أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - سيرة أمي المرضية















المزيد.....

سيرة أمي المرضية


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 22:43
المحور: كتابات ساخرة
    


لا أحد يعرفُ أمه مثلما أعرفُ أمي , فهي حينما تقول : (مافيش إشي) فهذا معناه إنه في مليون إشي .

وحين تقول لا شيء يؤلمني فهذا معناه أن هنالك ألم جديد أو قديم قد طرىء عليها .

وحين تقول : أنا مرتاحه فهذا يعني أنها متعبة جداً , وهذه الكلمات كلها كانت وما زالت تصرفها لي ولأخواتي أما للأطباء فإنها تصرف كلمات أخرى فهي تقول -وهذا ليس إدعاءاً - من أن كل نقطه وكل فاصله وكل علامة ترقيم وترميز في جسمها يؤلمها وكل (مغزة إبره) في جسمها تؤلمها وكل شعرة من شعر رأسها شابت وذابت مع ذوبان قلبها وتصدعه من الآلام .
أمي معجزة من المعجزات وظاهرة غريبة من أغرب الظواهر الاجتماعية والنفسية والصحية وأعجوبة من عجائب الدنيا السبع بل أن أمي أضافت للتاريخ أعجوبة ثامنة بصبرها وتحملها واعتيادها على الآلام , فأمي مثل الإسفنج تمتص البحر ولا تغرق, أو كما قال مظفر النواب : أنت كما الإسفنجة تمتصُ الحانات ولا تسكر) وأمي من هذه الناحية تمتص الصيدليات التي في البلد ولا تشفى فهي تتناول كل يوم أكثر من 6 أنواع من الأدوية وأمي ليست خبيرة بنوعية الأدوية ولكنها تميزهن عن بعضهن البعض بالألوان , فالحبوب الملونه بالأبيض لخفض الحرارة حين تسمع خبراً أو حين تخاف أو حين يصيبها القلق ودائماً أمي مصابة بالقلق علينا جميعاً لذلك الحبوب البيض لا يفارقنها أبداً , وأما الحبوب الزهرية فهي لمضادات الاكتئاب وأما الحبوب الصفراء فهي فيتامين (بي كومبلكس) وهذه الحبوب من النادر أن نجدها في مستشفيات الحكومة فدائماً يكتبونها لأمي ودائماً أذهبُ أنا لإحضارها ودائماً لا أجدها وغالباً ما تصرف إلى السواقين الذين يسقون سيارات المستشارين الطبيين ورؤساء الأقسام فم يأخذون هذه الأدوية لهم فقط لا غير ويتركون المرضى يبحثون عنها في المندل ولا يجدونها .


ومرةً ثانيه: كنتُ في طريق العودة من المدرسة إلى الدار حين شاهدتُ أمي المعجزة وهي تتكي على كتف خالي لتصعد سيارته البيضاء إلى أقرب مستشفى وكانت أمي تدفعني بيديها للخلف وهي تقول : الأكل بالثلاجه روح غسل وبعدين حط الأكل ما فييش أي إشي هسع راجعه , وهذه كانت أول صدمة لي أرى فيها أمي المعجزة العظيمة وهي لا تقدرُ على المشي فاستغربت كيف بالمعجزة تهوي على الأرض , إن أعمال أمي ونشاطها جعلني طوال عمري أشعرُ أنها معجزة ضد الأمراض والآلام وحتى الموت نفسه ولكن في هذه المرة خابت آمالي حين رأيتُ سقوط المعجزة على كتف خالي.

وكان جسمي النحيل لا يساعدني على حملها فتركتُ خالي يحملها وصعدتُ أنا في السيارة من الخلف دون أن تراني, وكانت تصرخُ بأعلى صوتها من شدة الألم أما أنا فقد انجرفت دموعي بصمت عليها لأنني لا أستطيع فعل أي شيء لها وقلتُ في نفسي :
إذا أمي طابت من هذا الألم معناته فعلاً وحقاً إنها معجزة ربانية , وفعلاً نهضتْ أمي من الألم بعد مدة لا تتعدى الثلاثة أيام . .

ولكن هذه المعجزة كانت في كل شهر تسقط بمرض جديد وأصبح كل أساتذة الطب المحترفين والمستجدين والأغبياء والأذكياء يعرفونها , وأيضاً الأطباء الذين يرتكبون أخطاء طبية كبيرة يعرفونها وكذلك الأطباء الذين ينسون ملاعقهم وسجائرهم في أحشاء مرضاهم أثناء العمليات الجراحية أيضاً أولئك يعرفونها وتعرفهم هي من مناظرهم ووجوههم , حتى المتدربون على الجثث والجيف يعرفونها.

وكان أي متعلم في المستشفى يأخذها من يدها لكي يجري لها الفحوصات ومرة ثالثه دخلت أمي المستشفى وكانت في وضع صحي يرثى له وكعادتي تسللتُ في السيارة تسللاً وحين نزلنا سألتها :

شو مالك؟.
فقالت لي وهي مستغربه وجودي :
إنت كيف أجيت ؟.

فقلتُ لها :
أجيت معاكوا راكب في البكم (البكب) من ورى.

فردت عليّ وهي تقول:

ما في إشي روح أقعد اهناك .

وكلمة ما فيش إشي دائماً تستعملها أمي حين أسألها عن آلامها فتذهب بوجهها إلى أي ناحية لا أراها فيها وتمسح دمعتها وهي تقول : عادي ما فيش إشي , وفي هذه المره لم تنفعها كلمة عادي ما فيش إشي لأن فريقاً طبياً قرر استئصال رحم المعجزة –الذي علمني على تحمل الآلام_ من جذوره بسبب الالتهابات والآلام الحادة وذلك سنة 1985م وكانت أمي وقتها تبلغُ من العمر 36سنة ولديها أربع ملكات جمال وولدين , وأرمل منذ سنة على الأقل .

وبعد مضي فترة عرفتُ أن الدورة الشهرية قد انقطعت عند أمي المعجزة لأنها بدأت تتحسس الآلام في الركبتين والمفاصل بسبب نقص في (الإستروجين) وقد عرفتُ ذلك من الطبيب العام الذي أقام في الحارة فحين أحضرناه ليكشف لها ولنا عن أسباب الآلام قال بأنها بسبب انقطاع الطمث فسألتُ أمي وأين الألم بالضبط فأدارت وجهها للناحية الأخرى وأمسكت بالمنديل ومسحت به وجهها ثم قالت : عادي ما فيش أي إشي .

وتأكدت فعلاً هذه المرة أن كل شيء من الممكن أن يحدث لأمي وإن أي فايروس قد يصيب جسدها ما عدى معجزتها التي من المستحيل أن تتحرك أو تتزحزح قدر أُنملة.

وكلمة عادي ما فييش أي إشي هي شعار أمي حين كانت تتألم ولكنها كانت ترفض هذا الشعار حين نستعمله في بيتها فكانت تسألتي :

شو بوجعك؟.
فأقول لها :

ولا أي إشي .

ما فيش إشي بوجعني فتقول لي : كيف ما فيش إشي بوجعك لعاد ليش مش نايم مليح , بعدين اسمعتك قبل إشويه وانت إتقول أخ , أي يا أمي في بالدنيا أخ بلا لخ ؟!.
وبعد فترة أكتشف معجزة جديدة في أمي وهي أن لديها قدرة على كشف آلامنا والإحساس بها قبلنا .


وبسبب كثرة زيارة أمي للمستشفيات أصبحت في الآونة الأخيرة نجمة الاستعراض في المستشفيات الأردنية الحكومية ففي مستشفى بسمه التعليمي قامت أمي بعرض كبير أو باستعراض كبير لأكبر ديسك كبير في محافظة إربد ورقصت من شدة الألم أكثر من نجوى فؤاد أو فيفي عبده أيام زمان , وأقنعت كل أطباء الأعصاب في ذلك الوقت أنهم سفله ومرتشون وفاسدون علمياً وإدارياً حين أعطوها موعداً لأربعة أشهر وأنا أجرها على العربة لأنها لم تعد تقدر على الوقوف بسبب الإحساس بالخدر في الأطراف العليا والسفلى من جسمها وقد أمسكتُ يومها بطبيب أعصاب وأشبعته ضرباً لأنه قال : إذا عندك واسطه كبيره بعمللها عملية الدسك في أقرب فرصه .
فقلت له وعيوني ودمائي تغلي :
-جد؟
فقال طبعاً هو أنا في بيني وبينك مزح ؟

ومن ثم قمتُ بإخراج كافة أدوات غرفة المعالجة ورميتها في الخارج وحضر مُرتب كامل من الأمن العام من أجل السيطرة على الوضع وحين شاهدوا المعجزة وهي تتألم أطلقوا سراحي واعتبروني مظلوماً بسبب تراكم الفساد وكان هذا سنة 1999م .
وبعد هذه الحادثة أصبح لنجمة الاستعراض علاقة حميمية بينها وبين مسارح المستشفيات الحكومية وفعلاً قاعات الانتظار في المستشفيات الحكومية عبارة عن مسارح تعرضُ فيها كل امرأة آلامها وحتى اليوم حين أرافق أمي المعجزة إلى أي مستشفى أجلس صامتاً أستمع من النساء اللواتي يجلسن بجوار أمي على المقاعد الخشبية كثيراً من قصص الأمراض فالسيرة المرضية لأمي لا تخصها وحدها فكل أو غالبية نساء المملكة الأردنية الهاشمية يعانين من : آلام المفاصل والقرحه والضغط والسكري , وبعد مراجعة عيادات الاختصاص في مستشفيات الحكومة لأخذ العلاج اللازم نجد أن غالبية تلك النساء ينتقلن إلى مسرح مراكز غسل الكلى والتي تؤدي فيها النساء عروضاً تلقائية من الرقص والألم وقد شاهدتُ امرأة في إحدى المرات تستعرضُ آلامها بطريقة تشبه طريقة فرقة (رضا )المصرية الاستعراضية وشاهدتُ أخريات يغنين آلامهن وكأنهن مغنيات في فرقة الفحيص الشعبية , ومراكز غسل الكلى تعتبرُ المحطة الاستعراضية الأخيرة للمصابات بالسكر والمتعاطيات للأنسولين الأزرق والبني .

حتى أنها في الآونة الأخيرة قد تحولت إلى علاقة شبه غرامية فدائماً أمي حين أمر بها في الطريق المؤدية لمستشفى إيدون العسكري تقول لي :

خلينا أمر أشوف دكتور الأعصاب .

فأقول لها:

شو بده يساويلك دكتور الأعصاب ؟.

فترد وهي تتألم:

احتمال يطل على إجريه ويشوفهن .

فأقول لها ساخراً :

شو يطل على إجريكي أي والله لو أبويه الله يرحمه عايشه غير يذبحه مثل ما كان جدي يذبح الجاجه(الدجاجه) فترد عليّ :

خليك مره وحده بالحياه جدي .

-شو أنا بمزح معك , شو بده يعملك دكتور الأعصاب ؟
وحين تيئس مني تقول لي :
-طيب خليني أشوف دكتور الشبكية بلكي شطّي عيوني على الليزر .
فأقول لها : صدقيني الجهاز خربان , كل مره بعطونا موعد لستة أشهر ونحضر في نفس الزمان والمكان ومع ذلك نجد الجهاز معطل .
فتأخذ أمي نفساً عميقاً وتقول :
هذا الله وهذي حكمته شو بدنا إنساوي ؟
فأقول لها :
شو رأيك إنت واحمد ومحمد وفالح ونزار وعماد , من بكره الصبح تطلعوا مظاهره وتعتصموا أمام مكتب محافظ إربد أو العاصمه عمان ؟
فتقول :
يقطع أمك ..يلعن أمك ..بدك إتوديني على السجن .
فأقول لها : مش إنت مش إملاقيه ليزر أو بي كومبلكس , وعماد مش إملاقي وظيفه وأحمد مش إملاقي شغل ؟ طيب إطلعوا مظاهره وعبروا عن آلامكم , هون في المستشفى من المستحيل أن تجدي دواء أو سريراً دافئاً , بالمظاهرات السياسية وبالنضال وبتقديم البطولات والقصص البطولية....إلخ.
فتقاطعني وتقول : خلص خلص هسع بسجنوك زي هذيك المره .
ومن ثم تسكتُ لبرهة ومن ثم تنظر لي وكأنها تشحد لتقول :

طيب خلينا إنشوف دكتور العظام والمفاصل أو دكتور الشبكية أو دكتور الباطنيه وأمراض الدم والسكر , وإذا ما لقيناه خلينا نسأل إهناك عن صاحبك دكتور الكلى والمسالك البوليه .
فأقول لها :
شو هذا إنت امصاحبه كل هذول ؟

-شو ؟! ولك أنا تبعت الشغلات هذي , هذول بدي يعطوني دوى .
-دوى؟
-آه دوى شو مالك ؟!.
-أي صدقيني المدينه الطبيه كلها بكافة دوائرها ومعهم المقيمون خارج المملكة الأردنية الهاشمية يعجزون عن علاجك.








#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمي على مائدة الطعام
- اللغة السريانية والمسجد الأقصى
- الخلفيه الثقافيه
- الحياة العامة في الأردن3
- العلاج بالقرآن الكريم
- من نوادر البخلاء
- بيت الكرم1
- كيف أصبحت الأنثى امرأة؟
- وجه الشبه بين زوجتي والحكومة الأردنية 2
- مثقف أردني يحكي قصة اضطهاده2
- مثقف أردني يتحدث عن نفسه2
- ضك الجينز
- المرأة مصنع الرجال
- المخلوق العجيب
- تحديد النسل من وجهة نظر سياسية
- أسئلة الأطفال
- نقاش عام عن المرأة
- الملابس الإسلامية
- الشخصية المثقفة والشخصية العادية
- الاسلام لا يصلحُ لكل زمانٍ ومكان


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - سيرة أمي المرضية