أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - بلاغة الصمت في التعبير المسرحي















المزيد.....

بلاغة الصمت في التعبير المسرحي


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 11:11
المحور: الادب والفن
    



للصمت في التعبير المسرحي أدوار متعددة وشديدة التأثير علي المستويين الدرامي والجمالي ، وهيأ دوار قد تتعادل مع لأدوار التي يلعبه الحوار ، عبر التعبير الانفرادي الذي ينتحي الممثل فيه جانبيا للتعليق النقدي أو الانتقادي الذي تبديه الشخصية - داخليا - دون أن تسمعها الشخصية المنتقدة التي تكون إلى جواره – غالبا- وربما يتفوق الصمت علي الحوار الكلامي في بعض المواقف التي يكون الصمت فيها هو الطريقة الوحيدة لنقل حالة التأزم الدرامي الحرجة التي يقع فيها الشخصية المسرحية . وكثيرا ما يكون الصمت لونا من ألوان التورية ، لأنه يبدو سكوتا ظاهريا عن الكلام ، بينما هو في حقيقة الأمر كلام مضمر، يحمل معني الإدانة ؛ وهو بذلك يشكل قوة اتصال غير شفاهي ؛ بخاصة عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة للاتصال . وكثيرا ما يكون الصمت موقف استثارة لفهم الآخر عبر لغة العيون التي تحل محل اللسان في التعبير عن المسكوت عنه وبطريقة أكثر بلاغة . وعندما لا تكون هناك حاجة إلي الكلمات يكون الصمت دعوة الآخر إلي التأمل والنظر . وقد يكون الصمت نوعا من الحماية عند الخوف من زلل الكلام . وقد يكون صمت إرهاص وترقب حذر في مواجهة ما يعتقد أنه تهديد موشك علي الوقوع ؛ مع افتقاد خطة دفاعية . وهو هنا إدراك لاستعداد الآخر للوثوب ، وبهذا المعني يصبح الصمت صراخا بلغة الفطرة تعبيرا عن ألم الرغبة المكبوتة التعبير. والصمت – في كل الحالات - هو حالة ذهنية . كما أنه حالة اختيار إجباري ، وبخاصة عندما يكون استبدالا للاتصال الكلامي بالنظرات.
ومع الأهمية الدرامية والجمالية للغة الصمت في فنون التأليف وفنون التمثيل وفنون العرض المسرحي ؛ إلاّ أن قلة قليلة من الكتاب والمخرجين من استطاعوا نظم لغة الصمت مع لغة الكلام في صياغتهم لصور التعبير المسرحي كتابة أو أداء أو في تضفير لغة الصمت في منظومة إيقاع العرض ؛ بمراعاة صمت المكان مع مواقف صمت الممثل .
وإذا كانت نغمة صوت الممثل تلون المعني وتضفي على الأداء التمثيلي جمالية التنويع الشعوري ، بما يظن معه عدم قدرة لغة الصمت علي تلوين المعني ، أو عدم القدرة على التنقل عبر المعاني صعودا وهبوطا أو حدة ولينا عن طريق التحكم في مسارات النبر الصوتي ؛ فإننا نقول : إن الصمت باعتباره تعبير عن رغبة في التوازن ؛ تتعدد عنده ألوان التعبير عن المعنى بارتباطه بالفعل الذي يكون الصمت رد فعل له ، كما تؤدي الحركة الجسدية المعنى خير أداء بالتململ في الحركة وقوفا أو قعودا أو بالإشارة أو بالإيماءة ، أو بتعبيرات الوجه ابتساما أو اقتضابا ؛ لأن الصمت قوة عندما يكون مصحوبا بابتسامة أو قطبا للجبين . والصمت في كل الحالات صراخ بطريقة مهيبة. وبخاصة عندما يكون الصمت حالة إظهار للكرامة الإنسانية . وكثيرا ما يكون الصمت حالة تنسك باطني لحظية ؛ باعتباره تجربة داخلية ذاتية تصيب السعيد وتصيب الحزين ، قبل أن يتحول الصمت إلي حالة السكون ؛ بخاصة عندما يستشعر المرء الحاجة إلى إنقاذ شيء ما في النفس . ومع أن الصمت كالسكون ؛ إذ أن كليهما تجربة ذاتية مكتسبة عن طريق الممارسة الحياتية الطويلة؛ إلاّ أن الصمت هو المظهر الخارجي للسكون.
والصمت في العرض المسرحي قد تلعبه الإضاءة بألوانها الدالة وتركيزاتها ، جنبا إلي جنب مع الشرطة الموسيقية المصاحبة ، التي كثيرا ما تكون بمثابة خط أحمر كذلك الخط الذي يضعه القارئ تحت عبارة رأي فيها أهمية ما . والصمت في العرض المسرحي فيه حض للجمهور علي الكلام بديلا افتراضيا عن معني تعمد النص تركه بوضع فجوة ، يكون علي الممثل المبدع سدها من تلقاء نفسه بتعبير غير كلامي إذا لم ينتبه مخرج العرض إلي وجود فجوات تعمد المؤلف تركها لاستنهاض طاقات التفكير الإدراكى لدي الجمهور ؛ علي النحو الظاهر في أسلوب كتابة المسرحية الملحمية – علي سبيل المثال - وهنا تبرز إمكانية التساؤل : من الذي يؤثر في الآخر، الصامت أم المتكلم ؟ّ والإجابة قطعا هي أن كل منهما يؤثر في الآخر ، لأن هناك حالة تفاعل جدلي بين حالتي الكلام والإنصات. سواء أكان التعبير المرسل كلاميا أو غير كلامي فالسكون يتفاعل تفاعلا جدليا مع الحركة إيجابا أم سلبا
ولأهمية الصمت وضعت له الأمثال في كل الأمم ؛ فهناك مثل فارسي يقول : " الكلام هو البذر والصمت هو الحصد" وبمعني أكثر انسيابية (عندما تتكلم تبذر ، وعندما تصمت .. تحصد) .وفي اليابانية:" الرجل الصامت هو الذي ينبغي الاستماع إليه". وفي العربية نقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" ومن الشعراء من كتب في الصمت شعرا ، ومن هؤلاء الشاعر الأرجنتيني( روبرتو جواروز1920 – 1995 ) الذي يقول : الكلام هو خلاصة الصمت ، والصمت هو خلاصة كل شيء " وهذا أحمد شوقي يقول:
" صمـتّ فحام حولك كل شك" ولو أفصحت لأنتفت الظنون "
وفي المسرح كثيرا ما يكون الصمت رديفا للكلام إن لم يكن بديلا عنه في المواقف التي يكون على الكاتب المسرحي رسم بناء درامي مواز للبناء الحواري الكلامي ، علي النحو الذي نراه عند أرستوفانيس في ( السحب) في موقف استفزاز ( ستربسياديس) ل ( سقراط): " بعد بضع لحظات من الصمت والانتظار يخاطب نفسه " فصمت (سقراط) هنا هو صمت تدبر رد مناسب بعد تفكير.
وقد يشكل الصمت مطلبا متعدد المستويات والأهداف الدرامية في منظومة الحوار الذي تنطق به شخصية أو أكثر من الشخصيات المسرحية
كما في مسرحية "الملك لير" إذ نراه يهدد "دوق كنت" : " صمتا يا كنت ولا تلق بنفسك بين التنين وغضبته " وفي الموقف نفسه عندما تزداد حدة غضبه يقول له : "أصخ أيها الكافر" والأمر نفسه نراه عندما ينهر ( بيرجنت) الراكب: " اخرس!"
أو كما في حديث ( المتسولة) في مسرحية لوركا ( الزفاف الدامي) في تربصها ( بوصفها رمزا للموت) للعروس الهاربة من حفل عرسها مع حبيبها في الغابة :
"المتسولة: لن ندعهما يعبران النهر .. صمتا!!" وهو صمت تحذير وتربص ، حتى لا ينكشف أمر تربصه مع "القمر " - رمز الضوء وكشف الحقيقة - للعروس وعشيقها . ومثله طلب العريس المطارد مع فتية من شباب القرية للعروس وعشيقها الهاربين:
" العريس : اسكت . أنا واثق أنني سأجدهما هنا ... " وهو مطلب قاطع بأن السكات في مثل ذلك الموقف هو اللازم الضروري للفعل الدرامي.
ويقول بريخت علي لسان الأم شجاعة : " ما فائدة قرع الطبول إذا لم تكن هناك آذان تصغي"
وإذا كانت الكلمة تستقبل بصفتها شيئا أو معلومة أو خبرا يستحق الانتباه وحب الاستطلاع فالوقفة الصامتة في مسار الكلام تستقبل علي ذلك النحو نفسه . أما إذا كانت الكلمة بصفتها كائنا حيا تستحق النظر والتأمل فهما وإعجابا أو نفورا وفق قدرها في سياق العبارة أو الصيغة التعبيرية ، فالصمت بصفته وبقدره في سياق التعبير الدرامي يستحق النظر والتأمل . خلاصة الأمر أن الصمت ، يستقبل في منظومة السياق التعبيري الدرامي ، إن لم يكن بقدر أعلى من استقبال الكلمة ، فهو علي المستوى نفسه من الانتباه والتقدير من حيث الأثر الدرامي والأثر الجمالي .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعدية عبد الحليم وفطنة الكتابة القصصية (2)
- فطنة الكتابة وقطرات المطر
- المسرح وفن صناعة الأعداء
- فكرة أنصاف الآلهةبين الوجودية والفرعونية
- المسرح وعاقبة العبث بعلاقات الإنتاج
- حكامنا وفن صناعة الأعداء
- الذكاء الاصطناعي بين الرخاء السلمي والرخاء الإحتكاري
- رجل القلعة وعلاقات الإنتاج الثقافي
- فطنة الكتابة القصصية
- الكمبوشة طوباوية معروف وطوباوية هنية
- بلاغة الصورة بين غرق سفينة نوح وفيلم تيتانيك والعبارة المصري ...
- البلطة والسنبلة والمهدي غير المنتظر
- بنات بحري بين محمود سعيد ووليد عوني
- فنون السرد بين الرواية والمسرحية
- الإنتاج المسرحي بين التنمية والأمراض الثقافية
- حتمية التحول بين نهار اليقظة وعمى البصيرة
- المسرح الشعري ولا عزاء للنقاد
- أحلام سيريالية
- ثقافة الفالوظ
- لويس عوض والبصيرة الحداثية


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - بلاغة الصمت في التعبير المسرحي