سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 21:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
إحدى أهم ميزات الكتابة في الصحافة الألكترونية الحديثة ، كونها تجعل الكاتب على تماس مباشر مع القارئ , بغض النظر عن نوعية القارئ . وفي هذا تكمن أهمية الحوار الناشئ في التعرف على أنماط من التفكير لدى البعض . سواء أكان مصيباً أو لم يمتلك البرهان الكافي عن موقفه . وبالتالي ، فالكاتب يتوقع مختلف أشكال الرد ، وأصنافه ، وهو شئ طبيعي نظراً لإختلاف مستويات البشر . بيد أن المشكلة تكمن عندما يصر البعض على إعتبار ان الصراخ والنحيب والعويل وحتى السيف يمكن إعتباره ( نقداً ) . وبما أن مسألة سن النضج العقلي هي المعيار والحكم ، لذا فيمكن للمرء أن يجد أسباباً تخفف ربما من آثار هذه الحالة العصابية . التي تشبه حالة سن اليأس لدى المرأة التي تتجمل ، في مواجهة فعل الزمن .
لقد سبق ، وذكرت في مقال سابق أن العقل ينتحر عندما يغيب النقد . لآن النقد هو السلاح الذي يجري بواسطته تصحيح المسار . وغياب النقد يعني بإختصار وصاية وحجر على العقل . وهنا أود مرة أخرى أن أوضح موقفي بشكل محدد من هذه القضية . العلم والدين شيئان منفصلان . الدين لا علاقة له بالعلم . والعلم لا يعترف بالدين والمقصود هنا كافة العقائد سواء ما إعتبرها أصحابها( سماوية ) أو تلك الآرضية . العلم يقبل البرهان ، لكن الدين لا برهان لديه على صحة نصوصة
ولم يتقدم العلم الى الأمام ، ويحقق ما أنجزه من تطور إلا بفضل إعتبار أن العقائد مسألة تراثية إنسانية ، لا علاقة لها بالواقع المعاش . وهي في نهاية المطاف إختيار ذاتي . هذا حسب رأي العلمانية والحداثة والمعاصرة . أما حسب رأي القوى الأصولية المتشددة ، فإن صلاح العالم يكمن بالحاكمية الألهية . وإخضاع الجميع الى منطق القائد الأوحد . الذي ينوب عنه شارحوه ومفسري نصوصه بمهام القيادة وبيت مال المسلمين.
كافة الأديان تتضمن نقاط لها علاقة بالعبادات ، وجزء من الآساطير والقصص الميثولوجية ، وتشريعات .
لنأخذ جانباً موضوع العبادات التي كانت ومازالت تمارس لدى شعوب مختلفة ، فهي تعبر عن نوع من الطاعة الإيمانية للمؤمن . والخوف والأمل معاً وعلى رأي ( ريجيس دوبرية) فهي فيتامين الفقراء . في مواجهة الطغاة . وبما أن الله يحب الأغنياء ، والفقراء يحبون الله ، بقي الفقير فقيراً وزاد الغني غنى .
النقطة الثانية هي القصص والأساطير ، لو تم تجريد العقائد من نصوصها المثيولوجية كنص مقدس ، وتم التعامل معها كنصوص تراثية تخيلية جميلة ، هو افضل من إعتبارها حقائق .. لأن هنا تتحول هذه النصوص التي يقال عنها ( علمية ) الى شاهد ضد العقيدة . فالدين لا علاقة له بالعلم وهوعلى النقيض من العلم . لماذا لم يخترع موسى جهاز نقال للتحدث مع إلهه أمام الناس .. ومن الذي يقنعني أن يوحنا مشى على صفحة نهر الآردن دون أن تتبلل أصابع أقدامة .. ومن الذي يقنعي أن محمد طار أو عرج الى السماء .. . لكني على إستعداد للتعامل مع هذه النصوص كأدب فنتزي جميل ، يوضح المقدرة المتخيلة لدى إبن عباس ، أو كتبة العهد القديم أو الجديد . حتى إسطورة الخلق تكاد تكون نسخ متناسخة من مصدر واحد . وعلى رأي الزميلين ( نبيل فياض ، وغسان حمدان ) فإن معظم المفاهيم الدينية التى يتم تداولها اليوم تحمل بصمتها الواضحة العقيدة الزرادشتية . وللباحث المهتم ، بإمكانه العودة الى كتب العقيدة الزرادشتية وأهمها كتاب ( المخلص والمنقذ ) وكتاب ( الزند ) وهذه العقيدة الزراعية سابقة على غيرها من العقائد ( السماوية ) إذن ما هو العلم الموجود في الكتب المقدسة ..؟ ماذا بقي من الكتب الدينية .. التشريع وضعت التشريعات في حينها بما يتلائم وتطور المجتمعات القديمة على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي . وكذلك السياسي . وهذا هو العامل الأهم في الموضوع . تماماً مثلما وضع الحكيم حمورابي قوانينة الوضعية . وشكلت فتحاً حقوقياً في التاريخ يحترم علية .لكن هل من الممكن اليوم المطالبة بتطبيق قوانين حمورابي ..؟ في السابق كانت تقطع يد السارق عندما لم تتوفر سجون أنذاك ، لكن في العصر الراهن هل يمكن الإستمرار في تطبيق هذا القانون ..؟ في العصور الوسطي عرفت أوربا نظام المقصلة ، كما عرف العالم الإسلامي ولابزال بعضه يعمل بنظام جز الرأس . بيد أن اوربا تخلت عن هذه القوانين الظالمة في عصر ظلامها ، بينما يطالب البعض لدينا بالعودة الى نظام القطيع والرقيق .. ربما حادثة الصحافية السودانية مجرد مثال عن المخفي الأعظم . ولمن لا يعرف معنى السجون العربية والإسلامية ، لا يحق له التشدق بنظام العدالة في الإسلام . فالداخل مفقود والخارج مولود . يكفي أن المحققين الأمريكان إستعانوا بالخبرات الإسلامية للتحقيق مع المعتقلين في غوانتنامو . بل أن ما نشاهده من تنفيذ أحكام في عدد من البلدان الإسلامية شئ يندى له جبين الإنسانية .
ما هو العلم ، هل هو العلم بالله وملائكتة وكتبه ورسلة حسب تفسير الغزالي أم العلم هو الجبر والأحياء وعلوم الفلك ..؟ أبو حيان تعرف على علوم الأغريق ، والرازي والزهراوي وقد أبدعوا هؤلاء نتيجة إعمال عقلهم . لكن هذا العقل وئدته النصوص وفقهاء الجهل . عنما تم إعتبارأن قاعدة العلم تقوم على معرفة الذات الإلهية .لأن الكبيعة يسيرها خالقها دون تدخل من البشر ...؟ هذا أساس التفكير المشيخي للبوطي وغيرة الذي ربط العقل الى الماضي كما يربط سراج البعير.
فإذا كان إبن خلدون وإبن الأثير والعديد من الأئمة رفضوا تفسيرات إبن عباس والبوطي والغزالي وإعتبروها خارج العقل . فهل نحن الضعفاء لله في منهج البلاغة مطالبين بقولها على أنها علماً ..؟ إلا إذا كانت من وزن ( العلمو نورون ) فهذا شئ آخر . نعن هناك العديد من العلماء من البلدان العربية والإسلامية لكن درسوا منهاج العلوم الحديثة من فيزياء كونية وغيرها ، ومعظمهم أصبح مواطن أخر في بلدان إقامتهم في وطنهم الثاني الجديد . لأن في تلك البلدان وجدوا حرية البحث العلمي وحقوق الإنسان . وليس أئمة جهل تكفرهم وتطالب بجلدهم . وربما أقرب مثال هو الدكتور سيد القمني ، والمفكر العربي العفيف الأخضر وفرج فودة والقصيمي .. قائمة طويلة من المطضهدين ، في مقابل طوابير وعاظ السلاطين والبترودولار. منذ متى كانت حرية البحث العلمي في العالم العربي مطبقة ..؟ وما هي الأبحاث العلمية التي نشرت .. ؟
تذكرني هذه المادة بأحد أصدقائي القدامي ، ونحمد القدر أنه خارج المنظومة الإسلامية الأصولية . تخرج من إحدى الجامعات الأمركية تخصص فيزياء نووية . بدرجة إمتياز . رغم كافة الإغراءات التي قدمت له أصر على العودة الى وطنه لكي يساهم ببناء وطنه . فجرى تعيينه مدرس إبتدائي في محافظة نائية . عندماحاول مراجعة الجهات المختصة في وزارة التجهيل . قال له مدير القسم الشيخ.. نحن أوفدناك في بعثة تخصصية ونحن نقرر مكانك ، لا مجال للمراجعة عليك بالعودة الى مقر عملك . وبعد أسابيع عاد الى وطنه الثاني ، وهو الأن أحد كبار العاملين في وكالة ناسا للفضاء . ومنذ أربعون عاماً لم تطأ أقدامه مرة أخرى هذا الوطن الجميل .
أين هم علماء العرب اليوم .. في كندا وأمريكا وأوربا الغربية . تعلموا علوم الغرب ولم يتعلموا علوم الشرق الاوسط الجميل .
أي علم هذا الذي لدينا .. إذا كان النص هو المرجعية الأساسية للعلوم فالأشعري أسس نظرية أهل السنة في الخلافة وكذا الشافعي وهي كلها نسق مغلق من الأفكار المحصنة ضد تيارات التجديد . كافة النصوص ذات مصدر سماعي ، ومعتمدة على الذاكرة الشفهية . فأصبح الأعرابي هو المؤسس للعقل العربي . البعض يقول هناك علوم الدنيا وعلوم الآخرة .. حسناً هل نحن مخترعوا علوم الدنيا أم الذين وضعوا الدين في مكانه الطبيعي . وأدركوا قيمة إكتشافات كوبر نيكوس ونيوتن ، وإينشتاين .. نحن مخترعوا علوم الأخرة والحور العين والغلمان المخلدون .. هل يقبل عقل بشري الأن بهذا التفسير ..؟ سابقاً في عصر مضى ربما كان له مبرراً . أما الأن هناك علوم لا علاقة لها بالدين . والدين ضد العلم مهما تدافع وتناكب البعض أو صرخوا وبكوا . في الصين جرى إنزال ثلج بواسطة العلم ، نحن لدينا صلاة الإستسقاء ، وتقديم طلب الى السماء . بيد أن بيروقراطية العمل الإداري هناك غالباً ما تؤدي الى إضاعة الملفات والطلبات المستعجلة من المؤمنين . وحسناً فعلت الملائكة وكذلك ( الرب ) الذي لم ستجب الى دعاء ( اللهم بددهم ، ولا تذر منهم أحداً ) بيد أن الزرقاوي الذي تحول من لص الى مجاهد فقد تم الصلاة عليه صلاة الغائب بإعتبارة ( شهيداً ) مع شديد الأسف . الدين ضد العلم ..لأن العلم يعري كافة العقائد من آساطيرها . ويحوله الى تراث إنساني جميل نفخر به ، ولا نتبرأ منه . هذا هو الدين الذي لا يحمل سيفاً ولا قنبلة ، بل علاقة إنسانية متواصلة ، وليس إن الدين عند الإسلام ، وإلا حاقت عليك غضبي وسيفي . وكل من يخالف الأسطورة فقد كفر ..؟ العلم شئ والعقائد الدينية شئ آخر . وعلى رأي السيدة وفاء سلطان إعبد ما تشاء حتى الحجر لكن لا ترجمني به .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟