أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تشظي الدكتاتورية، تطبيقات الشرق الاوسط الجديد















المزيد.....

تشظي الدكتاتورية، تطبيقات الشرق الاوسط الجديد


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 17:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الامتدادات الماضوية المتأصلة التي سرت في عالمنا العربي في النصف الثاني من القرن المنصرم وجود رجل واحد، بعقل واحد، وبعين واحدة، وبقليل من المستشارين - إن لم يكن في الواقع العملي ليس ثمة مستشارا واحدا - يقود مجلس قيادة للثورة أو مجلس سيادة – للتلطيف أحيانا- ولا يعدو هذا الوضع أن يكون (ثلة) قد تصل أحيانا إلى صورة العصابة المنظمة لقيادة الدولة والمجتمع. هذا الفرد الأوحد عمل من خلال هذه (الصيغة الانقلابية العسكرتارية) على تحويل المجتمع والدولة إلى أداتين طيعتين لإدارتهما على وفق رؤية محددة له وحده باعتباره القائد التاريخي (المنقذ) الذي ولد من رحم امة منهارة فقدت قوتها وبريقها التاريخيين منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد عام 1258، ومن لدنه ومن بين يديه الكريمتين والسحريتين تجري سبل النهضة الحديثة، ويتم نفض الغبار القديم عن رؤوس المهزومين القرونيين الذين لازالوا يجترون الهزائم تلو الهزائم العسكرية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن سلسلة الهزائم الاجتماعية القادمة في (لعنة) شاملة يبدو أن لا نهاية لها إلا بظهور (المخلص المهدي) الذي يرد ذكره في جميع موروثات المسلمين الثقافية. ولذلك يظهر لنا علنا هنا وهناك ومن حين لآخر مهدي مفترض الطاعة منقذا وحيدا. هكذا هو الوضع طوال نصف قرن سابق- ولا يزال قائما- في العالم العربي والإسلامي.
لكنه في الوقت نفسه- هذا الزعيم المتمهدي ضمنا- لا يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها، ولا يتنفس مخلوق إلا بعلمه، ولا يضاجع رجلا امرأته إلا بموافقة من سدته؛ فهو العالم يكل شؤوننا والنائب عنا في إدارة مستقبلنا، والويل لمن خالفه، والثبور لمن جادله؛ فحاكم غشوم خير من فتنة تدوم. وشعاره الدائم: (لم يعط احد شيئاً اضرّ له في آخرته من طلاقة لسانه) فاللسان وسيلة الفكر القديمة أصل كل بلاء ويدخل معظم الناس النار بسبب سؤ ألسنتهم طبعا. ومن هنا فقد اقتضى على (الزعيم الضرورة) أن يضع إستراتيجية تكميم الأفواه دائما وبلع الألسنة، فخير لكل مؤمن محتسب: الصمت!
ومن أجل السيد الصمت العام كان الحاكم (بأمر الله) فهو الفقيه الأوحد في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع والمستقبل، وهو الذي يوصل الليل بالنهار لخدمة شعبه ودولته ووطنه ودينه؛ لكن الوثائق الأخيرة أظهرت بعض هؤلاء المتمهدين الجدد في أسوأ حال وهم يحيون ليال صاخبة وسط أعداد من الغجر كما كان هو عليه الحال في العراق. هؤلاء الحكام كانوا يرون مستقبل شعوبهم مرتبطا بحياتهم الشخصية وان ذهابهم عن هذا العالم سيحيل البلاد إلى خرائب ف(من أراد أن يزيلني عن هذا البلد لن يجد حجرا على حجر!)(*) ويبدو أنهم قد خططوا لذلك فعلا، أو هي التركيبة الحتمية البائسة لتلك الأنظمة التي تزول بزوال الأشخاص. لكنه تخطيط شرير لا معنى له إلا المزيد من التشبث بالسلطة. ولو أننا نجد صعوبات كثيرة في فهم المخططات المستقبلية لهكذا نوع من الأنظمة التي تعرف بالسيادية أو أنظمة الاستقلال، فقد أثبتت التجارب التاريخية مدى الخطل والغباء السياسيين في ولادة رؤية مستقبلية لديها فهي تتعامل غالبا مع الآني والمؤقت وركوب الموجة والاصطفاف العام الدائم خلفها، وإن اضطرت لعمل بعض (الماكياجات) هنا وهناك من أجل إخفاء عوراتها التاريخية المختلفة حيث تجد ثمة برلمان وبعض صحف معارضة وربما أحزاب هشة في بعض البلدان.
وقد انتشرت هذه الأنظمة بصيغتها (المقولبة) رسميا في الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم في سوريا عام 1949، على الرغم من أن كثيرا من الباحثين في التاريخ السياسي يجدون في انقلاب بكر صدقي عام 1936 في العراق لبنة أولى لانتشار هذا النوع من الأنظمة التي تمنح العسكر فرصة للتدخل في الشأن السياسي العام؛ لكننا نجد أن الولادة الأولى في الاستيلاء الكامل على الدولة والمجتمع كان في انقلاب حسني الزعيم بالدرجة الأساس حيث استلهم أولئك العسكر رؤاهم للسلطة من عرابهم الكبير مصطفى أتاتورك 1881-1938 الذي عمل على إطاحة نظام السلطنة العثمانية المتهرئ 1299- 1924 بعد )625) عاما حيث حكم فيها (40) سلطانا ثم كوّن أول جمهورية دكتاتورية في الشرق الأوسط.
وتعد العسكرتاريا العربية امتدادا للأتاتوركية وللعسكرتاريا العثمانية السابقة حيث يكون الجيش معلما أساسيا للدولة. فنجد ذلك واضحا في النشيد العثماني القديم الذي لا يزال ينشد في معظم الدول العربية ضمنيا: يا خير جيش ... يا خير عسكر/ أنت الشجاع ... في البحر فاظفر/ في اليد درع ... في اليد خنجر/ سر نحو الأعادي ... يا خير عسكر/ لو كان كل شيء ... في البحر يُنصَر فنحن ننادي ... الله أكبر الله أكبر ... الله أكبر وليكن جيشنا ... دوماً مُظَفَّر. ويستشف من النشيد العثماني الذي وردت فيه كلمات قوة في الجيش والعسكر والدرع والخنجر مرات كثيرة للتأكيد على تكرار منطق القوة واستخداماتها على نحو مضطرد. وقد امتدت هذه الروح في تمجيد القوة والعسكر إلى الأنظمة العربية الحديثة بسبب فقدانها بعد سقوط الدولة العباسية وضمور إمكانية استعادة المجد التاريخي القديم.
وإذا كانت القوى الرأسمالية المعولمة الجديدة العابرة للقارات كصواريخ لم توضع بعد في خيار الصفر حيث تجد في بقاء هذا النمط الأحادي من الدكتاتوريات العسكرتارية خطرا عليها لأن الشعوب الرازحة تحت هذا النوع القديم من الحكم لم تعد قادرة على تحمله في عصر الاتصالات وانتقال المعلومات وحرية التعبير وتطور المعارف البشرية التي أتاحتها الثورة المعلوماتية الجديدة، لذلك فإن ثمة ضرورة لتشظي الدكتاتوريات القديمة إلى دكتاتوريات أصغر(ربما أميبية) يمكنها السيطرة على حركة الشعوب الناهضة والمتطلعة إلى الحرية وإلى مزيد من العدالات الاجتماعية. ولذلك فقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي- باعتباره بابوية اليسار القديم الكبرى- وانتهاء الحرب الباردة عام 1989 بداية لظهور هذا النمط من الدكتاتوريات الجديدة المتشظية، ويمكننا أن نلمس ذلك بوضوح في مراجعة سريعة لتصريحات المسؤولين الاميركان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبزوغ ما عرف بالدول المستقلة حيث (حذروا) من قيام نشاطات أثنية في أعقاب ذلك. ويمكننا رصد أنماط تلك الدكتاتوريات المتشظية التي لازالت الولايات المتحدة تعلن من وقت لآخر ضرورة قيام ديمقراطيات كرتونية فيها على النحو التالي:
- دكتاتوريات مبنية على أساس عرقي بحت، تعلن عن أهمية استقلالها وتفكيك البنى القديمة المولودة في القرن العشرين.
- دكتاتوريات طائفية سواء داخل كيانات قديمة (فدراليات) أو محاولة إعلان الانفصال.
- دكتاتوريات حزبية جديدة تتكون من أعداد هائلة من الأحزاب(حالتا العراق وأفغانستان) وتعميق حالات الفرقة الطائفية كما في نمط (اللبننة)
- دعم قيام عرقيات ناهضة: الامازيغ في شمال أفريقيا، والأفارقة في جنوب السودان وقد تتطور الحالة لتشمل عرقيات إيران وأفغانستان والأردن وسلطنة عمان والإمارات العربية مستقبلا.
إن قوى اليسار العربي والشرق أوسطية ستجد صعوبات جمة في مواجهة هجمة الرأسمال المتوحش الجديدة في عموم الشرق الأوسط بعد توجه الجيوش المختلفة إلى هذه المنطقة في الآونة الأخيرة بحجة مكافحة الإرهاب. وبعد أن ثبت بالملموس مدى الأخطاء التي مارسها اليسار القديم وتراجعاته التاريخية أمام تصاعد العسكرتاريا وقوى اليمين الديني المتشددة المتحالفة ضمنا مع قوى الرأسمال المتعولم (لنلاحظ سبب دفاع الولايات المتحدة عن الإخوان مصر وعلى الضد دفع الأنظمة الخليجية نحو الانفتاح السياسي) فقوى الرأسمالية التي تحاول تجديد جلدها من حين لآخر لا تجد حرجا في دعم الحركات الدينية وكذلك العرقية الانفصالية مادامت لا تحمل السلاح ولا تدعو إلى التطرف المضر. كما أنها لا تني عن استخدام القوة العسكرية في ما يعرف بمكافحة الإرهاب (حالة اليمن والباكستان) من أجل إثبات وجودها في هذه المنطقة الحساسة من العالم. ولذلك فإن تغيير تكتيكات اليسارالديمقراطي الجديد والبحث عن وسائل مختلفة للعمل بين الجماهير تعدّ ضرورة قصوى في الوقت الحاضر قبيل قيام أممية رابعة مزمعة.
ـــــــــــــــــــــ
(*) مقولة شهيرة للرئيس الدكتاتور السابق صدام حسين





#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلال القادم/رواية فانتازيا الفصل الرابع
- تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثالث
- عدميات
- صلاح شلوان:عالم الميناتور في ميسان
- تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثاني
- الواقعية القذرة العربية.. آتية؟
- تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الاول
- مراجعات غير مطمئنة لعالم محمد خضير( محنة الوراق)
- لم يتبقَّ لدى نوح من ينقذه
- بانوراما ليل سعدي الحلي
- عجز مكتسب: قفص حديد امن البصرة
- على ماذا يراهن المالكي في الانتخابات القادمة؟
- زخرف: ملحمة ظهور محمود البريكان مؤخرا
- الأدب السرياني العراقي دليل مضاف على وحدة الثقافة العراقية ا ...
- تعليم الببغاء صوت إطلاق الرصاص
- عراق ما بعد الأربعاء الدامي.. ( المشروع الوطني العراقي) امكا ...
- اثنا عشرية آدم
- العراقيون في الداخل/ يستغيثون لتدخل العالم: scandl الأربعاء ...
- (خرنقعيون): لن تنفعهم كريما الوطنية
- الإسلاميون العراقيون: (جبل التوبة) وماذا بعد؟


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تشظي الدكتاتورية، تطبيقات الشرق الاوسط الجديد