طلال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 03:00
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أنه مزاد عريض ممتد المزايدون فيه بأصنافهم المختلفة متلهفون لرفع السعر لكنهم لايملكون القدرة على ألتسديد....؟!
قبل أيام عقد السيد عمار الحكيم في عمان مؤتمراً صحفياً دعا فيه الى أشراك البعثيين في العملية السياسية لبناء البلاد بًاستثناء من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين الذين وصفهم ((بالصداميين)) داعياً الى غلق هذا الملف، وقال مؤكداً: على كل الاطراف ان تشارك في العملية السياسية، وان تفعل المصالحة الوطنية كي تستمر العملية السياسية.ولانريد ان نستثني أية فئة من العراقيين،واضاف أن ملف البعثيين يجب أن يغلق وليس من المعقول أن يستمر الى أبد الابدين الى اخر الكلام.....؟ قبل تناول ومعاينة أفكار الحكيم هذه، لابد من توطئة بأستدلال تاريخي اجده ضرورياً عن حزب البعث والبعثيين، فهذا الحزب كما ارى اوجدته ملابسات الصدفة وحظ وطننا العاثر وليست الضرورة السياسية كماينبغي، ولم يكن بلدنا العراق بحاجة لخدمات هذا الحزب العقائدي الشمولي وأي نظير اخر وبينت التجربة التاريخية ان العراق كان ومايزال بحاجة الى احزاب برامج ومشاريع نهضوية وليست احزاب يموت الانسان( وتحيا هي)، تختزل الوطن والشعب بمفاهيم وأستحكامات نظرية يتلاشى الواقع أمام مطلقاتها المقدسة.... أن هذا الاستدراك جاءٍ متأخراً وبعد هزائم مريرة واكلاف غالية دفعها وطننا بكل ماتحملة العبارة من معنى وألم وهو درس بليغ يقدم كما يقال على طبق من ذهب الى الاحزاب التي يزدحم بها المشهد العراقي من كل لون وصوب لتستلهم من ذاك الماضي الحاضر ليس درساً بل اسفاراً من الدروس. حزب البعث الذي أفتعل وجوده في العراق :كاتجاه ومشروع قومي خاب في كل الاختبارات منذ لحظة نشاطه وفعالياته،وما حكمه للعراق طيلة 35 ألا رهقاً على العراق وعلى نفسه.ورغم كل البلاء الذي جلبه الى كل العراق والعراقيين والعرب فمازال البعثيون المتعصبون يصرون على ألاشادة بمسيرة حزبهم وسلامة مواقفه وهم فخورون بنظامهم القمعي الرهيب وبدكتاتور اذل العراقيين حتى البعثيين منهم... بعد أن حوله الى واجهة سقيمة من خلاله تحكمت العائلة والعشيرة والمنطقة بمقدرات العراق وقذفت به نحو محتدمات مهلكة... وهذا الحزب حتى وهو في أوج هزيمته بعد سقوط نظامه في التاسع من نيسان 2003 أستحال مرة اخرى الى معضلة من نو ع اخر عندما ترامى كمضمارلغلو طائفي منفلت وعنوان مستخلط لمقاومة ملتبسةغاصت في مستنقع الارهاب والترويع وهي تدمي شعباً وبلداً بكل قسوة متلحفة بشعارات دينوية مستلهمة من سيرة الدكتاتور ونظامه وعهده العزم والالهام.. فصار كياناً تتجاذبه تيارات سياسة كأنه سلعة أثرية في مزاد للمعروضات التاريخية ،يحرص البعض على اقتنائها لغرض مقايضتها بمكسب سياسي في مشهد سياسي معتل البدن ينوء تحت وطأة اعباء محملة باثقال طائفية وعنصرية وسياسية بوجهيها الداخلي والخارجي تتناهبتها مشاريع تساومية غبراء. مع الا سف الى الان لم يتوفر الموقف الناضج من وجود البعث كحزب والبعثيين كأفراد عبر منهج سياسي وقانوني متماسك وكان الموقف منهم في الغالب مشحوناً بدواعي تبدو ثأرية وأنتقامية انعكست في صيغ وعناوين بدت غير موفقة صدرت في فترة أتسمت بالاندفاع والتوتر والمساومة، فجاء.. قانون اجتثاث البعث.. الذي تزاحمت وتباينت وتنادبت حوله التفسيرات والاعتراضات فجرى أدخال تعديلات واستدراكات لاحقة فتحول من قانون ..للاجتثاث.. الى،هيئة المساءلة والعدالة،، الذي لم يقطع الطريق نحو الوجهة الصحيحة والمطلوبة .. أن هذا الوضع بتمامه يدل على معالجة ركيكة استهوتها الشعارات والمزايدات السياسية على حساب المعالجة القانونية الشاملة، فمثلاً كان بالامكان ولحد هذه اللحظة اصدار قانون متوازن دون تأويلات وأجتهادات سياسية بأشراف هيئة خبراء قانون، تصوغ وتشرف على قانون تمنيت تسميته (بقانون تنظيم وادارة ملف حزب البعث العربي الاشتراكي المنحل) دون الدخول في المتاهات السياسية المضنية، كحل قانوني يعالج هذا الموضوع بتفصيل ملموس لقطع السبيل أمام التنازع علية من منطلقات قيمية وعرفية مجردة في بازار السياسة. من هذا الفهم وبالترابط مع التصريحات الاخيرة للسيد عمار الحكيم بصدد البعثيين نتساءل هنا ماذا يعني السيد بعودة البعثيين الى العملية السياسية، هل كأعضاء مرتبطين بتنظيمهم البعثي ..؟ وهذا غير ممكن لوجود قانون يمنع نشاط حزب البعث، وأذا كانوا أفراد فهم بالتأكيد غير منتمين الى حزب البعث المحظور واّ ذا كان لاهذا ولاذاك أذن ماالداعي الى اطلاق صفة البعثيين التي تعني سياسيا الالتزام بأفكار حزب البعث ونظامه الداخلي وبرنامجه ، على ناس مستقلين ولم يعودوا بعثيين والكثير منهم يشغل موقعاً رفيعاً في مرتكزات ألسلطة والبرلمان والجيش وغيره، وهم كحال من عمل وتقاعد،وكأي سياسي ترك العمل السياسي فيطلق عليه سياسي سابق، شيوعي سابق ماركسي سابق، فلايمكن في الحالة هذه أطلاق صفة شيوعي على عضوكان شيوعياً، ثم ترك العمل، أن هذا الالتباس والتعتيم يشير أما الى هدف مقصود أو خلل مفاهيمي يترادف بين السنة الكثير من السياسيين دون تحديد واضح لما ينون قصده، وفي احسن ألاحوال لايمكن تفسيره الابرغبة كتل معينة تبتغي تسويقه لمكتسباًت انتخابية في منعطف حرج، وهو في أبعاده المحسوبة خلطاً للاوراق وهي( مبللة) .، أن هذا الوضع برمته يجلي ارادة اللجوء وألاستقواء بمنهج المقايضة عند قوى اعتاشت على هذا النهج، بالاصرار على منطق المساومة والمراهنة على اكثر من ورقة، وعندما تسمع بهذه التصريحات من قبل شخصية متنفذة كالسيد الحكيم فذلك يعني ان رأياً وموقفاً جديداً قد نهض عن دراية سياسة عميقة، نظرت الى الموضوع خارج التناول التقليدي الحذر والكاره للبعث والبعثيين، ويعني هذا تبدلاً كبيراً سيجد (المجلس الاسلامي الاعلى) نفسه ملزماً بأثبات موجباته في التطبيق ولايعني فقط أن تسمح للبعثيين المشاركة في العملية السياسية كأعداد وأصوات أنتخابية بوصفهم مواطنين من حقهم هذا، بل ستتمخض عن ذلك الامر استحقاقات سياسية كبيرة، حتماً سوف يستثمرها ويستفاد منها البعث وواجهاته خارج حسابات السيد الحكيم ونواياه. أن واحدة من معالم التخلف السياسي كادأرة وثقافة وحصافة في بلادنا هي النزعة الارتجالية الخفيفة في معالجة التحديات العقدية التي يطرحها الواقع السياسي بتعقيداته وهذه (النزعة) كثيرا ماأحبطتً مشاريع وأطاحت بفرص للحل وتصريف للاحتقانات السياسية التي واجهت بلادنا، ولم أستثني عهدا سياسياً منمن تعاقب على حكم بلادنا بدءاً من 1921 الى حد هذه اللحظة من ممارسة ذلك النزوع السياسي العقيم، الذي استسهل الحلول واستهان بعواقب المعضلات المتفجرة التي كلفت بلادنا مالايمكن تعويضه، ولعل مثل صدام حسين وأدارته للحكم مثالاً مثيراً ومؤلماً ودامياً.من هذه المنطلقات أقول أن تلك المعالجات السطحية( لملف البعث والبعثيين) أتسمت على الدوام بفهم مضطرب وأجراءات كسيحة ورؤى متنافرة أخضعته قوى وأحزاب وشخصيات مسوؤلة للمساومة والبراغماتية ومثالاً لاحصراً أستحضر ذلك الموقف المثير للجدل حينذاك، يوم توارى السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني في منتجع دوكان متجنباً حراجة الموقف وتملصاً من المسوؤلية غداة اعدام الطاغية صدام حسين عام 2007 ارضاءً لقوى مختلفة لاتريد لصدام أن ينال قصاصه العادل ومن ضمنها البعث ولم ينعكس هذا الموقف أيجاباً على العملية الساسية بقدر ماأثارالنفوس وشحن النوايا بتأويلات وتفسيرات مشككة ومتحاملة من هذا الموقف السقيم. والامر ينطبق ألان ايضاً على مايجري من تلك الاندفاعات وأشباهها كمواقف وتصريحات ملتبسة دون الاتعاض بعبرة أوألاستعصام بحلم ،وكان الاجدى بالسيد الحكيم أن يتروى ويترك الامر للقانون لحل هذا الموضوع الشائك وعدم أخضاعه لمزاج اللحظة ودواعي الاحتراب الانتخابي الضيق وهو قطعاً لن يربح شيئاً وسينظر اليه حتى البعثيين ووجوههم تعلوها أبتسامة باهتة . وبكل واقعية أقول انا من المواطنيين الذي يأملون حل الملف البعثي بطريقة قانونية عادلة ، في نطاق الدستور،. والابتعاد عن كل مايجعل من هذا الموضوع محشوراً في سياق التنافس الانتخابي المحموم على السلطة والنفوذ والجاه من قبل احزاب وكتل فشلت في اظهار مصداقيتها ونزاهتها وكفاءتها عندما استلمت مقاليد السلطة الى الان.... وهي تعتقد أن أستثمار الملف البعثي، سيغير من المعادلة السياسية القادمة لصالحها بهذه المناورة المتأخرة وهذا الوهم الفاقع.... ومهما كان نوع المراهنات التي يتأمل ربحها البعض من هذ اللعبة فألامر كما اسلفت سيرتد خسارة وتيه ,واوكد هنا أن من العسير على حزب البعث أن ينفذ من مأزقه التاريخي بمجرد أن يشارك بعثيون باي صفة كانت في العملية السياسية أعتماداً على تردي وسوء أداء هذه العملية ، أوأردة البعض بتسويقهم سياسياً، فألامر متعلق أساساً بأسحتقاقات وطن وشعب وعلى من يتمسك بالبعث كمشروع فكري وسياسي فهم مايعني هذا الا ستحقاق...؟ الذي يتعلق قسمه الاكبر بثقل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق العراق والعراقيين بالترابط مع فشل مشروعه الفكري والسياسي، وتجربة العراقيين المتكررة بمأسيها واحباطاتها مع هذا الحزب .... ومن بعيد المنال ان تحل مرادفات حسن النية ومشاعر الود العابر ونوايا أخرى استبسطها واستبطنها السيد الحكيم في قرارة نفسه، ماتعذر على حزب البعث حله وتجاوزه عندما كان يحكم العراق ويتحكم بناتج ثرائه النفطي ومقدراته الاخرى دون منازع... ورغم ايماني بالحل القانوني لملف حزب البعث.. لكنني مازلت مقتنعاً أن حزب البعث لم يستفق من استحكامات الشعور المريض بأمكانية العودة الى السلطة السياسة وايقاف عجلة التاريخ التي تخطته وهو يقف في مكانه لاهثاً متقطع الانفاس ... ليس المهم في حمل رأسك للحكمة بل العبرة بحمل الحكمة لرأسك....؟
طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي
#طلال_شاكر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟