أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إدريس ولد القابلة - الكرابة بائعي الماء - عاطشون















المزيد.....


الكرابة بائعي الماء - عاطشون


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2878 - 2010 / 1 / 4 - 00:01
المحور: سيرة ذاتية
    


إنها حرفة ليست ككل الحرف، وممتهنوها يختلفون في هندامهم وسلوكاتهم عن كل الحرفيين، تختلف نظرة المجتمع لهم، فمنهم من ينظر إليهم، أنهم امتداد للمحافظة على نوع من التراث بدأ في الإنقراض، ومنهم من ينظر إليهم على أنهم مجرد متسولين في لباس ليس على مقاسهم، إنهم الكرابة، أو الفئة التي تعاني في صمت، كما يعاني العديد من أبناء هذا الواطن، فكيف تعيش هاته الفئة؟ وكيف تتدبر مصدر رزقها خصوصا في الفترات القاتلة كفصل الشتاء وشهر رمضان الذي يقل فيه الإقبال على شرب الماء؟ وهل من قانون ينظم هاته الحرفة؟ وما هي شروط الإنضمام إليها؟ وما هي استراتيجية الدولة للحفاظ على مهنة تستهوي السياح ويشمئز منها أبناء البلد؟ وهل فكرت الدولة يوما ما في تأطير مهنة آيلة للإنقراض وتعتبر إحدى أهم الدعامات لشد السائح خصوصا ونحن نراهن على 10 ملايين سائح؟ كلها أسئلة وأخرى حركتنا للنبش ولسبر أغوار هاته المهنة الفريدة التي دخلنا إلى عالم أسرارها واكتشفنا حقا عالما فريدا ومتميزا ومليئا بالإثارة والمتابعة فعندما تتحول القربة من قربة ماء إلى قربة خمر فانتظر المفاجأة.


محمد الخبار أمين الكرابة بجماعة درب السلطان
الكراب الحقيقي لا يتسول


قبل ان التحق بعملي ككراب سنة 1971، كنت أعمل بالميناء، وكانت آنذاك تجمعني علاقة قوية بأحد بائعي الماء (الكراب). وبعد أن تخليت عن عملي بفعل مجموعة من المشاكل، اقترح علي هذا الصديق أن أعمل معه ككراب، ترددت حينها، لكنني سرعان ما وافقت وقررت أخيرا أن التحق بالمهنة الجديدة والتي كانت في ذلك الوقت مهنة مميزة ويلقى ممارسها احتراما خاصا من جميع الفئات العمرية. بعد أن اقتنيت العدة بمبلغ يتراوح ما بين 250 درهم، ولجت المجال بروح تواقة للعمل بجد في سبيل الرفع من مستواي المعيشي وهو ما يجعلني أكثف من جولاتي داخل المدينة وخارجها إلى أن اهتديت إلى فكرة أخرى، إذ بدأت ازاوج ما بين عملي ككراب وبائع متجول للعصير، إذ كنت احصل يوميا على مبلغ 35 درهما والتي كانت تمثل حينها دخلا مهما.

وخلال ممارستي لهذه المهنة وتعرفي بالكثير من أهل الحرفة، ربطت علاقات طيبة مع زملائي واكتسبت خبرة كبيرة وسمعة طيبة مما أهلني لشغل منصب أمين الكرابة بعد 15 سنة من العمل بها. وهذا المنصب كان بمبادرة من مجموعة من زملائي أبوا إلا أن يختاروني لأمثلهم وأعمل على حل المشاكل المتعلقة بمشتغلي هذه المهنة.

تحدث خبار محمد عن مهام أمين الكرابة أنه انسان ابن الحرفة يحرص دوما على مزاولتها، كما يدخل في مجال اختصاصه كل الكرابة الذين يزاولون مهنتهم بالمنطقة التي يعمل بها هو أمينا، إذ يقتصر عمله على فض النزاعات بين الكرابة وإذا لم تفلح مساعيه في حل بعض المشاكل يحولها على السلطة المحلية بالمنطقة. كما يهتم بالوافدين الجدد على المهنة حيث يساعدهم في الحصول على بطاقة مزاولة مهنة الكرابة وحصولهم على الدفتر الصحي.

ومن جهة أخرى يؤكد خبار على الوضعية المزرية للكراب والتي بدأت تندثر بفعل ما طالها من تهميش خاصة وأنها تزاول مهامها في غياب التغطية الصحية والاجتماعية.

لا يخفي هذا الاخير أمله الكبير في أن تقنن مهنة الكرابة لتدخل في إطار مهني يضمن حقوق مزاوليها والتي تعتبر فلكلورا مغربيا أصيلا وحرفة لها جذور ضاربة في القدم. كما ينفي أمين الكرابة أن يجمع الكرابة أية صلة بمن يتسولون بالحافلات ومن يعترضون طريق المارة بالاستجداء والتسول حيث يقول عنهم "الكراب الحقيقي ما تايمدش إيديه للناس ولا يعرض وجهه للبيع" وهنا يسترسل قائلا المتسولون ببدلة الكراب لا يمثون بصلة للكرابة، فهم متحايلون فقط وليست لهم غيرة على هذه الحرفة الاصيلة. وهذا ما يدحض الزعم القائل بأن الكراب بعد فصل الصيف وخلال شهر رمضان لا يجد بدا من التسول، فهذا زعم خاطئ، لأنني ومنذ 35 سنة قضيتها بالحرفة مع مجموعة كبيرة من زملائي لا نتوقف عن العمل لا في فصل الشتاء ولا في رمضان. إذ أننا نعمل على بيع الماء والعصير بشكل دائم أمام المدارس، أو داخل الاسواق خاصة للأطفال الصغار الذين يثيرهم شكل الكراب وينبهرون بلباسه مما يجعلهم يقبلون عليه مهللين بمقدمه وهو يقرع ناقوسه الذي يؤدن بحضوره أينما حل وارتحل.


كراب ينافس نجومية عمر الشريف


يبدو المعطي يزادي أكثر بهجة وسرورا وهو يسرد تفاصيل التحاقه بعمله ككراب في يوم صيف قائظ، اصطحبه أباه خلاله إلى أحد الأسواق الأسبوعية كمتدرب لمدة أسبوع قبل أن يقتني عدة الكرابة، لينطلق في عمله والذي قضى به ما يقرب من 27 سنة. هذا الرجل الذي يلقبه زملاءه بالشريف ينحدر من منطقة تاحناوت، تفانى لسنوات خلت في تأدية مهمته. شعور بالزهو والحبور لا يفارقه خاصة وهو يزاول مهنة تساهم في تقديم خدمة للناس وهي تقديم الماء للعطشان، كما ينال بها الكثير من التواب وهو يسقي ملائكة القلوب وهم الأطفال كما يحلو له أن يسميهم. والمعطي معروف بالمنطقة التي يزاول بها حرفته، إذ أن الكل يعرفه والأطفال لا يكفون عن مناداته وهنا يعبر المعطي بمزاح خفيف الظل قائلا : "حتى أنا مشهور وكل الناس تايبغيو يتصورو معايا، داكشي باش تيحسدني عمر الشريف" خاصة وأن الشبه بينه وبين الفنان العالمي عمر الشريف كبير جدا.

وعن ظروف عمله وما تدره عليه مهنته من مال يقول أنها مهنة محببة إلى قلبه وأنه لم يتسلل إليه ولو مرة واحدة في حياته هاجس تغييرها بحرفة أخرى لأنه وعلى حد قوله قد شرب الصنعة وتشبع بها وأصبحت قربته زاده ومؤنسه أمام هذه الحياة المتمدنة والتي يصفها بقوله "الدنيا بسالت ملي فرطنا في الأصالة والأشياء القديمة".


نجمة في سماء الكرابة


فاطمة الجديدية امرأة في عقدها الخامس، ترتدي بدلة الكرابة وتجوب شوارع البيضاء، لا يثنيها عن عزمها ثقل قربة الماء ولا ضجيج الاواني النحاسية التي تتصادم فيما بينها.

تمشي بخطى تابثة وعزم أكيد على مواصلة المشوار الذي دشنه زوجها الحاج والذي كان كرابا إلى أن وافته المنية، فعزمت فاطمة على مواصلة العمل بحرفة زوجها وهكذا أخذت عدة الشغل وجربت حظها مع الحياة التي تصفها بأنها لا تبتسم لها إلا لماما.

تقطن فاطمة بمدينة الجديدة وتعمل بالبيضاء ككرابة، إذ تقضي أسبوعين لتلتحق بأبنائها الذين تتركهم في رعاية أمها لتبحث هي عن مصدر رزق هذه الكتل البشرية. فاطمة الآن تبدو أقل ضجرا من مهنتها كما كانت عليه من قبل، إذ أنها كانت تحس إحساسا غريبا وهي المرأة الوحيدة التي تلج هذا الميدان خاصة مع تعليقات المارة المحرجة، لكنها الآن تغلبت على هذه العقبات وصارت تستيقظ كل صباح، لتنظف عدتها وتستعد للخروج نحو وجهتها بعد أن تتوكل على الله وتطلب منه أن يكون يوما أحسن من سابقيه.
وعن أماكن اشتغالها تقول، أنها لا تركز على مكان أو منطقة معينة، فكل أرض الله ممهدة للبحث عن الرزق، فمادام الإنسان معافى إلا وهو مطالب بالعمل، لأن العمل عبادة. ولا تخفي فاطمة امتعاضها من المتسولين الذين طوقوا المدن والأسواق خاصة الفئة المعافاة والقوية، وهنا تتساءل عن سبب عزوف هؤلاء عن الاشتغال بدل إزعاج الناس والاستجداء، وعن ظاهرة استجداء الكرابة في رمضان نقول "اعطى الله مايدار، ما كاينش غير السعاية" وتعني بكلامها هذا أن العمل متواجد وعلى الانسان أن يعمل بأي عمل حتى يجد العمل المناسب وأن لا يتكل على الآخرين ويطلب الصدقة، فالصدقة في غير المعطوب غير جائزة".

عمل فاطمة بمهنة أغلب ممارسيها رجالا، لا يشكل بالنسبة لها أي حرج خاصة وأنها لم تلجها عن رغبة واختيار، بل فرضتها عليها الظروف وهي الأرملة والأم ل٣ أطفال، لكنها اليوم تعتز بعملها وكدها لانتزاع لقمة اطفالها بعيدا عن الحاجة والتسول كما تضيف أنها تحس بفخر كبير لكونها أول نجمة في سماء عالم الكرابة الذي لا يلجه سوى الرجال وهذا ما رسخ لدى الجميع احتراما كبيرا لها ولعملها وما يسهل لها مأمورية جذب الكثير من الزبائن الذين لا يتورعون عن سؤالها عن سبب عملها ككرابة وأنها أول كرابة يراها الناس ممن تعودوا على الرجال من هذا المجال، خاصة أن الكثير من السياح يفضلون أن يأخذوا صورا تذكارية معها وكذلك المواطنون، فحب الناس يزيد من تمسكها بمهنتها، مع وجود محسنين يعلمون ظروفها ويعملون على مساعدتها ماديا وشراء الملابس والكتب لأبنائها مع حلول الموسم الدراسي.


كراب أبا عن جد


خلوق بويا، كراب محترف قضى ما يناهز 35 سنة بالمهنة التي زاولها بالعديد من المدن المغربية ليستقر بالبيضاء. بعد مغادرته لمسقط رأسه سيدي بنور، اختار مهنة بائع الماء والتي يقول عنها، أنها مهنة الانسان البسيط المسكين الذي يسير بحذر بجانب الحائط وبحثا عن لقمة العيش غير عابئ بفصول السنة، فكل أيام الله جميلة على حسب قوله، لكن يبقى على الانسان أن يتسلح بالصبر والكفاح وأن لا يتقاعس. فالله يرزق الانسان من حيث لا يعلم. ويصرح بويا بأن آفاق هذه المهنة مفتوحة على عدة مجالات أخرى، إذ الكراب يرتبط بمجموعة من الأنشطة كالأعياد وحفلات عيد العرش حيث تنشط الحركة التجارية وكذلك داخل الملاعب الرياضية وهي فرصة للتقرب من الاحداث الرياضية ومزاولة المهنة مع الأعداد الهائلة من الأفراد التي تكتظ بها جنبات الملاعب هذا فضلا عن العمل بالأعراس إذ يعتبر الكراب الذي تكثر عليه طلبات العمل بالأعراس محظوظا مقارنة بزملائه ، بأنه عمل سيذر عليه مبالغ مهمة إضافة إلى ما سيجلبه معه من مأكولات وحلويات بعد قضاء يوم ممتع في الحفل. وعن الجانب المتعلق بالنظافة، يؤكد خلوق بأن هندام الكراب مرآة لسلعته المعروضة، فإن كان وجهه مشرقا تهافت عليه الناس باعتبارنا من يوصله للناس، لذلك نحن مطالبون بتنظيف الأواني التي يوضع بها وكذلك عن فلكلورنا المغربي أمام السياح، لا أن نجعلهم يستهينون بنا في جانب النظافة وحول هذه النقطة يقول بأن الجماعة كانت تلزم على كل الكرابة في منتصف السبعينات أن يؤدوا مبلغ 35 درهما قبل أن يعفى الكراب من هذا المبلغ. وذلك مقابل الاستحمام كل جمعة وملء قرب الماء، إذ تكون فرصة لمراقبة عمل الأشخاص واعتنائهم بنظافة هندامهم ومدى صلاحية الماء الذين يحملون بقربهم. ويختم بويا كلامه باعتزازه بمهنته ككراب والذي توارتها أفراد أسرته أبا عن جد، إذ أشار إلى العدة التي يحملها والتي كانت بحوزة جده الذي تركها بدوره لابنه لتنتقل للجيل الثالث والذي يمثله بويا خلوق المتمسك بمهنته والعارف بأصولها، إلا أنه يتحسر لما آلت إليه هذه المهنة بعدما غزاها المتطفلون الذين يبادرون إلى شراء بدلة الكراب، ليتحايلوا بها على الآخرين وبالتالي الحصول على النقود بأي طريقة حتى لو كانت تسئ إلى أهل الحرفة الحقيقين والذين طالما ناضلوا من أجل أن تبقى محافظة على مكانتها داخل النسيج الثراتي والفلكلوري المغربي.


من قربة ماء إلى قربة خمر


خلال شهر رمضان، يعمد ميلود إلى وضع قربته على الأرض مرفقة بمجموعة من الصور الشخصية والتي يعرضها على المارة علهم يجودون عليه ببعض السنتيمات خاصة وأنه يتوقف عن عمله ككراب خلال رمضان لصالح مهنة جديدة يقول عنها "مالقيت ماندير، حرت وحارت بيا الدنيا" ويكمل حديثه عن استيائه الكبير وهو يتسول أمام الناس في انتظار ما يجدون عليه به أمام انسداد الأفق أمامه، فلو كان لديه بديل لما عمد إلى استجداء الناس وهو ابن العائلة المحترمة الذي كان يعيش قبل وفاة والدته. صحبة عائلته باب جرير، إلا أن الزمن لم يرحمه وطوحه بعيدا إلى عالم الفقر والحاجة وصنع منه متسولا بعد أن كان يعيش كريما مع عائلته وبعمله ككراب وهو ما يجعله يقول أن رمضان شهر الغفران، لكنه يقهر الكراب ويجعله يعد الأيام والثواني لرحيل الشهر حتى يعود لمهنته التي تغنيه عن التسول أمام قلوب من حجر، قلوب أقل ما يصفها به أنها تكره المحتاج وتسحقه سحقا بكلامها الملفوف بعبارات كالمتفجرات، تطلق سهامها إلى هؤلاء الناس الذين لا ذنب لهم سوى أنهم فتحوا انفسهم ليجدو قطار الزمن قد رحل عنهم وتركهم حتالات تقتات على فضلات الأخرين، الذين لا يدخرون جهدا في احتقارهم كلما سنحت لهم الفرصة بذلك. وهو الأمر الذي يحز في نفسه وهو الذي يتعفف عن مجموعة من الدعوات التي توجه إليه للعمل مع فرقة "الشيخات" كراقص، لأن طبعه لا يسمح له بالقيام بهذه الأعمال، كما أنه يتعفف على ما يقوم به البعض، إذ أن البعض ممن ينتحلون صفة كراب، يعملون في الأعراس بملء قربهم بأنواع الخمر، ليسقوا المدمنين عليه والذين يؤكدون على أن خمر القربة أحلى من العسل الحر، فيضل الكراب يطوف بقربته بين السكارى والمخمورين وهم يسخرون منه تارة ويمازحونه تارة أخرى، فأنا لا أقبل على نفسي أن أكون مهزلة ولعبة لتسلية المخمورين ومعاقري النبيذ، أفضل أن أستجدي الناس على أن أدار ككرة بين رؤوس "السكارى المسطولة".

يودعنا عبد المولى بكلمات حانقة ومخنوقة من وضع معيشي مزري لإنسان لازاد له سوى رغبته في العيش والبحث عن موارد الرزق في الوقت الذي أقفلت فيه كل الأبواب ولم يبق أمامه إلا باب التسول الذي هو الآخر لا يخلو من مشاكل خاصة داخل الحافلات التي تعرف سيطرة كبيرة للأفارقة الذين ينتشرون بدون رقيب أو حسيب بحافلات النقل والأسواق والشوارع والذين يقول عنهم أنهم أزموا أوضاع المتسولين ونافسوهم في لقمة رزقهم بدون أن تتدخل السلطات لتحد من نزيف الأفارقة الذي غطى كل المناطق التجارية والاقتصادية، إذ أصبحوا يمثلون السواد الأعظم من المتسولين، وأحيانا كثيرة نجد المتسولون يشفقون على هؤلاء الأفارقة ويتعاطفون معهم مجسدين مثل "ما قدو فيل زادوه فيلة".


من كراب إلى طلاب


يعتبر محمد علي رجل تعليم أن المجتمع اليوم ليس في حاجة إلى الكراب، متسائلا حول ما أهمية وجود بائع للماء في وقت يتواجد فيه الماء. فالكرابة يمكن اعتبارها فلكلورا يناسب السياح. وهذا ما يجعل الدولة ملزمة بأن توليهم العناية اللازمة حتى يظهروا بمظهر أحسن خاصة فيما يتعلق بجانب النظافة، إذ أن أغلب الكرابة نجدهم يرتدون هنداما متسخا ولا يهتمون بنظافة القرب وأواني الماء وأن تراقب نظافة الماء وأن تحد من انتشارهم إلا في بعض الأمكنة التي لا يتوفر فيها الماء كالشواطئ مثلا، أما في الشوارع والأسواق، فمظهر الكراب لا يدل إلا على إنسان متسول لاغير، فأغلبهم يلاحقون المارة خلال شهر رمضان بكلام كله دعاء من قبيل "الله يرحم والديك" وهي عبارات للاستجداء وعادة ما تزعج الأفراد ناهيك عن بعض الممارسات التي يتعمدها هؤلاء الأشخاص، حيث يعمدون إلى مد أكواب الماء للأطفال لإحراج أبائهم كي يؤدوا ثمن ذلك الماء.

يكمل محمد "عن نفسي أرفض أن اقتني ماء الكراب وذلك لأنه لا توجد ضمانات على صلاحيته ونظافته وأن هذه المهنة يسمح بممارستها للعجزة فقط أما كرابة اليوم فهم يملكون لياقة بدنية تؤهلهم للبحث عن عمل آخر بدل إفتعال المواقف والتظاهر بالبؤس لإبتزاز الناس، وأغلب الكرابة خلال رمضان يتحولون إلى طلابة يتسولون في جميع المناطق وما أكثر المتسولين في هذا البلد مما يدل على أن كل خطط الحكومة لمحاربة الفقر فاشلة.


سوق البشرية


يرى العلالي، 53 سنة، أن الكراب رجل مهم، لا تقدر الدولة قيمته، لأنه ضل متشبتا بزيه التراثي رغم تغير الزمان دون أية ضمانات تذكر، فهو يدافع عن التراث والفولكلور وهذه مسؤولية تتحملها وزارة السياحة ومع ذلك لازلنا نكافح من أجل أن تستمر هذه المهنة وأن لا يطالها الإنقراض إن لم نقل بدأت تنقرض تدريجيا في غياب الإهتمام بالجانب الاجتماعي للكراب على مستوى التغطية الصحية والاجتماعية خاصة وأنه يتعيش من هذه المهنة. والسياح يحتفون بنا ويهتمون لحالنا أكثر من أهل بلدنا، وهنا نقول "النصارى معاهم الخبز ودياولنا تايكلو خبزنا بلا حشمة بلا حيا، وعارفين مزيان على من تايحكروا، النمل الكبير تياكل الصغير".

يسترسل العلالي في صب جام غضبه على أوضاعه الاجتماعية وهو أب لثلاثة أطفال يعيش مأزقا ماديا خانقا زاد من حدته دخول رمضان الذي يعتبره يشل حركة بيع الماء، لينخرط الكراب بدورة في سوق البشرية باحثا عن مورد رزق جديد في انتظار أن يعود لعمله الأصلي بعدخروج رمضان وهو ما يجعل العلالي يعمل نهارا بحمل صناديق البضائع، ليرتدي زيه مساءا وينتشر باحثا عن رزقه في اتجاهات مختلفة.



800 درهم تحولك إلى كراب


"زي العمل والعدة يكلف حوالي 800 درهم وهو مبلغ مكلف مقارنة بما كان سابقا فالعدة من قبل كانت تكلف حوالي 350 درهم، أما اليوم فقد ارتفع ثمنها، وهذا ما جعلنا لا نغيرها حتى لو ظهرت بها بعض علامات التمزق أو غيره فإننا نقوم بترميمها بدل شراء عدة جديدة لأنها مكلفة وهذا ما ينطبق كذلك على الكرابة الجدد ممن يرغبون في ولوج المهنة، إذ يكلفهم ذلك 800 درهم كما قلت سابق فضلا عن انجاز بعض الأوراق التي تطلبها منه الجماعة".

يتساءل العلالي باستغراب كبير عن المتطفلين على الميدان الذين يشترون هذا الزي ليتظاهروا به أمام الناس بغية استجداء الأموال وطلب الصدقة. فيجيب قائلا "لا بد أنهم يحصلون على مبالغ تضاهي ما صرفوه لاقتناء هندام الكراب وإلا كيف يضيعون أموالهم هكذا بلا نتيجة. ويقول على هؤلاء أنهم يسيؤون إلى المهنة، وأنه على باب الالتقاء بالكرابة أن يقنن وأن لا يظل مفتوحا في وجه كل من هب ودب حتى يتم تحصين المهنة ممن يسيؤون إليها ويشوهون صورة الكراب ويجعلوه يسقط في نظر الناس وخاصة الأطفال الذين يحبون هذا الشخص ويبادرون إلى تحيته والابتسام في وجهه.


الأعراس تنعش الكرابة


يتحدث لمفضل عن عالم الكرابة باستياء كبير وحسرة شديدة على ما آلت إليه أوضاع الكرابة وأحوال المهنة، إلا أن الأعراس والحفلات ساهمت بشكل كبير في انتعاش هذه المهنة، حيث استعانت مجموعة من الفرق الموسيقية بالكراب كعنصر جمالي في الاحتفال بالأعراس وهكذا بدأ الكرابة يتهافتون على مثل هذه العروض وهذا ما حفزهم إلى العناية بشكل أكبر بهندامهم وتلميع صورتهم التي بدأت تضمحل أمام أوضاعهم المحزنة وما يعيشونه من ضنك العيش والفقر تكثر في هذا النوع من العروض خلال فصل الصيف بالنسبة إليه للبحث عن المزيد من الموارد المالية الخاصة وأن الحركة تنقص في فصل الشتاء بشكل كبير مما يخلف مشاكل كبيرة لدى هؤلاء الكرابة. وواقع الحال يظهر ما يتخبطون فيه من فقر وعوز وهو يترجم بإقبالهم على استجداء الماء إما بشرب الماء أو لإعطائهم الصدقة وذلك تحت ضغط الحاجة التي تضطرهم إلى ممارسة مثل هذه السلوكات. الكراب يعاني اليوم أكثر من أي وقت حرفة أخرى من مشاكل عديدة تساهم تدريجيا في تحول مجموعة من الكرابة إلى امتهان مهن أخرى وبالتالي تنقرض الكرابة والتي تساهم بشكل كبير في جذب السياح وإقبالهم عليها نظرا لطابعها الخاص والمميز لتراثنا المغربي. وعلى الجهات المعنية أن تولي اهتمامها لهذه الشريحة المجتمعية التي أصبحت أوضاعها تعلن عن جسامة أوضاعها الاجتماعية وما يعتريها من بؤس وفقر وهنا يعقب كلامه بقوله "راحنا من هاذ البلاد، وخاصنا حقوقنا بحال كل الحرايفية وإلا يحيد والكراب ويمنعوه من مزاولة المهنة".


كراب بامتياز


العربي. ط، 51 سنة، زاول حرفة الكرابة منذ 1963 بمدينة خريبكة ليلتحق فيما بعد بمجموعة من المدن المغربية والتي تقول عنها، أنها حرفة تتطلب الذكاء لاصطياد الزبائن ودراسة لأماكن الاشتغال والتي تتغير بتغير الفصول والأوقات. فحسب تجربته الشخصية والتي يحكي عنها بدقة فهو يعمل خلا ل الصيف بائعا للماء بالاماكن المكتظة بالناس كالأسواق والشوارع. وخلال عطلة نهاية الأسبوع يزاول مهنته بالملاعب الرياضية وهو ما يدر عليه مبالغ مالية مهمة تعوض خسارته خلال باقي أيام الأسبوع. ويتردد خلال فصل الصيف على الأماكن التي يرتادها المهاجرين والسياح، لأن هؤلاء وحسب قولهم " المهاجرين والنصارى، الخدمة معاهم حلوة وبحلاوتها، وإلى اغناتك ماتفقسك وهي ديما رابحة". إذ يحرص صاحبنا على زيارة المقاهي الكبرى والتجوال بالشواطئ الآهلة بالمصطافين وهو ما يوفر له حرية أكبر في بيع الماء خاصة وأن الكرابة نادرا ما يعملون بالشواطئ. ومع حلول فصل الشتاء يتجه العربي إلى بيع الماء بالدواوير التي يندر بها وجود الماء والبراريك والكاريانات وهي كلها مناطق تقبل على شراء الماء بشكل منقطع النظير، وبعمله هذا أصبح العربي معروفا في دور الصفيح والدواوير المجاورة وأصبح له زبناء خاصين يعرفونه جيدا ويقبلون على اقتناء الماء الذي يحمله إذ غالبا ما يعود وقد باع كل الماء الذي يحمله في عربته وهذه المرة تخلى العربي عن زيه الخاص بالكرابة لصالح زي آخر يناسب عمله بهذه الاماكن ويصف العربي تجربته بأنه يجب على الكراب أن يتلون مع تلون الزمان وإلا أكلته الحيتان. وعن ذلك يقول "الكراب أصبح مطالبا اليوم بالبحث عن سبل عيش جديدة بالموازاة مع عمله". فبالإضافة إلى كل هذه الأنشطة، فإن العربي يتفرغ في الصيف ليلا للعمل بالأعراس وهي فرصة يتعرف خلالها على أشخاص جدد مما يسمح له بربط علاقات جديدة وبالتالي تكوين شبكة معارف مهمة والتي يقول عنها أن معرفة الناس كنوز.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحجوبي أحرضان أمغار الأطلس
- كيف كوّن وراكم الحسن الثاني الثروة الملكية؟
- النزق والصبيانية والعنجهية في السياسة المغربية
- -مشروع قانون المالية: الانعكاسات والبدائل -
- -بهلوانيات- صديق الملك
- هل المغرب في حاجة للتنمية أم للديمقراطية؟
- كرونولوجيا محاكمة صحافيي -المشعل- في غياب شروط المحاكمة العا ...
- - تحت الدف- / للتذكير ليس إلا!
- حانوتي المشروع الحلم الذي تحول إلى كابوس
- مفهوم -وزارات السيادة- نتاج الصراع بين الشرعية الشعبية والشر ...
- اليسار هل تكتمل دورته الحياتية؟
- وصفة لا غنى عنها الحكومة تراهن على القروض الخارجية لمواجهة ا ...
- مشروع ميزانية 2010 إجراءات تُنبئ بمزيد من الاحتقان الاجتماعي
- يا أحزاب المغرب اتحدي أو انتحري
- لماذا الزج بشحتان في السجن؟!
- تقرير التنمية البشرية يعري عن عجز الحكومة وفشلها
- الحكومة تراهن على الخوصصة سنة 2010
- هل هي بداية طي صفحة الماضي -الاقتصادي والاجتماعي-؟
- -التامك- كان محميا من طرف -الديستي- و-لادجيد-
- مولاي أحمد العلوي عين الملك الحسن الثاني في كل مكان


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - إدريس ولد القابلة - الكرابة بائعي الماء - عاطشون