أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - - أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-















المزيد.....


- أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2658 - 2009 / 5 / 26 - 10:49
المحور: الادب والفن
    



" أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا" (وسام هاشم)

قصيدة [الوعل].. دراسة صوتية – سوسيولوجية في مادة الأسى



تشكل الإشارة إلى (أدغار ألن بو) جملة اعتراضية في قصيدة [الوعل] لوسام هاشم وبصورة تجعل المعنى شائكاً وتتركه مفتوحاً على احتمالات شتى.. فيما أراده الشاعر مفتاحاً يضيء به مغاليق عزلته.. أو قنطرة تضعه داخل النص..

في الثانية عشرة من عمري

صفعني أخي لأني لم أقرأ ( ادغار آلن بو) كما ينبغي... تجانس ال(ع -غ) [صفعني- ينبغي ]

ولكن .. .............................................هيمنة الياء [صفعني أخي لأني ينبغي]

منذ ذلك اليوم تصفعني الحياة.. (تكرار الذال) [منذ- ذلك]، تكرارالياء [يوم حياة تصفعني جيّداً]

لأني أقرأ (ادغار ألن بو ) جيداً..{إشارة ضمنية لتساوي القراءة والصفع (كناية عن لعنة الوعي)}.

فالقارئ لا يعرف شيئاً عن (أخي) ولا يجد إشارة في نهاية القصيدة عن – لغز- (الثانية عشرة)، {بداية قراءات الشاعر} وعلاقة (أدغار ألن بو) كدالة مرورية أو قنطرة غير متصلة بجملة البناء.. ولا مندوحة بين ذلك من البحث في إشكالية الدالة الغربية في ذاتها للعبور خلالها إلى فضاء المعنى. أدغار ألن بو [1809- 1849] مواليد بوستن في أمريكا. كان والده يعمل ممثلاً. في العاشرة من عمره بدأ الدراسة في جامعة فيرجينيا. [1827- 1831] خدم في الجيش. [1838- 1847] زواجه من ابنة عمّه، وعندما ماتت تركته في حالة مرثية ومزرية. [7/ 10/ 1849] مات في ظروف غامضة. ترك أعمال أدبية وسردية عديدة منها: فانتا سنشه [1832- 1839] قصص قصيرة منها، القط الأسود، ألينورا، حب من النظرة الأولى، موريلا، ظلال، صمت. وكذلك، الموت المزدوج (1841).

ويأتي تضمين الشاعر ذلك في إطار الحديث عن نفسه مبتدئاً القول..

أنا وسام هاشم

صديق الفسائل في البرية

والشحاذين في الشوارع

والجنود في الثكنات الحزينة

ويمكن إعادة كتابة النص حسب القراءة الصوتية المندرجة كصراخ داخل (بئر) العزلة .. [أنااااا – وساااااااممم – هااااااشمممم – صدييييييق – فساااائللل – فيلبرييية - ـحاذييييننن فيشااااوااررععع- جنوود فيلثوكككوناااات حززززينننة].. ونلحظ للدلالة فقط هيمنة حروف العلة والأحرف الصائتة القوية (س ش ص ج م ف ق ن) .. وبما يعكس وضوح النبر وعدم الحاجة للخبن والادغام أو الاختزال الصوتي..

مما يشير إلى وجود نقاط تماهي بين السيرتين، ولما كانت سيرة (بو) حافلة بالشقاء [الحرب والعائلة والموت المبكر]، فأن الخيبة من العالم هي الاطار العام الذي تمثله قصيدة (الوعل) مجتمعة في ذلك مع حالة عامة في شعرية الثمانينيات العراقية المعبرة عن الضياع والاحباط من الحياة والقنوط من عدم الحصول على استراحة (المقاتل) أو الفوز بالهدوء والحياة الانسانية بعد كل الخسائر والتعاسات التي وضعتها الحياة (الوطنية) في طريق هذا الجيل.

ان صورة [الفسائل في البرية] كناية واضحة عن العزلة والتفرد، في إشارة إلى تفرد (قدر) هذا الجيل تاريخياً وجغرافياً. بينما تبدو صورة [الشحاذين في الشوارع] جامعة لعدة دلالات ومنفتحة على احتمالات كثيرة. (الشحاذة) هنا ليست بالدلالة الاجتماعية المتعارفة في مغزاها البسيط والمباشر، وانما دلالتها النفسية والفكرية الأبعد. فهي بوقوعها بين دالتي [البريّة – الثكنة الحزينة ] توفرت على خصائص مضافة وتعديات صورية، تماهي بين الجندي والشحاذ والفسيلة البرية. ان كل من هؤلاء الثلاثة هم أسرى قوة خارجية، وليسوا متمكنين من قرار (وجود)هم. وكما تشتاق الفسيلة (للماء) في البرية، والجندي (للبهجة) في الثكنة، يشتاق (الشحاذ للحبّ) في الشوارع البعيدة عن عيون (الجندي) والمستحيلة على (البرية). وبحثاً عن الحبّ ذهب الفرد فريدل [1926- 1972 (شاعر نمساوي)] إلى الأفعى والكلب، في إطار (المقاربة) الحضارية، بينما يقتنص وسام هاشم صورة الشحاذ. فالشحاذة وأن شاعت أيام الحرب فأنها منبوذة في أوربا ، حيث قوانين الرعاية الاجتماعية والعمل، على عكس حالة (الاستعطاف) الذي تحظى به في الشرق. وبالمقابل، تنعكس صورة (الصداقة مع الحيوانات) في الوسط العربي. على الرغم من حالة التهكم والسخرية المبطنة التي تعمدها الشاعران. ومنها أن الصداقة الواردة في النص تتجاوز هي الأخرى المفهوم العام إلى علاقة نفسية باطنية، تدعم فكرة التماهي أو (التقمص). وهنا تجدر الإشارة إلى شيوع مصطلح محدد، أيام الثمانينيات، ما زال الغموض والضباب يكتنفه ويلقي عليه أستاراً من العتمة، ذينك هو مصطلح [الصعاليك]، والذي تداوله بعض الشعراء باتجاهات ومستويات متفاوتة. وفي كلمة للاسباني فرناندو بيسوا [1888- 1935 (لشبونه)]: أن أكون صعلوكاً هكذا هو (أن أكون وحيداً مع روحي)!. وهو ما يعيد ويحيل على فكرة العزلة كما سلفت. أما صورة [الجندي في الثكنات الحزينة] فهي أشدّ اقتراناً بالموت، فالموت يحتلّ المرتبة الأولى في منظومة تفكير الجندي، وهو الظاهرة الأكثر شيوعاً لدى (شعراء الجنود) في كل العالم ..

أعداد لا تحصى من الجنود

احتشدوا أمس في الثكنة

وعندما سألهم آمر الفوج

- ماذا تريدون

أجابوا:

- نريد أن نموت. مرثية (عبد الأمير جرص)/ قصائد ضدّ الريح

فالتطور البشري لم يصل حتى الآن، لاختراع طريقة للحرب لا يكون فيها موت، مما يدفع رونالد رايت لمقاربة القنبلة الذرية والحجارة كسلاح تدميري [..much simpler technologies have also seduced and ruined in the past, even back in the Stone Age.] A SHORT HISTORY OF PROGRESS, RONALD WRIGHT, P30

وفي نفس الإطار ترد كلمة جون كندي [إذا لم يضع البشر نهاية للحرب، فستضع الحرب نهاية للبشر.] الكتاب السابق/

تبقى المعضلة الرئيسية في تاريخ الجيل الثمانيني هي الحرب، وهي الموضوع الأقل مراعاة من قبل المجتمع. ان الحرب كحقيقة، لا توجد إلا في ذاكرة من قاسوا ويلاتها واختزالاتها، وفي هذه النقطة ينحسم الجدل بين (الظاهرة) الثمانينية والمنظار النقدي والسياسي ذي المرجعية الستينية والسبعينية. وكما أن شعر الحربين العالميتين الأولى والثانية بقي سؤالاً نافراً في الوعي النقدي والمذاهب الفلسفية والأدبية المتجددة في أوربا ، يبقى نص الثمانينيات المختزل نقدياً [إصبع إشارة] في مستقبل الثقافة والحياة العراقية.

الدروس الكثيرة لم تزدني

سوى أصبع

أظنه..

سيظل مرفوعاً..

وإلى الأبد.. (عبد الأمير جرص) – قصائد ضدّ الريح

وعندما تطغى السوداوية والتشاؤم على جيل الثمانينيات وما بعدها أو يقاربها، فهي ليست سوى معطى واحد من معطيات الحرب، التي لا تريد أن تتوقف، لا على الأرض ولا في الذاكرة. ومن واقع هذه الحرب، بعبارة أخرى، أن الحرب نفسها، تكتب سيرة أبنائها، ولن يتاح لقارئ هذا الشعر، مشارفة القصد بدون دراية ودراسة شاملة لمجريات واقع الحرب كما أنزلت. فهل يكون غريباً أن ترى الحرب في كل مكان، وتنتشر مفرداتها وشظاياها في داخل البيوت والذوات البشرية، بهذه الصورة تتحول (المدينة إلى تفاحة دهستها مجنزرة) .. المدينة التي هي جزء من كيان الشاعر بنهرها الوحيد الذي [أغسل بمائه القمر من تأوهات السكان والشمس من عزلة السجناء]

ولدت في مدينة تشظت مثل تفاحة

دهستها مجنزرة،

النهر الوحيد الذي يجرح جبينها

آخذه معي إلى الفراش

أغسل بمائه القمر من تأوهات السكان

والشمس من عزلة السجناء



هنا يرتكب الشاعر مفارقة جديرة تميزه عن عامة أفراد جيله أو شعر الحرب عموماً، الحرب بمعنى الموت أو الدمار أو الفقد أو الهروب والهاوية كما لدى نصيف الناصري مثلاً. أما وسام هاشم فهو (يأخذها) معه إلى الفراش. [الحرب التي لا يحبها يتزوجها والحرب التي تحبه يتزوجها، يتناسلان ، أطفالهما ديون ودم ومجنزرات وقناص وآمر سرية وهروب وقنابر تنوير فاسدة وصباح لا يليق بالمعركة ونزول باهت إلى المدينة وآثار هجوم على فصيل جرفت الأمطار أرزاقه وخوذ كثيرة بلا رؤوس تصيح : آه ]. [الحرب تبتلع المدفأة والسراويل والمحبة]. الميزة هنا أن وسام هاشم لا ينظر إلى الحرب كحالة (طارئة) أو (ظاهرة) مجردة، وانما حالة شمولية حياتية يتحول حتى الموت فيها إلى مفردة جزء من حياة يومية [خوذ كثيرة بلا رؤوس تصيح: آه.]. وهنا نجد أن (الخوذ) هي التي تصيح وليس الرؤوس. في الاخراج الصوتي للمقطع لا يظهر أطفال أو جنود، ولا رؤوس، وانما اصطفاف خوذ تصيح بصوت واحد وتون (Ton) متعاقب [آآآآآههههههـ... ه]. ان فتحة الخوذة (البيضوية) تخدم هنا صورة [فم] مفتوح على وسعه. صارخ بكل ما يمكن أن ينحسر في داخل تجويفه [من هواء]. كما نلاحظ الصورة الضمنية التي تتكشف في خلفية المشهد (backgroundstage) للرؤوس المقطوعة بأفواه فاغرة، احتجاحاً أو طلباً للماء ربما. وهي صورة مرسومة بقلم سحري، تقوم (خوذ كثيرة) بوظيفة الايحاء بـ (رؤوس كثيرة) و (أفواه صارخة) كثيرة. ان [المفردة] الشعرية هنا لا تقف عند حدود جغرافيا اللغة وبنيتها الدلالية وانما تتوالد وتنعكس [أفقياً وعمودياً] على مرايا وزوايا متفاوتة الأبعاد والانحراف لتقدم لنا مجسّمات (تشكيلية) و (موسيقية) في تلاحم وتداخل نادر بين فنون الشعر والموسيقى والتشكيل. بمعنى آخر، أن الحرب ليست الحالة التي نشاهدها أمامنا، وانما الصورة أو الصور المتوالدة خلف [الراهن]. الحرب ليست الواقع، وانما ما ينعكس في الذهن ويبقى في الذاكرة. ففي الذاكرة لا تموت الأشياء. في الواقع تموت الأشياء ويلفها الغبار. الانسان يهرب من الواقع إلى الحلم، ولكنه لا يستطيع الهروب من الحلم (تداعي الذاكرة). ولذلك يكتب وسام هاشم نص [الوعل] المحارب بعد خمسة عشر عاماً على انتهائها على الأرض. أنه يستلها من الذاكرة ويعود لينظر عبر [منظارها] إلى كل ذلك الماضي، أو الكائن، الذي إسمه وسام هاشم. [أنا وسام هاشم] في مستهل القصيدة وثناياها. [صديق الفسائل – والشحاذين – والجنود (الغابة والمدينة والمعركة)]. أنه يتخذها منظاراً ينظر من خلاله إلى كل شيء، وعبر عدسته المكبّرة يرى صورة المدينة والشوارع والمدفأة في الشتاء وحجرة النوم والأطفال وبطاقة التموين ونافذة المنفى المظلمة. ليس الضابط أو القائد، الوحيد الذي يحمل معه (ناظور) المعركة، وانما الشاعر أيضاً، بوظيفة متعاكسة هذه المرة، أنه لا ينظر إلى خط النار المتقدم، وانما خلفيات المدينة وما وراء الحرب ليجد صور الشحاذين والفاقة والمأساة. وبذلك تتهيأ له نظرة شمولية تجعل الحياة كلها ساحة للحرب وموضوعاً لدمارها ونصاً يتوالد في عملية لا نهائية من الاحتمالات والتأويلات.

ويتكرر تركيز الشاعر على موضوعة الـ(عزلة) مستطرداً، أو متعدياً بها إلى استخدامات صيغة (المفرد) [نافذة، مدينة، نهر (وحيد)، ماء ، صباح، ليل، قمر، شمس، شتاء، صيف ، مرآة، إمرأة، برد، مدفأة، مخلوق، وعل، دم، حرب ، معركة، مجنزرة، آمر سرية، نائب ضابط، قناص، نزول، تفاحة، ملح، جبن، طحين، رغيف، جبين، نشيد ، قهوة، فم، أب، ابن، ايفا، أسى] . وبالإضافة للإفراد في التعبير تكرّر استخدام حالة (النكرة) حيثما أمكن ذلك [مدينة، مجنزرة، تفاحة، سراويل، دم، قنابر]. كما يلاحظ ارتباط حالة (الجمع) بصفات أو معاني سالبة غالباً [حروب، مجنزرات، مدفعيات، قنابر، خوذ، ثكنات، كمائن، برقيات، سجون، أحزان، أمطار، أرزاق، أطفال، رؤوس، سراويل، أسماك، حقول، بساتين، جداول، مشاحيف]. ورغم اندراج القصيدة في صعيد النثر، فأن رتم الموسيقى يبقى واضحاً في بنية المفردة وسياق اللغة، سواء عبر متواليات الأحرف الصوتية [تبكي، حروب، برد] أو المتقاربة [سين، شين، صاد] أو تقارب الدلالات [نافذة، شتاء، برد، يموت] مما يشكل سونيتة موسيقية تقود عربات المعنى على استدارات الحروف (المفردات).

وأنا أفتح النافذة............... [أنا – نا .. فذة] (فففففففف ففففت) {صرير انفتاح}

يدخل الشتاء....................(خخخخخخخخخخ) {صوت الريح الباردة}

يجلس أمام المرآة .............[أمام مـ.. ـرأة] (الجيم) {سكون}

حانقاً يصرخ بامرأتي ........ ثم (خخخخخ) {صوت صراخ}

- لماذا تركتِه يموت من البرد ؟ ........... تكرار الميم والتاء – تجانس تام [موت - برد]

فتقول له وهي تبكي....[تقووول – هييي - تبكيي] هيمنة حروف العلة وتجانس اللام (قول - له)

- الحروب ابتلعت المدفأة والسراويل

والمحبة ........... تجانس حرفي [حروب - محبة]، تجانس لفظي [مدفأة - محبة]، الحرب ابتلعت السراويل [العلاقة الجدلية بين الحرب والسروال (العسكري)، لا توجد حرب بدون سراويل أو بسراويل مدنية في الاستدراك الذهني]، بالمقابل [مدفأة ابتلعت المحبة] علاقة الابتلاع كسمة وحشية بفعل الحرب ..

الحروب أفزعت الصيف فهرب إلى الحقول... تجانس اللفظ [حرب – هرب – فزع (عزف)] وبمراوغة بسيطة أو معادلة عكسية في الدماغ يرتفع (أزيز- زاي) فتتولد [حزب – هزب – فزع .. إلىىىىىىىىىى (هروب) = حروب = حقول]..

وبإعادة إنتاج جملة الفونيمات والأصوات في حجرة معالجة صوتية نجد هيمنة أجواء سمفونية معينة [شتتتاء - صرررراخ – ابتتتللللاع – فزعْ – هربْ (سررراويل)]

والسراويل هنا علامة الهروب ، علامة الحرب، علامة الصرعى .. لا تبقى غير سراويلهم تلهو بها الريح..



يستنفد الشاعر كل الوسائل المتاحة كي يقدم دراسة شعرية متكاملة عن مفردة الحرب ومشتقاتها وآثارها التدميرية الشاملة، في لغة سوريالية ساخرة [الحرب التي لا يحبها يتزوجها / والحرب التي تحبه يتزوجها/ يتناسلان ، أطفالهما ديون ودم ومجنزرات]. فالديون والدم والمجنزرات والهروب وقنابر التنوير كلها كناية عن حالة الدمار الشامل التي خلّفته تلك المدعوّة [الحرب] بحيث جعلت الشاعر لا يريد غير [إجازة واحدة اسمها الأبدية/ طلقة في فمي] وهو الهاجس الآخر الذي يستوطن الشعر الثمانيني كمقابل حتمي للعزلة وقنوط الواقع، وكما يراه نصيف الناصري في مجموعته الشعرية الثانية..

تساور الرغبة الشاعر في الموت طوال حياته .................... (ص 30)

عجيب ،

هذا المخلوق ،

الوعل

وسام هاشم

عندما يحلم بالرحيل

يدخل سجوناً كثيرة ،

الحرب التي لا يحبها يتزوجها

والحرب التي تحبه يتزوجها

يتناسلان ،

أطفالهما ديون ودم ومجنزرات

وقناص وآمر سرية وهروب وقنابر تنوير فاسدة

وصباح لا يليق بالمعركة

ونزول باهت إلى المدينة

وآثار هجوم على فصيل جرفت الآمطار أرزاقه

وخوذ كثيرة بلا رؤوس تصيح : آه

ونائب ضابط يسرق الملح والجبن والبرقيات الفورية

منتقلاً من صورة الحرب إلى ما بعدها، الحصار الذي نهش البنية التحتية للمجتمع العراقي واستكمل مسلسل الدمار الذي بدأته الحرب..

سألته أيامه

- تريد قهوة ؟ ...[سألت – أيام – أهوة (قهوة)- أجابت – أريد – إجازة – أبدية - ألفاظ] (هيمنة الهمزة)

فأجابها

- أريد إجازة واحدة اسمها الأبدية

طلقة في فمي [طلقة – قنبلة – قرب (هيمنة القاف)– فم - في] ~ تابع الفاء...

وقنبلة بقرب النشيد

تفرك ألفاظه فينفتح على المدينة عفنه ~ استطراد الفاء [ فم – في – فرك – ألفاظ – ينفتح - عفنة] ~ والتدرج من الفاء للقاف

أريد بدلاً عن القهوة [قهوة – تتقدم – تراقص – بطاقة] ~ ثم التحول إلى الميم

مرّاً آخر

بطاقة تموين صحيحة

رزّها ثكنات تحارب

شايها كمائن تتقدم في الليل ولا تعود أبدا [تموين – تتقدم – كمائن - مدفعيات] ~ بقية المصوّتات

سكّرها (ايفا ) تراقص المدفعيات

والطحين ، ~ [شاي – ايفا – طحين – رغيف - ألقيه – مدفعيييات (الياء)] ~ ثم النون ... إلخ..

أريد الطحين

لأخبز معه أحزاننا

ورغيفًا رغيفا

ألقيه إلى النهر .... عودة الهمزة [أريد أخبز ألقيه أسماك أسى أحزان أسى على أسى لأسى]

تتكاثر الأسماك التي تبكي

وتحنق الجداول على البساتين

وبدلاً عن الماء

تنزلق المشاحيف على الأسى

الأسى الذي يوصلها

للأسى فقط.

هذا التبادل والتكرار والانقلاب في مصوّتات معينة لها علاقة بالجوّ النفسي للمعركة والخوف والوحشة والعزلة والمواجهة غير العادلة مما يضفي مستوى آخر في التعبير الذي يستمكن لاوعي القارئ بينما يتابع الذهن دفعات الصور المتزاحمة..

هكذا يرسم الشاعر مدينته ويؤرخ سيرته في ظل الحرب تفاحة مهروسة أو نهراً وجداول تفيض بالأسى بدل الماء فيضطر لاطعامها بأرغفة (الحصار) السوداء فتتكاثر باكية حتى تنغلق الجداول بزحمتها، وهكذا تتفجر (العزلة) سحباً سوداء تسود أجواء المدينة وشوارعها وثكناتها وبساتينها وسجونها، ناسها وأشجارها وأسماكها، شايها كمائن، وسكرها (إيفا) وطحينها (خبز الأحزان). وبالعودة إلى استهلال القصيدة، نجد أن الشاعر لم ينغلق في فكرة (السيرة) أو (العزلة) وانما اتخذها مدخلاً لدراسة فكرة الحرب (الشاملة) التي صبغت كل شيء بصبغتها وزرعت في كل وكر أصابعها. وإذا كانت الحرب (مرحلة) من تاريخ الراهن العراقي – حسب تأويل البعض- فقد تجاوزها الشاعر إلى (مرحلة) الحصار الاقتصادي الذي يرسّخ أضرار الحرب على ضحاياها، وصولاً إلى المنفى كنتيجة منطقية للحرب والحصار. ونجد أن الشاعر اتخذ (خيط السيرة) بما يشبه اللازمة [أنا وسام هاشم..، ولدت في مدينة..، أفتح النافذة..، عجيب هذا المخلوق..، سألته أيامه.. ] فالكائن الانساني، مادة هذا الوجود ولبنة العائلة والمجتمع هو الضحية الأولى والأخيرة لسياسات الدّمار الدولية.. ولا يخفى هنا دلالة [الوعل] المستخدمة في عنوان القصيدة وثناياها، في إحالتها التاريخية على بيت الشعر المشهور.. {كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَها فلم يُهنْها وأدمى قرنَهُ الوَعَلُ}.. كناية عن الحرب الخاسرة سلفاً من جهة و التعبير الحادّ عن حالة تقريع الذات من جهة أخرى . وتبقى القصيدة حافلة بالتناصات الدلالية، ومفتوحة للتأويل ومستويات متعددة من المعنى في أبعاده الذاتية والعامة، الاجتماعية والسياسية، دون توقف عند إشارة حمراء.. ناهيك عن الأخراج الموسيقي للقصيدة سيمنح القراءة (السماعية) أبعاداً نفسية وشعورية وذهنية لا تتكشفها القراءة المجردة لأول وهلة..

عجيبب (بببب)

هذا المخلوق (قققق)

الأب الفاشل (لللل) لكل هذا (ذذذذذا)

والابن الفاشل (لللل) لكل الماضي (ضضضضي) {تجانس الذال والضاد}.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدمة عامة في تجربة مظفر النواب الشعرية
- حسن الخرساني و سقوط مردوخ
- مفيد عزيز البلداوي وقصيدة الحلزون
- سعد جاسم وقصيدة الحداد لا يليق بكريم جثير
- دراسة في مجموعة ” نون ” لأديب كمال الدين
- حمّالة الحطب.. عن المرأة والغزو!..
- (عَنترَهْ..)
- (فراغ..)
- (إلى صلاح نيازي..!)
- جدلية الزمان والمكان في رسالتين إلى حسن مطلك - قراءة تحليلية
- (شيخوخة..)
- الدكتور يوسف عزالدين في حوار شامل
- (حزن..)
- الانسان.. ذلك الكائن الأثيري
- (مساء..)
- عن المكان الوجودي..
- المرأة والمكان.
- (شوسع الدنيه وما لمّتني..)
- مظفر النواب.. من الرومانتيكية الثورية إلى الاحباط القومي
- (سوبرانتيكا)..


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - - أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-