أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 22














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 22


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


عدت من "بورتج بليس" حوالي العاشرة مساء. أومأت لياسر كوكو برأسي مودعا. لاحقني صوته "أشوفك بكرة". لكأني لم أسمعه. الآخرون كانوا في نقاش محتدم حول انخفاض قيمة الدولار الكندي مقابل ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي "هذه الأيام". ربما لهذا لم يولووا مسألة انصرافي عنهم كبير اهتمام. "أشوفك بكرة". لم تكن "أماندا" قد عادت من زيارة صديقتها القديمة "جيسكا" بعد. ثمة شيء غامض لا يزال يربطهما معا. "أماندا" أخبرتني مرات عديدة أنها لم تعد تكن لها مشاعر حقيقية منذ فترة. لكنها ظلت دائما في حيرة من أمرها. لا تدري كيف تحسم شيئا وُلِدَ ونما عبر سنوات عديدة وصار جزءا لا يتجزأ من نسيجها النفسي. كان من الصعب عليها أن تقول لكل تلك المغامرات العاطفية والذكريات المشتركة بينهما "إلى هنا انتهى كل شيء". ما زاد الأمر تعقيدا أن "جيسكا" كانت تعلم جيدا أن أكثر ما يمكن أن يشل إرادة "أماندا" في هذا العالم: "الدموع". في مثل تلك الأحوال، كنت أقول في نفسي لو أن أماندا عاشت في منفى وسيط مثل القاهرة لما كلفها الأمر كل هذا العناء. هناك ظل معظم الناس يستبدل العلاقات كما يستبدل ملابسه القديمة بأخرى جديدة. لكل مرحلة حساباتها. لا صداقة دائمة. لا عداء دائم. كان مثل هذا السلوك يؤدي ببعض المثاليين إلى الانتحار أوالجنون أوالاحباط أومعاقرة الخمر آناء الليل وأطراف النهار. المنفى تحكمه الحاجة لا القيم. لقد علمتني الخبرة هناك أن أكثر الناس حديثا عن القيم أكثرهم بعدا عنها. أُطلق أحيانا على تلك الفترة من حياتي اسم "الحرباء". كانت كلمات كثيرة، مثل "الاحترام" أو"الأخلاق" أو"الصداقة"، قد شرعت تتحول في ظل شح النقود وانعدام فرص العمل أوندرتها إلى عُملات لا بد منها لشراء الطعام أولتأمين المأوى أولتعمير خرائب الرؤوس التي عصف بها الحنين بخمر رخيصة أوحتى لاقصاء منافس تنقصه الخبرة عن "الفُتات المتاح".
المنفى تحكمه الحاجة لا القيم.
والطيور التي أقعدتها مخالطة الناس،
مرت طمأنينة العيش فوق مناسرها..
فانتفخت،
وبأعينها.. فارتخت،
وارتضت أن تقاقئ حول الطعام المتاح
مالذي يتبقى لها.. غير سكينة الذبح،
غير انتظار النهاية
إن اليد الآدمية..واهبة القمح
تعرف كيف تسن السلاح
لم تكن "أماندا" قد عادت بعد. الشقة ساكنة كقبر. دفعة واحدة بدأ يخالجني نفس الشعور الذي أصابني في مصر قبل نحو خمسة عشر عاما. لا لم تكن دواخلي متماسكة إلى تلك الدرجة التي ظننتها قبل ساعات في أعقاب نوبة البكاء التي داهمتني على احدى درجات البوابة الخلفية لجامعة "وينبيك". هكذا، ما إن أخذت أفكر في مآل ياسر كوكو حتى اندفعت في موجة أخرى من البكاء. لكن ذلك لم يبدل أبدا من أمر قراري اعتزال ياسر كوكو مرة واحدة وإلى الأبد. لست في حاجة أخرى لما يشدني نحو هذه الأرض. بي رغبة عميقة في الطيران والتحليق في سماوات بعيدة.
آنذاك أقبل جار من الوطن في مهمة تجارية صغيرة. طلب مني وقتها باصرار ظننت الشوق دافعه أن أقضي الليلة معه في شقة شقيقه الخالية في وسط القاهرة. رأيته يجلس في الصباح مهموما وهو ينظر إليَّ وقد استيقظت من نومي للتو. قال إنه لم ينم طوال الليل. ظل يفكر في طريقة مناسبة يخبرني بها أن شقيقي الصغير "استشهد" في احدى معارك الجنوب عن ثلاثة عشر عاما. لم أبك لحظتها. لم أحزن. لم أجزع. فقط ندت عني ضحكة خرقاء لا صوت لها. بعد أن ذهب آخر من جاءوا لعزائي، غفلت راجعا إلى شقتي الأرضية الضيقة كقبر، هناك تكشفت أمامي فداحة المأساة دفعة واحدة، لن أراه مرة أخرى. انفجرت أنتحب ذارفا دموع الأرض كلها.
في قلبي بحيرة من الأسى الراكد. تطفو على سطحها خيبات وجثث كثيرة. لياسر كوكو قلوب عزيزة في مكان من الوطن. بها متسع لجثته ودمع كاف لرثائه.
قد أنسى تفاصيل ملامح وجه أمي، قد أنسى وطأة الحنين داخل غرفة ضيقة كقبر، قد أنسى طعم ثمار خيانتي الأولى وبيت السياب نصب عيني "وإن يخن الإنسان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟"، لكني لن أنسى ما حييت أني لم أودع أخي لحظة أن غادرت إلى مصر كما ينبغي للوداع بين شقيقين أن يكون.
كان العالم طيبا.
لعله لا يزال في بعض المناطق!.







ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)-23
- أسير العبارة (رواية)- 24
- أسير العبارة (رواية)- 17
- أسير العبارة (رواية)- 15
- أسير العبارة (رواية)- 16
- أسير العبارة (رواية)- 14
- أسير العبارة (رواية)- 2
- أسير العبارة (رواية)- 3
- أسير العبارة (رواية)-4
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13
- أسير العبارة (رواية)- 1
- مرثية للطيب صالح


المزيد.....




- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا
- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 22