أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 19














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 19


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 01:02
المحور: الادب والفن
    


- "رفيق حامد، صباح الخير".
هذا صوت أعرفه جيدا.
- "معاي على الخط، ألو ألو"؟.
تماما أخرست الدهشة لساني.
كنت أتنفس بصعوبة:
- "نعم نعم، صباح الخير، يا... مها".
سألتني:
- "ما بك"؟.

كدت أسألها من أين تحصَّلت على رقم هاتفي المحمول. صلتي الوحيدة بهذا العالم. يحدث أن يظل في كثير من الأحيان صامتا مصمتا باردا عاطلا في اجازة اجبارية طويلة. هكذا، في أعقاب احتفالي الليلة الماضية بعيد ميلادي التاسع والعشرين، يرن يرن يرن، حاملا لأول مرة صوت مها الخاتم، لا غيرها.
وجدتني أتلعثم:
- "لا، لا شيء، فقط المفاجأة".
وكأن الأمر لا يعنيها:
- "رفيق حامد، هناك اجتماع تنويري تنسيقي طاريء اليوم، بخصوص مسألة القوميات، وسيتحدث فيه الرفيقان حرية من المركز وسلامات من البحر، وخطة التأمين صلاة".
- "الزمن"؟.
- "حين يقترب الضوء من الظلمة".
- "هل سيذهب كل المسافرين فرادى"؟.
- "بالذات إلى هذه المناسبة".
- "أين"؟.
- "محطة سماوات، لا تنسى النقطة 18:15".
- "عُلِم".

" ادخلوا من الباب [الضيق]. لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه. 14 ما [اضيق] الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه".
كنت أقرأ آيات من انجيل متى مترنما، حين تناهى طرق مباغت على باب غرفتي الأرضية الضيقة كقبر، ذلك أحد أصناف صبر المنفي الغريب، أتعاطاها من حين لآخر كلما تشقق جدار روحي، حتى الهرم إذا لم يتم ترميمه دوريا يتداعى ويسقط، ولا جدوى. فتحت الباب، فإذا بي أمام الحاج إبراهيم العربي، مالك العقار، وقد قدرت في نفسي أنها احدى زياراته المفاجئة التي ظل يتفقد خلالها الوضع داخل الغرفة بخصوص تلك اللاءات الثلاث. كان قد ألقى نظرة مروحية شاملة وفاحصة على المكان قبل أن يستقر به المقام على كرسي الخيزران الذي قمت بوضعه له قبالة سرير الحديد الضيق حيث أجلس ناظرا إليه بترقب وإبتسامة بلهاء. قال وهو يمسح على لحيته التي غلب بياضها سوادها "لسه الوقت بدري على صلاة المغرب، قلت أتكلم معاك شوية، لا مواخذة، يا أستاذ حامد، هو حضرتك مسيحي"؟.
وقد أخذتُ بمفاجأة:
- "لا، أنا مسلم، ياحاج".
- "أصلي شايف عندك العهد الجديد، كتاب المسيحيين".
- "أبدا، ثقافة عامة بس، يا حاج".
- "يا ولدي، الرسول صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم من العروق، ثم إن القرآن لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، لا أنصحك بقراءة هذه الإسرائيليات". عند الباب، بعد دقائق من نهاية مواعظه، قلت له في سري وأنا أودعه بمسكنة وطيبة آسرتين "عليك اللعنة".
كنت أقف هناك، عاريا تماما، داخل فراغ الباب، فوق الخط الفاصل بين عالمين. كان الصمت يلف المكان والسترة والفضيحة وجهان لعملة واحدة وكل الاحتمالات الغبية واردة: صعود أوهبوط أحد السكان على حين غرة، إضاءة نور السلم لحظة وصولي إلى الطابق الثالث، زيارة صديق غير متوقعة، وما لا يعلمه سوى الله.
ورائي الشقة الغرفة، عالم الأسرار الصغيرة البائسة، القبر في سكونه الأبدي، وقد لف كياني تصميم لا هوادة فيه. أمامي، على بعد خطوة واحدة يسارا، بداية السلم، المدخل إلى الطوابق العليا، أرض الثأر وساح تصفية الحسابات العالقة. لدي لاءاتي كذلك. وهذا احتفال بنهاية عقد وبداية عقد جديد.
أخيرا، غادرت الخط الفاصل.
وضعت قدمي فوق عتبة الدرج الأولى. لا أثر هناك لمخاوفي. لم أعد أرتجف مثل قشة في مهب الريح. كنت أصعد خطوة خطوة، كاتما أنفاسي، واطئا على ذرات الرمال وتلك الحصى الصغيرة المتناثرة فوق الدرجات المتعاقبة، مشرعا أذنيَّ لأدنى نأمة. كنت أسير على حقل الألغام بمهارة. كان موضوعي الخاص يفتح الطريق أمامي كمقدم سفينة حربية لا مرئية. هناك، وراء الأبواب الموصدة، في كل طابق، كانت الأجساد تغط داخل موتها الصغير، لعل بعضها كان يحلم، لعل بعضها الآخر كان يعاني ولا ريب من وطأة الحر والكوابيس والديون. أتجاوز الطابق الثاني بالكاد. الآن، الآن فقط، صار الرجوع إلى الشقة، القبر، عالم الأسرار الصغيرة البائسة، من رابع المستحيلات. لا تراجع، لا استسلام، ولا مهادنة. ثلاث لاءات مصنوعة من جحيم الكبت والظمأ وحواف اليأس أوالجنون. كنت أعبر الطوابق مرتقيا. وكان موضوعي الخاص داخل تجويف يدي اليمنى، يغوص ويطفو، يتأخر خطوة، يتقدم خطوتين، مدهونا بالزيت وظلمة الدرج الحالكة.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)- 20
- أسير العبارة (رواية)- 21
- أسير العبارة (رواية)- 22
- أسير العبارة (رواية)-23
- أسير العبارة (رواية)- 24
- أسير العبارة (رواية)- 17
- أسير العبارة (رواية)- 15
- أسير العبارة (رواية)- 16
- أسير العبارة (رواية)- 14
- أسير العبارة (رواية)- 2
- أسير العبارة (رواية)- 3
- أسير العبارة (رواية)-4
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 19