أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - رِفْقاً بالنواب!















المزيد.....

رِفْقاً بالنواب!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2693 - 2009 / 6 / 30 - 08:31
المحور: المجتمع المدني
    


المحاكاة والتقليد هما من سُنَن الحياة والتطور؛ وهما علاقة بين طرفين، أحدهما قوي متفوِّق والآخر ضعيف متخلِّف. الضعيف المتخلِّف يدرك الفرق، ويشعر به، ويعاني عواقبه وتبعاته؛ ولكنَّه ما أن يستصعب تضييقه على مستوى "المحتوى" و"المضمون"، أي في الجذور والأصول من هذا الفرق، حتى يندفع ويُفْرِط في محاكاة وتقليد الأسهل والأيسر، والذي في متناوله، وهو "الشكل" و"المظهر"، محاوِلاً إيهام نفسه، على استعصاء اقتناعه بجدوى هذه المحاولة، أنَّ التماثل في الشكل يلغي الفرق في المضمون.

في عالمنا العربي، ليس لدينا ما لديهم من صحافة ومجالس نيابية وبرلمانات؛ وليس لدينا، بالتالي، شيئاً يُعْتَدُّ به من محتوى العلاقة بين الإعلام والبرلمان، فنأخذ بالخيار المتاح، وهو محاكاة وتقليد تلك العلاقة الحيوية والضرورية والمفيدة في أوجهها وجوانبها الشكلية، وتتبادل صحافتنا، بالتالي، مع برلماناتنا وبرلمانيينا الشجار والخصومة وما يشبه الحرب الباردة؛ أمَّا المجتمع، الذي نضج سياسياً بما يكفي لتحلِّيه بفضيلة اليأس، فيفضِّل أن ينأى بأسماعه وأبصاره عن كل هذا الذي فيه يختلفون و"يقتتلون"، وكأنَّه يريد أن يقول للسلطة الرابعة ولتلك التي ينبغي لها، بحسب فرضية دستورية لم تحظَ بعد بتأييد الواقع، أن تكون ممثِّلاً لذاك الذي يوصف بأنه "مَصْدَر السلطات جميعاً"، إلام الخلف بينكما إلام، وهذه الضجَّة الكبرى علام.

صحافتنا تُجْرِم في حق الشعب، وتستهزئ بذكائه، وتُفْسِد وعيه، إنْ هي سعت في تصوير أعمال المجلس النيابي، وكلام النواب في اجتماعهم البرلماني، مع ما يتبادلون من خصومة، على أنَّها أمور وأشياء تستحق وتستأهل أن تُنْقَل بالصوت والصورة إلى "المشاهدين الكرام"، وكأنَّها تَفْهَم "صناعة الرأي العام" على أنَّها بَثٌّ لوهم أنَّ المتربِّعين على العروش النيابية يمثِّلون شعبهم (بدعوى أنَّهم أتوا إلى ما هم فيه من نعيم برلماني من طريق الانتخاب) ويحقُّ، بالتالي، لشعبهم عليهم أن يحيطوه علما، عبر الصحافة ووسائل الإعلام، بأخبارهم، وجليل أعمالهم، مع أوجه قصورهم وتقصيرهم، علماً أنَّ خير واهم خبر يمكن أن نسمع هو أن تقرِّر الصحافة حَجْب المجلس النيابي والنواب عن أسماع وأبصار المواطنين لانتفاء أهميته وأهميتهم؛ فمُدَّعو صفة تمثيل الشعب لم يتكلَّموا حتى الآن، وعلى كثرة كلامهم، حتى نسمعهم!

القناعة كنز لا يفنى؛ ولكنها ليست بالكنز إذا ما كان معناها أن نَقْنَع بما لدينا من نواب، ومن مجلسٍ يجمعهم على كل ما فيه خير لهم، وضرر للأمة، فانتفاء وجود شيءٍ ما قد يكون خيراً من وجوده؛ ولا ريب في أنَّ هذا يَصُح أكثر ما يَصُح على مجالسنا النيابية، التي كلَّما سعت في إظهار وتأكيد وجودها، وأهميته وضرورته، عَظُم وقوي لدينا الشعور بأنَّنا لم نَعْرِف البرلمان والحياة البرلمانية بعد.

وإيَّاكم أن تظنوا أنَّنا ننزع عن مجالسنا النيابية ونوابنا هالة القداسة لِنُحيط بها الشعب، فإنَّ قسماً كبيراً، إنْ لم يكن القسم الأكبر، من أبنائه الذين يحق لهم الاقتراع، هو الذي انتخب، وبصرف النظر عن الدوافع والحوافز والوسائل والأساليب، ممثليه البرلمانيين.

وهؤلاء "الناخبون الأحرار" هم أنفسهم الذين يمكن أن يقولوا في "استطلاع للرأي" يجرى، ولو بعد ساعات من انتهاء الانتخابات البرلمانية وظهور النتائج، إنَّ المجلس النيابي لا يحظى بتأييدهم، وإنَّ النواب المنتخَبين ليسوا من جنسهم، مصالح وأهداف وغايات وطرائق عيش وتفكير، وكأنَّ "صفقة الولاء" التي عقدوها مع "المرشَّحين" تنتهي بانتهاء التصويت!

أمَّا لو سُئِل المُسْتَطْلَع رأيه بما يحيي في نفسه، ولو لدقائق معدودات، الشعور بالولاء، لَمَا تورَّع عن أن يجمع في إجابته الهجاء والمديح، فهو يمكن أن يهجو المجلس النيابي والنواب، ممتدحاً، في الوقت نفسه، "نائبه". وأنتَ يكفي أن تَحْسِب الممتَدَحين من النواب، أرقاماً ونِسَباً، حتى تتوقَّع أن يعاد انتخاب كل، أو معظم، النواب، إذا ما أجْريت الانتخابات الآن، أي بعد "استطلاع الرأي" مباشرةً، وكأنَّ "الناخبين" يقولون في "استطلاع الرأي": لا للمجلس النيابي، نعم للنواب!

إنَّنا لسنا ضدَّ النواب، بل ضدَّ "النيابية" المعمول بها، والتي على مثالها يُخْلَق، أو يُعاد خَلْق، النائب، فالذي يريد نائباً، له أُذن تسمع، وعين تبصر، وله أظافر وأنياب، يُمثِّل حقَّاً الناخبين، ويتمثَّلون به حقَّاً، يملك من السلطة ما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّ الشعب هو مَصْدر كل سلطة، فإنَّ عليه أن يؤسِّس لحياة برلمانية (وانتخابية وسياسية) تملك هي من جودة الخواص ما يكفل الإتيان بنائب، وبمجلس نيابي، بالخواص الجيِّدة ذاتها؛ أمَّا أن تظل حياتنا البرلمانية مفعمة بهذا الموات الديمقراطي والسياسي، فهو ما يفسِّر انتشار وشيوع ورسوخ تلك "الثقافة البرلمانية" التي تُتَرْجَم بما يجعل "النيابية" مرادفاً للفساد والانتهازية و"الميكيافلية الشخصية"، ولمبدأ "عشْ ودعْ الحكومة تَعيش"، فـ "تجربتنا البرلمانية" علَّمت النائب أنَّ الزهد عن القيام بما انْتُخِب من أجله هو أقصر وأسْلَم الطرق إلى ما فيه نفعه الشخصي والعائلي!

وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ النائب عندنا هو أكثر المواطنين تحرُّراً من وهم أنَّ "السياسة" لها في البرلمان ما، ومن، يمثِّلها، وإنَّ البرلمان مبنيٌ من حجارة سياسية؛ وهو، بالتالي، أكثرهم خبرةً وذكاءً في "أكل الكتف".

وإنَّه لشيءٌ يشبه ما ينجبه زواج المأساة بالمهزلة أن تُصارِع الصحافة عندنا من أجل حقِّها في الحصول على الشيء من فاقده، فالنواب متَّهمون بأنَّهم يسعون في حجب ما يملكون من معلومات قيمة وثمينة عن الصحافة، متطاولين على حقِّها في الحصول على المعلومات، ولو مِمَّن يملكون منها ما يؤكِّد أنَّهم آخر من يَعْلَم!

إنَّ من الحكمة بمكان أن تَطْلُب العلم ولو في الصين؛ ولكن أين هي الحكمة في أن تطلب "المعلومات"، التي يمكن أن تَزِن شيئاً إذا ما قيست بميزان مصالح وهموم واهتمامات المواطنين، ولو من المجلس النيابي؟!

المعلومات المفيدة حقَّاً للمواطنين، والتي يملكها النواب وحدهم، هي المعلومات التي نرى من خلالها كيف يجيدون اللعبة البرلمانية، ليس بمعناها السياسي، وإنما بمعناها الشخصي؛ فهل تتوقَّعون أن يحيطوكم علماً بأسرارها وفنونها؟!

السؤال في أمرٍ يشبه، أو يعدل، "البديهية"، هو، بلا ريب، ضرب من "السؤال الفاسد"، فسائله كمن يطلب دليلاً على وجود النهار. أليس بسؤال فاسد أن تسأل "هل من فرق بين الوجود والعدم؟"؟!

والطامة الكبرى أن يجيبكَ أحدهم قائلاً: "لا فرق"!

ولكنَّ هذا الجواب يمتلئ بالحق والحقيقة إذا ما أتى جواباً عن سؤال "هل من فرق بين وجود البرلمانات العربية وعدم وجودها؟".

إنَّني أدعو الصحافة إلى أن ترأف بالنواب ومجالسهم، فلا تحمِّلهم ما لا طاقة لهم به، وأن تكفَّ عمَّا يذلهم، فإنْ هي أصرَّت على إذلالهم فإنِّي أنصحها أن تذلهم بالصفح عنهم!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المبادرة العربية- عندما تُهْدَم بأيدي العرب!
- في ثقافة -التطبيع الثقافي-!
- هل من متجرِّعٍ ثانٍ ل -السُمِّ- في إيران؟!
- -خطاب- يُزيل حتى البُقَع العنيدة من الأوهام!
- العالم يحبل بأزمة غذاء جديدة!
- تداول السلطة.. إيرانياً!
- -الدولة اليهودية- و-دولة أندورا الفلسطينية-!
- أعراسنا الانتخابية!
- -حلُّ الدولتين- أم -حلُّ الدولة الثالثة النافلة-؟!
- ما معنى -نقطة التحوُّل 3-؟
- هذا المسخ لمفهوم -الأكثرية-!
- فكرة قريع!
- أعْتَرِف بإسرائيل على أنَّها -دولة يهودية صهيونية فاشية-!
- تناقض -النظام الديمقراطي- في لبنان!
- .. ونحن أيضاً عقبة في طرق السلام!
- لو كان الفساد رجلاً..!
- في -فوضى الفتاوى-.. كاد يُحرَّم الحلال ويُحلَّل الحرام!
- ما يردع إسرائيل عن مهاجمة إيران!
- -جمود تفاوضي- حتى نهاية العام الحالي!
- -ساعة الحقيقة- في البيت الأبيض!


المزيد.....




- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - رِفْقاً بالنواب!