسيج الاجتماعي في العراق


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2845 - 2009 / 12 / 1 - 01:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الابحاث والمعالجات الاجتماعية، واحدة من أكثر المجالات فقراً وبؤسا في الحالة العراقية. وأحد مظاهر التشوه القطاعي، الثقافي والأكادمي في العراق، مما يضع أسئلة فاغرة، تزداد لجاجة في ضوء الانهيار العام الذي أصاب الحالة العراقية في كل جوانبها عشية الألفية الثانية. المغزى من هذا التقديم انما هو التأكيد على قدر شائكية البحث الاجتماعي ، أي اخضاع ظاهرة/ مفردة/ عينة اجتماعية للبحث والتحليل والاستنتاج العلمي. سبب هذه الشائكية بكلمة واحدة وحيدة هي (المقدس). والمقدس بأبسط تعريفاته هو منظومة التابوات التي تحيط بالظاهرة الحياتية معرقلة أية محاولة للسؤال أو الشك والمناقشة إلى مجازفة يائسة أو بدعة وهرطقة محكوم عليها بالموت قبل أن تبدأ.
ازدواجية ضمنية أو تناقض صارخ..
الشخصية الرافدينية / العراقية معقدة وفي غاية التعقيد، ومظهر تعقيدها أو (عقديتها) هو ما يظهر عليها (على السطح) من بساطة وسهولة واستسهال. هذه البساطة والسهولة في التداول الخطابي والسلوكي انما مردّها التهرب من الأسئلة العميقة والمناقشات أو المواجهات الحقيقية والتي تتكشف على درجة من الحدّية والتقاطع جراء أدنى وخزة.
نظر كثيرون إلى الشخصية العراقية باعتبارها غير مستقرة ميالة للتمرد والمغايرة عن المألوف، بمعنى أنها مهما ألفت من شيء، فسرعان ما تضيق ذرعا به وتبحث عن طريقة للمغايرة وبصورة أقرب إلى الانفعال وعدم التبصر. ونتيجة ذلك عدم ظهور منطق ثابت للتطور الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي ومن غير انقلابات رأسية. عندما وصل الاسكندر الأكبر إلى وادي الرافدين احتار في معاملة أهل البلاد، فما من شعب يميل إلى النقد والتذمر مثل هؤلاء. واختلف مستشاروه في الأمر. وعندما أرسل عمر جيوشه لاحتلال العراق واجه صعوبة التعامل مع أهليه، وهو ما عانى منه نده علي ودفع معاوية لاستيطان الشام بدل العراق. وعندما عرض على الأمير فيصل ملك العراق توجس من أهليه. وما يزال هذا السؤال قائما. لماذا يصعب استرضاء أهل الرافدين؟..
*
من هم العراقيون..
لعل هادي العلوي أشار إلى طرف من الجواب حين شخّص الأناركية (Anarchie) كأحد معالم الشخصية (البدائية/ البدوية)، ولكن هذا التأويل يعيد البحث عن الهوية العراقية/ الرافدينية إلى نقطة الصفر.
من هم العراقيون؟..
هل هم أقوام بدائية متنقلة (nomades) جاءوا من جهة الجنوب أو الشرق..
أم هم جماعات مستوطنة يحترفون الزراعة ويمارسون الحرف اليدوية..
ان الجماعات الرئيسية المعروفة حتى الآن (سومر- بابل- أشور) تميزوا بالعمران والاستقرار والزراعة وتنظيم موارد المياه والفكر السياسي والديني وفنون الادارة والقانون والتدوين، وغير ذلك مما لا ينسجم مع خصائص البداوة. مع ان دراسات مظاهر تلك الجماعات وخصائصها الاجتماعية والذاتية شحيحة للغاية مقارنة بالحالة المصرية الفرعونية أو حتى الأوغاريتية في سوريا. فالعراقيون، - وهذا موضع سؤال!-، هم أكثر الناس بعدا عن العناية بتاريخهم وأصولهم القديمة. ومن المستغرَب، - في مجال التشوه القطاعي- أن لا يظهر كاتب عراقي واحد متخصص في الدراسات الرافدينية القديمة ، أي تاريخ ما قبل المسيحية والاسلام. مقابل زخم من المتخصصين في التاريخ العروبي والاسلامي، والطائفي.
ان حساسية السؤال القومي (المحذوف) في العراق، أفرز نوعا من مسح الذاكرة القومية في العراق، جعل أبناء الأشوريين والكلدان والصابئة المندائية ينأون بأنفسهم عن التخصص التاريخي في أصولهم القومية، خشية من عواقب ذلك.
السؤال الحاضر هنا هو دافع جواد علي، أحد أقدم المتخصصين في التاريخ القديم، للبحث في تاريخ العرب القديم مثلا، وهذا ينطبق على احمد سوسه كذلك،- متجاوزا جغرافيا العراق-، واستغرق عبد العزيز الدوري وعلي الوردي وهادي العلوي في التاريخ والتراث الاسلامي. أما طه باقر الذي حظي بأهمية لمساهمته في ترجمة ملحمة جلجامش ، فقد ترك الباب مفتوحا أمام أسئلة ودراسات كثيرة. أن بلدا كان له باع عريق في الثقافة وطبقة واسعة من الانتلجنسيا في مجالات أدبية وأكادمية، لم يقدم شخصية مثل (فراس سواح) انما يؤكد عمق الخلل البنيوي في الثقافة والعقلية بين أبنائه ومناهجه التربوية.
*
هل ثمة هوية عراقية؟..
الواقع أن (هوية عراقية) هو تعبير فضفاض لا يكاد يرشح عن شيء غير دالة اللغة، لكنها مضمونها التاريخي والاجتماعي يعاني من حالة تناقض واضطراب داخلي، هي من الكثرة والتنوع وعدم الانسجام بحيث لا ترشح منها دلالة واضحة. ان شائكية الموضوع وانعدام الاشتغال الجاد فيه ساهم في تعميق الجراح النفسية للشخصية العراقية على مدى عشرات القرون، وصولا إلى تمزيق الجغرافية الدمغرافية في ظل سياسات حكومات الاحتلال لتحقيق حالة المسح الشامل والبلوغ بالتشويه إلى أقاصيه. وليس من بلد –مثل العراق-، يفخر مستوطنوه بهويات طائفية خارجية على حساب هوية البلد الأصلية التي أفرغت من محتواها وتم تحويلها إلى وعاء تجميع وتصفية الحسابات الأثنية لبلدان الجوار. وفي ظل أوضاع منحرفة بهذه الدرجة، كيف يمكن وصف درجة اغتراب العراقي الأصيل الرافض للتلوين الطائفي والحالم بانتماء أصيل شفاف واضح؟
أن عرامة الغزوات الاستيطانية الخارجية على بلاد النهرين وما تميزت به من قسوة ووحشية فرض حالة من الارهاب العام على الأهلين جعل من بقي حيا منهم يعيش بشخصيتين وهويتين، هوية خارجية يتعامل بها مع المجتمع حسب شروط الغازي وهوية ذاتية تحفظ له أصالته وأمنه الذاتي. فالازدواجية هنا، في الحالة العراقية تختلف عنها في الحالة المصرية في ثلاثية نجيب محفوظ، وتختلف عن الازدواجية العربية في ظل الاسلام التي ركز عليها علي الوردي ومسح بها الشخصية العراقية اعتباطا. فالعراقي تعددي اللغة تعددي المرجعية الثقافية والأصول المذهبية والعادات والتقاليد. تبتدئ ثنائية اللغة والعادات والمعتقدات مع الفرد منذ طفولته وتتحول إلى بناء كامل داخل شخصيته. ان التحدث بلغتين ليس مهارة ذهنية مجردة انما هو ازدواجية ثقافية مقيتة. هذه الظاهرة اخذت تتوسع أفقيا مع اضطراد نسبة المهاجرين في العالم، أولئك الأفراد الذين دفعتهم الظروف للحياة خارج منظوماتهم الثقافية، والتعامل مع أنظمة اجتماعية وثقافية مختلفة.
لماذا استخدم لغتين وغيري يعيش بواحدة، لماذا علي اخفاء بعض عاداتي وعدم التطرق لكلمات أو أمور معينة خارج البيت؟.. هل أنا شخص منافق، هل أعيش بوجهين، أم أنا غريب عن هذا البلد رغم أني مولود فيه؟.. لقد كان لي زميل دراسة منذ الابتدائية والمتوسطة، أحيانا كان يغادر المدرسة مبكرا عندما تكون حصة الدين هي الأخيرة. لكنني لم ألحظ عليه أي اختلاف عني أو عن الآخرين. ثم عرفت أنه مندائي. وجدت صعوبة في معرفة أي شيء منه عن ديانته، وكان يقول بابتسامة خجولة – لا شيء، لا نختلف بأي شيء عنكم!-. يتلقى أبناء الأقليات تربية مشددة تجاه الحياة خارج المنزل. ذات مرة شوهد طفل يتبول قرب مسجد، وصادف ان عائلة الطفل مسيحية، فقامت القيامة على العائلة واعتبر الموضوع إهانة مقصودة، ولكن ماذا لو كان الطفل من ملة المسجد!. هذه عوامل مزروعة داخل المجتمع بشكل يزيد حجم فراغاته البينية. ترى لماذا تطغى عوامل الدين أو القومية أو الطائفية أو العشيرية، على طابع الهوية الاجتماعية بشكل يمزق هوية الوطن والانتماء؟
في المهجر، يمكن للبعض تحسس جزء من الألم الذي عاشه مواطنوهم ذوي التعددية اللغوية والثقافية في البلد الأم. لكن هذا النوع من التفكير والتحسس ليس خاصة عامة، أو ذات أهمية عند الأغلبية التي لا يهمها غير الاستئثار بحاجاتهم المباشرة بأي ثمن. فالشعور المشترك من ثيمات الاحساس بالانتماء، والانتماء على العموم شعور سطحي ساذج عندما لا يتصل بثيمة المكان. ان انتماء الأغلبية في الشرق الأوسط هو للفكرة وليس للمكان الجغرافي. لذلك تشكل اللغة أولوية باعتبارها أنبوب سريان الفكرة. في نفس الوقت لا يشكل تغيير المكان ثيمة ذات تأثير طالما تحققت متطلباته وأحاط نفسه بشلة من دائرته القرابية لغة ومذهبا. لهذا يبحث المهاجر عن أبناء بلده في الغربة ليكون قريبا منهم ويعيش معهم رابطته الثقافية (وطن/ عشيرة داخل منفى). أما المهاجر العراقي فيشكل استثناء من ذلك. انه يفضل مكانا لا يكون فيه عراقيون، للشعور بدرجة من الاستقرار وراحة البال. هل المسألة مرتبطة بالانتماء، باختلاف المرجعيات، بالاصطراع والخلافات الفكرية والمذهبية والاجتماعية والسياسية، نعم وأكثر من ذلك.
الحب عن بعد..
أفضل تعبير عن الانسجام العراقي..
أما التقارب.. فعواقبه لا تحمد!.
*
نوفمبر 2009



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة كونترا المرأة
- رسالة من بعيد
- صادق الطريحي في (أوراقٌ وطنية)*
- -ولد للبيع-* الطفولة وبقايا الاقطاع
- -هذا عالم جايف.. اكتب!-
- سليم مطر في (إمرأة القارورة)
- سيلين براكاش- أوزر
- (سماء..)
- المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..
- مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي
- الاستهلال السردي في قصة التسعينيات..
- القصة العراقية في المنفى
- عن فضاءات الطائر
- الوطن -جنّة- أم -جنينة- في قصة باسم الأنصار (نحيا ويموت الوط ...
- معرفة الحقيقة العارية والاستفادة من دروس الماضي
- داليا رياض.. - رغم أني جملة كتبتها السماء-
- ستة عقود في محراب الحرف- حوار مع الفنان كريم الخطاط
- - أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-
- مقدمة عامة في تجربة مظفر النواب الشعرية
- حسن الخرساني و سقوط مردوخ


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - وديع العبيدي - فراغات النسيج الاجتماعي في العراق