أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 2647 - 2009 / 5 / 15 - 02:32
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
الإنتاج المسرحي في عصر العولمة
- دراسة تطبيقية على عرض من مسرح الطفل -
هل يختلف المسرح في عصر ما؛ عن غيره في عصر آخر سابق له أو لاحق؟! ولاشك أن الإجابة ستكون نعم ، وهي إجابة محمولة على أسبابها ؛ فباعتبار المسرح منتج ثقافي ؛ وباعتبار الثقافة فعل حضاري ومدني قائم على التفاعل الحياتي الاجتماعي المتبادل بين طبقات اجتماعية ، أفرادا وجماعات ؛ فضلا عن كونه تفاعلا جدليا حضاريا ومدنيا بين ثقافات أجنبية متباينة ومختلفة وقابلة للتأثير والتأثر؛ حتى مع اختلاف اللغات ؛ فيما بينها؛ لذا فمن الطبيعي أن يختلف المنتج المسرحي من بلد إلى بلد آخر ، ومن عصر إلى عصر آخر سابق أو لاحق له. وهنا يتسع المجال أما طرح سؤال آخر:
( لماذا نقدم على مسارحنا عروضا تنتمي نصوصها إلى عصور قديمة من اليونان ومن الرومان ومن العصور الوسطي أو من عصر النهضة ؟! بخاصة إذا كانت نصوصا تحاكي ثقافات مجتمعات العبودية ، أو مجتمعات الإقطاع ، أو مجتمعات التطلع إلى الاشتراكية ؛ والمدينة الفاضلة ؟! )
والإجابة بسيطة أيضا؛ غير أنها إجابة على هيئة تساؤل استنكاري) ومن قال إن هناك قطيعة تامة بين ثقافة تراثية وثقافة حديثة أو حدثية معاصرة ؟!) في الثقافة عناصر وراثية ، كتلك التي في الكائن الحي ، وهي ناقلة للصفات الثقافية في الأمم والمجتمعات ، كما تنقل الجينات الوراثية صفات الأجداد للآباء ومنها للأحفاد . وبعض من تلك الصفات الثقافية المنقولة من تراث أمة من الأمم ؛يظل راسبا ثقافيا عالقا في قاع وجدان تلك الأمة ، وكثيرا منه متناظر أو متشابه بين ثقافات عديدة من شعوب الأرض ، فما من شعب إلاّ ويحب ويكره ويحبذ وينفر، ويستقر ويرحل ، ويقبل ويرفض ، ويتملك ويتخلى ، ويعادي ويسالم ، ويدافع ويحارب ، في التفاوض والمصالحة. وهناك من يؤمن بالغيب وهناك من يؤمن بالعقل. وهناك العديد من شعوب الحضارة من عبر عن حياته في السلم وفي الحرب في في الحب وفي العشق ، في العمل وفي التلذذ بامتصاص ثمار عمل الغير، وقد تنوعت وسائل تعبير الشعوب عن تلك القيم الثقافية والاجتماعية فيما بين ألوان الأدب شعرا ونثرا ، ملحمة ونصا مسرحيا ، لوحة تشكيلية أو لوحة راقصة، قالبا موسيقيا وغنائيا ، تمثالا أو فيلما أو عملا تليفزيونيا، عملا فلكلوريا على شكل معارضة شعرية أو غنائية حوارية. فطالما كانت هناك صفات مشتركة بين إنسان وإنسان ومجتمع بشري ومجتمع بشري ، ستكون هناك صفات ثقافية مشتركة ، وستكون هناك رغبة إنسانية في التعبير عن طرقها وأساليبها في الحياة ورغبتها الدائمة في تجسيد غريزة تعرف بعضها بعضا ، تعرف مجتمع ما على طرائق حياة مجتمعات غير مجتمعه ، والأخذ والعطاء فيما بين ثقافته وثقافات غيره من الشعوب. فطالما ظل الحب والكراهية ، والعدل والظلم والحرب والسلم ، وظل التنوع ، ستظل الرغبة في التعرف والتجريب اتصالا وتواصلا أو انفصالا وتقاطعا . لذا ستظل مسارح الدنيا في كل البلدان تعرض إبداعات بعضها بعضا ، سواء كان الإبداع يونانيا قديما ، يكسب التأييد لفلسفة من فلسفات مفكري اليونان ، اتفقنا معه أو اختلفنا ، وستظل مسارحنا في حاجة إلى عرض نصوص تمجد الإقطاع أو تهاجمه ، سواء كتبها (شكسبير) أم كتبها (لوب دي فيجا) في عصر النهضة ، أم تعرض لسوءات النظام العبودى الذي كان يتيح للأمير الإقطاعي أن يدخل بعروس خادمه من القنان على نحو ما صورت مسرحية ( زواج فيجارو) للفرنسي ( بومارشيه) .
على أن إعادة إنتاج عرض مسرحي لنص من تلك النصوص المسرحية العظيمة، ليس بقصد الدعوة إلى إحياء تلك القيم التي كانت سائدة في عصر العبودية أو الإقطاع ، وإنما هي إعادة تذكر لطرق حيوات قديمة بسلبياتها وإيجابياتها ، بوصفها صورا محاكية لحياة الشعوب ، فيها ما هو مناظر لصور إيجابية من حياتنا المعاصرة ، تستأهل النظر إليها والحفاظ عليها ، وتدعيمها، وفيها ما هو سلبي ، يجب الابتعاد عنه ، أو تشذيبه ، باعتبار أن من مهام الثقافة تشذيب السلوك ، أو تعديله . ومن ناحية ثانية ، فإن إعادة إنتاج ثقافة ما قديمة أو وسيطة أو نهضوية ، لا يجب أن يوقف مسرحنا موليا وجهه شطر قبلة غربية أو شرقية كالواقف أمام محراب أو حائط مبكي القدماء ، ذلك أن المعرفة في حالة من التدفق المستمر ، ولكي نساير ركب الحضارة العولمية يجب أن نلحق بقاطرتها، في التحصيل العلمي والتكنولوجي والثقافي ، و إلاّ تخلفنا وذهبت ريحنا. من هنا كان على إنتاجنا المسرحي تأليفا وأداء وعرضا أن يواكب ركب المعرفة العولمية ، من باب قبول ثقافة الآخر التي تتحاور مع هويتنا في سبيل فهم حضاري مشترك .
ومع أن ميل المنتج المسرحي العربي بعامة والمصري بخاصة ، مازال مزوّرا عن إنتاج عروض مسرحية متفاعلة مع ثقافة الانفتاح المعرفي والثقافي غير المحصن بهويته القومية على تلك الثقافات، مناضلا ضد تزاوجها مع هويات مغايرة ومتعددة ؛ إلاّ أنني فوجئت بعرض مسرحي للطفل ؛ يوجه وجهه شطر عصر الثقافة العولمية ، هو عرض( صائد العفاريت) من تأليف جمال ياقوت وإخراجه.
• حول فكرة العرض: تقوم الفكرة على استلهام تراثي لحكاية الجني المحبوس في قمقم ، وعندما يتاح لإنسان ما أن يخرجه دون قصد من محبسه الأزلي ، يقوم الجني المحرر طواعية بتلبية رغبات مخلّصه الإنسي فورا، مرددا المقولة التراثية المعروفة ( شبّيك لبّيك ..عبدك بين يديك) . على أن المؤلف إذ يستلهم هذه الحكاية الأسطورية ، إنما لينقض خطابها ويفكك أنساقها، كشفا عن زيفها ، وحضا لجمهور العرض من الأطفال على عدم تصديقها، فلا شيء يتحقق لإنسان ما لم يعمل هو بنفسه على تحقيقه. ومن ذلك يتضح مغزى إعادة تصوير هذه الحكاية الأسطورية التراثية ، حيث يلفتنا إلى ضرورة تنقية الحكاية التراثية ، وتفريغها من مضمونها التراثي ، وإحلال مضمون حداثي مكانه ، وهو أسلوب ، ركز عليه بريخت في استلهاماته المسرحية للحكاية التراثية ، كما كان الشغل الشاغل لكل من عالج المنتج الإبداعي التراثي معالجة حداثية ،أو تفكيكية.
• ركائز البنية التفكيكية في العرض:
يتأسس البناء الدرامي للنص على أسس تعليمية فيها من المباشرة ما يكشف عن الهدف التعلّمى (المعدّل للسلوك)
" الجد: أهلا بالناس الحلوين ...أهلا بأولادي الطعمين
شرفتونا ونورتونا ... أهلا بيكو ومـرحبتين
الأطفال: جدو حبيبنا كتير بيجيلنا ...بيفسحنا كمان ويشيلنا
ياللا يا جدو قوام احكيلنا .. ميت حدوته ….."
يختلف الأطفال الذين هم هنا بمثابة جمهور من المستمعين لمشروع القصة المحكية :
"طفل: لا عن ست الحسن وغيرها
طفل: لا عن مصر الحلوة ونيلها
طفلة: لا احكيلنا علاء الدين"
غير أن الجد ، الذي هو بمثابة الشخصية القناع الحاملة لخطاب المؤلف المفكك للحكاية التراثية ، له مخطط آخر:
"الجد: أنا فعلا ح احكياكوا وناوي
احكيلكوا حواديت و بلاوي
واللي ح يفهم فيكو وغاوي
عندي جـوايز تملا العين"
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟