أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - حول نسبية المكان.. (سعدي يوسف نموذجا..) (4)















المزيد.....

حول نسبية المكان.. (سعدي يوسف نموذجا..) (4)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 23:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقال في الأخبار، فلان في مدينة كذا، وفلان في مدينة أخرى، وأنا في المدينة الفلانية. سوف يقولون مثلا أنني كنت في مدينة لينز وهذه تقع في النمسا، وأنني الآن في لندن، في البلاد التي لا تغيب عنها الشمس ولا تشرق، لأنها محكومة بالضباب ودوار البحر الذي يحيط بها من كل جانب. في الحقيقة، لا أنا ولا أنت، في لندن ولا في اي مدينة أخرى. حيث وجود في الحقيقة لهكذا مسميات خارج ذاكرة البشر، وداوائر المعلومات والمعارف، أما على الأرض فليس سوى أرض، تراب وحشائش وشجر، وفي أحسن الأحوال وديان وتلال وهضاب وجبال وأنهار عملاقة تشقها عنفوان مياه. أين تقيم أنت.. أنت تقيم في ذاتك، في داخل نفسك. هذا هو أنت.. في كتاب السحري (خطوات الكنغر) يصف سعدي يوسف صورة مكان مقارب: الفندق ضخم. لا يفصله عن البحر سوى أمتار قليلة، حتى أنك لتسمع الأمواج تهدر، والريح تعصف، طوال النهار والليل، فتحس بنوع خفيف من الدوار. ثم أن مصاعد الفندق ذات أرقام تعني عكسها، فالصفر يعني الطابق الأعلى… وهكذا. كنا حشدا من أهل القلم، آتين من بقاع شتى، نظل مرتطمين مع بعضنا، دائخين، كأننا سكارى، أما السبب في ما نحن فيه، فهو في منتهى البساطة. ليس بإمكانك في نزل “ماء الزعفران” أن تهتدي إلى غرفتك. هكذا يكون لزاما عليك، أن تلتجئ إلى أول غرفة تجد فيها صديقا لك، ليلجئك، ويخلصك مما أنت فيه، من هلع وتيه، ثم لتمضي الليل في غرفته، مريحا رأسك على أي وسادة، حتى لو افترشت الأرض، المبللة برطوبة هذا البحر الذي يقتحم عليك، عالمك، بلا رادع….!./ 106-107*

يمكن تصور هذا جزء من تفاصيل حلم ليلة ما، أو قيلولة ما، ولكن ليس حقيقة ما. ورغم ان الحديث يدور حول فندق في شاطئ الجزائر، وأن هذا الفندق متلبس بالسريالية أو الدادائية أو واحدة من مراحل بيكاسو الزرقاء أو الحمراء، لكن الأهمية هنا تتجه للانسان، الجمجمة. سعدي يوسف المسكون بالأمكنة وتفاصيلها مسكون بالغيب، الميتافيزيك، ما وراء الطبيعة، ولعله أكثر من ردّد كلمة (سماء/ سموات) أو أنها هي ترددت في كتاباته، ولا بدّ أن ذلك من أثر الميثولوجيا في طفولته، أو هي ميثولوجيا المكان نفسه التي أنتجت ابي الخصيب والعشار أم هي ميثولوجيا البحر التي أنتجت المكان. البحر متصل على الدوام بالأفق.. بالسماء. أن أي بحيرة أو كاسة ماء بعكس صورة السماء. لكن سعدي لا يتوقف عند اللون المجرد وانما يتجاوزه لما بعده، بحثا عن الجنّ والقصيدة والمكان. لقد حملت غير مجموعة شعرية له لفظة السماء، وأخذها عنه غيره ليس في الشعر، وانما في عناوين كتبهم، رغم أن بعضهم لم يعرف البحر، ولا مدينته نزلت إلى البحر يوما تغتسل. في حديثه عن شاطئ عدن في كتابه الآنف، يتجاوز الشاطئ للحديث عن الشمس (الشمس تظل ماثلة على البحر، متدرجة اللون، حتى تغطس فجأة في البحر، مثل برتقالة حمراء، كبيرة، تاركة وراءها، على المياه البعيدة، حمرتها الذائبة… لكني لم أرَ شروق الشمس في عدن)/109.

المكان صنو الغربة والضياع، صنو للعزلة واللاجدوى..

لا يد قابلة للمس

لا كلمة تُسمَع

لا وجه قريبا

فقط

جحيم الصمت

الذي كان ذات مرة.. بعيدا. (كلاوديا بتتر- النمسا)

فالتطور المادي، التكنولوجي والمدني في تفتيته للبنى الاجتماعية التقليدية، ولخصائص المكان الكلاسيكي، وضع الانسان أمام مصير مجهول، مكان صحرواي قاخل تنعدم فيه الملامح والخصائص والعلائق القرابية التي مهما بلغت قسوتها، لا تفتقد دفئها وحميميتها. وتنقل لنا حلبة الملاكمة (!! مع استنكاري لها) صورة مدهشة، فرغم أن الخصمين يتمنى كل منهما القضاء على الآخر حتى الموت، إلا أن شدة الضرب وشدة إحساس (المضروب) بالألم والنجدة يدفعه للاحتماء بصدر الخصم. صورة التصاق وجه المضروب بصدر الضارب ولف ذراعيه حول خصره أقرب إلى صورة طفل يلتصق بصدر الأم ويلتف حولها أو يتمنى أن تلف ذراعها حوله، أو تلتف عليه. ان المبالغة في الشيء تدفع للضدّ، وقسوة الضرب تستثير الحنان، مباشرة عند الضحية، ولاحقا عند الطرف الفعال. وفي العائلة الشرقية كان الضرب أحد المستثيرات الجنسية أو النفسية لطلب اهتمام الآخر وغالبا ما تمهد لحميمية جنسية ونفسية تعيد العائلة إلى أجمل أيامها. وقد أشار سعدي لمثل هذا التضاد وانقلاب المتضادات في قصيدة له..

أقسم.. أن البغض أعظم ما يمنحه الحب.

فالحب والبغض مفاهيم نسبية مثل المكان والزمان، الفيصل فيها هو الانسان بفكره ومشاعره وقدرته على الارتقاء بهما في نظرته للوجود.. وعودة ل في فالمكان كقيمة نسبية يجسدها الذهن أو الشعور وليس الجغرافيا المادية كما في قصيدة أخرى للشاعرة النمساوية كلاوديا بتتر عنوانها (خبّرني.. أين أنا)..

أسرارك تقرص أذني من الخلف

بحري غير الملحي يفيض وراء عينيك

أمسكني من تحت الأبط

هناك يسكن الجنّ

في رأسك، تتعشّق أحلامي

في داخل قلبك أنا أرقص من الشبع

تعال لنجلس تلسعنا الشمس من فوق

ونقضي فصلا* آخر.. (من فصول السنة)

مدارات الطير على جبينك

والبدر يضحك لنا مودعا

..

اعبر بي على الكبد

حيث قملتي المفضلة

زرني في النصف الخلفي للمخ

لكني أغلق الباب وراءك

ثم خبّرني.. أين أكون أنا







غير بعيد عن أبي الخصيب، ولد بدر شاكر السياب (1926- 1964) وتنقل في بغداد، وزار غيرها، لكنه لم يستقر في واحدة، ولم يتحول إلى واحد من أبنائها، وعندما وصل إلى الكويت احتنق في غربته ومات. وقصيدة (غريب على الخليج) من روائع الشعر المعاصر، لعل المهم فيها هو البعد النفسي الذي جعله يضيق بغربة المكان. فالكويت أقرب للبصرة من بغداد. لكنه أحس بالنفي.

أصيح بالعراق يا عراق.. فيرجع الصدا.. عراق

ان للمكان أهمية رئيسة في كيان الذات، وهو الفاصلة في تاريخ الشعر العربي قديمه وحديثه كما يرى أدونيس. بل أنه أبرز خصائص الشعرية الحديثة على طريقة أنسنة الشعر.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

· سعدي يوسف- خطوات الكنغر (آراء ومذكرات)- دار المدى- 1997، ومن مقدمة الكتاب للمؤلف: الكنغر لا يستقر طويلا في مستقر، حتى لكأنه يستمتع بانتقالاته الرشيقة، معتبرا الفضاء الوسيع بيته بلا منازع.

· أدونيس – الثابت والمتحول- جزء2- دار الساقي- بيروت- 2002

· كلاوديا بتتر- شاعرة نمساوية تقيم في فيننا. لها مجموعتان شعريتان : ما ضيّعه المرء هنا، صوت يخسر نفسه. ونشريات في كتب ومجلات أدبية. والمقاطع المترجمة هنا من كتاب (فاسيتن) السنوي لعام 2006 لمدينة لينز. وهي من ترجمات الكاتب و. ع.





#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدن في حياتي .. الوجيهية (4)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (3)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (2)
- مدن في حياتي.. الوجيهية .. (1)
- فليحة حسن.. وقصيدة (أنا لست مريم يا أبي!)..المقارَبة والاختل ...
- هذه الجريمة اليومية
- فراغات النسيج الاجتماعي في العراق
- المرأة كونترا المرأة
- رسالة من بعيد
- صادق الطريحي في (أوراقٌ وطنية)*
- -ولد للبيع-* الطفولة وبقايا الاقطاع
- -هذا عالم جايف.. اكتب!-
- سليم مطر في (إمرأة القارورة)
- سيلين براكاش- أوزر
- (سماء..)
- المكان هو المنفى.. الوطن هو الغربة!..
- مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي
- الاستهلال السردي في قصة التسعينيات..
- القصة العراقية في المنفى
- عن فضاءات الطائر


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - حول نسبية المكان.. (سعدي يوسف نموذجا..) (4)