أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية















المزيد.....



جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2544 - 2009 / 2 / 1 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


جماليات النزعة التأثيرية في بناء الأصوات المسرحية
ـ دراسة حول فن المونولوج بين الكاتب والمخرج والممثل ـ

د. أبو الحسن سلام

المبحث الأول: التأثيرية بين الفنون التشكيلية والفنون المسرحية:

ظهرت التأثيرية وازدهرت حركة في فنون التصوير في أعمال كبار المصورين العالميين في أوربا أمثال : ( مونيه ) الذي أشتهر بتصوير المناظر الخلوية بأسلوب حي وألوان نقية ولمسات مباشرة . و (رينوار) الذي أشتهر بتصوير مباهج الحياة وفتنتها لاسيّما المرأة عندما تكتمل أنوثتها . وقد اتسم أسلوبه بإنسانية مشعّة ورقة وحساسية فائقة في اختيار الألوان . هذا فضلا عن ( ديجا ) الذي أشتهر بتصوير راقصات الباليه في حركاتهن الرشيقة مستخدما الألوان الزيتية تارة وألوان الباستيل تارة أخرى في لمسات سريعة ومباشرة ، توحي بالأجواء الموسيقية الحالمة .
وقد عنى الفنان التأثيرى بتصوير المناظر الطبيعية وبتصوير الأشخاص اعتمادا علي الضوء والظل وتأثيراتهما في الصورة بما يعكسان من انطباعات الفنان المصور نفسه ؛ وما ينطبع علي وجدان متلقي إبداعه . وقد تبلورت هذه النزعة الفنية في الأدب فيما عرف بالمدرسة الطبيعية ـ فيما بعد ـ فمنذ أن تطلّع العديد من المصورين إلي أسلوب جديد في التصوير ابتداء من عام 1870 "ولدت مدرسة جديدة أطلق عليها المدرسة التـأثيرية أو الانطباعية " وقد اعتمد أصحابه علي الخروج مباشرة إلي الطبيعة وتسجيل أجوائها المختلفة عن طريق لمسات أو علاقات لونية باهرة تخطف الأنظار .
ومما لاشك فيه أن أثر الاكتشافات العلمية في منتصف القرن التاسع عشر، متصلة مع النصف الأول من القرن العشرين ؛ قد كان لها الأثر الكبير علي نشأة هذه المدرسة الانطباعية وعلي إبداعات فنانيها مثلما كان لنظرية ( أصل الأنواع ) ل ( ديورانت ) أثرها وما استتبعها من اكتشاف ( علم الوراثة ) والمؤثرات البيئية والوراثية علي سلوك الإنسان وانعكاساتها علي إبداعات الأدباء الطبيعيين في فن الرواية وفي فن المسرح . أو ما كان من انعكاسات اكتشاف نظرية ( العقل الباطن) في طفولة الإنسان وآثاره علي سلوكه كبيرا ـ وفق نظرية علم النفس الفرويدي . ـ فضلا عن دور ( نظرية النسبية ) في ظهور المدرسة التكعيبية في الفن التشكيلية وأثر انعكاسات ( النظرية النتشوية) علي حركات التجديد في الأدب والفن ؛ وما ترتب عليها من اشتغال الأدباء والفنانين المعاصرين بالبنيوية تأسيسا علي الفكر الحداثى و علي فكر التفكيك ؛ واصطباغ النظريات النقدية المعاصرة بألوانهما . لقد كان رائد أولئك وهؤلاء في ذلك " هذه الاكتشافات العلمية التي مهدت الطريق أمام تقدم البشرية .
كذلك تأثر فن التصوير بتلك " النظرة العلمية التي ترى الأشكال أو العناصر في الطبيعة لا لون لها ، إنما تكتسب ألوانها نتيجة للانعكاسات التي تقع علي شبكية العين بفعل الأنوار والظلال الواقعة علي هذه العناصر والأشكال . وبذلك نجحت المدرسة التأثيرية في الوصول إلي أعمال فنية غنية بالعلاقات اللونية التي لا حصر لها ، والتي في الوقت نفسه تبهر العين وتسر الناظر إليها ."
المبحث الثاني: التأثيرية في حرفية الكتابة المسرحية:

عرفت الكتابة الأدبية في الإبداع الشعري وفي الإبداع النثري فكرة الإضاءة والتظليل ووظفتهما فيما أبدع الشعراء والروائيون والمسرحيون كل في مجاله ؛ فيما يعرف بنصاعة العبارة أو بهوتها .كما يظهر في التعبير الأدبي و الفني في أساليب الكناية والتورية ؛ حيث تبنى الصورة الأدبية أو الفنية علي وجه ظاهر للمعنى ووجه باطن له ؛ فيصبح معناه الباطن نقيضا لمعناه الظاهر ؛ كما هي الحال في التورية أو يصبح للصورة معنيان: أحدهما مسكوت عنه في مقابل الوجهة الظاهرة للمعني في الوجهة الأخرى من العبارة الواحدة أو في الصورة الأدبية أو الفنية الواحدة ؛ علي النحو الذي يترسمه أسلوب الكناية . وفي الصورة المسرحية يفرق أبو الحسن سلام بين ثلاث أوجه للبنية الدرامية التعبيرية للحوار إذ يرى الحوار المسرحي حاملا لجوهر إرادة الشخصية متلبسا بجوهر مشاعرها . ويرى أن الشاعر أو الكاتب المسرحي لا يستطيع الإمساك باللحظة الشعورية مع تنويعها في الموقف الدرامي بغير تأسيس تعبير الشخصية الدرامية ـ كل علي حدة بما يكشف عن هويته أو جوهر وجوده ـ إلاّ ببنية لغوية وأسلوبية تأسست علي مستويات ثلاث هي : ( مستوى التفعيل ـ مستوى التظليل ـ مستوى التذييل ) ويرى أن مستوى التفعيل هو الذي يجسد جوهر إرادة الشخصية الظاهر والحاضر (الآني) بينما يمثل (التظليل) المسكوت عنه في تعبيره الحواري . ومنه ما كان تظليلا لمشاعر الشخصية أيضا. أما التذييل فيشف عن الدافع أو الباعث علي الفعل الدرامي والعلاقات المشتبكة معه عن قرب " لذلك نراه يقول ط ولئن كانت اللغة في المسرح هي لغة الفعل غالبا ؛ وهي لغة تصوير حالات الفعل في النذر القليل من حوار الشخصيات أو تعليق الجوقة في إطار سرد يظلل لغة الفعل تمهيدا أو تعليقا نقديا ؛ـ وكأن لغة القصة لغة تظليل (تصوير فعل ماض) ولغة التذييل ( تعليق علي صورة فعل مضي) أما لغة التفعيل فهي لغة التعبير عن ( الالتحام بين الشخصيات بعضها بعضا حول جوهر ما تريه هذه ؛ وتتعارض فيه مع تلك ؛ وتتوسل للوصول إليه وتحقيقه بكل ما تملكه من تعبيرات ووسائل وخصائص دقيقة لا تخص سواها"

ففي فن كتابة المسرحية إذن ؛ يتوجب علي الكاتب معرفة نظام تكوين الجملة الدرامية الفصيحة؛ ووظيفة الكلمات فيها وضبط أواخرها عن تناسب جرسها اللفظي مع البعد النفسي للشخصية وتحولاته مابين حالة شعورية وحالة شعورية مغايرة ؛ ربما في الموقف الدرامي الواحد ؛ حتى يستقيم أداؤها على لسان الممثل ؛ بعد فهم معانيها الظاهرة ودلالاتها المتعددة ؛ المسكوت عنها ؛ تقريبا لفهم المتلقي لخطاب الشخصية المسرحية. فضلا عن ضرورة إلمام الكاتب المسرحي بصيغ الكلام، ومنظومة بنائه الكبرى وما يدخل في نسيجها من منظومات درامية وجمالية صغرى ؛ بحيث تشكل الأبنية مجتمعة وحدة معمار درامي متّشح بالجمالية ؛ مع مراعاته لما يطرأ علي معمار نصه من زيادة أو نقصان ؛ أو تغيير يضطر إليه تبعا لما يتطلبه الموقف الدرامي؛ تحقيقا لدرامية الأثر وجمالياته .



• التأثيرية واشتباكها بمفهوم المونولوج مع المناجاة:

تشتبك النزعة التأثيرية في الإبداع الأدبي والفني الذي تأسس علي التيار الشعورى علي وجه الخصوص . ذلك أن التأثيرية تنطلق من مناطق البوح الذاتي فيما بين البقع الذاتية المضيئة للشخصية وهالات التظليل المحيطة بها ؛ فضلا عن أركانها المعتمة ؛ تركيزا علي كشفها أو فضحها في سطوة تدفق التيار الشعوري المتداخل أوالملتبس ـ أحيانا ـ فيما بين المبدع ( كاتبا ـ شاعرا ـ فنانا) وشخصية أو موقفا فيما ينتج من إبداع ـ غالبا ـ في إطار هيمنة اللاوعي في أثناء اشتغاله علي منتج إبداعي ( كتابة فنية نثرية أو شعرية أو صياغة موسيقية أو تشكيلية أو سينمائية أو مسرحية أو راقصة).
علي أن هناك فرق بين حالة اشتباك تيار وعي الذات مع تيار شعورها في عقل الفنان أو الكاتب فيما يعكسه علي شخصية درامية أو موقف درامي (رواية أو مسرحا) أو يسقطه علي عمل فني ( موسيقي أو سينمائي أو تشكيلي بالرسم أو بالحركة المسرحية الراقصة) وحالة التعبير عن نتيجة اشتباك منته بين ذينك التيارين المتصارعين في نفس المبدع أو تجسيده له أدبيا أو فنيا . فالحالة الأولي : هي ـ حسبما يرى : ( أبو الحسن سلام ) تمثيل للمونولوج حيث هو شكل من أشكال البوح الذاتي الكاشف لما يدور في ذات إنسانية معذبة وحائرة بين تغليب إرادة مشاعرها علي إدراكها حول قضية ملتبسة بينهما في داخله وقد باتت تؤرقه وتقض عليه مضجعه . أما الحالة الثانية : فهي تمثيل للنتيجة التي آل إليها صراع إدراكه مع مشاعره حول المشكلة التي حسمت لصالح مشاعره أو لصالح إرادته . فإذا كانت النتيجة لصالح إرادة خارجية مدركة ؛ شغلت قناعته العقلية ؛ لجأت مشاعره المنكسرة إلي المناشد بمناجاة نفسها أو بمناجاة رفيق خيالي من صنعها ( نفسها أمام مرآة أو حيوان كما فعلت (عبلة) في مناجاتها ل (ناقة عنترة ) في مسرحية أحمد شوقي أو علي نحو ما فعلت ( براكساجورا) في مسرحية أرستوفانيس (برلمان النساء) أو عن طريق إضافة جسدها ؛ بوصفه كتلة ذات إرادة مستلبة إلي كتلة ذات ثبات وقداسة علي نحو التحام جسد ( الحسين ) بجدار قبر الرسول (جده) في مسرحية ( الحسين ثائرا وشهيدا ) للشاعر: عبد الرحمن الشرقاوي في تقنية إضافة كتلة بشرية إلي كتلة مقدسة ـ اكتسابا تعويضيا ـ عن شعوره بهزيمة أو خيبة أمل في أهل العراق .
علي أن الأمر وفق هذا الأسلوب أو ذاك لا يخرج عن كونه تجسيدا إبداعيا تأثيرى الأسلوب لأنه يعكس ما انطبع في النفس البشرية تأليفا وإنتاجا إزاء شخص ما أو موقف ما بإضاءاته وظلاله ؛ بسطوعه وإعتامه .

* ثقافة الكاتب المسرحي:
لاشك أن لثقافة الكاتب المسرحي دورها في إثراء التعبير الدرامي وتمكينه من تحقيق الأثر الدرامي والجمالي إمتاعا وإقناعا.
ولننظر أولا إلي أهمية ذلك في التأمل التحليلي لأثر النزوع إلي التأثيرية في أجروميات مونولوج (مكبث) لشكسبير؛ ذلك المونولوج الذي يشخص حالة ذلك القائد الطموح ؛ بعد أن اغتال وزوجه؛ ضيفهما الملك (دنكن) بعدما ظلت تلك الزوجة نفسها تنقر في رأسه ؛ بعد أن قرأت المسكوت عنه ؛ من علي صفحة جبينه : فدفعته دفعا إلي فعل ما فعلا بضيفهما . وهكذا تسنّى لهما الجلوس علي العرش. غير أن الضمير الإنساني حتما سيستيقظ حالة ما يكون ليه وازع ديني ما راسب في وجدانه (عقله الباطن ) – وفق" فرويد"- وهل للمسرح مهمة أفضل من إيقاظ الضمير الإنساني ؛ كلما أصابته غفوة . لذا واتت ذلك الجاني التراجيدي فرصة للبوح . وليس أبلغ من المونولوج ؛ منطلقا للبوح الذاتي للنفس القلقة أو المعذبة ؛ خلاصا من معاناتها.
هكذا يكشف المونولوج عن معاناة ( ما كبث) وما انتابه من هلوسات عذاب الضمير، بعد جريمتهما البشعة. فهو يتخيل الخنجر الذى كان أداة جريمتهما؛ في غمرة بوح ذاتي ؛عبر حالة اللاوعي ؛ فيتمادى في جلد الذات ؛ إذ يشبّه نفسه بالنذل الخسيس : (طاركوين) ـ وهو أحد طغاة التاريخ الروماني القديم (ق.6.م) وكان قد تسلل ليلا إلي فراش ( لوكريسيا) زوجة ابن عمه وأغتصبها في غياب زوجها ؛ فاستنجدت بزوجها وأبيها . وعند حضورهما قصّت عليهما ما كان من فعل (طاركوين) معها في نومها ؛ وطالبتهما بالانتقام لها ؛ ثم انتحرت. وقد أدى ذلك إلي حرب أهلية بين المدن الرومانية انتهت بمقتل الغادر ( طاركوين)؛ وانتصار (بروتس الأول) جد ( بروتس قاتل يوليوس قيصر) .

تقنّع شكسبير خلف مكبث ووضع علي لسان بوحه ؛ في صحوة ضميره اللحظية؛ هذه الصورة التي شبّه فيها نذالة مكبث وخيانته لضيفه بنذالة فعل (طاركوين) فكلاهما قد خان من ائتمنه علي أمنه وحياته !! ومثل تلك المعلومة التي أضافها شكسبير علي لسان مكبث؛ تكشف عن ضرورة أن يكون المؤلف علي قدر كبير من الثقافة والإحاطة بالكثير من الوقائع التاريخية مع القدرة علي توظيفها في نسيج عمله المسرحي في مواضع أو مواقف درامية تحتاج إليها؛ تدعيما للأثر الدرامي؛ وتعميقا للبنية المعرفية في منظومة صياغة النص المسرحي؛ وتحقيقا للمصداقية فضلا عن الاستنارة بأحداث التاريخ للاعتبار. وذلك ما يفرق بين كاتب كبير في حجم شكسبير وكاتب آخر ضحل المعرفة.

* تأثيرية المونولوج في درامية التعبير الصوتي:
تتجسد درامية هذا المونولوج شأن كل مونولوج عن طريق إدراك طبيعة الصراع بين صوتين داخل الشخصية الواحدة نفسها ؛ حيث يصارح صوت عقلها صوت مشاعرها؛ لينته الصراع بتغلب صوت الشعور الذاتي علي صوت العقل عندها. وإذا كانت الحقيقة التاريخية أو الاجتماعية تتمثل في كون الشخصية عند تجسيد صراعها الداخلي كذات فردية؛ في ذروة تأزمها لا يظهر صوتها ظهورا مسموعا علي اعتبار أنه صوت ضميرها ؛ فهي في واقع الأمر لا تفصح باللفظ عما يعتمل بداخلها وإنما غاية ما يظهر تعبيرا عن تلك المعاناة ماثل فيما يطبع علي صفحة الوجه إيماء أو كإشارة مقصودة أو آلية من إحدى أطرافه ، في أقل القليل - ربما - في حركة لاإرادية ؛ لأن السكون ألزم تعبيرا عن المعاناة.
ولأن كل ما علي المسرح لابد أن يسمع وأن يرى بوصفه صورة تعبيرية ؛ لذا تنتحي الحقيقة التاريخية جانبا لتفسح المجال أمام الحقيقة الفنية .لذلك يعبر الممثل تعبيرا حاضرا بالصوت المتدثّر بالوجدان ؛ ليكشف عما يعتمل بداخل الشخصية التي يجسدها تجسيدا منتصرا لمشاعرها علي عقلها ؛ لتبدو الشخصية منتصرة بشرطها الذاتي علي الشرط الموضوعي (المحيط الخارجي) الذي أمسك بلجم الإقناع من عقل الشخصية؛ وأنهك مشاعرها في لهاثها وراءه . وهنا يطلّ أسلوب الأداء برأسه؛ عبر رؤية مخرج العرض ، وأسلوب إخراجه لها.

و في حالة أداء مونولوج" مكبث" ـ هذا ـ وفق النزعة الطبيعية ـ قد يلجأ المخرج إلي تسجيل صوت الممثل في أدائه للمونولوج ويستبدل به أداءه الحاضر ؛ ليعبر بذلك عن مطابقته بالصورة المعروضة لواقع الحال؛ فيظهر الممثل في حالة صمت وتفكير ظاهري بينما تظهر تعبيرات وجهه وأطرافه المعني الذي تبعثه مشاعره المتقلبة في مواجهة عقله وإدراكه. في حين يصدر الصوت عن طريق جهاز التسجيل .
ولأن وظيفة الفن المسرحي هي إبراز حالة شعورية بطريقة تلقائية انسيابية ؛ لذلك يتسم الأداء في المونولوج ؛ بوصفه انعكاسا لحالة شعورية ؛ في ذروة التأزم بالتلقائية . ولأن المونولوج والمناجاة كليهما تجسيد لمظهر من المظاهر البوح الذاتي الآني المتغير ؛ الذي يستند إلي باعث نفسي قوى ؛ لذلك فإن كل منهما يقف علي أرض (النزعة التأثيرية) ؛ وهي النزعة التي تهتم بإبراز التغيرات الطارئة علي صفحة النفس البشرية في اللحظات النفسية المختلفة والمتباينة الأجواء. لذلك يلجأ المخرج لأحد المونولوجات أو النجويات إلي وضع الممثل حالة مثوله لأداء مونولوج أو مناجاة في بؤرة ضوئية تتقيد حركته داخل الحيز الذي تشغله دون أن يتجاوزه ؛ كما لو كان في حالة سكون وصمت؛ حتى وإن كان أداؤه الصوتي المعبّر عن حالة الشخصية التي يجسدها حاضرا ومباشرا(غير مسجل) ؛ ليجسد حالة العزلة التي تعمل بقعة الضوء الواقعة فوقه والعتمة تحيط بها من كل اتجاه علي الإيهام بأن الشخصية إنما تحادث نفسها عبر حوارية إرادتها مع مشاعرها في غيبة إيهام افتراضية تعاقد فيها العرض المسرحي مع جمهوره علي صدقه الفني . والبؤرة الضوئية وسيلة درامية فاعلة ؛ لتحقيق مصداقية الأثر؛ فضلا عن إبراز مستويات متعددة للأحجام مابين الممثل(الشخصية) علي المستوى المادي وتظليلها علي المستوى التأثيري ـ حجما ولونا ـ وعلي المستوى الإيحائي ترميزا ؛ بأن الشخصية ؛ تعمل علي تنوير نفسها ؛ لأن مواجهة مشاعرها لإرادتها ؛ تشكل وقفة نقدية ذاتية؛ لامناص عن حدوثها ؛ تمكينا للشخصية من اتخاذ قرار حاسم يحدد مسار فعله المستقبلي الظاهر بإزاء الخروج من موقف متأزم اشتبكت فيه ذاته الشعورية مع إرداته الذاتية. هذا فيما يتعلق بالصورة الدرامية المسرحية في حالتي المونولوج والمناجاة ؛ مع التفريق بين وقوف المونولوج علي أرضية( تأثيرية) ووقوف المناجاة علي أرضية (رومنتيكية) باعتبار المناجاة تعبيرا دراميا عما انتهي إليه صراع مشاعر الشخصية الدرامية مع الشرط الموضوعي الخارجي ؛ وهي نهاية ليست في صالح مشاعرها بلا منازع علي النحو الذي ينتهي إليه المونولوج وإنما هي نهاية في صالح الشرط الموضوعي الخارجي مما يلجيء الشخصية إلي مناشدة شيء ما ؛ قد تكون الغيب أو الشكوى لرفيق خيالي كحال (براكساجورا) في مناجاتها للمصباح في افتتاحية (برلمان النساء ) ل(أرستوفانيس ) . وكما هو حال (عبلة) في نجواها للناقة وهي تسقط ما تعانيه إزاء ما يثيره (عنترة) من غيرتها في مسرحية( أحمد شوقي ) وكما كان حال الإمام (الحسين) في مسرحية (ثأر الله ) للشاعر عبد الرحمن الشرقاوي ؛ في نجوى الحسين المناشدة لقبر جده(النبي) لنجدته مما حاق به وبرفاقه وأهل بيت النبوة من ضرر وتقتيل علي أيدي والي الكوفة وزبانية (يزيد بن معاوية) الذي اضطجع علي سرير الخلافة الإسلامية قهرا. وهنا أشير إلي أن كلا الأدائين في حالة المونولوج أو في حالة المناجاة قد يختلفان في أسلوب أداء كل منهما وقد يتفقان ـ حسب التصور الإخراجي ـ

* الأداء التأثيري للمونولوج والمناجاة :
إن الأداء التمثيلي للمونولوج أو للمناجاة ، وفق إتباع الرؤية الإخراجية للأسلوب التأثيرى ؛ يستلزم التجسيد الصوتي الحاضر ؛ مظللا بالتسجيل الصوتي للكلمات نفسها ؛ التي يؤديها الممثل أداء حاضرا في ضفيرة أدائية صوتية واحدة في زمن أداء موحد ؛ بما يعكس وجهين للشخصية نفسها .. أحدهما داخلي .. أما الثاني فهو خارجي ؛ لتأكيد انعكاس المعاناة الداخلية علي المظهر الخارجي للشخصية .وبذلك تختلف جمالية الأداء؛ إذ يجتمع في وحدة التعبير : الفعل وباعثه (الفعل) في الإضاءة الصوتية المباشرة ؛ بينما يقبع باعثه المختفي في التظليل الصوتي المسجل . كما يمكن في إطار إعمال خيال المخرج ؛ في خلق جمالية التنويع أن يتغاير الصوتان: الحاضر التجسيدي المباشر، والتظليلي المسجّل عبر جهاز الصوت .
يشكل كلا التعبيرين : المونولوج والمناجاة ـ إذا ما أخذنا ببعض الآراء التي لا تفرق بينهما ـ عند الأداء التأثيري ـ مسرحيا ـ محاولة تجسيد ما تشعر به الحواس البصرية والسمعية في إدراكهما لحقيقة معاناة الشخصية إدراكا عابرا؛ فالمتلقي لمشهد (المونولوج أو المناجاة) يركز بصره وسمعه علي التعبيرات اللحظية المنعكسة علي وجه الممثل وفي اختلاج صوته ؛ أي علي التعبيرات الخارجية المطبوعة علي وجه الممثل وعبر ذبذباته الصوتية في اختلاجاتها
وبذلك لا يجد الشحصية شخصية واحدة ؛ بل تتمثل له عددا من الشخصيات أو هي شخصان في شخصية واحدة منقسمة ؛ فهو يرى وجهها وجهين أو وجوها متعددة ويسمع في صوتها عددا من الأصوات . وذلك لا يتحقق في المشهد ؛ كما لا تتحقق في البرولوج: (التقديمة الدرامية) بدون رؤية إخراج يعمل الأسلوب التأثيرى في كل عناصر إخراجه لموقف البوح الذاتي هذا أداء تمثيليا ومصاحبات ضوئية وصوتية ولونية ـ ربما ـ لا تحتاج إلي تدرج المستويات الشعورية والمعنوية حجما وأجرومية صوتية وإنما يقتصر الاهتمام ـ غالبا ـ علي ألوان بقعة الضوء الساقطة علي الممثل ؛ كما لو كانت الشخصية تقف تحت ظل لافتة مضيئة ليلا ؛ تتبدل ألوان إضاءتها بين لحظة وأخرى ؛ وفي ذلك يقول (سيزان :( Cezanne وهو أحد كبار المصورين التأثيريين " إن العين ترى الحقيقة في لحظة عابرة ؛ فالفنان يحاول أن يعبّر عن التأثير الذي يقع علي عينه في لحظة من اللحظات السريعة ، وإذن كل منظر خارجي ليس منظرا واحدا ، بل هو عدة مناظر بحسب الضوء والزمان والعوامل المحيطة والعين التي ترى"
وما المونولوج المسرحي وما المناجاة سوى انعكاس لما بداخل الشخصية علي خارجها انعكاسا شعوريا لحظيا ؛ لذا تقع تعبيرات وجه الممثل وكذلك تعبيراته الصوتية علي عين المتفرج وسمعه وقوعا لحظيا سريعا ؛ ومن ثمّ يتوجب علي الممثل أن يكثّف تعبيره البصري عبر الوجه بالإيماءات والإشارات ويكثف تعبيره الصوت يعبر النبر الحاضر التجسيد متزامنا أو متداخلا مع تظليله الصوتي المنبعث عبر جهاز التسجيل . كذلك يتداخل جسد الممثل حاضرا مع الظلال المتعددة بتأثير البؤرة الضوئية ودرامية ألوانها المتباينة والمتتابعة التي تخلق حالة من عدم الثبات أومن عدم التوازن النفسي للشخصية فضلا عن جماليات الصورة التأثيرية التي تجعل المتفرج يرى الصورة ولا يراها ويسمع الصوت ولا يسمعه ـ بتعبير د. أبو الحسن سلام لتداخل الحقيقي مع ظله المصنوع عبر المصاحبات الضوئية والصوتية الموازية لوجود الممثل المادي جسدا وحركة صوتية ؛ وبذلك يظهر صورة المونولوج أو المناجاة غير متناسقة من الناحية الموضوعية ويظهر شذوذها واختلافها عن الحقيقة الموضوعية علي اعتبار انفراد شرطها الذاتي بتسييرها معزولا عن الشرط الموضوعي الذي أوقفته الشخصية خارجها .

• ثالثا : مونولوج "مكبث" في ظاهره وباطنه:

( نص المونولوج )
"مكبث : أخنجر هذا الذي أمامي 1
ومقبضه باتجاه يدي؟ تعال ، دعني أمسكك : 2
لم أنلك ، ولكن مازلت أراك. 3
يا رؤية قاتلة ، ألست تستجيب 4
للحسّ ، كما للبصر؟ أم أنت محض خنجر 5
من الذّهن ، محض اختلاف زائف 6
صادر عن دماغ بالحمّى مضطهد؟ 7
مازلت أراك ، ملموسا شكلا 8
كهذا الّذي أستله الآن 9
إنك تقتادني في الطريق التي كنت ذاهبا فيها 10
وسلاحا مثلك كنت سا ستخدم. 11
أمست عيناي أضحوكة حواسّي الأخرى 12
وهما لولا ذلك في قدرها جميعا: مازلت أراك 13
وعلي شفرتك ، ومقبضك ، قطرات دم ، 14
لم تكن من قبل ـ ليس ثمة شيء كذا. 15
إنما الفعلة الدموية هي التي تتخذ شكلا 16
كهذا أمام عينيّ.ـ في هذه الساعة تبدو الطبيعة ، 17
في نصف العالم ، ميّتة ، والأحلام الشّريرّة تخادع 18
النّوم المسجّف : السّحرة يحتفلون 19
بطقوس "هيكاتة" الكالحة و"الموت" الضّام 20
أيقظه حارسه الذّئب الّذي 21
ساعته هى عواؤه ، فراح بخطى متلصصة 22
كخطى "طاركوين" الغاضبة يسرى نحو غايته 23
كالشّبح. ـ أيتها الأرض الصّلبة الثّابتة 24
لا تسمعي خطاي ، وفي أي اتجاه تسير لئّلا 25
تفصح الحجارة نفسها عن مكاني. 26
فتنال من هول السّاعة ، 27
والهول يلائمها. ـ فيما أنا أتوعّد ، فإنه يحيا: 28
لا تهب الأ لفاظ حرارة الأفعال إلاّ أبرد النفس. (قرع جرس) 29
إنّي ذاهب ، وإنّي لفاعلها ،: الجرس يدعونى 30.
لا تسمعه يا " دنكن " فهو ناقوس 31
يستدعيك إلي السماء ، أو جهنّم ! " ( يخرج ) " 32

يكشف " مكبث " في مونولوجه هذا عن عدم تناسق ظاهره مع باطنه . فموضوعية ذاته الداخلية المدفوعة لحظيا من خلال صحوة ضميره الفجائية العابرة ؛ وبذلك يتناقض فعله الحقيقى ؛ بما يعكس من حالة الشذوذ بين ما أقدم عليه فعلا وما يعانيه ؛ لذلك فإن اتجاه الأداء التمثيلي لهذا المونولوج وفق رؤية إخراج تأثيرية النزعة ؛ هي أنسب من الناحية الدرامية والجمالية أيضا ، حيث أن (مكبث) هنا ينكر نفسه ؛ ففعلته لا تتناسب مع ذاته ولا تتناسب مع صفته بوصفه مضيفا تفترض فيه الأمانة مع من إئتمنه ؛ لذلك فإن تجسيد تعبيره المسرحي تجسيدا تأثيريا من حيث ( الهيئة: شكلا ومضمونا) لابد وأن يتّسم بالعمق الشعوري وبعجائبية الأداء وجمالياته . والأمر نفسه ينسحب علي مونولوج ( ليدي مكبث) لكن مع فارق جوهري يتمثّل في أن فعلتها متوافقة مع ذاتها ـ علي النقيض من مكبث ـ وسنقف علي ذلك عند التعرض لمونولوجها ـ لأن غريزتها هي التي تقود فعلها وتقود وراءها ذلك الزوج الطموح ـ والفرق بين فعلها المدفوع بالغريزة وفعله المدفوع بالطموح لأن الطموح فعل مكتسب .

صوتيات الأداء بين جماليات الضبط اللغوي وجماليات عدم الاتزان النفسي

لكل صوت بشرى طبيعته وسماته البيولوجية و النفسية و الإيقاعية ؛ من حيث :( النبر والشدة واللين والنصاعة والبهتان ، والرخامة والرنين والغنة والسمك والغلظة والرقة والحدّة والهمس والفحيح والمرونة والانسياب والتلوين.) وهي عناصر قلّما تتوافر لشخص واحد بعينه. غير أن ذلك كله أو بعضه ، يمكن اكتسابه بالمران في مجال فن التمثيل بالمحاكاة حالما كان هناك ممثل نابه مجدد عاشق لفنه ؛ بخاصة إذا توافر علي دور مسرحي يتطلب تجسيده كل تلك القدرات الأدائية بالتعبير الصوتي . وهذه العناصر منها ما هو بيولوجي ومنها ما هو مكتسب . علي أن سلامة وصول الصوت البشرى إلي السامع مرتبط بسلامته البيولوجية ـ أولا ـ من حيث خلوه من عيوب النطق ك(اللعثمة والثأثأة والانقلاب الحروفى أواللحن ، والشحار أو خلل التنفس وسوء انتظام خروج النبر إدغاما أو تضعيفا أو عدم المطابقة السمعية لمنطوق حرف من الحروف ( كانقلاب حرف الطاء إلي تاء أو القاف إلي كاف أو الظاء إلي ضاد أو الذين إلي زى) أو عدم إدراك فروق النطق فيما في اسم( لامه) شمسية أو (قمرية) مع عدم سلامة تقطيع الكلمات وعدم إحسان مناطق الوقف أو مناط التسليم والتسلم .
و فضلا عما تقدم من ضوابط فإن صحة الضبط اللغوي فيما يؤدى باللغة الفصحى هي أصل في كل حالات الأداء الصوتي , فعن طريق سلامة تلك الآليات في الصوت البشرى مطبوعة ومكتسبة يتحقق للاتصال وللتعبير الصوتي البشرى تأثيره الجمالي الناقل للمعاني والمشاعر سواء في مجال الإلقاء أو الخطابة أو في مجال الدراما فيمتع ويقنع .
وفي مجال أداء مونولوج مسرحي ما وبخاصة في موقف هذيان شخصية درامية عظامية ؛ ك( مكبث) فإن رصانة النسق اللغوي وفصاحته وجمالية التعبير الشعري وتنوع صوره وتعدد إحالاته المعرفية ومقارباتها مع الموقف الدرامي ؛ يتطلب تحليلا أدائيا يحدد مناط كل تعبير ويرسم نقلاته الشعورية تجسيدا له ؛ وفق منهج الأداء السيكولوجى والمعايشة أو تفكيكا لخطابه ولأنساقه وفق منهج الأداء التغريبي ، ومن ثمّ العمل علي ضبط جماليات الأداء ضبطا لغويا قبل بدء توظيف أيّ من المنهجين ؛ ثم العمل علي ضبط جماليات الحالة النفسية في تنوع لونها الصوتي ؛ محمولة علي بواعثها الدرامية: (الذاتية والموضوعية ) مقرونة بتمثّل أداء الممثل لذلك كله ؛ تبعا لتناسبه مع الدور المسرحي وفق الرؤية الإخراجية ومدى وفاء قدراته التعبيرية بمقتضيات الموقف الدرامي.

أولا: اللغة ومقتضيات البناء الدرامي

ما من شك في أن الضبط اللغوي لأداء الممثل في نص فصيح اللغة ؛ يتوّج التعبير بجمالية تحقق الإمتاع ؛ الذّي لا يتحقق بدونه إقناع ما في فن من الفنون . ولاشك أن الضبط اللغوي للجملة في الكلام الفصيح لا يحافظ فحسب علي سلامة اللغة من الرطانة والركاكة ؛ وإنما يضفي عليها الكثير من الجمالية ؛ بما يكشف عن موسيقية ألفاظها في معزوفة السياق التعبيري الصوتي ويحقق للكلمة شخصيتها في منظومة العبارة أو النسق الكلامي .
ولأن ظاهرة انحسار العروض المسرحية التي تعتمد علي النص المسرحي المؤلف أو المترجم أو المقتبس في لغة فصيحة ، تفشّت فيما ينتج من عروض الفرق المسرحية المختلفة ؛ علي مستوى الاحتراف ، وعلي مستوى الهواية ـ حتى في مسابقات المسرحين الجامعي والمدرسي ـ فضلا عن المسرح العمالي الذي لا علاقة له بالعربية الفصيحة ؛ فقد انقطعت عن ارتياد المسارح شرائح اجتماعية تعودت علي تلقي الثقافة المسرحية الرفيعة ؛ المتواصلة مع إنتاج كبار الكتاب المسرحيين عالميين ومصريين وعرب .وقد كان حريّا برجال المسرح الوطنيين الغيورين علي وطنهم أن يبادروا إلي صيانة لغتهم التي هي عنوان هويتهم في ظل الهجمة العولمية الشرسة ، التي لا فكاك منها إلا بالحفاظ علي هويتنا متفاعلة مع المتغيرات المعرفية المتلاحقة، في مناخ ثقافة عالمية دائمة التوالد والتغيّر؛ ( وبخاصة في ظل الهيمنة الأمريكية التي تخطط لتحويل أوطاننا إلي سوق كبير لمنتجاتها السلعية ؛ وتحرص علي إدارة العالم بعقلية شركة كبرى عابرة للقارات ؛ لا بعقلية الدولة .) ولذلك يكرّس هذا البحث جهده لصيانة أداء طلاب المسرح وهم المنوطون بحمل رسالة مسرح جاد ؛ مهمته تغيير المصائر في اتجاه إحسان المجتمع لحياة مشتركة بين أفراده . وهي رسالة لا تتحقق بدون حرص المسرحيين علي تملكّ لغة اتصال مسرحية رصينة ؛ انسيابية في تعبيرها ، عميقة في معانيها ، موسيقية في رنين ألفاظها ، فضلا عن درامية تعبيرها عن جوهر ما تريد الشخصية المسرحية وعن جوهر مشاعرها ؛ دون أن يسقط قناع المؤلف ؛ حتى تكون قادرة علي التواصل مع الأجيال المنفصلة عن ثقافتنا والمتصلة ـ في آن ـ بثقافة (كليب : CLIPS) التي فشت في ثقافتنا وكادت أن تطيح بها .

ثانيا : جماليات الضبط اللغوي ومناط التعبير الصوتي
ـ تطبيقا علي مونولوج (مكبث) ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السطر الشعري الأول : " أ خنجر هذا الّذي أرى أمامي"
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
بدأت الجملة استفهامية ، اسمية . والعبارة من جملتين : الأولي (استفهامية) أما الجملة الثانية ؛ فهي (طلبية) وكلاهما يتزيّي بالأسلوب الإنشائي ؛ الموشّي بالمبالغة .
أما مقتضيات البلاغة فيها فترجع إلي تقديم الاستفهام علي اسم المستفهم عنه ؛ إذ لا يستساغ في الصياغة العربية أن يقول ( خنجر أهذا الذي أرى) لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الجملة.
ــــــــــــ
* جمالية الصورة :
يشيع ارتباط حرف الاستفهام بالمبتدأ في لفظ واحد مع تنوين المبتدأ موسيقية اللفظ . كما أن وظيفة همزة الاستفهام في صدارة الجملة الأولي من تعبيره الاستنكاري يضفي لونا من ألوان التشكيك في كون الخنجر خنجرا حقيقيا ؛ فقد يكون شيئا آخر ليس بخنجر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السطر الشعري الثاني : "ومقبضه باتجاه يدي ؟ تعال ، دعنى أمسكك :"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
التعبير يستغرق جملتين : الأولي اسمية معطوفة علي الخنجر الموهوم في حالة الذهول التي اجتاحت (مكبث) . أما الجملة الثانية فطلبية أيضا وهي مركبة من حيث نسقها من جملتين؛ تشكل كل منهما جملة فعلية من فعل وفاعل الأول غائب مقدّر والثاني ضمير مخاطب متصل. وهي سببية النسق حيث تشكل فيها لفظة (تعال) فعل الطلب ؛ وتفصح اللفظة التالية لها (دعني)عن سبب طلب ( مكبث ) وإن كانت تأكيدا لفعل طلبه الأول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• جماليات الصورة:
تتبدى الجمالية في هذا التعبير الشعري في الإيحاء بأن الخنجر هو الذي يقدم نفسه إلي ( مكبث ) كما لو كان يتوجب علي ( مكبث) الترحيب بذلك الضيف الطاريء الذي قدم خصيصا ليهديه نفسه ؛ وسيلة تحريض جديد علي مقتلة جديدة . وفضلا عن هذا؛ ففي الصورة إيحاء أو استشفاف بسلسلة اغتيالات جديدة لتغطية الجريمة الأولي ـــــــــــــــــــــــــــ
• السطر الشعري الثالث : " لم أنلك ولكن مازلت أراك"
ـــــــــــــــــــــــــــ
• البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ـــــــــــــــــــ
تأسس التعبير الدرامي في هذا السطر الشعري في جملتين : الأولي: جملة نفي مجزومة : ( لم أنلك) فاستدراكية ب ( لكن) وهي تفيد استمرار فعل النظر إلي ذلك الزائر الطاريء المتوهم . وبوساطتها يتأكد دور الاستدراك في مراجعة قوله قرار بالتحقق الجزئي لمطلبه الكلي.
ــــــــــــــــ
*جماليات الصورة :
تشكل حالة التوهم التي هو عليها نوعا من الترضية النفسية للمتلقي ؛ إذ يرى المجرم مصابا بلوثة . علي أن في الكناية ما يلمح إلي أن استخدامه الفعلي للخنجر بقتل ضيفه (الملك دنكن) لم يجلب له راحة أو استقرارا جديرا بمن يجلس علي العرش ملكا متوجا ؛ فالتعبير الشعري في كليته يكشف عن فقدان الجالس علي العرش فاقد للاتزان النفسي. وهو مفتقد لأنه يشعر بتهديد قائم طالما ظل هناك شهود علي فعلته النكراء . فما يزال (بانكو) رفيق الحرب علي قيد الحياة؛ لذلك كانت للجملة الاستدراكية مغزاها من حيث حتمية استخدامه لآلة القتل مرة أخرى أو مرات متعددة ( ولكن مازلت أراك) .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
• السطر الشعري الرابع : " يا رؤية قاتلة ألست تستجيب .."
ــــــــــــــــــــــــــــــ

• البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ــــــــــــــــــ
التعبير هنا ينقسم أيضا إلي جملتين: ( وهو أسلوب متكرر في نسق كل سطر شعري تأكيدا للنمط النفسي المتوحد الذي هو عليه ؛ وهذا وحدة يشكل بلاغة التعبير الدرامي الشكسبيري الذي يعبر عن درامية لغة الشخصية أفضل تعبيرـ فالجملة الأولي: ( يا رؤية قاتلة) طلبية للنداء من حيث ظاهر لفظها وبنائها أما المسكوت عنه فيما تبطنه من حيث مغزاها فيكشف الستر عما يسكن فيه من الندامة التي تسرى في عروقة سريان الدم ؛ وهو ندم ملتبس ؛ لا نعرف ؛ وربما لا يعرف ( مكبث) نفسه كيف يوصّفه : أهو ندمان لأنه أقدم علي فعلته التي كانت .. أم الندم لكونه لم ينته بعد من القضاء علي شهود فعلته (بانكو) ـ من ناحية _ ومن جهة أخرى قلقه وشكه في امكان إنجاز اللصين المأجورين اللذين دسّهما بنفسه للتربص ب (بانكو) وولده ( فليانس) المبشّر بالملك دون أبيه، وفق رؤيا الساحرات الثلاث) أملا في إبطال فاعلية نبوءة هاتيك العجائز الشمطاوات .)
أما الجملة الثانية: (ألست تستجيب .. ) فهي استفهامية طلبية ، استنكارية ، متشككة في تلبية أداة القتل (الخنجر) لن÷ يدرك في هذيانه المفتضح علي مرأى من ضيوف مائدته (الشرك) ؛ الذي نصبه لاصطياد ( بانكو وولده ) أملا في إصابة عصفورين بحجر واحد ويده بيضاء من غير سوء . ولا خوف من قاتليهما اللصين , لأنه رتب أمر اغتيالهما. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*جماليات الصورة :
تكمن الجمالية ـ فضلا عما تقدم في تحليل بلاغة البناء والوصول إلي مناطات التعبيرـ في مناداته للنتيجة التي توقعها من ناحية ، حلي المستوي العملي المادي ومن ناحية أخرى في مناداة ضميره المعذب الذي يستعصي عليه إرضاؤه لأنه منقسم الإرادة بين مراجعة ذلك الضمير لجنايته الأولي وإرادته الحاضرة التي تعيش أفق توقعاته بالخلاص من شهود فعلته الأولي وشهود فعلته التحريضية الثانية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• السطر الشعري الخامس : " للحس ، كما للبصر؟ أم أنت محض خنجر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


*البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
هذا السطر الشعري يتمم المعنى التساؤلي الاستنكاري في النصف الثاني من السطر الشعري الذي سبقه . والسؤال في مجمله عائد علي ( الخنجر الموهوم الذي يخايل "مكبث " نفسه . )
ـــــــــــــــ
• جماليات الصورة
تكمن الجمالية في هذه الصورة في مخاطبته للجماد المتوهم أيضا ، لعدم وجود خنجر إلاّ في وهمه. وتكمن أيضا في لغة الاستفزاز والتقليل من قيمة المخاطب الموهوم ؛ وكأن لا فائدة منه ولا ضرورة له. وتكمن في أسلوب مراوغته لذلك الخنجر الذي توهمه إذ هو عنده شأن أي خنجر وقد تحقق ذلك باستخدامه لحرف العطف (أم) بدلا من حرف العطف (أو) لتأكيد وجه المغايرة بين الخنجر الحقيقي والخنجر الذي توهمه . كما تتبدى الجمالية أيضا في استخدام الاستفهام الاستنكاري مرتين في مجمل تساؤله المنقسم إلي تساؤلين استنكاريين يكمل كل منهما الآخر؛ مع تأكيد التباين بين التساؤل الأول إذ يستخدم (الهمزة أداة للتساؤل) بينما يستخدم ( حرف العطف "أم" أداة لتساؤله الاستنكاري المركب ) بما يشف عن غلظة التعامل المستفز؛ لم يرسم شكسبير أداة الربط بين قسمي صيغة التساؤل الاستنكاري بحرف العطف (أو) وإنما ربط وجهي التساؤل بحرف (أم) لأن (أو ) تفيد المغايرة الجزئية بين الجملة العاطفة والجملة المعطوفة عليها ؛ بينما يفيد توظيف حرف (أم) في حالة الربط بين قسمي التساؤل طبيعة المغايرة التامة بين دلالة الاستفهام الثاني و دلالته في الشق الأول من تعبير (مكبث) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• السطر الشعري السادس : " من الذهن ، محض اختلاق زائف "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ــــــــــــــــــ
هذا السطر الشعري أيضا يشكل استكمالا يضاف لمجمل وصفه لخنجر وهمه من حيث تشككه في كونه خنجرا حقيقيا. فالأسطر الشعرية من نصف السطر الخامس والسادس والسابع تتوافر ثلاثتها علي تنويع أوصافه للخنجر الذي زعمه ماثلا مابين الحقيقة والتوهم وراح يتغزل في أوصافه بما يعكس تشككه في وجوده ويكشف لضيوفه خلل اتّزانه النفسي .
ـــــــــــــ
* جماليات الصورة:
تتمثل الجمالية هنا في اتصال خطاب تشكيكه بتتابع فعل إثارته للمخاطب الذى توهّمه؛ البناء كناية عن مخاطبته لصورة انطبعت في ذهنه . وفي ذلك التتابع ، توكيد لأزمته النفسية التي يعيشها . ما كانت مظاهر الذهول وارتباك مظهره أمام كبار حاشية القصر إلاّ دليلا علي وهن القدرة علي تحمله لتبعات الحفاظ علي ما وصل إليه مع نزف تفكيره في عظم فعلته بضيفه ؛ ومقابلة كرمه الملكي وتشريفه بالنزول عليه ضيفا ؛ بالنذالة والخيانة والغدر.
والجمالية هنا في إضافة لفظ (زائف) للفظ ( اختلاق) فالمعني مترادف في اللفظين
وهل الاختلاق سوى الزيف المصنوع المتعمد؟
علي أن الجمالية الصوتية في الجر المنوّن في جملة( اختلاق زائف) ذلك أن التنوين المتكرر بالجر؛ يخلق حالة رنين صوتي مضاعف ؛ يكثّف الاستماع المنصت المضخم للوصف . ولولا ترتيب الكلمتين في نسق الجملة بازدواج محل كلمة (اختلاق) من الإعراب في سياق الجملة لما شف وقع الجرس التنويني عن الحالة النفسية التي حملتها الألفاظ للدلالة علي ما يعانيه (مكبث) فالكلمة تشغل محلا إعرابيا متعددا. فهي اسم مجرور وهي نعت وهي مضاف إلي النعت الذي يليها (زائف). وهي بهذا التركيب دالة دلالة سيكلوجية علي حال مستخدمها .ولولا ذلك التركيب لما ظهر التنوين ولولا ظهور التنوين ما تلون التعبير الدرامي والشعري بالمسكوت عنه ، في مكنون صدر الشخصية. وبدون ذلك كله ما تشبع أداء هذا المقطع الدرامي الشعري من المونولوج برنين موسيقي يؤطر الأوصاف بلون يعكس بشاعة الفعل الذي وظّف فيه (مكبث) خنجره الحقيقي توظيفا ماديا أودى بروح مليكه.
والجمالية أيضا في تصوير شكسبير للخنجر المتوهّم ؛ ممتنعا عن الاستجابة ليد( مكبث) ـ ولو في الخيال ـ حتى لا يغدر برفيق معاركه وانتصاراته العسكرية . وهذا ما ستؤكده
الأوصاف المتتالية في السطر الشعري السابع من المونولوج( السايكوـ درامي) نفسه ؛ حيث يتوالى رنين الأصوات فيما يتوالى من أوصاف ونعوت للخنجر الوهمي بفعل حالات الجر التنويني للكلمات وصيغها المتكررة في تنويع بنية الإضافة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السطر الشعري السابع: " صادر عن دماغ بالحمّى مضطهد؟ "
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ــــــــــــــــــ البنية النحوية في هذا السطر أيضا تجرى مجرى نسق البناء اللغوي الذي أتبع في الأسطر الشعرية الثلاثة السابقة ؛ اعتمادا علي صيغ الجار والمجرور وصيغ النعت ؛ متضافرة مع صيغ الإضافة في نسق تنوين موسيقي صوتي لتعميق الحالة النفسية التي يعيشها (مكبث) ويمكّن ممثل دوره من الإمساك باللحظة الشعورية المأزومة.
ــــــــ
• جماليات الصورة:
ـــــــ تتمثل جمالية هذا السطر الشعري المكمل لأوصاف الخنجر المنعوت ؛ في استمرار حالة الرنين الصوتي المتتابع في تلاحم عمدي لأسماء الجر تعميقا للمناخ النفسي الذي تعيشه الشخصية. وتتمثل أيضا في تعشيق المحال الإعرابية للكلمات والجمل وتداخل وظائفها الإعرابية ما بين نعت مفرد ونعت مركب: (جملة) مع تأخير الصفة الثالثة ؛ ليختم بها جملة توصيفه للخنجر المتصور في ذهنه المشوّش لخلق دائرية الأسلوب ؛ لذا يبدأ هذا السطر بصيغة الجار والمجرور منوّنة في لفظة ( محض خنجر) في السطر الشعري الخامس ؛ مرورا بما يكملها في السطر الشعري السادس : ( محض اختلاق زائف ) اتصالا بعد قطع لموسيقي التنوين بجملة الجار والمجرور في السطر الشعري السابع ( عن دماغ بالحمّى) ليعاود فيغلق باب التعبير عن أزمته النفسية بكلمة مسبوكة بموسيقي التنوين ؛ مطبقة الحروف ؛ المتقاربة في المخرج الصوتي : ( مضطهد) التي وقعت في السياق الدلالي للتعبير بمثابة استعارة تعكس حالة الجبر أو الحتمية التي تفرض إطباق كف (مكبث) علي مقبض خنجره الحقيقي . فما الخنجر هنا إلاّ مجرد أداة يوجهها الفاعل نحو مقصود محدد؛ فحالة المس التي أصابته ؛ كانت فكرة شائعة في مجتمع شكسبير نفسه.ومن ثمّ تقنع شكسبير خلف الشخصية وحمّلها بشيء من أزمة الثقافة في عصره ؛ فما من عصر إلاّ وهو محمّل بالكثير من الأزمات ؛ وبخاصة الفئات المثقفة في المجتمع .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• السطر الشعري الثامن: " مازلت أراك ، ملموسا شكلا "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي:
ــــــــــــــــــ
بني هذا التعبير علي جمل حال موهومه . الأولي : ( حال استمرار رؤيته لما توهم رؤيته : " مازلت أراك" . أما الحال الثانية فهي: (حال تعامله تعاملا ماديا ( تلامسيّا ) مع الخنجر الذي يتراءى له في يقظة لاوعيه. فضلا عن تمييز اللمس (شكلا) لينفي به زعمه بحدوث فعل اللمس ماديا . وقد كان بمقدور كلمة واحدة هي ( شكلا ) الدلالة علي أن رؤيته موهومة . وهذا لا يعني أن كلمة ( ملموسا ) وقعت موقع الحشو في السطر الشعري ؛ بما ينفي عن بنائه الشعري صفة البلاغة ، ذلك أن ( ملموسا) حلت محل المفعول المطلق للرؤية . لأنه لو قال : ( مازلت أراك رؤية ) لوقع المعن في الجملة موقع الحقيقة . ولأنه أراد توكيد حالة التوهم لذلك رسم لفظة ( ملموسا) لتحل محل المفعول المطلق ؛ حتى يصبح توكيدا لفعل متوهم .
ـــــــــ
• جماليات الصورة :
ــــــــ
تتمثل جماليات هذا التعبير الدرامي في قوة التوهم ؛ بما يعكس حالة اللاوعى ؛ التي تسيطر علي مظهر فعله بما يعكس حجم معاناته ؛ ومدى ما يلاقي من عذاب الضمير ويقظته بعد فوات الأوان ، مع رعب من انكشاف أمره ؛ في ظل شكوك(بانكو؛ ومكدوف ؛ وولدي دنكن)
وفي ذلك تبرير لرغبته الدفينة والعجلة في الخلاص بفعل مزدوج في آن من مغبة فعلته الشنيعة بضيفه وحدة توتره في انتظار إنهاء القاتلين المأجورين من مهمة القضاء علي (بانكو وولده) ؛ لذا شكل تكرار عبارة فعل استمرار الرؤية الموهومة للخنجر نوعا من التوكيد علي اقتناعه بان الوهم حقيقة . وجاءت العبارة الثانية بتمييزها (شكلا) توكيدا للتوكيد؛ بما لا يعد في مثل هذا الموقف الدرامي من قبيل المبالغة اللغوية في بنية التعبير؛ وإنما هو تقنية جمالية وشّيت نهاياتها بالتنوين يضفي رنينا موسيقيا ؛ علي جمالية التعبير الصوتي في الأداء .
ــــــــــــــــــــــــ
* البيت التاسع : " كهذا الّذي أستله الآن"
ــــــــــــــــــــــــ
*البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ــــــــــــــــــ
تأسس بناء العبارة في هذا السطر الشعري علي صيغة التشبيه ؛ تمثلا ماديا مقاربا لغياب لمسه للخنجر الذي توهم ؛ وتعويضا عن غياب الصدق في كل ما زعم من أمر ذلك الخنجر؛ ولذلك بنيت العبارة علي صيغة تشبيه استهلالية تعقبها جملة صلة موصول لا محل لها من الإعراب ؛ تأكيدا لتمثله التعويضي عن غياب حقيقة زعمه الذي ما فتأ يكرره منذ حوارية الهلوسة تلك .

• جماليات الصورة:
ــــــــ تتمثل الجمالية هنا في اقتران تعبيره الصوتي المشوش بالحركة كاستعارة تمثيلية لفعل غائب بأداة متوهمة وصفت باعتبارها ماثلة مثولا ماديا . وفي إقران التمثيل الحركي المصاحب لعبارته التشبيهية تلك ؛ توكيد لزعمه بأنه يرى الخنجر مرأى العين ، ويلمسه لمسا ماديا وحقيقيا . وما كان ذلك التمثيل بالتشبيه القولي أوالحكائي التمثيلي ؛ إلاّ تعويضا نفسانيا عن إحساسه بأن ما زعمه هو محض وهم . لذلك يستعين بالحركة الإجبارية المستعارة عن قصد . ( وهي حركة إجبارية لأنها ملزمة لممثل هذا الدور؛ عند شروعه في أداء هذا الموقف تحديدا ؛ فلفظة (الآن) تفرض شروع الممثل في تجسيد حركة استلال خنجر حقيقي لابد أن يكون من ملحقات الدور (الشخصية )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* البيت الشعري العاشر : "إنك تقتادني في الطريق التي كنت ذاهبا فيها "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• البناء الشعري ومناط التعبير المسرحي :
ـــــــــــــــــــ
بني التعبير الدرامي هنا من حيث الصيغة اللغوية علي التوكيد ( إنك تقتادني) في موقف مواجه غير متكافئة بين ( الأنا/ مكبث ) و(الآخر/ الموهوم) الذي تخطى في قناعة ( مكبث ) نفسه ـ في حالة تشوّشه الذهني تلك ـ حدود الندية والرفقة في مسيرة مشتركة علي طريق واحد هو طريق الدم . وهو موقف اعتراف (الأنا / مكبث) بتفوق (الآخر/ الوهمي) عليه ؛ إذ يصور نفسه منقادا وراء ذلك ( الآخر/ الآلة) التي أوصلته إلي سرير الملك . لذلك تلجأ الصياغة النحوية هنا إلي أسلوب التوكيد في ضمير المتكلم والاتصال في ضمير المخاطب ؛ استعارة إقرارا أو اعتراف بفضل تلك (الآلة ) القاتلة عليه ؛ لأنها حققت له ما طمح إليه.
ــــــــــ
• جماليات الصورة :
ـــــــــ تتمثل الجمالية في توافق عزم ( مكبث )علي إتباع وهمه ؛ قبل أن يظهر الخنجر الذي يتوهّمه في اقتياده ؛ و توافق رغبته مع فعل تحريك الخنجر الوهمي للخنجر الحقيقي في اقتياد الآلة لإرادة الشخصية (الإنسان) مما يؤكد غيبة الوعي.


ـــــــــــــــــ
• السطر الشعري الحادي عشر : " وسلاحا مثلك كنت سأستخدم "
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
• البناء الشعري ومناط التعبير الدرامي :
ــــــــــــــــــ
بنيت لغويات هذا السطر الشعري علي أسلوب العطف ؛ حيث تبدو الشخصية هنا كما لو كانت تبادر بسد الذرائع المتوقعة من رفيق رحلة حذرة مفترض وهما ؛ استعيض عنه برفيق حقيقي . والعطف هنا يكشف ستر المسكوت عنه . وهو خوفه الذي بات جزءا من كيانه . حتى أنه لا يمشي في طريق إلا وهو مسلح بخنجر. والعطف في النصف الأول من تعبيره قرين بأسلوب التشبيه إطراء لآلة حمايته أو أمنه الشخصي الوهمية والحقيقية معا .
ـــــــــ
• جماليات الصورة :
ــــــــ تتبدى الجمالية في هذا السطر الشعري ارتباطا مع السطر الشعري السابق بالعطف ؛ في تناقض قول ( مكبث ) بما يكشف عن المسكوت عنه في مجمل تعبيره في جملة فعل العطف وفعل المعطوف عليه ؛ حيث تلتبس صفة طليعة الفعل في رفقة الإنسان ( مكبث) لوسيلة حماية أمنه الموهومة ؛ فهو يقر من تلقاء نفسه ويشهد لها بقيادتها له في النصف الأول من تعبيره الدرامي ؛ غير أنه يتراجع عما قرره ليكشف عن أنه صاحب الإرادة والقرار في تحديد أي من الآلتين سيكون وسيلة لحماية أمنه الشخصي الخنجر الوهمي أم الخنجر الحقيقي . والجمالية في المسكوت عنه في بنائه النفسي الملتبس الحقيقة والتوهم توكيدا لاضطرابه النفسي . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلم لي على -بافلوف-
- جماليات التعبير بالأصوات اللغوية في الأدوار المسرحية
- فلسطين بين ثقافة العنف والسلام- في حوارية قطع ووصل -
- فلسطين بين ثقافة العنف والسلام
- السكتة الكوميدية في الكتابة المسرحية
- التباس الكتابة المسرحية بين المسرح السياسي ومسرح التسييس
- أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومعزوفة النشاز العصرية
- معزوفة التواصل الحضاري
- المتدفقون - عرض مسرحي -
- هوية الصورة في فن فاروق حسني
- سيميولوجيا الفرجة الشعبية في المسرح
- المرأة في مسرح صلاح عبد الصبور
- معزوفة التواصل الثقافي الحضاري
- اتركوا النار لنا
- المونودراما وفنون مابعد الحداثة
- نظريات المسرح
- ليس ثمة من وطن .. حيثما الدين وطن
- سفر الخروج من (طما ) مونودراما الممثل الواحد
- الماركسية في الحضور وفي الغياب
- التجريب بين حلم شكسبير وحلم كولن باول


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - جماليات الأصوات اللعويةفي الأدوار المسرحية