أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - ليلة من ليالي على علوللا















المزيد.....

ليلة من ليالي على علوللا


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2559 - 2009 / 2 / 16 - 04:26
المحور: الادب والفن
    


أ. د/ أبو الحسن سلاّم
"على علوللا ".. مواطن مصري بسيط .. فقير وشريف .. يعمل في شركة صناعية تابعة للقطاع العام. ذات صباح باكر نزل إلى الشارع ببيجامته وبيده كسرولة متجهاً إلى محل الفول .. النسوة والأطفال يغلقون أمامه طريق الاقتراب من قدرة الفول ماذا يفعل والزحام شديد والبرد قارس وموعد ذهابه إلى عمله قد أزف، وبنتاه قد تأخرتا عن موعد الذهاب إلى المدرسة فما كان منه إلاّ أن صاح في جمع المتكالبين حول قدرة الفول
ـ يا ناس اتعلموا النظام
لكن أحداً لم يلتفت إليه ، باستثناء طفلة صغيرة حافية ، استدارت نحو ذلك الصوت الأجش الصارخ حول القدرة و ياليتها ما استدارت ، فلقد سقط من بين أصابعها الصغيرة (قرش صاغ أبيض مخروم) فانحنت لتبحث عنه تحت أقدام النسوة والصبية فدهستها الأقدام فصرخت ولكن (علي علوللا) سارع بإنقاذها فإذا برجل أو في الحقيقة هي جثة رجل تتحرك وبالكاد تصل إلى مكان تجمع الجوعى ؛ فإذا ببائع الفول يسارع إلى تحيته
ـ مرحبا يا حضرة الصول.. نهارنا قشطة
وإذا بالطفلة التي فقدت رأس مالها (القرش الأبيض المخروم) تجري نحو الرجل الجثة
ـ يابا .. الإش وقع مني
ـ وقع .. وقع إزاي ؟!! .. نهار أبوكِ زي بعضه
فتسارع من بين النسوة إحدى المؤهلات للشهادة الزور وهي تشير نحو (علي علوللا)
ـ اللافندي ده هو السبب . كان بيزعق : انتوا عمركو ما حتعرفوا النظام
فإذا بالمخبر السري ـ والد الطفلة ـ التي فقدت رأس مالها
ـ قرش أبيض مخروم
يلتفت نحو (اللافندي) ويجلجل المكان بجعورته ؛ ويخلخل تجمع المتحلقين حول قدرة الفول بجثته
ـ مفيش إيه يا روح أمك؟ البلد مفيهاش نظام؟! تعالالي يا روح والدك وأنا أوريك البلد فيها نظام ولا مفيهاش
ويتململ (اللافندي) من بين قبضة المخبرالسرى (عبد الجواد) . وعبثاً يحاول الانفلات
ـ ياعم أنا مقلتش حاجه
ـ بتقوللي يا عم .. أنا الصول عبد الجواد .. بتاع أمن الدولة يتقاللي يا عم؟
ـ يامؤمن صدق . والله ما قلت حاجة عن الدولة
ـبتقوللي يا مؤمن .. شايفني مربّي دقني!! طب هو النظام إيه غير الدولة والدولة إيه غير النظام؟!
ـ يا سيدنا أنا معرفشي حاجة عن الدولة . مليش دعوة بالسياسة
ـ ماهو دا أدعى إلى إنك تاخد درس في السياسة .. تتعلم النظام ؛ وتعرف إن الدولة هي النظام والنظام هو الدولة
ـ يا ناس .. يا عالم غيثوني .. يا حضرة الشاويش
ـ شاويش ؟!! نزعت رتبي ؟!! يبقى ده على حرمه إن ما دخلتك أراميدان
كل ذلك الصراخ يجري والمتكالبات على قدرة الفول لا يعرن أذنا للمشهد الدائر بين رجل ليس له في السياسة ناقة ولا جمل – فيما يظن – وممثل الأمن القومي .. فالنسوة أيضاً ليس لهن في السياسة (هو علوللا) و(هن علوللا) .
ـ حسنين يا فوال ..
يصيح الصول بتاع أمن الدولة
ـ أأمر يا حضرة الصول
ـ إملا للبت كسرولة الفول
ـ من عنيا
ـ القرش وقع منها في دكانتك . كان قرش أبيض
ـ القرش لابيض ينفع في اليوم لاسود
ـ بتبرطم بتقول إيه؟
ـ لا ولا حاجة بالسلامة يا سيدنا لافندي
وهكذا ضاع صوت (علي علوللا) وضاعت الكسروله والتعريفه في زحمة التكالب والصياح طلباً للفول .. ويسأله الصول عبد الجواد
ـ اسمك إيه يا رفيق قلت لي
ـ لأ مسميش رفيق اسمي علي علوللا
ـ هأ أو .. دا اسمك الحركي
ـ يعني إيه؟ حركي ؟! بقول لسيادتك اسمي علي علوللا
ـ آه .. ابقى قول الكلام ده لما نوصل
ـ نوصل .. نوصل فين؟
ـ عند بيت خالتك
ـ خالتي ؟! خالتي مين ؟ ماليش خالات
ـ فوت قدامي يا لكع!!
ولم يعرف (علي علوللا) مكان وصوله إلاّ وهو طائر في الفضاء بداخل زنزانة في ( سجن ليمان طره ) ليسقط فوق ثلاثة رفقاء اعتقلوا بعد أحداث 18-19 يناير 1977.
وعلى الرغم من ترحيبهم به وحفاوتهم ؛ فقد ظل مندهشاً لتصرفهم معه بما يغاير ما أشيع عن ( حزب التجمع) الذي ينتمون إليه ؛ فالحكومة ملأت الدنيا صياحاً بأنه(حزب شيوعي) وأعضاؤه كفره . ويمر يوم وأسبوع وشهر ولم يسمع من واحد منهم شيئاً ضد الدين ؛ ولم يلحظ فعلاً أو سلوكاً يدل على أن هؤلاء غير الناس العاديين البسطاء المتواضعين ، على الرغم من أن أحدهم أستاذ في الجامعة والثاني مهندس والثالث طبيب والرابع محامي والخامس مدرس والسادس مدير شركة تأمين والسادس جرنالجي والسابع مذيع والثامن ممثل والتاسع مطبعجي والعاشر مؤلف مسرحي وهذا رسام كاريكاتير وذاك مؤلف أغاني وأشعار.
لم تمض علي صاحبنا أكثر من ثلاثة أشهرإلاّ وكان يجيد المناقشة في أمور سياسية واقتصادية بالغة الأهمية؛ إذ عرف أن الماركسية ليست هي الشيوعية ؛ لأن الماركسية فكر فلسفي اجتماعي اقتصادي يتمحور حول نظرية تحرير الطبقة العاملة من استغلال أصحاب المصانع ؛ ارتكازاً على ما يعرف بنظرية ( فائض القيمة) أي ما زاد على التكلفة الحقيقية لإنتاج سلعة ما ( بلوفر مثلاً) تكلفته الفعلية عشرة جنيهات يدخل فيها ثمن الصوف وأجر العامل وقيمة الكهرباء المستخدمة في تشغيل الماكينة التي صنعته وأجور التخزين والنقل والحراسة والتسويق والنسبة المستحقة لرأس المال اللازم لعملية صنعه واحتياطي قطع الغيار والصيانة ، غير أن المصنع يبيعه بمبلغ ( 50 جنيها) أي هناك (أربعون جنيها) زائدة عن التكلفة الفعلية التي صرفت على إنتاجه. وهذه هي القيمة الزائدة عن قيمته الفعلية .
عرف صاحبنا أن هذه الزيادة هي من حق العامل الذي صنع البلوفر.. غير أن صاحب المصنع يستحوذ على ذلك الفائض بدون وجه حق..
ـ الله!! طب والحكومة واقفة مع الراجل المستغل دا ليه ؟!
رد من بين الرفاق أحدهم
ـ الحكومة تساعده طبعا .. الحكومة هي مين ؟! كلهم ظباط عساكر رجعوا من روسيا في بعثة علي السلاح .. خافوا منهم .. قالوا عملوالهم غسيل في المخ
ـ طبعا بلشفوهم
ـ أبعدوهم خارج الجيش عالمصانع . دا رئيس شركة نحاس.. ودا رئيس شركة نسيج ودا كوتش ودا لبن !! بعد ما كان مدفعية ولاّ طيران أو إشارة وفروه
ـ سرحوهم ..
ـ ضاعت الخبرة في غمضة عين
ـ أصبح الظابط مدير لحاجة ما لهوش فيها خبرة
ـ لما جات الحرب بينا مع إسرائيل .. ما جرى معروف تمام !!
ـ والغلابة الفلاحين كانوا حطبها .. هم÷ّ والعمال معاهم .
كل دا عرفه (عالولا) وعرف إن (التجمع ) للدفاع عن الغلابة الشقيانين ؛ كانوا عمال فلاحين؛ طبقة وسطي موظفين دوره بث الوعي عند هؤلاء لجل ما يناهضوا المظالم ؛ يمنعوا صحاب المصانع والمزارع ينهبوا عرق الفواعلية اللي قدام المكن ؛ يفضحوا استنزاف كبار المسؤولين لخيرات الوطن ؛ يكشفوا العملاء ومصاصي الدماء . مش مهم يقولوا عنهم دول يسار . مش مهم الاعتقال بتهمة الشيوعية أو أى اتهام مادام دا حزب وقفته وقفة نضال وحض عمال المصانع والمزارع لجل تحصيل الحقوق ؛ حزب تمهيد الطريق نحو اشتراكية وبحق وحقيق.

عرف (علي علوللا) أن الشيوعية لا تطلق إلاّ على تنظيم سياسي يتخذ من النظرية الماركسية أساساً لبرامجه نحو توحيد صفوف الطبقة العاملة التي أدركت أنها مستغلة. كذلك عرف (علي علوللا) ما هو فيض الإنتاج ولماذا تكافئ أمريكا المزارعين الذين ينتجون محصولاً أقل من القمح . ولماذا تلقي البرازيل الكثير من محصول البن في المحيط حفاظاً على السعر الذي تحدده الدولة لمزيد من الاحتكار والسيطرة على الأسعار العالمية. وعلم من الزملاء أن حزب التجمع قد اتصل بزوجته وبأولاده وهو يقدم إليهم المساعدات المالية والمعنوية مع أول كل شهر. وأن مجلة (أدب ونقد) وجريدة (الأهالي) هي التي تنقل للناس في مصر وخارجا صوته وأخباره وتسهم في كشف المفاسد الحكومية والتجاوزات الأمنية ضد أمن المواطنين . وتنبه إلي مايحاك ضد الغالبية لسرقة اللقمة من أفواه أبنائهم .
استرجع علي علوللا ذلك الشريط عندما وجد نفسه وحيداً في الزنزانة رقم (3) بعنبر التأديب (بسجن ليمان طره) بعد أن أفرجت المحكمة عن جميع المعتقلين وترك هو وحده حبيس الزنزانة لا أنيس ولا ونيس سوى رنين صوت( الشاويش عبد الهادي) حارس عنبر التأديب الذى يلومه كلما فتح عليه باب الزنزانة في تمشية الصباح وفترةالقيلولة:
ـ ما هو لو كنت قلت إنك عضو في (حزب التجمع) كنت طلعت مع اللي طلعوا .. يابني مدام مش عارفين يصنفوك تبقى حا تستنى معانا)
بعد مرور أسبوع من الإفراج عن الزملاء يجد ( علولللا) نفسه في (عنبر التجربة) مع (جماعة التكفير والهجرة) ويتذكر عدالة الحياة العامة بين اليساريين وزنزانة الحياة العامة التي تصادر اللحوم والسكر والسجائر وأمواس الحلاقة وبطاريات الراديو من كل زيارة ترد إلى أحدهم ؛ ثم تعيد لجنة الحياة العامة توزيعها ؛ وفق جدول دقيق على زنازين المعتقلين اليساريين ؛ سواء كانوا من (حزب التجمع) أو من زملاء منسوبين إلى أحزاب أو تنظيمات غير معلنة .. ويقارن بين عدالة اليساريين ونظامهم وأنانية أولئك الملتحين الذي يرفض كل واحد منهم أن يعطي جاره قطعة من دجاجة أو جناح بطة جاءته في زيارة ما إذ يتركها تتعفن ولا يعطي زميله الملتحي شيئا مما حصل عليه من زيارة أقربائه. ـ مع أنه متهم مثله بعضوية تنظيم إسلاماتيكي إرهابي ويسكن معه في نفس الزنزانة ـ
ويقارن (عاللولا) كذلك بين تنوع الموضوعات التي يناقشها اليساريون من سياسة إلى أدب إلى فن إلى اقتصاد إلى تاريخ إلى فلسفة إلى علاقات دولية إلى سياسات الحكومة إلى أحوال الطبقات الشعبية إلى قضية فلسطين والديمقراطية بوصفها المدخل الطبيعي والصحيح لحل كل المشكلات الوطنية والاقتصادية والاجنماعية المستعصية علي الحل؛ وبين انكباب كل من في الزنازين التي تشغي بأصحاب الجلاليب البيضاء القصيرة واللحي الطويلة في العنبر الجديد (التجربة) على تسميع آيات القرآن في تراتيل متداخلة ذكرته بالكتاتيب التي تعلم فيها على يد سيّدنا الشيخ ( حزنبل) في ( الدلجمون غربية) ـ موطن ولادته ـ عندها شعر كما لو كان يجلس بين عدد من الإذاعات أو المآتم التي يسلط كل مآتم منها ميكروفوناته على المآتم الأخرى ، شعر بأنه محاصر بغزو إذاعي ضوضاء فلا شيء يمكن فهمه مما يدور في معمعة التراتيل المتداخلة التي لايدع صوت من بين تلك الأصوات مساحة لأذن تسمع أو عقل يعي

وإذا كان علي علوللا يستمتع بقسط من النوم في زنازين المعتقلين اليساريين ؛ فإنه في زنازين المتأسلمين لا يذوق طعم النوم ؛ إذ بعد مباراة التسميع المتداخل التي إن تنتهي ؛ يدور النقاش ـ أو العراك بالأحرى ـ صراخ لا يوقفه سوى فحيح صوت أجش مشروخ فاقد لمعينه من الشهيق ؛ هو صوت( أميرالحبسة) بالخطبة الرئيسية التي تدور دائما وفي كل ليلة حول تكفير المجتمع .
ـ المدارس والوظائف وعقود النكاح وكل ما يتصل بالدولة كفر وإلحاد لأنه بدعة وضلالة وكل ضلالة في نار جهنم وبئس المصير . - طب والمشايخ ( يتساءل عالوللا) - كفّار مداهنين للدولة الكافرة والزواج
ـ كفر لأنه عقد باطل سجل على أوراق دولة كافرة
كل شيء في نظر هؤلاء الملتحين كفر لذلك وجبت الهجرة من هذه الدولة الكافرة. ويتساءل ـ كيف
ـ ألم تكن بلاد الله واسعة
فيتجرأ علوللا
ـ إذن فأنتم جماعة التكفير والهجرة
وكأنه نطق كفراً . صاح كبير القعدة (أمام الجماعة)
- نحن جماعة آخر الزمان .. ألا تفهم؟

ـ نحن الذين قال تعالى فينا : " والأرض يرثها عبادي الصالحين"
ـ بس الآية دي نزلت في بني إسرائيل
ـ أتفهم في كتاب الله كما نفهم؟
ـ القرآن لكل البشر ولكل العصور. أريد أن أعرف لأن المعنى هو أن القيامة قامت
ـ أي نعم
ـ والأرض فنيت
ـ أي نعم)
ـ وأنتم في الأرض مثل كل البشر
ـ لا سنكون في مأمن . روسيا الكافرة وأمريكا الكافرة ستضرب كل منهما الأخرى بالنووي وستفنى الأرض
ـألستم في الأرض
ـ سنكون آمنين بإذن الله في كهف في أحد جبال اليمن وهو ضد الإشعاع الذري
ـ وهل الحكومات ساذجة لتسمح لكم بذلك
ـ نسيب النقطة دي
هكذا صاح بلهجة عامية والشرر يتطاير من عينيه .ولكن علوللا لم يتوقف
ـ عايز أفهم .. الإشعاع في كل مكان.. في الهوا.. في الزرع.. في الماء مش حتاكلوا مش حتشربوا مش حتشموا هوا ؟
ـ قلت لك سيبك من النقطة دي
ويصمت علوللا بعد ذلك لما يقرب من الأسبوع مكتفيا بأن يستمع ويستمع ويستمع ، دون أدنى رغبة في الاستماع ؛ إلى أن أتى الفرج بانتقال بعض المعتقلين إلى سجون أخرى ويتساءل علوللا
ـ اشمعنى أنا يا صول عبد الرحمن؟!
ـ علشان أنت بين بين
ـ يعني إيه؟ فيه تهمة اسمها بين بين ؟
ـ مش باين لك مذهب .. لا أنت جماعات ولا أنت شيوعي ولا أنت ناصري .. ملكش مله

ـ يعني حاتنّي محبوس لوحدي .
ـ بكره ينقلوك مع الجنائيين
وفي إحدى زنازين الجنائيين (بسجن الاستئناف) يتحول علي علوللا إلى (أسانسير) يسند ظهره إلى حائط الزنزانة أسفل الشباك المطل على ( درب عسكر شارع عائشة التيمورية) وبصعد على كتفيه مسجون يتجه بوجهه نحو الحائط فيقف علي علوللا والمسجون واقف على كتفيه ووجهه للحائط حتى يصبح خلف قضبان الشباك العلوى الوحيد في مواجهة بيت( "أم حسن") الذي وقفت في مدخل الشرفة المتداعية للسقوط الفتاة صديقة هذا المسجون أو ذاك الذي رفعه على علوللا إلى الشباك. وهنا تدور وصلة غزل بين المسجون الصاعد على الأسانسير (علي علوللا) وعشيقته في شرفة أم حسن التي تؤجر الغرفة للزوارمن أهالي المسجون أو صديقاته بواقع (عشر دقائق بعشرة جنيهاتللفرد الواحد) . ومع أن علي علوللا غير راض عن نفسه وعن وظيفة اسانسير؛ إلاّ أن تلك هي وسيلته الوحيدة للبقاء وسط الجنائيين عتاة الإجرام من القتلة ومروّجي المخدرات. . فبدلاً من تعوده على سماع المناقشات الفكرية السياسية التقدمية أو الدينية التسيسية الظلامية ؛ إذا به يستمع إلى غزل صريح ويتفرّج علي مشاهد ( بورنو) حقيقية ومباشرة ، في مشهد حي أشبه بمشهد تغريبي ملحمي بريختاوى:
ـ حته ببريزه يا طماطم .. إيه يا بت الحلاوة دي .. طب حته كمان ببريزه
وفي كل طلب يطالب به المسجون المكبوت عشيقته عن بعد تتسع مساحة عرى الفتاة حتي تصل إلي ما يعاقب عليه القانو خروجا علي الآداب العامة في أماكن عامة.
ومع أن لغة المسجون العاشق تبدو شبه بريئة من حيث الظاهر إلاّ أن علي علوللا يعرف أن المسجون العاشق يطلب من عشيقته أن تتعرى قطعة قطعة. وهكذا ينتهي الأمر بعلي علوللا إلى أن يصبح أسانسير العشاق بين سجن الاستئناف وشرفة( أم حسن).
ويتساءل في نفسه : ألم يكن التجمع أفضل لي من الحبس الذي لا آخر له والاستماع إلى ما ينفع الغالبية والكلام عن العدالة أفضل من (حته ببريزة يا طماطم ) ؟!!.
غير أن صوت غناء المسجون العاشق يصدح منتشيا بترديد أغنية المطرب الشعبي (عدوية) (حلاوتها أم حسن) يعلو ويعلو ويتكرر كصوت صادر من إسطوانة مشروخة؛ عندها لا أدرى كيف تبادر إلي ذهن ( علي عالوللا) وربما لا يدرى هو نفسه كيف أو لماذا يتذكّر الآن شعار مرحلة ما بعد هزيمة يونيو 76 ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) يعلو بصوت الزعيم يدوّى في أذنيه عاليا !! وهنا تلوح بسمة باهتة علي شفتيه وهو يتمتم بكلمة ربما أراد أن يرضي بها خاطرة أو يتوازن بها نفسيا .وهنا .. وجد صوته ينطلق منغما ؛ في أداء يعادل طبفة أداء المسجون المنتشي ( حلاوتها أم حسن) (لا صوت يعلو علي صوت أم حسن ) .
وهنا ..هنا فحسب .. تنفجر حوائط الزنزانة بالضحكات المجلجلة التي أزعجت مأمور سجن ليمان طرة الذي ظن أن هناك مظاهرة تأييد لجارته (أم حسن) فدفع بجنوده لفض تلك المظاهرة الشيوعية العميلة – حسبما صورت له نفسه المباحثية البليدة.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوسيدون يستبدل إكليل الغر بالغتره
- سارتر وليزي وبوش
- جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية
- سلم لي على -بافلوف-
- جماليات التعبير بالأصوات اللغوية في الأدوار المسرحية
- فلسطين بين ثقافة العنف والسلام- في حوارية قطع ووصل -
- فلسطين بين ثقافة العنف والسلام
- السكتة الكوميدية في الكتابة المسرحية
- التباس الكتابة المسرحية بين المسرح السياسي ومسرح التسييس
- أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومعزوفة النشاز العصرية
- معزوفة التواصل الحضاري
- المتدفقون - عرض مسرحي -
- هوية الصورة في فن فاروق حسني
- سيميولوجيا الفرجة الشعبية في المسرح
- المرأة في مسرح صلاح عبد الصبور
- معزوفة التواصل الثقافي الحضاري
- اتركوا النار لنا
- المونودراما وفنون مابعد الحداثة
- نظريات المسرح
- ليس ثمة من وطن .. حيثما الدين وطن


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - ليلة من ليالي على علوللا