أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وديع العبيدي - المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..















المزيد.....

المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2667 - 2009 / 6 / 4 - 09:11
المحور: حقوق الانسان
    


وديع العبيدي
(الانسان والمكان -5-)

المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..
(تطبيق في الحالة العراقية!)

"وغرس الربّ الاله جنّة في عدن شرقاً. ووضع هناك آدم الذي جبله. وأنبت الربّ الاله من الأرض كلّ شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل."/ - (تك 2: 8، 9)

بغض النظر عن الموقف العلماني من الدين، يمكن استقراء بعض دروس أساسية من مراجعة نصوص الكتاب المقدس، سواء في فهم الانسان أو ترتيب علاقته بالمكان. ويأتي هذا في إطار تعددية مستويات قراءة الكتاب لاستنباط أجوبة غير مباشرة لأسئلة سبق أن راودت العقل البشري وعمل على تصنيفها في دساتير وأنظمة وعادات وأمثلة متداولة شفاها أو كتابة وبما يناسب مختلف المستويات والأوساط. وقد عبّر كليمنت السكندري وأوريجانوس من آباء الكنيسة الأوائل عن ذلك بعبارة (كل الكتاب نافع للتعليم والتهذيب). تحتفظ التوراة -هنا- بأهمية مميزة على صعيد التعليم والتمثيل الرمزي، سواء في منطق العلّية الذي يحكم بناء أجزائه وأفكاره السامية أو منطق السلسال الزمني للتطور. فالخليقة.. ما كانت لتستوي من غير تهيئة المكان والبيئة المناسبة. فجاء خلق الأرض في اليوم الثالث مع كلّ ما تنبته من عشب وبزر وبقل. وفي اليوم الرابع جعل النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل، وفصل ين النور والظلمة. وبعد ترتيب البيئة المناسبة والمضاءة، جاء صنع الانسان في اليوم السادس، نهاية كلّ خليقة.
فالدرس المُستقى من مثال التوراة، استحالة حياة البشر من غير توفير الظروف المادية والطبيعية لحياته وتطوره. وبالنسبة لشعب اسرائيل الخارج من مصر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهو في حالة من الترحّل وعدم الاستقرار، كان لا بدّ من تخصيص أرض خضراء صالحة للحياة تمكن الانسان من الحياة والازدهار. وقد جاء تخصيص الأرض مبكراً لذلك، "وظهر الربّ لأبرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض."/ (تك 12: 7)، بما يقارب خمسة قرون قبل خروج آل اسرائيل من مصر.
*
كيف يمكن الاستفادة من تطبيقات هذا النص في حياتنا؟..
هل تصلح الاستضاءة به في عصرنا وظروفنا الراهنة، بغض النظر عن منابتنا العرقية والعقائدية؟..
مثل أي نص معرفي أنتجه العقل البشري وقدمه في دائرة التراث الانساني.. الاجابة.. نعم.
هذه الاجابة تنبع من وعي الواقع والواقعة التاريخية على السواء في النظر إلى الحياة دون طابع الالتصاق بالسلف. ذلك أنه نتيجة للعصبية والانغلاق والجمود أضرب السابقون لنا عن تصفح مكتبة التراث فما زادوا حالهم وحالنا بالنتيجة إلا سوء على سوء، فقدموا مثالا سيئا على نبذ التعلم والتفكر ولو كان بين ظهرانيهم وأقرب إليهم من أطراف عيونهم.
(سنكون نحن يهود التاريخ.. ونضرب في الصحراء بلا مأوى)..
قالها الشاعر مظفر النواب في وترياته الليلية في أوائل السبعينيات.. وفي التسعينيات تحققت تلك النبوءة بنجاح ساحق.. تساوى في ذلك المقيم والمهاجر.. لا أرض.. لا بيت ولا سقف. لا نخلة ولا شجرة ولا نور. بابل التي كانت ليالي شوارعها العامة تضاء باستخدام بطاريات زيتية أيام الكلدانيين وبغداد العباسيين تضيء أزقتها فوانيس ضخمة، استمر بعضها حتى أيام العثمانيين، ها هي تسبح في ظلام منذ التسعينيات، وأهلها مقطوعون منقطعون، تساوى فيهم النازل والصاعد، الظاعن والقاطن، المقيم والمهاجر، لا شيء يربطهم بالأرض والسكنى، ولا مكان يجذبهم للرحيل. مات الوطن في الضمير والذاكرة العراقية وصار الفرد العراقي سائبا لا ينتمي لشيء ولا قيمة مركزية، يبحث عن بوصلة. شحّ المكان.. وفي عقبه انتقلت الشحة إلى كلّ شيء. عندما لا يكون ثمة مكان يجتمع فيه الماضي والمستقبل، فباطل هو كلّ ما تعمله يد انسان. على مدى قرون طويلة لم يكن الاعراب يجيدون شيئا غير التجارة الوقتية. حيث صرّة المال مما خفّ وزنه وزاد ثمنه. ليس للأعراب قيمة مكانية، فلم يعنوا بالبناء والزراعة والعمران، واستسهلت عاداتهم النهب والسلب فتسلطوا على ديار سواهم ومصادر معيشتهم، يقوتون أنفسهم ويمتعونها على حساب غيرهم دون جهد أو نصب(طعام مغتصب وجنس مغتصب وسلطة مغتصبة!)؛ فإذا هي تستحيل خربة ويعمّها الفساد والدمار. هذا هو حال بلادنا وحال العراق بعدما سلّم أهله أمرهم لمن لا يخاف ولا يرحم ولا يستحي. تحوّل بلد الحواضر التاريخية القديمة إلى أرياف ومواضع خيام. في القرن التاسع عشر تراجعت البداوة إلى 5% وتقدمت معدلات الاستقرار والتوطن. وفي عقدة الألفية الثانية استحالت بغداد الحاضرة التاريخية إلى ريف أو أرياف هائلة لا أثر للمدنية والحضارة والعصرنة فيها. وبينما كان الطربوش والسدارة ولبسة الأفنديه مما تفخر به بواكير القرن العشرين، صار حكام البلاد وتجارها ووجوهها يتباهون بلسة الريف والبداوة والعمة. وباندحار الحضارة والمدنية انتحرت مؤسسات الطابو التي شرعها العثمانيون ليسطو ذو اليد الطويلة على الممتلكات والأملاك المتوارثة، بورقة يزوّرها موظف الطابو تحت تهديد السلاح أو ورقة مسؤول حزبي أو حكومي. وفي ذاكرة أيام زمان اشتهر المدعو خيرالله طلفاح برغبة جمع الأملاك والاستحواذ على الأراضي الزراعية. يسلك لبغيته مختلف السبل من الشراء إلى استخدام النفوذ الرسمي حتى التزوير. وذات مرة شكاه أحد المجنى عليهم إلى رئيس الدولة. ولم تكن ممارسات خيرالله خافية على أهل الحكومة، فقال له: ما راح تجوز من سوالفك؟.. فردّ عليه الحاج أنه اشترى الأرض شراء، وسجلها في الطابو حسب العقد. وتم احضار موظف الطابو وهو في حال من خوف وريبة. وكان لا بدّ أن ينضم للقوي ولكنه أمام موقف رئيس الحكومة وجد نجاته في الصدق وقول الحقيقة. انكر صاحب الأرض الأصلي أن يكون قد باع أو استلم مالا أو وقع عقدا.. وكان العقد في يد موظف الطابو يتضمن مبايعة وتوقيع. عندها اعترف موظف الطابو بتزوير العقد تحت ضغط الحاج الجليل. فالغيت معاملة التزوير وأعيدت الأرض لصاحبها الأصلي.
تلك حكاية من أيام سلفت، بقضها وقضيضها. وجاء من جاء من بعدهم، فكيف جرت حكاية الأرض والملكية والتزوير ودعاوى الحق العام. أن أكبر عبء يجثم اليوم ومنذ سنوات على كاهل مؤسسة القضاء العراقي هو دعاوى تصحيح الملكية وحقوق المهجرين، فما الذي تم من ذلك، وما هو الأفق والاطار المعمول به. عندما تموت تلك الآصرة الروحية والنفسية بين الفرد والمكان، بين نفسه وبيته، بكل ما يمثله البيت من حميمية وألفة عن العراقي، تلك الألفة التي تبقى صورها وأجواؤها مرتسمة وصادحة في كل حجرة وجدار من أرض المنزل.. تختزن الضحكات والزقرقات والدمعات والمحبة.. ماذا يتبقى للانسان غير أن يهيم على وجهه. لقد زحف البدو على القرى. وأهل القرى على المدن. وأهل الأطراف على المراكز. ووجد ابن المركز نفسه وحيدا غريبا ضعيفا مستضعفا أمام موجات الغزو.
الغزو الأمريكي في مارس 2003، ليس غير غطاء، لعمليات وموجات من الغزو السكاني والثقافي والديني والقومي المتدحرجة على بعضها داخل المدينة العراقية والحواضر العراقية. وعندما ينسحب جيش الاحتلال الأمريكي ذات يوم، تكون موجات الغزوات الداخلية قد استوطنت، بينما ابن المركز صار طارئا لا أرض تحمله ولا شجرة تظلله.
الغزو بالمعنى السكاني أو السياسي ليس مما يستهان به. وليس طارئا أو مؤقتا كما يحلو للكذاب الادعاء. وانما هو جزء من برنامج مخطط ومبرمج مدعوم ومسنود من الحكومات المحلية. وبالتالي فأن حكومات الاحتلال*، بدل التصدي لاصلاح الأوضاع المتوارثة، زادوا من نسبة الكوارث السياسية والديمغرافية التي تنسف مسائل الهوية والولاء الوطني وصارت حركة القشرة الاجتماعية تهدد مشاعر الانتماء والأصالة، بينما تطفو على سطح المجتمع وتتسنم مقاليده فئات خارجية تحت أقمصة الأحزاب والطوائف واللغات المختلفة.
وإذا كانت عمليات الغزو الداخلية ليست غير قشور متحركة، تلقي بنفسها تحت أقدام الدواب، فأن طامة الغزو هو سيطرة المصادر الخارجية على رؤوس التيارات والأحزاب الداخلية. لقد تأسس معظم الأحزاب والتيارات السائدة في عراق الاحتلال خارج الحدود، وارتبطت ببلدان الهجرة والموطن ارتباطا سياسيا وعقائديا وماليا، وضعها تحت باب التبعية والارتزاق، وجرّدها من حرية التصرف او القرار المستقل، وهذا ما يبرر قوة النفوذ الايراني في العراق اليوم، والمترافق مع سيطرة الجماعات المرتبطة بايران على مقاليد الحكم والسياسة العراقية. نفوذ العجم استثار الشعور العربي حول مصير الهوية العراقية أو الهوية العربية للعراق، فجاء النفوذ السوري والسعودي وغيرهم من الجنوب والغرب. لكن النفوذ ايران السكاني والطائفي والثقافي ما زال قويا في جنوب العراق وشماله وشرقه ، بينما ينحسر النفوذ العربي في غربه. أما بغداد فقد غرقت في وحل الشيعة والعجم مثلها مثل البصرة الحاضرة العربية السنية تاريخيا.
ان الثوابت الوطنية والنفسية والفكرية ذهبت مع أدراج الرياح. سكان العراق اليوم، بعد حربين وحصار ومعارك داخلية طاحنة، هم في زيادة مستمرة. لكن مصادر الزيادة ليست من النمو الدمغرافي العراقي، ولا قفزة كبرى في معدل خصوبة المرأة العراقية، وانما مصدر الزيادة من الغزو الطائفي من البلاد المجاورة على حدود العراق، ومع امتداد فترة الاضطراب مدة ما يزيد على عقد من السنين فأن نسبة الأسر والزيجات المختلطة بين العراقيين والوافدين استقرت وأنبتت وغيّرت من الخريطة الدمغرافية والثقافية العراقية.
أين هو الاستثناء وأين القاعدة، ما هو الأصيل وما هو الطارئ، أي هو الثابت وأي هو المتحول؟.. هذا هو بدء الكلام، وكل كلام قبل هذا هراء!.
*
يتبع.. فصل المنفى
..
لندن
الثالث من يونيو 2009



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي
- الاستهلال السردي في قصة التسعينيات..
- القصة العراقية في المنفى
- عن فضاءات الطائر
- الوطن -جنّة- أم -جنينة- في قصة باسم الأنصار (نحيا ويموت الوط ...
- معرفة الحقيقة العارية والاستفادة من دروس الماضي
- داليا رياض.. - رغم أني جملة كتبتها السماء-
- ستة عقود في محراب الحرف- حوار مع الفنان كريم الخطاط
- - أريد الطحين لأخبز معه أحزاننا-
- مقدمة عامة في تجربة مظفر النواب الشعرية
- حسن الخرساني و سقوط مردوخ
- مفيد عزيز البلداوي وقصيدة الحلزون
- سعد جاسم وقصيدة الحداد لا يليق بكريم جثير
- دراسة في مجموعة ” نون ” لأديب كمال الدين
- حمّالة الحطب.. عن المرأة والغزو!..
- (عَنترَهْ..)
- (فراغ..)
- (إلى صلاح نيازي..!)
- جدلية الزمان والمكان في رسالتين إلى حسن مطلك - قراءة تحليلية
- (شيخوخة..)


المزيد.....




- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - وديع العبيدي - المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..