أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بشير صقر - عن بنت الجزائر جميلة بوحيرد التى.. أتعبت الشمس ولم تتعب















المزيد.....

عن بنت الجزائر جميلة بوحيرد التى.. أتعبت الشمس ولم تتعب


بشير صقر

الحوار المتمدن-العدد: 2860 - 2009 / 12 / 16 - 06:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تمهيد:
فى شهرفبراير 1958 - واستعدادا لمباراة كرة قدم .. كانت ستجرى بعد ساعات على ملعب مدرستى الثانوية – عرجت على منزلنا تاركا حقيبة كتبى وتناولت غداء سريعا ، وقبل أن أقفل عائدا للمدرسة إذا بصوت أبى ينادينى من حجرته : خذ الجريدة لتقرأ خبر محاكمة جميلة بوحريد " هكذا كنا ننطقها فى مصر".
فأجبته: سأقرؤه بعد عودتى من مباراة اليوم.
كانت أخبار ثورة الجزائرلا تخلو منها جريدة مصرية فى تلك الأيام، وكانت محاكمة جميلة آنذاك عندى أهم أخبار الثورة، فقد انتقل اهتمام أبى بثورة الجزائر إلىّ قبلها بسنوات لكن اهتمامى بجميلة كان أشد.
كنت آنذاك لاعب كرة ومراهقا ، وكان انخراط فتاة – فى بداية العشرينات من عمرها – فى الكفاح الوطنى المسلح أمرا استهوانى وحظى بإعجابى ، والتقى مع اهتمامى بالكفاح الوطنى وبمناخ الأسرة الذى أشاعه أبى فى منزلنا منذ الصغر.
• كانت الجزائرية جميلة بو حيَْرد أولى الفتيات التى ألهبت خيالى فى هذه السن .. وكانت صلابتها وصمودها العنيد للتعذيب مثار شغفى بها ، وللحقيقة لم يلهب خيالى بعدها سوى شخصيتين إحداهما مناضل مصرى شديد البأس استشهد عام 1966 فى غمار نضاله البطولى ضد الإقطاع مع فلاحى قريته كمشيش بمحافظة المنوفية.. والأخرى لزعيم أسطورى هو إرنستو تشى جيفارا الذى استشهد هو الآخر فى أدغال بوليفيا بأمريكا الجنوبية عام 1967.
• لم أكن أستطيع قبل ذلك .. التحدث عن الأسباب التفصيلية لذلك الهوى الجارف بهم سوى أن هؤلاء الثلاثة مناضلون افتدوا حياة الآخرين بحياتهم، لكن الأهم أن سحرهم أخّاذ .. يخلب الألباب.
• بعد أن كبرت استطعت – فى حدود ثقافتى وخبرتى- أن أحدد بعض ما يربط الثلاثة ببعضهم ، وكانت أبرز تلك القسمات المشتركة هو تواضعهم الجم .. وتفانيهم فى سبيل أهدافهم وصلابتهم وقوة احتمالهم .. وتطابق سلوكهم مع أفكارهم .. ويؤطر هذا كله افتداؤهم حياة الآخرين بحياتهم كما قلت.
إلا أن عاملا مجهولا لم أستطع الإمساك به- آنذاك- كان يتخلل هذه الخصال ويخلق هذه الحالة من السحر.
• ولأنى أنقل هذا من الذاكرة القديمة مباشرة، ولأن الذكريات هى التاريخ الفعلى للأفراد – لا كما يقصها أصحابها – بل كما وقعت فى حينها وجرت .. فقد شعرت إزاء الثلاثة كل على حدة بتميزه – عن كل من صادفتهم أو قرأت عنهم- بنوع من الخيال الدافق .. ذلك الخيال الذى لا يكون مجرد حالة رومانسية غير منطقية .. بل خيالا مرتبطا بالبشر المحيطين يشدهم لهم بآلاف الوشائج، ومن جهة أخرى يحيل الوسط المحيط بهم إلى حالة من الشفافية تجعل الرؤى صافية ومتخلصة من أية شطحات تهويمية أو غيبية.
وأعتقد أن تلك الخصال مجتمعة بما فيها ذلك الخيال الدافق مكنهم من الاستمرارومواجهة الصعاب وعشق البشر واستصغار المناصب فضلا عن الاتساق مع النفس.

الجزائر أمنا.. والقسمات المشتركة :

• فى طابور الصباح كانت تلميذات المدرسة يهتفن " فرنسا أمنا " إلا أن جميلة لم تكن تردده بل كانت تقول: الجزائر أمنا ، بعدها التحقت بجبهة التحرير الجزائرية عام 1956 وهى فى سن الواحدة والعشرين.
• فى كمشيش منعت الأم فتاها عام 1948 من السفر إلى غزة للمشاركة فى حرب فاسطين إلا أن صلاح حسين هرب من المنزل وباع مصحفه الذهبى وسافر خلسة إلى هناك ولم يكن قد بلغ العشرين من عمره ولما لم يتمكن من المشاركة فى القتال عاد أدراجه وشرع فى الانخراط فى كتائب الفدائيين عام 1950 فى مدينة السويس التى تقاتل المحتل البريطانى .
• بعد أن غادر الأرجنتين إلى جواتيمالا تنقل جيفارا ذو الإثنين وعشرين عاما فى أمريكا اللاتينية من بلد لبلد حتى التقى بفيديل كاسترو وتسللا مع كوبيين آخرين إلى جبال السييرا مايسترا عام 1956 وشنوا القتال ضد جيش باتيستا ديكتاتور كوبا المعروف حتى تحقق لهم النصر عام 1959.
• بعد انتصار حرب التحرير الشعبية فى الجزائر عام 1962 وإزاحة المستوطنين الفرنسيين والجيش الفرنسى خارج البلاد استقالت جميلة بوحيرد من اتحاد المرأة الجزائرى بعد سنتين من رئاستها له وعاشت حياة البسطاء.
• وفى عام 1954 ترك الطالب صلاح حسين كلية الآداب بالإسكندرية وعمل موظفا صغبرا بالجمعية التعاونية للمجمعات الاستهلاكية ليتفرغ لمشاركة فلاحى قريته كمشيش نضالهم ضد كثير من القوى المعادية وضمنها قوى الإقطاع .
• كذلك ترك جيفارا المنصب الوزارى بعد فترة قصيرة من توليه وتفرغ لتأسيس بؤر ثورية فى إفريقيا ( الكونغو) وأمريكا اللاتينية ( بوليفيا ) مشاركا فى شن حرب عصابات ضد الحكام المحليين المواليين للإستعمار.
لن نستطرد فى سرد الوقائع التى تبرز القسمات المشتركة لهؤلاء المناضلين.. والخصال الشخصية المتشابهة إلى حد كبير التى كانت وراء تفانيهم فى شق طريقهم الذى اختاروه بعيدا عما يسعى إليه عادة سائر البشر.

فى سجن وهران:

• شاركت جميلة فى مقاومة الاحتلال الفرنسى وقبض عليها فى إبريل 1957 وفى سجن وهران صمدت جميلة لمسلسل التعذيب الوحشى ولم تعترف بما تحمله من أسرار كثيرة وخطيرة حتى صدر الحكم بإعدامها ولم تتراجع.
• وظل جيفارا قويا رافضا لاستنكار ما آمن به ومارسه حتى لقى مصرعه عام 1967 فى أدغال بوليفيا .
• وامتدت حياة صلاح حسين حتى السابعة والثلاثين كان خلالها – من عام 1952 حتى 1966 – إما معتقلا أو معزولا سياسيا أو محدد الإقامة فى مدينة أسرته ( شبين الكوم ) أو محل دراسته ( الإسكندرية) حتى اغتيل عام 1966.
• والحديث عن تحمل الشدائد والمحن والتعذيب البدنى والنفسى يدفعنا للبحث عن أسبابه فى تكوين تلك الشخصيات .. فلكل جسد- مهما كانت قدرته على التحمل- حدود ،ويلعب التماسك المعنوى والعقائدى الدور الحاسم فى تحمل التعذيب حتى لو تضاعفت جرعاته أو فى الاستجابة للتعذيب والرضوخ للجلادين، فإذا ماكان ذلك التماسك المعنوى ضعيفا فإنه ينتهى بالاعتراف .. أما لو كان كان قويا لاستمر صمت من يتم تعذيبه .. ويبدأ الجسم فى التداعى فالانهيار ثم الموت وهكذا.
• ولذلك تمكنت جميلة من تحمل التعذيب رغم معرفتها باغتيال بعض أشقائها ولم تبح لجلاديها بما لديها من أسرار ، وهذه القوة المعنوية والعقائدية وثيقة الصلة بمدى قناعتها بالطريق الذى اختارته وبتكويتها الشخصى وخصالها وتربيتها وبما اكتسبته فى حياتها من خبرات تدعم قناعتها بطريقها .. أكثر من ارتباطه بقوتها البدنية.
وعلى العكس من ذلك فإن هذا الصمود البطولى للتعذيب إذا ما استمر ونجح فإنه يمد من
يتم تعذيبهم بقوة معنوية جبارة .. برغم الخسائر العضوية.. بينما تكون له- على الأرجح- انعكاسات ضارة على من قام بالتعذيب.. وهو ما تأكد منه الطبيب النفسى فرانز فانون إبان عمله فى مستشفى بليدة الجزائرية إبان فترة المقاومة المسلحة.
وقد كان الشاعر نزار قبانى دقيقا للغاية فى تصويره لصمود جميلة وأسبابه حين قال :

أنثى كالشمعة مصلوبة // القيد يعضّ القدمين
وسجائر تطفأ فى النهدين // ودم فى الأنف وفى الشفتين
وجراح جميلة بوحيرد // هى والتحرير على موعد

• ولأن جميلة بو حيرد كانت جميلة الروح فقد مارست مع رفيقاتها فى سجن وهران.. جاكلين فرح، وخيّار خديجة، وزهور ونيسى، وجميلة بوعزة، وجميلة بو باشة دعما متبادلا أسهم فى شد أزر الرفيقات وكنّ.. كعقد يزين صدر الجزائر.. شكلت فيه جميلة خرزته اللامعة.
• كما أنها وضعت آمالها فى انتزاع حريتها وخلاص شعبها ووطنها.. ولم تضعها فى زوج أو خليل يضمها معه مخدع وردى - مما يداعب أفئدة الفتيات – من منزل متسع وسيارة خاصة تقبع بجانبه.. فكل المخادع والمنازل والسيارات بلا طعم ولا لون ولا رائحة إذا ما كانت أسوار البيوت فى مدينتها محاطة بجنود الاحتلال الذين يقض دبيب أحذيتهم مضاجع النائمين.
• ويؤكد نزار قبانى هذا المعنى قائلا :

لم تلعب أبدا كالأطفال // لم تغرم فى عقد أو شال
لم تعرف كنساء فرنسا // أقبية اللذة فى " بيجال"

• ولأن تلك كانت معتقداتها صمدت أمام أدوات التعذيب وأساليب الإذلال وقهرت جلاديها وهو ما أعطاها قيمتها ووزنها .. بل وشهرتها، وأثار الدم فى عروق شعبها.. ورفع روحه المعنوية إلى عنان السماء ، وكان المقدمة المنطقية لهزيمة مؤكدة للاستعمار الفرنسى فى الجزائر الذى امتد مائة وثلاثين عاما وأجبره على التسليم بالرحيل.
• كانت جميلة .. جميلة الإسم والملامح والخصال والمعنى رغم صغر سنها :

العمراثنان وعشرونا ..
فى الصدر استوطن زوج حمام // والثغر الراقد غصن سلام
امرأة من قسّنطينة // لم تعرف شفتاها الزينة
لم تدخل حجرتها الأحلام

فرانز فانون منظر الثورة وطبيب الشعب :

فى صيف 1962 افتتحنا مركزا للخدمة العامة فى إحدى المدارس بقرية أبى القريبة من المدينة التى كنا نقطنها ، وكان المركز يزخر بأنشطة متعددة خدمية ورياضية وترفيهية وثقافية واجتماعية ، وأداره مجموعة من طلاب الجامعة والمدارس الثانوية.
- تفتق ذهننا عن إصدار مجلة حائط تكون أداة للتعريف بنشاط المركز ووسيلة للتثقيف والترفيه.. وأتذكر أن العدد الأول تناولت إحدى مقالاته ثورة الجزائر التى كان انتصارها طازجا ومدويا وجاب آفاق العالم ، فهى ثورة المليون شهيد وهى التى أجهزت على ما تبقى من فرنسا القديمة الاستعمارية بعد أن كانت قبلها بسنوات معدودة خارجة تترنح من هزيمة ثقيلة على أيدى الشعب الكورى عام 1954 فى معركة ديان بيان فو الشهيرة.
- تضمنت المقالة ملخصا لكتاب المفكر الفرنسى العظيم فرانز فانون الذى كان ملقبا بمنظّر الثورة الجزائرية، كان فانون طبيبا نفسيا فى مستشفى مدينة بليدة بالجزائروهو مارتينيكى الأصل من جزر المارتينيك ( مستعمرة فرنسية )، ولأنه كان طالبا متفوقا فى بلده الأصلى حصل على منحة دراسية فى فرنسا وتخرج طبيبا وعمل فى مجال الطب النفسي.
- وفى بليدة انخرط فى جبهة التحرير الجزائرية وناضل فى صفوفها ضد الاحتلال الفرنسى وعالج المرضى الجزائريين وجنود جبهة التحرير الذين تعرضوا للتعذيب فى سجون المحتل الفرنسى، بل وعالج كثيرا من الضباط والجنود الفرنسيين الذين مارسوا عمليات التعذيب .
ولأنه لم يكن مجرد طبيب للأمراض النفسية بل كان مثقفا ذا وزن وحيثية وعانى فى بلده الأصلى من اضطهاد الفرنسيين وعاصر استبدادهم ولم يتخفف من هذه المعاناة أثناء دراسته فى فرنسا فهو إفريقى أسود البشرة، ورغم أنهم ( الفرنسيين) كانوا يُعدّونه- وكثير من أمثاله من المستعمرات الفرنسية - ليكون أحد رجالهم إلا أنه رفض.. فقد كان سليم الفطرة حاد الذكاء مما مكنه من اختيار طريقه بعيدا عنهم.

فانون يدحض النظريات الاستعمارية فى الطب:

- أثناء وجوده فى بليدة ومتابعته للمقاومة الجزائرية والعنف الفرنسى.. عكف على دراسة بعض النظريات الفرنسية التى كانت تروّج أن مخ الأفارقة - والجزائريين منهم – يختلف فى تركيبه التشريحى عن مخ الأوروبيين .. فقام بنقد هذه النظرية وأثبت أن مخ الإنسان متماثل فى كل أرجاء العالم ودلل على ذلك :
أولا : بملاحظته انخفاض نسبة العنف بين الجزائريين بعد انخراطهم فى صفوف جبهة التحرير
ومشاركتهم فى مقاومة المستعمرعما كان قبل ذلك .. وعلل ذلك بأن طاقة العنف تزداد كلما
تعرّض الإنسان للقهر وكلما شعر بعجزه عن التصدى له ووقفه .. بينما خلق انخراط الشعب الجزائرى فى مقاومة المستعمر الفرنسى منفذا مهما لهذه الطاقة وأشعره بكيانه وقيمته وبالتالى قل العنف بين أفراد الشعب بنسبة كبيرة .
ثانيا : بتوضيحه أن الضباط والجنود الفرنسيين القائمين بعمليات تعذيب الجزائريين تعرضوا لكثير من الأمراض النفسية لهذا السبب بل وصاروا أشد عنفا مما كانوا عليه قبل قيامهم بهذه المهمة.. أو مما كانوا عليه قبل قدومهم من فرنسا إلى الجزائر واشتراكهم فى قمع الشعب ، كما أوضح أن نسبة الأمراض النفسية بين العاملين منهم فى السجون أعلى منها بين الذين يمارسون أعمالا أخرى أقل عنفا خارج السجون.
وكان للجيش الفرنسى فى الجزائر حوالى 400 ألف جندى وضابط ظل الكثير منهم يعانون من هذه الأمراض حتى بعد عودتهم لفرنسا بعد استقلال الجزائر.
وقد نشر فانون نقده لهذه الأفكار العنصرية ولا قت رواجا واسعا بين صفوف رجال الطب فى العالم وبين المثقفين وأسهمت فى دحض الأفكار الاستعمارية عن الفوارق التشريحية بين تركيب المخ بين الأفارقة والأوروبيين.
كما أسهم فانون فى عمليات التثقيف والدعية السياسية لأعضاء وكوادر جبهة التحرير الوطنى الجزائرية حتى لحظة الانتصار.

أتعبت الشمس ولم تتعب:

لقد ضمت الثورة الجزائرية الكثير من أبناء وبنات الشعب الجزائرى .. بل وشارك فيها الصبية والصبايا بأعمال تناسب أعمارهم .. مثلما ضمت بعض الأعضاء من غير الجزائريين مثل فرانز فانون.
لقد فجرت الثورة الجزائرية طاقات الشعب وحفرت لها مجرى ظل يتسع ويتعمق – فى الجبال والحقول والشوارع والأزقة الضيقة - وتحولت إلى قوة دافعة وتيار متدفق .. أزاح أمامه مائة وثلاثين عاما من الحرمان والقهر والإذلال والقتل.
إنها حالة نادرة فى حياة الشعوب عندما يعملون جميعا كتفا بكتف فى اتجاه واحد لتحقيق هدف معروف هو حرية الوطن وانعتاق الشعب ورحيل المستعمر.
ولأن أغلبية الشعب كانت تدرك هدفها جيدا فقد سعى كل فرد لابتداع أدوات وأساليب خاصة جدا شديدة التنوع لا تخلو فى كثير من الأحيان من سمات عبقرية .. مهدت الطريق الوعر لتحقيق الأهداف الصغيرة واجتياز محطة تلو أخرى نحو الهدف الأسمى .. الحرية.
باختصار انصهر الجميع وتوحّدوا .. فوطنهم كان الأهم والأبقى من وجهة نظرهم .. أمّا هم فليذهب من يذهب.. ليبقى الوطن وخيراته لمن يأتى بعدهم من الأبناء والأحفاد.
لكل هذا نجح الشعب الجزائرى واستحق احترام شعوب العالم بما فيها الشعب الفرنسى.
لقد مثلت جميلة.. الرمز.. فى كل هذه الملحمة .. ربما كانت صغيرة .. وربما لم يكن دورها أهم الأدوار.. لكنها فعلت ما لم يتصوره أحد ، لقد استجمعت إصرار الشعب وصلابته وجلَده وتفاؤلة ومثابرته وجماله فى شخص واحد .. فتاة مُقاوِمة ولذلك كانت جميلة :

أجمل أغنية فى المغرب// أطول نخلة.. لمحتها واحات المغرب
أجمل طفلة.. أتعبت الشمس ولم تتعب.

هذا و انصرفت جميلة بعد استقالتها من اتحاد المرأة الجزائرى وعاشت كأى امرأة بسيطة، لذلك ارتفعت قامتها عاليا ، فهى لم تقاتل المحتل لكى تتبوأ منصبا رفيعا ، ولم تعمل .. مثل من يقتاتون على تاريخهم وماضيهم الكفاحى وينتظرون المقابل ، فعند جميلة ليس للحرية ثمن ولا مقابل ، الحرية ثمن معناها ، وقيمتها فيما بذل فيها من عناء ودماء.. وهذه أيضا ليس لها مقابل.
لقد فسرت حياتُها اللاحقة بعد الاستقلال حياتَها السابقة قبل الثورة وأثناءها.. ببساطة شديدة.

تموت الحرة ولا تأكل بثديها:

لذلك عندما كابدها المرض صمتت .. وصبرت وتحملت ولم تمد يدها لأحد خارج الجزائر .. حتى أجبرتها آلامها على الأنين والتأوه ورغم ذلك رفضت كثيرا من الأيدى التى امتدت لها- من خارج الجزائر- بالمساعدة لتداوى آلامها.. وفضلت أن يسمع جيرانها والمحيطون بها من الشعب أنينها.. فهُمْ فى النهاية غطاؤها وسترها.. هم إخوتها .. وأخواتها .. أبناؤها.. وبناتها ولم تخجل منهم ؟!.. كذلك فهى:

لم تلعب يوما كالأطفال // لم تغرم فى عقد أو شال
لم تعرف كنساء فرنسا // أقبية اللذة فى " بيجال "

ولأنها جميلة المعنى والخصال .. وتحمل من الكياسة والفطنة الكثير رأت أن تخطررئيس الدولة فهو أحد معاصريها.

خاتمة:
ولأن الثورة فى بلاد العالم الثالث عادة ما تأكل أولادها ، ولأن الجزائر.. و مصر ليستا استثناء من القاعدة .
ولأن المدافعين عن خندق لا يسقط عادة - دفاعا عنه - إلا أشجعهم وأكثرهم إقداما، ولأنه لا يبقى فى المؤخرة إلا من يجمعون الغنائم وبعدها يقفزون إلى المقدمة، ولأن هؤلاء ليسوا جميلة .. وإنما يتسوقون بتاريخ جميلة ، ولأن الكثيرين بدلوا اختياراتهم ولم يعد لمشروعنا القومى السابق وجود وتغير تعريفهم للعدو وأيضا للصديق، وبات النضال شيئا نتحدث عنه للتاريخ وتلونت الميول والوسائل وأصبحت مطامحنا تتعلق بكرة من المطاط تتقاذفها الأقدام فليس غريبا أن تُستبدَل أيضا الرموز، فنحن فى زمن جديد .. ومن لا يحجز مقعده تاه فى الزحام .. زحام الذكريات.
لذلك آثرت جميلة أن تتوارى عن الأنظار .. ذلك الرمز الذى تتضاءل أمام قيمته هامات عديدين من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو وممن يديرون دولا كبرى .. توارى الرمز فى تواضع وشموخ نادرين .. فهل يمكن أن نستعيد أنفسنا أولا.. لكى نستعيد الرمز ؟!

فالإسم جميلة بو حيرد
تاريخ ترويه بلادى // يحفظه بعدى أولادى
ما أصغر جان دارك فرنسا // فى جانب جان دارك بلادى.



#بشير_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى عيده الثامن ..الحوار المتمدن ... ونحن أيضا .. إلى أين..؟
- ملا حظات أخيرة على مباراتى مصر والجزائر ( 3 – 3 ): لو أنى أع ...
- عن المحنة المصرية الجزائرية ( 2 / 3 ) : محو الذاكرة الوطنية. ...
- إلى نجل الرئيس المصرى: نعم .. لابد من وقفة للمحافظة على كرام ...
- تقرير إخباري عن التحركات الفلاحية في مصر خلال السنوات الأخير ...
- عن التفجرات الاحتجاجية فى مصر: النخب السياسية المعارضة.. وال ...
- نعم.. الدولة هى التى تقود وتنفذ عمليات طرد الفلاحين المصريين ...
- ليست الأرض فقط بل والبيوت كذلك..منح خديوى مصر الأرض الزراعية ...
- هل يبدع المصريون أساليب جديدة للكفاح ؟! أم ستظل ريما على عاد ...
- على هامش الثلاثاء الحزين 17/6/2008 لعزبة محرم :دعم ا لفلاحين ...
- فى ذكرى استشهاد صلاح حسين .. يوم الفلاح المصرى 30 إبريل - رج ...
- التنظيمات الفلاحية فى مصر: بين هزال الوعى.. وافتقاد القدوة - ...
- الفلاحون فى مصر.. بين أوهام الحلول القانونية.. وطريق المقاوم ...
- مسار جماعة الإخوان المسلمين .. بين واقع الحال .. وإسقاطات ال ...
- من لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعي – مصر .. أوقفوا عمل ...
- الحالة المعرفية للفلاحين في قريتين مصريتين .. خطة بحث
- بقرية سمادون .. وفى وضح النهار: محاولات السطو .. على أراضى ف ...
- جماعة الهكسوس ربيبة النظام المصرى الحاكم .. وتوأمه في الفساد ...
- الماى: قرية مصرية أدمنت إسقاط الحزب الوطنى ثارت ضد نائبها ال ...
- ما أشبه الليلة بالبارحة.. من نجد إلى أرض الكنانة.. محمد رشيد ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بشير صقر - عن بنت الجزائر جميلة بوحيرد التى.. أتعبت الشمس ولم تتعب