|
الموصل .. هل ثمة أمل ؟
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:21
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هل من الممكن ان تُحَل المشاكل بين أقليم كردستان والمناطق " المُتنازع عليها " وخصوصاً في نينوى بطريقةٍ سلمية ؟ هذا السؤال المشروع يَقُض مضاجعنا نحن العراقيين عموماً في كل المناطق ولاسيما في الموصل ودهوك واربيل . فحتى لو كان ( السياسيون ) من الجانبين هم الذين يُصّعدون المواقف ، فأن الذي يدفع الثمن في النهاية ، على الاغلب ، هم الناس العاديين من الذين ليس لهم ناقةٌ ولا جَمل في هذه القافلة . - بعيداً عن مطبات التعميم ، و بِغَض النظر عن أيهما الأصح ، فأن نسبة مُهمة من اهالي الموصل كانوا متحمسين ومؤيدين للنظام السابق ، بعكس معظم اهالي اقليم كردستان الذين كانوا ضد النظام منذ عقود . عِلماً ان كل جانب من الجانبين لهُ مُبرراته . - في نهاية العهد العثماني ، كان هنالك العديد من الضباط الذين يخدمون في جيش الامبراطورية العثمانية التي كانت على وشك الإنهيار ، قد غادروا الى الجزيرة العربية والشام وبلاد مابين النهرين ، وان بعض الضباط العرب الذين تعاملوا مع شريف مكة ، تأثروا بدرجة او بأخرى بتطلعات تشكيل " دولةٍ عربية " ، قسمٌ من هؤلاء الضباط جاءوا الى بغداد والموصل والبصرة ، أبان تشكيل " المملكة العراقية " ، وكانوا نواة إدارة الدولة الحديثة التشكيل ، لِما يمتلكونه من خبرةٍ عسكريةٍ وإداريةٍ سابقة . بعضٌ من ( ثقافة ) الموصل تشكلت بتأثيرٍ مباشر من هؤلاء الضباط عُثمانيي الهوى . - وكجُزءٍ من السياسة العثمانية التقليدية ، فإنها كانت تُغْدِق " الهِبات " و " المكرمات " و " الفرمانات السلطانية " على بعض الشيوخ ورجال الدين وحتى على الأشقياء وزعماء العصابات احياناً ، ليس في ولاية الموصل فقط ، بل في كافة الولايات والسناجق العثمانية ، من أجل إستعمال هؤلاء كرأس حربة لتنفيذ سياسات ومآرب السلطة ، وخصوصاً في تجنيد الشباب الفقراء والمُستضعفين لإستخدامهم كوقودٍ في الحروب ، وجمع الضرائب بالقوة . وكانت ( مكرمات ) العثمانيين عادةً عبارة عن إعطاء [ أراضي ] شاسعة الى أكثر الاشخاص إخلاصاً للنظام وحرصاً على تطبيق " القانون " على البسطاء من الناس . ببساطةٍ شديدة ، هذا هو منشأ " الشيوخ " و " الآغوات " في ولاية الموصل ، فخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، توسعت سياسة ( إنتاج ) الشيوخ ورؤساء القبائل والآغوات ، وتشكلتْ ( الإقطاعيات ) الجائرة التي إستغلت الفلاحين إيما إستغلال . وإستمرت هذه الاوضاع بصورةٍ عامة ، الى ان أصدرَ " عبد الكريم قاسم " قانون الإصلاح الزراعي الذي " حّددَ " مُلكية الاراضي الزراعية ، ووزع الكثير من الارض على الفلاحين . " العوائل الكبيرة " في الموصل ، من العرب والكرد ، أصبحت ( كبيرة ) بواسطة سيطرتها الجشعة على الارض ، وإستغلالها البشع لعمل الآلاف من الفلاحين والعمال الكادحين . - وكدلالةٍ على التأثير العثماني في ميول " البيوتات " الموصلية ، فأن العديد منهم ، في مطلع العشرينيات من القرن الماضي ، صوتوا مع بقاء ولاية الموصل تحت حُكم تركيا ! - إذن ( ولاية ) الموصل المُترامية الاطراف المُمتدة من جبل حمرين الى السليمانية وكركوك واربيل ودهوك الحالية ، الى سنجار وربيعة ، كانت بعيدةً كل البُعد عن كونها " عربية " . و بعد تقسيم المملكة العراقية إدارياً الى " ألوية " ، كان لواء الموصل خليطاً من عدة قوميات . وحتى بعد " فصل " دهوك عن الموصل في نهاية الستينيات ، فأن " مُحافظة نينوى " بَقِيت من اكثر المحافظات العراقية تنوعاً قومياً ودينياً ومذهبياً ، فعدا مركز المدينة الذي كان تواجد الكرد كثيفاً في أحد نصْفَيهِ ، فأن مناطق كبيرة في شمال وغرب المدينة كان الكرد يشكلون فيها أغلبية واضحة . إضافةً الى تواجد التركمان والكلدوآشوريين في مناطق كثيرة من المحافظة . ان سياسة ( التعريب ) التي إنتهجها البعث الحاكم وطبقها على العديد من مناطق نينوى ، أخَّلَتْ بالواقع السكاني وتم تهجير الكرد خصوصاً وإسكان العرب مكانهم والإستيلاء على أراضيهم . - حسب منطق الجغرافيا السياسية ، لم تكن الموصل مُناسِبةً ، ان تكون " مَعْقَلاً " للفكر القومي العربي وخصوصاً في جانبهِ المتعصب . بخلاف العديد من المدن العراقية الخالصة " العروبة " منذ مئات السنين . وطالما كانت الموصل مركزاً تجارياً مهماً ، إعتمادها الاساسي على مناطق العمادية وزاخو وعقرة ومخمور وسنجار ودهوك ، وكلها مناطق كردية . وّلدتْ هذه العلاقات الاقتصادية والمصالح المتَبادلة ، على مدى قرونٍ من الزمن ، بين طبقة التُجار في مركز الموصل وأغلبهم من العرب وبين عملائهم وأغلبهم من الكرد ، وشائج وثيقة ، إضافةً الى الطلبة الكرد الذين إرتادوا المدارس في الموصل لعدم توفرها في مناطقهم الاصلية ، ناهيك عن الخدمات الطبية والصحية والعديد من الخدمات المهنية الاخرى التي كان " الكرد " يحتاجون فيها الى مدينة الموصل بإعتبارها أقرب مركزٍ " حضري " اليهم . ( نتيجة الاهمال المُزمن الذي عانت منهُ المناطق الكردية ). أعتقد ان ملامح التغيير في العلاقة بين الكرد والمُتنفذين في مدينة الموصل ، بدأت في منتصف القرن الماضي ، عندما إرتفعت اصوات " القوميين العرب " ولاقت صدىً لدى بعض العوائل والبيوتات الموصلية وخصوصاً من الاقطاعيين والشيوخ ، حيث طَفَتْ على السطح أفكار الإستعلاء والعنجهية ، التي لم تستهدف الكرد فقط ، بل كذلك التركمان والايزيديين والشبك ، وحتى العشائر العربية خارج المدينة ! حيث ترسخت مفاهيم خاطئة ومُشوهة عن " تفوق " حَضَريي مركز الموصل من العرب ، على كافة المكونات الاخرى وخاصةً الكُرد ! ذروة هذا الإتجاه الشوفيني الخطر ، كانت في نهاية الخمسينيات ، عندما تحولت الموصل الى مركزٍ للتآمر على ثورة 14 تموز ومنجزاتها الكبيرة . حيث إصطّف الاقطاعيون والشيوخ مع الضباط القوميين العرب المتآمرين على الثورة ، وكانت حركة الشواف هذه ، بدايةَ التصدع في المجتمع الموصلي ومن ثم المجتمع العراقي عموماً ، ونذيرَ شؤمٍ لما تحملهُ الاعوام القادمة من مآسيٍ ونكبات عَّمَتْ العراق كله . ان مُتطّرفي الموصل من قوميين عرب وبعثيين وضباط متآمرين ، يتحملون الوزر الاكبر لِما حّل بالعراق منذ 8 شباط الاسود وبعده . - صحيح ان هنالك ضرورات تأريخية لإنبثاق حركة التحرر الوطني الكردية في العراق ، وان هنالك حتمية إندلاع الثورة والكفاح المسلح الكردستاني ضد السلطة ، الا ان احد الاسباب الرئيسية والمهمة لذلك هو " رَد الفعل الطبيعي " لكل السياسات الإستفزازية التي مارسها ونادى بها القوميون العرب المتطرفون وخصوصاً في الموصل ، والتي من خلالها حاولوا طمس تأريخٍ حافل بالعيش المُشترك والمصالح الاقتصادية المشتركة بين المُكونين الرئيسيين في هذه المدينة . - واليوم ، لا أدري هل ان ذاكرة اهالي الموصل ضعيفة ، ام انهم تناسوا كل التجارب المريرة السابقة والتي أضّرتْ بهم قبل غيرهم ؟ هل هم ساهون عن " الإتجاهات المُغامرة " التي ينادي بها بعض " القادة الجُدد " من آل النجيفي ، بأحلامهم المريضة والبالية في " إستعادة " مجد الرجعية الموصلية التقليدية ؟ هل الإنجرار وراء طموحات وجشع بعض شيوخ العشائر ، يجلبُ للموصل الامن والاستقرار وحُكم القانون ؟ هل التصويت لرموز النظام السابق من عُتاة البعثيين الفاشيست ، مدعاة للطمأنينة والمستقبل الاحسن ؟ عجبي من الآلاف المؤلفة التي إنتخبتْ المتطرفين المغامرين في مجلس محافظة نينوى ! هل خُدعوا ؟ أم سيقوا سوقاً او انهم فعلوا ذلك بكامل وعيهم وإرادتهم ؟ - ان التحالف غير المُقدس بين الرجعية العشائرية والاصولية الاسلامية المتخلفة والبعثيين من ضباط جيش وشرطة وامن ومخابرات سابقين ، نَجحتْ جزئياً في " تهجير " الكثير من اهالي الموصل الاصلاء ، من الكرد ، وجعلتْ من خلال الاغتيالات والتصفيات والتهديدات ، تواجد الكرد في كثير من المناطق أشبه بالمستحيل . ان موقف الحكومة الاتحادية والاطراف السياسية الفاعلة والمؤثرة في الساحة العراقية ، حاسمٌ وجوهري ، في تحديد ملامح المرحلة المُقبلة في الموصل وغيرها . فإذا تَساهلتْ مع مُتطرفي الحكومة المحلية الحالية ، وشّجعتهمْ ضمناً على الاستمرار في سياستهم الإقصائية ، فأن الامور سائرة نحو التدهور ليس في الموصل وحدها ، بل ربما في عموم العراق . أما إذا ضغطتْ عليهم بإتجاه التعقل والواقعية ، والتخلي عن اسلوب تهميش الآخرين ، والإبتعاد عن أحلام العودة الى الماضي ، والإقتناع بالفيدرالية والديمقراطية ، فمن الممكن نزع فتيل الازمة ، وفي ذلك خيرٌ لكل العراقيين .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحداثٌ مُخجِلة وثقافة الإستقالة
-
بازار منصب - الرئيس - العراقي
-
شخصيات عراقية مؤثرة (1)
-
حذاري من المؤتمرات المشبوهة !
-
نظرةٌ على اللوحة السياسية في العراق
-
آفاق زيارة المالكي الى اقليم كردستان
-
ألسواح الأمريكان والجُغرافيا الحدودية !
-
الحَمير والإنتخابات الأفغانية !
-
إضاءة على إنتخابات أقليم كردستان العراق
-
إنتخابات اقليم كردستان ، قوائم الأثرياء تحصل على اصواتٍ أكثر
-
الكويت مَدْعُوة للتصرف بحِكمة
-
ضوءٌ على شخصية : رائد فهمي !
-
مَزارُ صدام المُبارَك !
-
ضوءٌ على شخصية : علي بابان !
-
هذا ال... ليس غريباً عليَّ ولكن !
-
جَوٌ أغْبر يَلُف العراق !
-
على هامش إنتخابات أقليم كردستان (2)
-
القِيَم الإجتماعية ودورها في نشر الفساد
-
بعض ملامح المرحلة المُقبلة في العراق
-
على هامش أنتخابات اقليم كردستان
المزيد.....
-
جامعة ابن رشد في هولندا تصدر العدد التاسع و الخمسين من مجلة
...
-
مكاتب متفحمة واستوديوهات مدمّرة.. مشاهد تُظهر الأضرار التي ل
...
-
-أسطول الظل- الروسي تحت المجهر.. كارثة بيئية وشيكة في خليج ع
...
-
ماذا تعرض موسكو لإنهاء المواجهة بين طهران وتل أبيب؟
-
بعد تأجيل الزيارة مرات عدة: هل سيزور العاهل المغربي فرنسا قر
...
-
إسبانيا: الإفراج المشروط عن شرطي إسباني في مدريد تسبب في وفا
...
-
بعد تعثر رحلتها في ليبيا: قافلة الصمود المغاربية لكسر الحصار
...
-
ما مدى اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي؟
-
تفاصيل بشأن مهلة ترامب لإيران وتأثيرها على مسار الحرب
-
قد تستخدم لضرب -فوردو-.. تعرّف على خصائص قنبلة -جي بي يو 57-
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|