أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عزيز باكوش - التسول الإفريقي














المزيد.....

التسول الإفريقي


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2808 - 2009 / 10 / 23 - 12:55
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


من المظاهر الملفتة بمدينتي في الوقت الراهن تسول من طراز خاص برز على سطح الأحداث منذ قرابة عقد من الزمن ، أعداد هائلة من رجال ونساء جنوب الصحراء يسربلهم البؤس وترسم النظرة إليهم أزمنة من القهر المخدوم جراء تكالب حرمان الطبيعة وهيمنة أنظمة الحكم المستبدة ، إن النظرة المتفحصة العميقة في ظاهرة ما بات يعرف بالتسول الإفريقي وجع إنساني ضارب في أدغال العبث العولمي الجارف ، وتعتبر-ممنتيا- نموذجا صارخا للظاهرة ، سيدة افريقية في حوالي الثلاثين من العمر مفتولة العضلات قوية البنية ذات عينان مشعتان زائغتان ، متأهبة للمسح وللإصغاء كما لو أعدت لذلك ، تجرجر صبيا لا يتجاوز عمره السنتين اوثلاث على أبعد تقدير ، وإذا كان لابد من استحضار ظروف نشأة هذا الصبي ونموه ، فإن الأمر سيغدو صاعقة بلا جدال . فالذاكرة قد لا تسعف أحيانا على التقاط بشاعة المرحلة ، لكنها ترغم على التفكير آنيا في توفير ما تسد به الرمق ، أي الحد الأدنى للعيش موازاة مع درجة الإرهاق نتيجة أعراض الجوع الماثلة للعيان.
واذكر انه مما استوقفني أثناء الحديث معها بروز بطنها ..لقد سبب لي ذلك الانتفاخ حرجا كبيرا ، وتعمدت أن أخوض حواري معها بغير مبالاة النظر إلى بطنها الذي يحكي جراحات لا حد لها ولا حصر.
-ممنتيا- افريقية من ليبيريا ، تحكي ظروف سفرها إلى المغرب فتعبر بفرنسية قوية " كيف أستطيع أن أصف ما حدث خلال رحلة امتدت عشرات الآلاف من الكلمترات ، رحلة كلها سفر وجوع وتسول ، تسبقها دمعة توغلت في الجرف الأسفل من عين مثل بئر غزير، تعرضت لاغتصاب جماعي على الحدود مع أنغولا تضيف ، لكن الفاعل هذه المرة لم يكن سوى 6 شبان من أبناء جلدتي" -ممنتيا- هنا لا تقو على الحكي، فتنهار ، تركوها ليلا تنزف وانسحبوا كما الذئاب في الأدغال ، كابرت وكابرت تضيف –ممنتيا- لكن الظروف لم تسعفها كي تبسط معاناتها بالكامل يلزم ساعات وساعت من الاستماع الفاجع ، كان كل همها أن تسكت طفلها المشاغب الصامت ، وبين الفينة والأخرى وكما لو تسكت فما آخر ، ترسل بعضا من ريقها إلى من في بطنها ، بعد رحلة حفت بها كل المخاطر ،وصلت - ممنتيا - إلى شمال إفريقيا أو ما بات يعرف لدى مهاجرين جنوب الصحراء بمشارف الأمل والحلم الأبيض ،حيث الإطلالة على أوروبا، ولم يكن هذا الأمل سوى المغرب نقطة اللاعودة ، البلد الإسلامي العربي المضياف والكريم وفقا لرواية أغلب المهاجرين من دول جنوب الصحراء ، بوابة أوروبا عبر إفريقيا . خلال رحلتها التي دامت قرابة 4 أشهر ، استقلت -ممنتيا - عشرات الشاحنات والحافلات، وافترشت الربيع والعشب والحديد وروث البهائم نامت نهارا وسارت ليلا، سارت ليلا ونامت نهارا ، وتكبدت مشاقا يعجز اللسان عن وصفها ، ولما وصلت إلى نقطة الاعودة ، شعرت بنوع من الأمان، حرصت على دخول المنزل من أوسع أبوابه ، فتعلمت النطق بثلاث جمل عربية هي" السلام عليكم " في سبيل الله يامسلمين" ..شكرا " - ممنتيا- ممتنة في ذلك للصدفة الرائعة ، فالقدر قادها ذات صباح إلى مدرسة نائية بضواحي فاس ، حيث تعرفت على أستاذة ارتبطت بها اشد الارتباط وشاركتها الماء والحليب والعدس ، ولم تغادر المكان إلا وقد حفظت سورة الفاتحة ورطنت أكثر من قاعدة عربية وعشرات من جمل الأدب والحديث ، لا تنكر-ممنتيا- أن ابنها - ولدي - هكذا تناديه مجهول الأب ،إنها تصرح بذلك كما لو كان واجبا وطنيا ، لكنها بالمقابل تفصح عن والد من يوجد ببطنها ، إنها حامل في الشهر الثالث تقريبا ، تتذكر الواقعة كما لو بالأمس القريب ، حدث ذلك في قريتها الصغيرة في ضواحي العاصمة الليبيرية . كانت جائعة حتى أنها لم تأكل ليومين تقريبا ، وحينما وصلت قرية بجنوب مالي ، وكانت في غاية التعب والإرهاق ، استوقفتها سيارة على متنها شابين عليهما آثار الطبقة الميسورة ، فادعت ببديهة ملفتة إنها باحثة في علم الآثار، قدمت من ليبيريا بناء على دعوة من إحدى الجامعات وهي تقيم في فندق بالعاصمة ، إلا أنها تعرضت للسرقة وضاع منها كل شيء ، جرأتها دفعت بها إلى تلبية طلب أحدهما بمرافقته إلى غرفته ، وكان متهورا ، وكانت بحاجة لدفئ ما ، قضت الليلة معه، وخلال ذات الأمسية ، حدث فيها ما جعلها تعيش وتحيا بعد فقدت الأمل في الحياة ، - ممتنيبا- انتفخ بطنها مرتين ، الانتفاخ الأول كان بما لذ وطاب ، والثاني بمن شب وخاب ، هي الآن حامل في شهرها الثالث تعمل على توفير الطعام لفردين علاوة على نفسها ، إنها تبحث عن رمق العيش لها ولطفل بلا اسم وبلا هوية ، في وطن بلا أفق ، الأمر باقتضاب ، آفة ، ثلاثة أجيال خائبة ، جيلها المغامر الجريء الفاقد لبوصلة الحياة بوطنه الذي يعبر المسافات من اجل المستقبل الموعود ، والجيل الثاني وقد تشبع و سيقتفي الأثر حتما ، خلال العقود الثلاث القادمة ليعيد إنتاج نفس الخيبة ، فيما الجيل الثالث في بطنها حيث ترتسم الدهشة في أفق يصعب ارتياد تفاصيله المؤلمة.
عزيز باكوش





#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدينة المغربية والاختلالات البيئية هل من تفعيل للحكامة الم ...
- عمود - كود - للصحفي محمد رامي تباشير العاصفة
- غربيات أسلمن وارتدين الحجاب وتعايشن••• كيف ولماذا؟
- التعليم بفاس خصاص في الموارد وافتقار للمرافق والضروريات بالع ...
- حوار مع ذ: محمد ولد دادة مدير الأكاديمية الجهوية للتربية وال ...
- عن المهنة التي تستحق التضحية
- رشيد نيني لا شريك له
- الاعلامي الاردني عاطف الكيلاني في حوار كاشف
- 750درهما للصلاة في الصفوف الأولى بالحرم المكي
- واقع مهنة التدريس بقطاع التعليم المدرسي مكامن القوة والضعف ك ...
- كوميديا رمضان من المساءلة الى الاتهام
- أحقا ، عصر الأخبار الالكترونية المجانية يوشك على الانتهاء ؟
- القذارة تصل في التلفزيون المغربي ، فمن يجرؤ على كنسها ؟
- محمد بودويك يسبغ على -لارا- السريانية حفيدة المسيح ذهب الأسم ...
- قطيع وقطعان
- احتلال الملك العمومي بمدينة فاس وجهة نظر
- نيابة فاس تحتفي بالمتفوقين برسم الموسم الدراسي 08/2009 : عزي ...
- حوار مع المخرج السينمائي المغربي الواعد محمد رضا كوزي اعد ال ...
- الكل مطالب بتحضير مشروع يلائم بيئته وخصوصيته المحلية
- البطل المغربي في رياضة بناء وكمال الأجسام شكيب بوهلال يتأهل ...


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - عزيز باكوش - التسول الإفريقي