أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي بنساعود - تونفيت... سجن مفتوح على السماء















المزيد.....

تونفيت... سجن مفتوح على السماء


علي بنساعود

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 05:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


لم أستغرب حينما سمعت أحد أبناء تونفيت يعتبر بلدته "سجنا طبيعيا مفتوحا على السماء"، فهذه البلدة الصغيرة، التائهة بين جبال الأطلس المتوسط، هي مركز إحدى جماعات "المغرب غير النافع"، جماعة تربض بين جبلي معسكر والعياشي، وهي جماعة وعرة المسالك، قاسية الطبيعة، مترامية الدواوير، هشة الخدمات الاجتماعية، ضعيفة ومهترئة البنية التحتية.
حينما حللنا بها، زوال نهاية الأسبوع الماضي، وجدناها كئيبة بئيسة، أسطح بيوتها تنفث دخانا، رغم أن الثلوج لم تكن وصلتها بعد، بل كانت ما تزال تطل عليها من أعلى قمم الجبال المحيطة بها، كما لو كانت تتفرج على السكان وهم يستعدون لاستقبالها، بتوفير ما يستطيعون إليه سبيلا من حطب وغذاء، هذا مع العلم أن سكان المنطقة فقراء محدودو الإمكانيات، بل إن أزيد من عشرين أسرة ما زالت تعاني التشرد والعراء، منذ انهيار منازلها بفعل أمطار طوفانية تهاطلت على المنطقة، خلال رمضان الماضي، وخلفت خسائر فادحة، دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء التدخل وتعويضهم أو التخفيف من معاناتهم.
كان الشارع "الرئيسي" لهذه البلدة، مثل أزقتها، مليئا بالحفر والبرك والأوحال ومياه الأمطار المتساقطة، كما كان شبه خال. استغربنا في البداية للأمر قبل أن يفيدنا أحد مرافقينا أن الأمر يعود إلى شدة البرد، الذي يشبه هنا عدوا يطارد السكان طيلة فصل الشتاء، ويذيقهم أقسى أنواع المعاناة، إلى درجة أن الدم يكاد يتجمد في أطراف الإنسان، فيفقد الإحساس بها، والتحكم فيها. كما أن هذا العدو يرهق الناس ماديا، لأن مدته تناهز ثمانية أشهر كل عام، ويضطرهم إلى شراء الحطب لتدفئة بيوتهم وأجسادهم، رغم أن أغلبهم فقراء يجدون صعوبات حقيقية في توفير كسرة خبز حافية، فبالأحرى توفير ثمن الحطب والدواء جراء إصابة مئات السكان، وخصوصا الأطفال منهم، بأمراض مزمنة والتهابات رئوية حادة.
وحسب عدد ممن التقتهم "الصباح"، فإن المنطقة كلما حل بها الثلج، الذي يتجاوز مستواه مترا، حاصرها وعزلها عن العالم، فيجد سكانها صعوبة كبيرة في مغادرة بيوتهم، سواء للتسوق أو لقضاء حاجياتهم، بل لنقل مرضاهم أيضا. كما تتوقف الدراسة، وتختفي المواد الغذائية الأساسية من الدكاكين المحلية، ويقل حطب التدفئة، ومقابل ذلك، ينتعش المضاربون الذين لا يترددون في استغلال هذه الوضعية، للمضاربة بقنينات الغاز والسكر والدقيق المدعم والزيت والشاي... ما يجعل الفقراء يعانون الجوع، فلا يتناول أغلبهم سوى الخبز والشاي فطورا وغذاء وعشاء… هذا دون أن تتدخل الجهات المسؤولة للتخفيف من معاناتهم.
خلال زيارتنا لتونفيت، ولجنا عدة بيوت، وما لاحظناه فيها كلها، هو أن الناس يلتحفون ملابس صوفية، ويضعون طرابيش يغطون بها رؤوسهم، ويلتفون حول "الفورنو" طلبا لدفء يسري في بيوت وأجساد تكاد تفارق الحياة بسبب البرد القارص. والأمر نفسه سجلناه بالمقاهي الشعبية للبلدة، وفي السوق الأسبوعي أيضا.
ورغم أن البرد مازال في بداياته بهذه المنطقة، فإن سعر قنطار واحد من حطب التدفئة، وصل إلى 70 درهما، وهو سعر مرتفع، حسب السكان، إذا ما قورن بالفترة نفسها من السنوات الماضية، والتي لم يكن يتجاوز فيها 50 درهما...
واعتبر أحد هؤلاء أن ما يقع للغابة التي تعتبر مصدرهم الوحيد للرعي وحطب التدفئة، أمر بشع إذ هو نهب واستغلال عشوائي لشجرة الأرز، ما يؤدي إلى استنزافها، وتقلص مساحتها، يوما بعد يوم، ويهددها بالانقراض في أي لحظة، بسبب استهدافها من قبل مافيا تهريب شجر الأرز، الذي تزخر به المنطقة. وهذا الأمر، حسب مصادرنا، يهدد الغابات القريبة من تونفيت والدواوير المجاورة لها، ومن المتوقع أن يصل الضغط المتزايد على الغابة في هذه المنطقة إلى ذروته خلال الأسابيع المقبلة، إذ سيزداد الإقبال عليها للحصول على حطب التدفئة، نظرا لموجة البرد القارص، التي تجتاح هذه المنطقة فصل كل شتاء. إضافة إلى غياب مورد رزق قار لسكان الدواوير المحاذية لها، إذ يضطرون إلى قطع الأشجار وبيعها كحطب للتدفئة لتوفير لقمة العيش لأسرهم. وأضاف بعضهم أن هذا الواقع سيضاعف من حجم البطالة المستشرية بين الشباب، وسيحد من فرص الشغل الضئيلة أصلا. هذا دون أن ننسى مافيا تهريب شجر الأرز، التي تنتهز فقر السكان، وتستغلهم في تدمير شجر الأرز، وذلك، بتواطؤ مع أصحاب الحال، وهو ما فضحه، أخيرا، توقيف شاحنات محملة بخشب مهرب من المنطقة بأحد الأقاليم المجاورة.
وفي ما يتعلق بالواقع الصحي، اعتبرت مصادرنا أنه بئيس، إذ لا توجد سوى طبيبة واحدة وثلاثة ممرضين يشتغلون في مستوصف يفتقر لأبسط التجهيزات الأساسية ووسائل العلاج. كما أن سيارة الإسعاف الوحيدة بالجماعة متوقفة عن العمل، منذ أزيد من سنة، بسبب تعطلها إثر حادثة سير كانت وقعت لها. ما يعرقل نقل المرضى والمصابين إلى مكناس أو ميدلت، واستشهد مصدرنا على قوله بوفاة مواطنة أخيرا كانت صدمتها سيارة أجرة، وتأخر تقديم الإسعافات الأولية لها، ونقلها إلى مستشفى ميدلت.
ويوم السوق الذي يتزامن بالمنطقة ويوم الأحد، لاحظنا أن سكان الدواوير، وبسبب عدم توفر وسائل النقل العمومية، يركبون سيارات النقل السري أو على ظهر الشاحنات، طيلة عدة ساعات، ولمسافات تتجاوز الثلاثين كلم، وسط الحيوانات والبضائع، على مرأى من السلطات ورجال الدرك الذين "يتفاهمون" على كل حال.
واعتبر بعض الشباب أن وضع المنطقة ناجم أساسا عن سياسة تهميش وإقصاء ممنهجة اتجاه هذه المناطق، وأنها سياسة تساهم في تفقيرها ومعاناة سكانها، وتستخف بحقهم في الحياة والعيش الكريم، وتعري سيمفونيات التنمية والتضامن ومحاربة الفقر ودعم العالم القروي...
وللإشارة، فإن مطالب السكان بسيطة، تتلخص في فك العزلة عنهم بإنشاء الطرق والمسالك، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وإعادة النظر في الظهير المنظم لاستغلال الغابة، سيما أنها مهددة، حسبهم، بخطر الانقراض، جراء لوبيات تنهبها أمام أعين السلطة، وبتواطؤ معها. كما يطالبون باستكمال مد شبكتي الماء والكهرباء، والنهوض بمستوى عيش السكان، وتوفير الدقيق المدعم بالكميات الكافية، والبنية التحتية الصحية اللازمة لضمان حق المواطنين في الحياة، مع محو الأمية، وتوفير التعليم الجيد لهم، والتخفيف من الاكتظاظ، والحد من ارتفاع الهدر المدرسي، وتشجيع السياحة الجبلية، وإدماج هذه المنطقة في مشاريع التنمية، وتعويض المتضررين منهم عن الخسائر التي لحقت بهم إثر فيضانات شتنبر الماضي.



#علي_بنساعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- االمباءة: -الداء والدواء-
- -الساسي- يرسم خارطة طريق اليسار المغربي
- تلاميذ من الرشيدية يتداولون في شأنهم المحلي
- في يوم دراسي حول: -المدرسة العمومية بالرشيدية وسؤال الجودة- ...
- -في أفقر بلدية بإقليم الرشيدية: جفاف الخطارات ينذر بأفق أسود ...
- في تقرير لفعاليات صحية أوربية: أطفال متخلى عنهم يموتون بالتق ...
- فاعلون يستاؤون من زيارة وفد وزاري للرشيدية
- تسونامي المغرب الشرقي
- كارثة الجنوب الشرقي المغربي
- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومطبات التفعيل بالرشيدية
- في يوم دراسي حقوقي: ثلاميذ الرشيدية يشرحون الوضعية بمنطقتهم
- جمعيات تدعو إلى توسيع الحريات العامة في الجنوب الشرقي المغرب ...
- بلدية مولاي علي الشريف/ الريصاني: أوضاع من سيئ إلى أسوأ
- المؤتمر الإقليمي للتقدم والاشتراكية بالرشيدية يدعوإلى محاسبة ...
- الصحة الإنجابية بالرشيدية: أرقام مفزعة تكشف معاناة الساكنة
- أرفود: هشاشة البنيات وتواضع الخدمات
- كلميمة واحة يحكمها من لا -كبدة- له عليها
- الريش: دائرة خارج التاريج المغربي المعاصر
- -الوجه البئيس لبودنيب -مدفن أوفقير
- إسلاميو العدالة والتنمية يتمردون على رئيس البلدية


المزيد.....




- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي بنساعود - تونفيت... سجن مفتوح على السماء