أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - فنون السرد بين الرواية والمسرحية















المزيد.....



فنون السرد بين الرواية والمسرحية


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2587 - 2009 / 3 / 16 - 08:36
المحور: الادب والفن
    



تمهيد:
السرد لغة اتصال تعبيري تربط الماضي بالحاضر ، وتربط الحاضر بتطلعاته المستقبلية المأمولة ؛ عن طريق الكلام أو عن طريق التشكيل التصويري المرئي أو عن طريق التعبير الحركي غير الكلامي ارتجالا صامتا أو رقصا ، سواء أقام علي تعبير فردي أم علي تعبير جماعي . وهو تعبير اتصالي في فنون المسرح وفنون السينما وفنون الإذاعة المسموعة والمرئية، فضلا عن الفنون التشكيلية.
يتفرع السرد في أربعة أساليب رئيسية علي النحو الآتي:
(السرد التصويري - السرد التلخيصي - السرد التشخيصي - السرد التجسيدي )
أولا: السرد التلخيصي: وهو للتمهيد وللتقديم وللتعليق . ففي التعليق ينحو نحو النقد أو الانتقاد. وفي التقديم ينحو نحو التهيئة ، والتعريف بجذر الحدث وماضي الشخصية وطبيعة الوسط البيئي.
ثانيا: السرد التصويري: يعني بعرض الفعل في خطوطه الرئيسية ، دون أن يكشف السارد عن طابع ذاتي - إلاّ فيما قل - في المحتوي السردي وهو يحل الحوار بصيغة الحاضر ؛ محل الخلاصة الإجمالية .
ثالثا: السرد التشخيصي: يعني بالخطوط الخارجية لماضي الفعل ، من جهة نظر طريقة السرد وطريقة تلقيها ، لوضع الفعل في بؤرة الاحتمال عبر وعي متلق معاصر مندهش تتعدد عنده الدلالة الواحدة .
رابعا: السرد التجسيدي: يعني بالتفصيلات الداخلية للفعل متفاعلا مع الزمان الآني والمكاني وبالبواعث القائمة علي توحد الضرورة مع الاحتمال عند المتلقي .
* ضرورة التعبير السردي
ضرورة التعبير السردي تفرضها طاقة الأفكار والمشاعر المتصورة أو المسكوت عنها المنطوقة والمرئية أو المختبئة خلف قناع فعل الكلام المحمول حضور علي ألسنة أصحابه الناطقين به أو خلف قناع فعل الحركة المحمولة علي دوافع فاعليها ، ويراد الكشف عنها تلميحا بأن يعهد بها إلي السارد سواء علي لسان فرد أو علي ألسنة جماعة ( جوقة) افتراضية تنوب عن صاحب خطاب غائب . والسارد يمثل ما تراه الشخصية فحسب ، كما لو كان ينظر عبر عينيها أو كما لو كان شاهدا غير منظور يقف إلي جانبها .
وعلي ما تقدم نقول إن :" السرد يمكن أن يوجد عالما تخييليا متنوعا مفتقدا إلي الموثوقية."
وظائف السرد : يستطيع المؤلف بوساطته الدخول إلي عقول الشخصيات ، وأن يكشف المصادر السرية للأفعال .. ويمكن أن يوجز أو يسهب ، كما تتطلب الأجزاء المختلفة في قصته أو في ثنايا الحدث المسرحي . ويستطيع كشف الجوانب غير المعروفة عند أية شخصية من الشخصيات ، والتعليق علي الفعل .
علي أن السرد ذاته يمكن أن يغدو مملا ؛ ولذا وضع كل الكتاب المجيدين أكبر قدر ممكن من التعبير الدرامي ، فيما يعرف بالمشهد ، بدلا من الخلاصة السردية . فضلا عن ذلك .. فالسرد يعمل علي تصوير جو أعظم من الحقيقة في كشف الشخصيات علي نحو أكثر حميمية ؛ مما في النص التخييلي الروائي أو المسرحي المعتمد علي طاقة الحكي عند المؤلف ، شريطة الحرص علي إدراك أن مالا تستطيع الشخصية قوله لا يستطيع المؤلف أن يخبر عنه بطريق السرد .
ومن بداهة القول إن الصيغ السردية مغايرة لصيغ التعبير الحواري الحاضر في الفعل ، المخلوق لحظة تجسيده التي تكشف عن هويته النوعية ؛ فالرسائل الاتصالية والحواريات الأحادية ( المونولوج والمناجاة والجانبية) المنطوقة يستخدم لها المؤلف صيغة الحاضر، أما السرد فهو بصيغة الماضي والمستقبل ، حتى وإن قيلت في حدث آني حاضر. والسرد محدود وفق مسيرة الحدث الدرامي سواء اتخذه المؤلف قناعا يستر خلفه فكرة أو رأيا ، أو حمل علي لسان إحدى الشخصيات الرئيسية أو الثانوية أو حمل علي اللسان الموحد للجوقة أو علي لسان الراوي تلك الشخصية التي هي بمثابة المعادل الدرامي لشخصية الحاكم المطلق في المجتمعات المتخلفة ، فكلاهما يمسك مصائر الناس بين أصابعه الحاكم المطلق يتسلط علي شعبه والراوي يده مطلقه علي رقاب الشخصيات الدرامية والروائية يحيي هذه ويميت تلك ، يعطي من يشاء كما يشاء ويمنع ما شاء عمن يشاء . وهي خاصية اختصت بها شخصية الراوي في المجتمعات الشرقية والعربية ، علي النقيض من الدور الجماعي الذي تلعبه الجوقة في الدراما الغربية ، تبعا لاختلاف الثقافة الغربية الديمقراطية التي تضع تقرير المصير العام أمرا منوطا بالتوافق الجماعي ، عن الثقافة الشرقية والعربية ذات الطابع الشمولي القبلي والنظم العسكرتارية القائمة علي التراتبية والأبوية البطريركية الهيراركية.
*خاصية الحوار وخاصية السرد:
يقوم الحوار علي لغة التفعيل الحاضر في الحدث الدرامي مستهدفا خلق رد فعل حاضر متباين المستويات عند الشخصية المقابلة ، بقصد تنمية الحدث الدرامي والحوار بتلك الخاصية عليه أن يكون علي نقيض الذي عليه أن يكشف عما يعنيه المكان والزمان والأحداث والشخصيات في علاقاتها المشتبكة . والسرد وفق ذلك يقوم علي لغة التظليل بالوصف والتخييلات التي تتناغم مع لغة التفعيل علي النحو الذي يحققه الفنان التشكيلي في لوحاته بتفعيل دور التكوينات المشعة إذ يحيطها بما يظللها من ألوان ذات قتامه . كما يقوم علي لغة التذييل ، الذي يحمله السارد الثالث وهو بمثابة مؤلف ضمني أو ناقد ضمني يعلق علي الأحداث نيابة عن المؤلف نفسه حالة غياب السارد الأول ( أنا المؤلف) عن مسيرة الحدث الروائي أو الحدث الدرامي والمسرحي ، وأمثلة ذلك متعددة في الرواية وفي المسرح . ففي المسرح تظهر شخصية السارد الضمني الذي يتقنع المؤلف خلفه متمثلة في شخصية ( المنادي ) في مسرحية بريخت ( محاكمة لوكوللوس) الذي يحمل صوت فكر بريخت النقدي نفسه للحاكم الديكتاتور في وصفه التذييلي لموكب جنازة الإمبراطور لوكوللوس " وخلف نعشه يسير وزيره وحكيمه وحصانه الأثير" فهذا التذييل النقدي يساوي بين السلطة التنفيذية والسلطة الاستشارية والحصان فالسلطة التنفيذية والسلطة الاستشارية أو التشريعية كانت بمثابة مطية لنظام لوكوللوس الديكتاتوري .
• تقنية البناء السردي المتدرج:
وللتظليل والتذييل السردي مستويات متدرجة حالة تناظر وظيفة (الراوية) كما في مسرحية (سليمان الحلبي) إذ تأسست الرواية السردية للافتتاحية علي تقسيم نداء التحذير والوعيد الصادر عن قائد الحملة الفرنسية ضد الشعب المصري علي ثلاثة منادين خص كل منهم بخطاب مخصوص بطبقة من طبقات الشعب ( الزعماء ممثلي النخبة الحاكمة – التجار ممثلي الطبقة العليا والطبقة المتوسطة بالقاهرة – عامة سكان القطر المصري ) هكذا تأسس الخطاب السردي السلطوي الصادر عن قيادة الغازي المحتل وفق الصياغة الدرامية التسجيلية في نص ( سليمان الحلبي) . وهو أمر لاشك عندي أن ألفريد فرج قصد إليه قصدا ، ذلك أن الرسالة الموجهة من ساري عسكر فرنسيس ( نابليون أو كليبير) كان هدفها التخويف والردع حتي تخف حدة مقاومة الشعب المصري بكل طبقاته وطوائفه عن مقاومة الغزاة . ولأن الحقيقة الفنية تتجاوز الحقيقة التاريخية ، لذلك تجلت جماليات البناء السردي لرسالة التحذير والردع في توزيع مسيرة إذاعة خطاب الردع علي ثلاثة أصوات ، بما يفرق عن فهم ووعي بأن الشعب أي شعب في أي مكان ليس علي خط اجتماعي واقتصادي وسياسي واحد ، وإنما هو طبقات ثلاثة ( عليا ومتوسطة وصغري ) ولا يدرك أمر هذا ويضعه نصب عينيه سوي مفكر تنويري يساري عرف الانتماء الحزبي في الاتجاه الاشتراكي ، وهو حال ألفريد فرج نفسه الذي كتب مسرحيته الرائعة ( حلاق بغداد) ومثلها مع رفقاء الفكر في معتقل الواحات في الستينيات ، لذا أقول إن توزيع النداء الإرهابي للغازي الفرنسي، كان تجاوزا مقصودا للحقيقة التاريخية ، فخطاب الردع وحدة واحدة من حيث محتواه بغض النظر عن خصوصية الجزاء وعموميته وتفاوت مستويات العقوبة الموقعة علي الزعماء والعقوبة الموقعة علي تجار القاهرة والموقعة علي عموم سكان القطر المصري ، فتوزيع المؤلف للخطاب اعتمد ثلاثة أساليب :
• أسلوب عرض جزئي للتحذير الخاص للزعماء بسرد تخصيص التخصيص . وقد حمله المنادي الأول ليخص به خاصة الزعماء
• أسلوب سردي تعميمي ، ليخص به فئة كبار تجار القاهرة . خص بحمله المنادي الثالث
• أسلوب تعميم التعميم ليشمل كل سكان مصر
ويتمثل السرد التلخيصي: في المقدمة الدرامية التسجيلية لمسرحية سليمان الحلبي ، وهي علي صيغة منشور درامي أقرب ما يكون إلي مسرحية الأوتشرك الروسية ( تحقيق درامي بمثابة استبيان سياسي يستهدف اكتشاف عن بعد لتوجهات الرأي العام ). ومثال السرد التلخيصي الممهد للحدث نجده في مسرحية ( الطيب والشرير ) أيضا نجد مثالا آخر للسرد التلخيصي المحمول هذه المرة علي لسان السارد الأول الذي يتكلم بنفسه نيابة عن الجماعة ، علي النحو الذي نجده في التقديمة الدرامية لمسرحية ( ليالي الحصاد) لمحمود دياب
أما السرد التشخيصي : في أطلق عليه ( مجزوء المونولوج) وهو أسلوب سرد اعتمده توفيق الحكيم في حوارية القطع والوصل التي جمعت بين الزوج ( بهادر) والزوجة( بهانة) اللذين تلاحظ لي أن ن إسم كل من هما يبدأ بحرف الباء ، مما جعلني أحيل الأول إلي بداية جنس الرجل ( آدم) وأحيل الثاني إلي بداية جنس النساء ( حواء) بوصفهما رمزي الخليقة البشرية . أما عن فكرة سرد مجزوء المونولوج ، فقد لاحظت أن كلا من الزوج الذي يعني اسمه ( المتبختر أو المتباهي بنفسه) والزوجة التي يعني اسمها ( العايقة أوالمختالة) وكليهما يتحدث ظاهريا أمام الآخر في حيز مكاني وزماني واحد إلاّ أن حديث كل منهما غير متصل أو مشتبك مع حديث الآخر ، فلا اتصال ولا تواصل فعلي ، وإن بدا ظاهريا . ذلك أننا لو ضممنا كل ما قالته الزوجة ووصلنا جملها المتقطعة بعيدا عن مجمل جمله المتقطعة لأصبح لدينا مونولوجين أحدهما يخص الزوج بهادر والآخر يخص الزوجة بهانه . غير أن الحكيم صاغ النسق الحواري السردي بحيث جعل نهاية كل جملة من أقوال الزوج هي بداية للجملة التالية لها من كلام الزوجة ، بمعني أنه جزأ مونولوج الزوج وجزأ مونولوج الزوجة وأعاد تنسيقهما في منظومة هندسية سردية ، أساسها البوح الذاتي لكل شخصية منهما . لذلك أطلقت علي تلك الحوارية السردية القائمة علي التداعيات تحقيقا للبنية الدرامية العبثية التي تتقصد التقافز من فكرة إلي أخري ومن معني إلي آخر ليبدو الحديث بلا منطق ( وأقرب مثل له طريقة تمثيل الفنان المصري يونس شلبي في مسرحية مدرسة المشاغبين ) ومن أمثلة السرد التشخيصي أيضا مسرحية ( جمهورية فرحات) وهي مسرحية قصيرة كانت في الأصل قصة قصيرة للكاتب نفسه ، لذلك اعتمدت السرد أساسا لمنظومة الحكي المتقاطع المتواصل تبعا للمشكلات الاجتماعية الطارئة التي توقف استرسال الصول فرحات في حلم يقظته اليوتوبي الذي يبوح به أمام مفكر اشتراكي معتقل في طريقه إلي السجن ، دون أن ينتبه الصول نفسه أو يتغافل عن ذلك ، وهنا تتحقق المفارقة الدرامية حيث الحاكم يحلم بصنع مجتمع العدالة المثالية المطلقة وهو في الوقت نفسه يعتقل المؤمنين بفكرة الاشتراكية – ولم يكن ذلك إلاّ إسقاطا سياسيا انتقاديا يوجهه يوسف إدريس إلي النظام الناصري الذي زعم أنه يقيم مجتمعا اشتراكيا في حين أنه يسير في اتجاه الطرف الأيسر من طريق الرجعية البيروقراطية ، التي اعتمدت تأميم وسائل الإنتاج وتمليكها للدولة وإدارتها بأهل الثقة من الضباط المبعدين عن الجيش شكا في ولائهم للنظام وتوجهاته اليسارية البيروقراطية .ومن أمثلة السرد التشخيصي أيضا مسرحية ( ياسين وبهية) ومسرحية ( ليلة زفاف الكترا) للشاعر مهدي بندق والأمثلة كثيرة ومتنوعة في الأنساق السردية الدرامية في المسرح , نجدها مشتبكة مع الحوار بقدر يتناسب مع طبيعة الحدث الدرامي وطبيعة بناء الشخصية ومخزون ثقافاتها . هذا بخلاف سعي رائد مثل توفيق الحكيم الذي مزج السرد الروائي بالحوار المسرحي في توليفته المسرواية ( بنك القلق ) وفي ريادة نجيب سرور للقصيدة الدرامية ( ياسين وبهية ) القائمة علي السرد التشخيصي.
ثانيا: السرد وفنونه في الرواية
يقف د. عبد الرحيم الكردي وقفة منهجية عن الالتباس الحاصل حول مفهوم السرد، حيث تداخلت أراء الباحثين واشتبك المفهوم مابين حكايات التاريخ التي تسجل وقائع تاريخية بعينها سواء أكانت قابلة للتصديق أم هي نوع من الأكاذيب التي سيقت باعتبارها حقائق، كما اشتبك المفهوم نفسه مع مصطلح القص ومع مصطلح الحكي و اشتبك كذلك مع مصطلح الخطاب . كما يأخذ علي الذين يطلقون مصطلح السرد علي السرد غير اللغوي ( المرئي ) علي السينما وعلي اللوحات والصور في الفنون التشكيلية. بهدف تخليص المصطلح من تلك الالتباسات ، مستشهدا بكل من ( أوستن وارين) و ( رينيه ويليك) حيث يفصل بين مفهوم السرد الروائي ومفهوم السرد التاريخي " فالمؤرخ يستحضر أفعالا وأقوالا تؤخذ علي محمل الحقيقة والجد ، وتحكي علي أنها حدثت بالفعل ، أما الروائي فيعمل علي " صناعة تاريخ تخييلي " ، ليصل إلي أن الذي يفصل بين المفهومين هو الخيال .
ونظرنا لأن المنهج العلمي يقتضي من الباحث مد حبل التأصيل علي الغارب ، لذلك يعود بنا الدكتور الكردي إلي جذر كلمة سرد وما كانت تعنيه في التراث العربي ، فيجدها " تدور حول معاني الاتساق ، والتتابع ، والموالاة ، والنسج والسبك ، يقال فلان يسرد الحديث؛ إذا تابعه وتابع كلماته دون وقوف، يقول صاحب لسان العرب : " والسرد اسم جامع للدروع ، وسائر الحلق ، وما شابهها من عمل الخلق ، وسمي سردا لأنه يسرد فيثقب طرفا كل حلقة بالمسمار ، فذلك الحلق المسرد .وقوله عز وجل " أن اعمل سبغات ، وقدر في السرد "( سورة سبأ آية11) قيل هو ألاّ تجعل المسمار غليظا ، والثقب دقيقا ، فيفصم الحلق .، ولا تجعل المسمار دقيقا والثقب واسعا ، فيتقلقل ، أو ينخلع ،أو ينقصف ، اجعله علي القصد وقدر الحاجة" هذا فضلا عن استعمال كلمة سرد عند القدماء بما يعني فن القول ، لتدل علي سبك الحديث وتزويقه. وفي الاستعمال الحديث لكلمة سرد يتفحص د. الكردي ما قالته سيزا قاسم إذ جمعت بين القص والسرد ، وهو يرفض ذلك الجمع ، ثم يقف عند تفريق د. نبيلة إبراهيم بين مصطلح القص ومصطلح السرد إذ أن القص عندها أعم وأشمل من السرد ، فالأول خاص بصناعة القصة ، أما الثاني فهو خاص بصياغتها اللغوية وما تؤدي إليه من فنون التعبير. وفي رجوعه إلي تفريق سعيد يقطين بين مصطلح السرد ومصطلح الحكي، يصل إلي أن سعيد يقطين بتحديده لدور الحكي إنما يتفق مع نبيلة إبراهيم في تحديدها لمفهوم القص ، لأن يقطين خص الحكي بصناعة الرواية إذ هو عنده بمثابة ( تجل خطابي) أي طريقة تشكيل الرواية وعرضها "ويتمثل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها وعناصرها" ويستوي ذلك عنده في التعبير اللغوي والتشكيلي والسينمائي والتمثيل المسرحي ، بمعني أن الحكي خاص بكل الفنون ، بينما يتوافق مفهوم السرد عنده مع مفهوم السرد عند رولان بارت . يوسع الدكتور الكردي من استعراضه للتباين في أراء الباحثين واختلافاتهم حول مفهوم السر ومفهوم الحكي ومفهوم القص ومفهوم الخطاب ومفهوم النص ، وكيف أن العامل المشترك بينه جميعا هو مصطلح التعبير ، ليصل إلي ما عرضه تودوروف الذي لا يقيم حدودا بين الحكي والسرد ، ويخلص الكردي من تفحصه لأراء الباحثين حول مفهوم السرد إلي أنه ما يزال مفهوما ملتبسا ، وأن سبب ذلك الالتباس هو تعدد الأراء بين المدارس النقدية الغربية ، وذل عنده اختلاف يعد معلما من معالم التطور.
ومع كل ما تقدم إلاّ إننا نجد د. الكردي يفرق بين السارد والراوي ، " لأن موقع السارد في النص موقع خطابي قولي ، أما موقع الراوي فهو موقع حكائى ، يتعلق بوصفه واحدا من شخصيات الرواية ، قد يتوازى معها ، وقد يقترب في الزمان أو المكان أو الهيئة من السارد إلي درجة يتطابق فيها معه ، وفي الحالة الأولي يتضاءل دوره أما في الحالة الثانية فإن جميع الأقوال والأحداث والأفكار لابد أن تكون منظورة من خلاله ، ومنقولة علي صفحة فكره ، والسارد في الحالة الثانية لا ينقل صورة العالم المتخيل كما هي ، بل ينقلها من خلال انعكاسها علي وعي هذه الشخصية البارزة."
إلي هنا ، نحن معه في التفريق بين مفهوم السرد التاريخي ومفهوم السرد الروائي. ومع ما توصلت إليه قناعته المنهجية بالتحديد أو التأصيل الذي وضعته نبيلة إبراهيم .
غير أن السرد ممتد من حيث كونه إعمالا للمخيلة الذهنية الإبداعية في الصورة التشكيلية ، وفي الصورة التعبيرية الراقصة ، وفي الصورة السينمائية ، فكل ما وقع تحت مفهوم الصورة ، إنما هو نبت الخيال وفعل التخييل ، فالباليه – مثلا – حدث درامي يرسم بالتعبير الجسدي للراقصين بمصاحبة المصنف الموسيقي الملائم بالترجمة أو بالتفسير الموسيقي الأوركسترالي .والكثير من اللوحات التشكيلية التي اتخذ لها مبدعها أسلوب التعبيرية – بصفة خاصة – تعطي قارئها دلالة ما ، مع أن حروفها هي الألوان والإضاءة والظلال والتكوينات اللونية التي تترسم موقفا أو تعبيرا يشف عن شعور بالخوف أو بالسعادة أو بالغضب . ولئن وقفنا عند أقصوصة ما ، فلسوف نجدها تلتزم تصويرا وصفيا بالسرد لموقف واحد أو حالة أو شعور واحد بأسلوب شديد التكثيف ، ولنا في ذلك استشهاد بأقصوصة ( نظرة ) ليوسف إدريس ، ما هي مقولتها؟ هل قالت شيئا غير أن الطفل المصري محروم من اللعب ، الذي هو أهم شيء في حياة الطفل ، حيث تصور لنا طفلة صغيرة تتوقف في طريقها من الفرن إلي منزل مخدومها ، وهي تحمل علي رأسها ( صينية طعام ) ، فإذا بها تتوقف تماما عن السير ، لتتفرج علي أطفال في عمرها يلعبون ، لتكشف لنا الأقصوصة عن الطفولة البائسة المحرومة من نعمة اللعب الطفولي . -
علي أني أري السرد المسرحي كثيرا ما يتداخل في حوار الشخصيات خاصة في المناطق التي يميل فيه الشخصية إلي وصف موقف أو موقع أو حالة مسترجعة من ماض قريب أو بعيد سواء تأسست علي محمل الصدق أو التخيل أو التوهم كما في مسرحية يوسف إدريس أوالإيهام كمسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفة) لألفريد فرج أو الكذب الصراح ومثاله كثير ومتنوع في مسرحية إبسن (بيرجينت ) مابين الكذب والإيهام. والسرد قد يشكل في بعض المسرحيات عمودا أساسيا محمولا علي لسان الراوي الذي هو بمثابة الشخصية المتسلطة التي بيدها مصير كل الشخصيات ، كما هو الحال في شخصية ( علي الكتف) في ( ليالي الحصاد) لمحمود دياب فهو يحيي الشخصيات ويغيبها . يوجدها ، وينفيها عن طريق الإستحضار التشخيصي ( البينصي المتخالف) ، لأنه يستحضر صوتها ويستحضر حركتها محمولة علي صوته هو وعلي تعبيره الجسدي المستنسخ لحركتها ، وهنا لا مناص عن رسمه لذلك كله عبر وجهة نظره النقدية أو الانتقادية غالبا. وهنا مناط تخالف رسمه لها مع رسمها في الواقع .
وسواء السرد علي لسان السارد ( الضمني) : الناقد لمضمون السرد أو بصوت السارد الأول ( الشخصية نفسها.. إذ تعيد تصوير حالة ما بتضمينها في حوارها المستحضر لفعل مضي وانقضي عبر استرجاع موقف ما. أو حالة استشفافها لفعل أو صورة مستقبلية ) وهو ما أطلقت عليه (سرد التذييل) لأنه نوع من التعليق علي حدث أو مكان أو زمان ، وهو سرد انتقادي أو نقدي من حيث مضمونه . وقد يحمل أيضا علي لسان السارد الثاني الذي يعتمد علي رواية سماعية وصلته فيرويها أو يصفها وصفا تفصيليا ، بما يبدو فيه مجرد ناقل محايد حتى وإن كان ذلك غير صحيح. وسرد التذييل يعتمد غالبا علي البنية السردية الروائية في فنون القص .
أما( سرد التظليل ) وهو الدلالة المسكوت عنها والمتوارية خلف ظاهر بعض أقوال الشخصية أو بعض تعبيراتها سواء أكانت شخصية درامية مسرحية حاضرة أم شخصية درامية روائية مسترجعة عبر ذاكرة السارد الأول أو السارد الضمني عندما يشف عن جوهر ما يريد أو جوهر ما يشعر به تجاه الموقف أو الفعل أو الشخصية التي يتعرض لها في حواره أو في سرديته. وهي تعبيرات قليلة مصوغة في صورة أدبية بليغة ومكثفة في المنتج الإبداعي المسرحي أو الروائي أو الشعري .
أما السرد التفعيلي فهو ما يتمثل في حالة حضور الفعل الآني للشخصية المسرحية أو الروائية القصصية علي حد سواء ، ذلك أن الشخصية بذاتها هي التي تحمل فعلها الحاضر أو المستحضر. أما الراوي أو الحكاء فهو السارد وقد اجتمعت عنده وظائف السارد الأول والسارد الثاني والسارد الثالث ، فهو الموكل بكل حالات السرد شخوصا وأفعالا وعلاقات وبواعث ، كلها مسترجعة عبر إعادة تصويره لها تصويرا قائما علي الانتقاءات غير المتتابعة تتابعا قائما علي الربط المنطقي لعناصر الأحداث حيث تبني الرواية أو المسرحية علي أساس تجاور الأحداث وفق حبكة واهية أو علي أساس الشذرات وتقنية التشظي والتداخل الزماني والمكاني المتنقل دون قيود المنطقية أو سببية مبررة من حالة التوصيف السردي الصوتي إلي حالة التوظيف السردي المرئي بما أطلقت عليه السرد التحويلي ، حيث يهمش الراوي نفسه ليجعل الشخصية التي استرجعها عبر الذهن شخصية مركزية محركة للصراع ، وهي في حقيقة الأمر مجرد دمية يبث فيها الروح إذ يعيد تشخيصها صوتا محمولا علي صوته وصورة محمولة علي حركته التي هي بمثابة تحريك لها بوساطته . فالمسألة هنا هي استبدال مواقع ، إذ يصبح الراوي علي الهامش وتصبح الشخصية التي يعيد تصويرها صوتا وحركة أو حركة بديلة عن صوت الشخصية التي يشخصها عبر الاسترجاع في مركز الحدث . ومعني ذلك أن المعادل الرمزي للحاضر الذي يعد الراوي ممثلا له ، سواء أكان هو الشخصية المحورية للرواية أو للمسرحية ، بوصفه بطلها الحقيقي الافتراضي أو كان نائبا عن ذلك البطل الحقيقي الافتراضي ( المتخيل) ؛ يتخلي مؤقتا عن وجوده المعاصر ليحل معادلا تراثيا أو تخييليا محله . وتلك آلية فنية انتقائية غير مترابطة وفق منطق الوحدة أو الحبكة هي من أهم خصائص فنون السرد . وفي تلك التقنية الفنية يحل الاحتمال محل الضرورة ، ويتفتت مبدأ السببية .
( سعدية .. وقطرات المطر )
- دراسة في جماليات السرد القصصي -
وصلتني عبر الشبكة العنكبوتية مجموعة قصصية للقاصة الرقيقة ( سعدية عبد الحليم ) ، وكانت بالنسبة لي مفاجأة سعيدة بعد انقطاع بيننا دام لما يناهز ثلاثين من الأعوام عاشتها مرتحلة عن مصر بشخصها باقية فيها بشخصيتها ، فهي شخصية لا تبرح ذاكرة من عرفها أو اتصل بها من قريب أو من بعيد . كانت سعدية بطلة لإحدى المسرحيات التي أخرجتها لفرقة ( سيد درويش بجمعية الدراما بالإسكندرية) وكانت عضوة مؤسسة نشطة في تلك الجمعية منذ إنشائها في عام 1973 . كانت وما تزال علي حالها شأن كل قابض علي هويتنا المصرية ، شخصية ( كريزما ) لم تكن تلميذة لي فحسب ولكنها كانت الابنة والأخت والصديقة ، وفضلا عن ذلك كله ، كانت الشخصية الملتزمة بما تقول ، تلك التي يتطابق فعلها مع قولها ، ولعل أبرز صفاتها كانت صفة الوفاء وصفة التفاني في العمل الذي اقتنعت به بعد مناقشات أكاد أقول إنها مضنية . وقع ناجي ( تلميذي ورفيق دربي المسرحي منذ شبابنا وبطل الكثير من عروضي المسرحية ) في غرامها ، وألح علي في مناشدتها قبول إرتباطها به زوجة . لم تكن تستسيغ الفكرة . وربما كان لها بعض الحق – آنذاك – لأن الفارق بينهما متسع من الناحية الثقافية والعلمية . كان ناجي موظفا بسيطا بإحدي الوزارات – كان السائق الخصوصي لوكيل وزار النقل البحري بالإسكندرية – ولم يتخط تأهيله العلمي مرحلة الشهادة الإعدادية – تقريبا – غير أن له من صفات الرجولة والذكاء والوفاء والإقدام علي الحياة وسعة الأفق والموضوعية في تقدير أفعال الآخرين والحكمة في خلق التوازنات ، والميل إلي لم شمل الأصدقاء متمثلا روح الفلاح المصري البسيط ، الطيب القلب . وبقدر تجنبه لرذيلة النميمة كان التحامه بعشقه الأول والأخير ( المسرح) الذي أفني فيه نصف عمره ، ولم ينحيه عن حب التمثيل سوي رحيله مع سعدية بعد أن أنهت دراستها بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعينت مدرسة للتاريخ بمديرية التربية والتعليم ، ثم زواجهما الذي توج بأحمد - الذي هو الآن خبيرا في الحاسب الآلي - ولأن سعدية مثال للطموح ، ولأن من فضل الله عليها أنها رزقت بذلك الفتي الوسيم الممشوق القوام المتأنق دوما علي بساطته ورقة حاله ، رزقت به زوجا ، بعد أن هداها الله وقبلت الارتباط به ، بعد أن أرهقته اتصالات هاتفية يومية من القاهرة ، في موعد مسائي محدد ، حيث نسمع زحف مداس عم عبدالله في ممر المفضي إلي الغرفتين المتداخلتين اللتين كانتا مقرا لجمعية الدراما بشارع بومباي كاسل خلف مبني شيكوريل بمحطة الرمل ، وكان مشيته حفيفا يمسح الأرض بنعليه الباليتين ، وعندها توقع سعدية وأنا معها بالطبع وكل أعضاء الفرقة أن ناجي علي الطرف البعيد من المهاتفة . وأذكر ، كما تذكر هي كم كانت تتثاقل في تلبية عم عبد الله والتوجه إلي مكان الهاتف في الشقة المقابلة لمقر الجمعية . كان عم عبدالله عامل نظافة المقر ، فضلا عن عمله الأساسي ( ميكانيست الأزياء والبروجكتورات المسرحية بمحل إيجار مستلزمات المسرح الذي كان مملوكا لعم صبري ) لم يكن لعبد الله عامل نظافة مقر نقابة الموسيقيين بالإسكندرية ومساعد عم صبري مأوي أو سكن غير محل صبري فهو يعمل به وينام بداخله . كان رجلا نوبيا نحيف بشكل ملحوظ ، قصير القامة ، متقدم العمر ، لكنه كان دائب الحركة . وكان بالشقة التي تشغل جمعية الدراما حجرتين من حجراتها السبع ، بوفيه يديره ويعمل به ليل نهار ( حسن) كان تاريخ المقر منذ أن كانت الشقة بكاملها خاصة بنقابة الموسيقيين بالإسكندرية ، إلي أن رمت الأقدار بنقباء نكرات أو شبه نكرات يحتلون منصب نقيب الموسيقيين بمصر ، فأهملوا النقابة الفرعية وهمشوها ، مع أنها ترعي مصالح الموسيقيين وكتاب الأغاني والأوبريتات والمغنيين وتحصل الضريبة النسبية من الملاهي التي كان شارع الكورنيش وشارع السبع بنات وأزقة المنشية ومحطة مصر تضج بها طوال الليل ، فضلا عن العروض المسرحية والغنائية التي تزدحم بها الإسكندرية طوال فصل الصيف . ومع تدهور الدارة في ظل نقباء لا شخصية لأحدهم ، أجرت بعض غرف لترزي إفرنجي ( قمرآمون) ولورشة صناعة الأحذية ، وللفرقة العربية للتمثيل ، التي انفرط عقد أعضائها الهواة لخلافات علي الأدوار من ناحية ولخلافات علي توزيع فائض تكلفة العروض الكوكيدية ، وهبوط محتواها الفني ، وفداحة ضرائب الملاهي التي فرضتها الحكومة علي تذكرة المسرح ، والتي وصلت إلي 50% من قيمة سعر التذكرة ، ،60% علي حفلات الغناء أو الأوبريت أو المسرحية الموسيقية بصفة عامة ، فضلا عن أجور الممثلات شبه المحترفات ، لعدم إقدام الفتيات الهاويات علي التمثيل - في الخمسينيات حتى نهاية الستينيات - ,من ثم آلت حيازة مقر الفرقة العربية للتمثيل لفرقة سيد درويش الاستعراضية الغنائية التي أنشأتها ومعي صديق روحي ( الفنان ) ناجي عتمان – رحمة الله عليه – ثم انضمت إلينا سعدية عبد الحليم وصديقتها نعمة عبد الحليم وبعض زملائهما وزميلاتهما الطلاب بقسم التريخ وبقسم اللغة العربية ، حيث كنت طالبا منتسبا فيه ، إلي جانب عدد كبير من هواة فن التمثيل من موظفي وعمال الثغر الجميل ، أذكر منهم مصطفي أبو غربية ، محمد إدريس ، رفعت عويس ، السيد شمخ ، يونان نصيف ، عبد الهادي محمد علي ( المغامر) محمد رمزي السيد العربي ( الملحن) سوسن سامي ، أنور جعفر ( الكاتب المسرحي) ، تلك الفرقة التي أنتجت عددا من العروض الموسيقية منها ( الأغاني لسيد درويش) ، ( سالومي) لأوسكار وايلد ، بإعداد أبو الحسن سلام ( شرقا إلي سيناء ) لأنور جعفر( كله في الجنينة) لإدوار ألبي – تمصير عبد الهادي محمد علي ة ( المغامر) ، ( كيف تصعد دون أن تقع) لوليد إخلاصي ، وهي من إخراج أبو الحسن سلام ، فضلا عن ثلاثة عروض لم تعرض وهي : ( الغجر) إعداد أبو الحسن سلام عن ( باليه الوصايا السبع للبرجوازي الصغير لبريخت ) وهو العرض الذي منعته الرقابة علي المصنفات الفنية قبل رفع الستار عنه بساعات معدودة ، ( الكترا ) يوربيديس ، ( رسول من قرية تميرة للسؤال عن مسألة الحرب والسلام) لمحمود دياب بإخراج صلاح الدمرداش ( السد) للكاتب التونسي محمود المسعدي بإخراج السيد الدمرداش .
شهدت سعدية وناجي هذه المرحلة وأسهما فيه معا زملاء فن ، قبل مسألة الارتباط والخطوبة. وبعد الزواج الذي تم بعد عرض سعدية لمسرحية ( الجنينة) لألبي علي مسرح إسماعيل ياسين لليتين ، رحلت سعدية بعد زواجها من ناجي إلي القاهرة ، بعد أن نقل إلي العمل بديوان الوزارة بالقاهرة ، ومن ثم انتقلت معه سعدية التي كانت قد نقلت موجهة للتربية المسرحية بالإسكندرية من مدرس لمادة التاريخ ، بعد أن التحقت طالبة منتسبة بقسم المسرح الذي كنت قائما برئاسته - آنذاك – ولم ترحل شخصيتها أبدا بعيدا عنّا ، ظلت تلازم من تعاملت معهم ، وتلازمني ، ولم يرحل ناجي مطلقا ، بعد انتقاله إلي القاهرة أو بعد انتقاله لسنوات طويلة إلي قطر مع سعدية ، ولم يرحل مطلقا حتي بعد أن صعدت روحه إلي الرفيق الأعلي . وما أعظم المتنبي حيث يجسد مثل تلك الحالة من التواصل الروحي بين المحبين إذ يقول : ( إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألاّ تفارقهم فالراحلون هم )

مازلت أذكر ناجي الشجاع الشهم ، وهو يجمع شمل أعضاء الفرقة الذين كاد اليأس يدب في نفوسهم وقد وصل زميلهم يونان نصيف بإخطار رسمي بمنع عرض مسرحية الغجر قبيل عرضها بسويعات وهي التي قضينا شهورا في التدريب عليها . حشدنا جميعا وحثنا علي قضاء سهرة في حديقة البيت الصغير ذي الطابق الواحد الذي كان يستأجره بناحية سيدي بشر ( ميامي) وكان مملوكا لشقيق الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة . قضيا أمسية نسمر غناء ورقصا وتشخيصا مرتجلا مع مقاطع من العرض الممنوع وأغانيه الخارجة نوعا ما علي الآداب العامة ، وكانت علاقة حميمية تلاحم فيها الجميع وتكشفت علاقات لها مالها من الخصوصية ، التي ما تزال ذكراها ماثلة إلي الآن . هذا فضلا عن الرحلات الخلوية إلي شاطيء أبي قير التاريخي وإلي قصر المنتزة ، وإلي حديقة النزهة وحديقة الحيوان بالثغر ، تلك التي كان ناجي المخطط لها مع يونان نصيف ، ومع رفعت عويس .
ولا أنسي موقف سعدية بعد نشوب خلاف بيني بوصفي مؤجر المقر من الحاج أيوب صاحب العمار العتيقة الجشع ، البشع ومثولنا معا أمام القضاء في محاولة طردنا من المقر.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتاج المسرحي بين التنمية والأمراض الثقافية
- حتمية التحول بين نهار اليقظة وعمى البصيرة
- المسرح الشعري ولا عزاء للنقاد
- أحلام سيريالية
- ثقافة الفالوظ
- لويس عوض والبصيرة الحداثية
- المسرح ومفهوم الإيقاع
- (البلطة والسنبلة) .. المهدي غير المنتظر
- طالما .. وطال ما
- عنكب يا عنكب وصبيان البحث المسرحي
- مفكر وكاتب مسرحي من قنا
- البحث المسرحي والنقطة العمياء
- فلسفة الفوضي الخلاقة في عرض مسرحي بالجزويت
- ليلة من ليالي على علوللا
- بوسيدون يستبدل إكليل الغر بالغتره
- سارتر وليزي وبوش
- جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية
- سلم لي على -بافلوف-
- جماليات التعبير بالأصوات اللغوية في الأدوار المسرحية
- فلسطين بين ثقافة العنف والسلام- في حوارية قطع ووصل -


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - فنون السرد بين الرواية والمسرحية