أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أبو الحسن سلام - فلسطين بين ثقافة العنف والسلام















المزيد.....



فلسطين بين ثقافة العنف والسلام


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 2523 - 2009 / 1 / 11 - 09:20
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



في ظل فلسفة الفناء في فكرة بين (نظرية الكل في واحد) و (نظرية الكون في واحد) دارت القضية الفلسطينية في مدار ثقافة العنف والسلام . وهذه الورقة بمثابة وقفة منهجية لتأمل صدى ذلك في نصوص مسرحية تناولت قضية العنف والسلام وانعكاساتها علي القضية الفلسطينية .
سأكتفي بعرض العناصر أو التساؤلات التي تأسست عليها هذه الورقة البحثية منعاً لالتباس المفاهيم في واقع هيمنة تفلسف الالتباس ومراوغة المفاهيم التي أصبحت قضية فلسطين بموجبها: قضية الشرق الأوسط وأصبح ذبح الأطفال والنساء والعجائز في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان طريقا للحياة الديمقراطية وأصبح الإرهاب مرادفاً للإسلام في الخطاب الديماجوجي الأمريكي وأصبح الاستسلام هو السلام !!
وهنا تكون التساؤلات مشروعة ، بغية إعادة قراءة تاريخ ثقافة السلام في المنطقة وتاريخ ثقافة الاستسلام لفلسفة الفناء في فكرة .
* حول هدف الثقافة :
تهدف الثقافة في إطارها العام إلى تشذيب الفكر وتشذيب الفعل الإنساني حتى يحسن الناس حياتهم المشتركة في مجتمعاتهم - أولا - بالصورة التي يتوافقون عليها . ومع ذلك كثيراً ما نجد الفعل الثقافي يشذ عن ذلك الهدف العام حيث توجه الفعالية الثقافية بتوجيه إعلامي كثيف على المستوى الداخلي والخارجي (الحكومي وغير الحكومي المحلي أو القومي أو الدولي) نحو ترويض الفكر وترويض الفعل الجماهيري في بلد ما ليتوافق مع نمط فكري وحياتي أجنبي مستشر استشراء الطاعون ؛ كأن يراد لمجتمع عربي أو آسيوي أن يغير أنماط سلوكه الثقافي في المأكل وفي الملبس وفي طرائق التفكير.. وبمعنى أوضح أن يخلع سروال هويته وقميص حيائه ويستبدله بالجينز أو باللاحياء !! حتى يتأهل لحياة ديمقراطية على الطريقة الأمريكية .
* حول الفناء في سبيل حياة الفكرة :
تحت شعار (نظرية الكل في واحد) تنازعتنا نحن العرب ، كما تنازعت الأمة اليهودية منذ الشتات فكرتان تبادلتا تفعيل فعلنا وفعل أمة اليهود الثقافي والحياتي اليومي . إحداهما رئيسية سرت في أمتنا وأمتهم سريان النار في الهشيم ولفترة طويلة إلى حد ما .. فكرة القومية العربية بديلا عن فكرة القومية الإسلامية عندنا وفكرة القومية اليهودية عندهم ، اللتان ازدهرتا بعد رحيل الاحتلال الأوروبي (انجلترا – فرنسا – إيطاليا) عن بلاد العرب شرقاً وغرباً . وحتى لا تخلو المنطقة العربية بعد حالة التداخل الجغرافي والعرقي والطائفي التي صنعتها تقسيمات(سايس بيكو) وفقاً لسياسة "فرق تسد" إلى جانب الحيلولة دون تغلغل المد الشيوعي في المنطقة. وهو أمر لم يكن بعيداً عن الرضا الأمريكي غير المباشر – حينذاك- .
من هنا كان السعي دؤوباً لرفض ذلك التقسيم بوسائل إعلامية موجهة كان أنجعها عربيا النضال بالخطب السياسية الحماسية التي لا تقلق الغرب الماضي في سياساته.
أما الفكرة الثانية التي أطلت برأسها بعد حرب 73 واتفاقيات كامب ديفيد و تنازعت حياتنا فكانت فكرة (عالمية الديانة الإسلامية) تطويرا لفكرة القومية الإسلامية، و مؤداها ( أن لا وطن للإسلام) حيث يجب أن يسود العالم كله ، كما يريد له فصيل هنا وهناك من جماعاعات تدينية إسلاماوية بعينها .
غير أن فكرة القومية العربية الزاعقة في البرية ما لبثت أن أزاحت فكرة العولمية التأسلمية إزاحة مؤقتة نتيجة المد الثوري في المنطقة العربية بقيادة نظام يوليو 52 .
وعندما انسحبت فلول الدعوة القومجية العربية وضحلت مياة خطب زعمائها الحماسية بعد هزائمها العسكرية المتكررة أمام مدافع القومية اليهودية المتحصنة خلف فكرة وعد ميتافيزيقي بتملك أرض المعاد (أرض فلسطين) ، ما لبث أن تحول ذلك الوعد بجبر الاحتلال البريطاني إلى وعد حقيقي لتمكين العصابات الصهيونية من تجسيده على أرض الواقع ودعم الوجود الفعلي الشرعي لدولة التجييش الصهيوني بقرار الأمم المتحدة ؛ ومن ثم تمكنت القومجية اليهودية المجيشة من الحصول على وطن مفتوح الحدود بعد شتات تاريخي طويل علي إثر إخراس الصوت الزاعق للفلول المستظلة بكهف عالمية الديانة الإسلامية المنسحبة عن فكرة المواطنة .
ومع انسحاب الفكر القومي العربي وصعود الفكر القومي اليهودي عاودت تلك الفلول الإسلاماوية دعوتها إلى نفي فكرة الوطن باعتبار أن لا وطن للدين ، ليس بالخطاب الحماسي المنبري وحده في آلاف الزوايا التي انتشرت في مصر؛ ولا بطريق الكتب الصفراء التي تغطي الأرصفة في الشوارع والزوايا فحسب ؛ ولكن بسلاح الإرهاب ضد المسلمين أنفسهم بوصفهم مجتمع جاهلية – حسب زعم تلك الفلول – ومن ناحية أخرى ضد أمريكا في عنفوان قوتها الباطشة بذراعها الكبرى الممتدة عبر العالم كله وبذراعها الصغرى في فلسطين .
تضافرت ثقافة القهر العالمي مع ثقافة القهر الداخلي لشعوب المنطقة العربية مع استمرار قضم دولة التجييش الصهيوني للأراضي العربية في خلق ثقافة العداء بالمواجهة الكلاماتية السلبية عند المثقفين اليساريين الطفوليين والقوميين والسائرين خلف فكرة استبدال مستبد عادل بمستبد عادل آخر؛ بعد أن فقد الأول صفته الثانية .
وعلى خط مواز اشتعلت ثقافة العداء بالمواجهات الإرهابية بفعل الجماعات الإسلاماوية تلازم فعلهم – التدميري لمجتمعاتهم مع مواجهاتهم الإرهابية ليس للعدو الأمريكي والبريطاني الذي احتل العراق ولأذنابهم فحسب ؛ بل للشعب العراقي نفسه دون تمييز لأحد ، فتداخل فعل الإرهاب الطائفي العراقي مع إرهاب دخلاء خارجيين تسللوا أو سمح لهم بالتسلل لتصفية الخبرات العراقية من علماء ومهنيين وطيارين بعد تدمير الروح العراقية والبنية التحتية .
وفي فلسطين انقلبت جماعة حماس علي تجربة الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية فور وصولها إلي الحكم لتنفصل بقطاع غزة في محاولة لتحويله إلي إمارة إسلاماتيكية مع تبرير ذلك العمل بفساد السلطة الفتحاوية وفشل مسعاها في تحقيق دولة فلسطينية تبعا لاتفاقاتها مع العدو الصهيوني .. وبذلك مهدت للدولة الصهيونية رفع شعار ( مع من نتفاوض؟!) – كما لو كان هناك تفاوض فعلي جاد - ومن ثّم واصلت إسرائيل اعتداءاتها اليومية ليل نهار علي المدنيين دون تمييز لطفل أو امرأة أو شيخ قعيد ، وراحت تقتلع المزارع والمدارس والبيوت ودور العبادة .
وفي اعتقادي أن ذلك كله ما كان ليحدث لولا ترسخ (نظرية الكل في واحد) في المجتمع العربي ؛ بإطلاق يد (المخلّص : المستبد العادل) المتمطي على سرير تاريخنا العربي الإسلامي متكئاً على وسادة (السمع والطاعة) تلك التي سلمتنا (لنظرية الكون في واحد) متمثلة في الداخل (بفكرة الحاكمية المودودية) استناداً إلى تفسيره لآية من ثلاث في سورة المائدة تكفر الأولى منها " من لم يحكم بما أنزل الله " ومتمثلة في الخارج بفكرة (الحاكمية البوشية) استناداً إلى شعار رأس الغطرسة الأمريكية : " من ليس معنا فهو ضدنا"
ومن ثم أعمل الإرهاب (الإسلاماوي) والإرهاب الأمريكي والصهيوني فينا عملهما ذبحاً وتقتيلا وتدميراً معلنا في مقابل استسلامنا لفكرة ( الحاكمية العولمية) عند أولئك وعند هؤلاء فبتنا لا نعرف لمن نعلن استسلامنا مع أننا المعتدى علينا في كلتا الحالتين والمسلوبو الإرادة عبر تاريخنا البعيد ، بما لا يتيح أمامنا على أي نحو فرصة ما للاختيار : هل نقاوم أو نستسلم وما توقيت ذلك . وكيف يتسنى لنا تقرير ذلك وقد قبعنا ننتظر المخلص المستبد العادل أو المهدي المنتظر الذي ورثنا فكرته عن اليهود في شتاتهم وفي منفاهم البابلي على يد"بُخَتْنصَّرْ."
هنا نكون قد وصلنا إلى عرض اللبس القائم حول مفهوم السلام ومفهوم الاستسلام .
* المصادر الفكرية للإرهاب : الإرهاب حدث واقعي يظهر بشكل فجائي يتعين ويتكرر بأشكال عديدة وبوجوه مختلفة ومعقدة . وقد نشأت ظاهرة الإرهاب – تاريخياً – في حضن الممارسات الدينية والعنصرية لليهود منذ ولى( يوشع بن نون) قيادتهم خلفاً لموسى .
وفي مجال التفريق بين الفكر الإرهابي والإرهاب الفكري نجد أن الفكر الإرهابي يتسم بالدقة والتخطيط والتأني والمرحلية . ووسيلته السلاح بهدف القتل والتدمير والاختطاف وسلب الأموال وهتك الأعراض .
في حين يتسم الإرهاب الفكري بالتسرع وعدم الدقة وعدم المنهجية والاندفاع والتبسيط ووسيلته التشهير والدعاية والإشاعة والكذب بهدف التخويف والتهديد النفسي لردع الآخرين . وذلك ما تفعله الدولة العبرية قبل قيامها وما تواصل فعله في هذه الأيام.
وإذا كانت مصادر الإرهاب الديني والسياسي عند اليهود قد تمثلت في التلمود وفي برتوكولات حكماء صهيون ، فإن مصادره الدينية والسياسية تاريخياً ، ماثلة في حركة الخوارج ، وتتمثل نظرياً حديثاً في كتابات أبي الأعلى المودودي وكتابات حسن البنا وكتابات سيد قطب وكتابات محمد قطب وكتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج وغيرهم تلك الكتابات التي هي بمثابة دستور الفصائل الإسلاماوية ( القاعدة وطالبان وحماس والجهاد وغيرها ). بينما تتمثل جغرافياً في حركة الترحال القديمة التي شكلت ما يمكن تعريفه بثقافة الإغارة وقد كانت الأساس في حياة شعوب البيداء ، فيما قبل الإسلام . وما لبثت أن تغيّرت أشكال الإغارة لدى شعوب البوادي مع حالة الاستقرار الاقتصادي النفطي من مظاهر العنف المسلح إلى الإغارة الثقافية بسلاح التفسير الديني الوهابي الذي أنجز مهمته في غزو شعوب الماء ودحر ثقافتهم مدعماً بسلاح الأموال النفطية لوقف حركة المد الديمقراطي وتثبيت ثقافة الكل في واحد وتجييش جنودها تحت شعار السمع والطاعة لفتح بلاد العالم أمام الفكر التدّيني من المنظور الوهابي .
الفعل الإرهابي : يرتكز الفعل الإرهابي على أربعة عناصر :
(عنصر الرعب – عنصر المقابل – عنصر الاستمرار – عنصر الدعاية)
وذلك ماثل في ممارسات التقتيل العشوائي وهدم المنازل والبنية التحتية الفلسطينية التي ينفذها الطيران والجيش الصهيوني ليل نهار علي غزة لخلق رعب مستمر ودائم مصحوب بدعاية عن صواريخ حماس علي المستوطنات ، وصولا إلي وقف تهديد الصواريخ وقبول الاحتلال.
وهو ماثل في الكتابات المسرحية ونمثل له من مسرحية ( اغتصاب) لسعد الله ونوس
أنساق الإرهاب : يتشكل اتجاه الفعل الإرهابي في أربعة أنساق رئيسية:
النسق الإرهابي السياسي : الذي يعتمد على الرعب وسيلة تستهدف نسقا أو نظاما سياسيا آخر عبر صراع عنيف بين الحكومة أو النظام الحاكم وفصيل من أحد الأحزاب أو تكتل حزبي أو فصيل تدّيني ك ( حماس) في غزة وقاعدة وطالبان. كما يتمثل فيما يجري في غزة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الصهيوني ، وهو ما عرضت له مسرحية ( النار والزيتون ) لألفريد فرج في نهاية الستينيات وهو تصور تسجيليا معارك الفدائيين الفلسطينيين مع الجيش الصهيوني
• النسق الإرهابي الفوضوي : وسيلة يعتمدها المحكومون بصورة تلقائية وغير قانونية أو غير شرعية ضد الحكام الذي يمارسون الإرهاب بواجهة قانونية ، مثاله : أحداث 18 – 19 يناير 1977م العفوية ، وحادثة (النخيلة) بصعيد مصر في العام 2004 – 2005م . ومثاله فض المظاهرات بالقوة ، ومثاله مسرحية ( ثورة الحجارة) لألفريد فرج ، ومجموعة مسرحيات غسان كنفاني عن فلسطين في بداية النكبة.
• النسق الإرهابي الدولي : وسيلة تعتمدها دولة ضد دولة أخرى في إطار الصراع السياسي والاقتصادي والفكري والعنصري بما يخرج على حدود المواثيق والقوانين الدولية خروجاً مباشراً أو متستراً خلفها من خلال قرار لمجلس الأمن الدولي – كما يحدث ضد فلسطين والعراق ولبنان - وما يحدث لصالح أمريكا وإسرائيل . ومثاله في المسرح مسرحية (ألحان علي أوتار عربية) لألفريد فرج
• النسق الإرهابي للأفراد : وسيلة مواجهات فردية أو قبلية في مجتمع تفشت فيه ظاهرة العنف بين الأفراد أو الجماعات الطائفية ومثاله ما يحدث يوميا بين عناصر حمساوية وعناصر فتحاوية علي أرض فلسطينية.
ويرتكن الفعل الإرهابي إلى ركنين أساسيين :
* عامل سيكولوجي يتمثل في عنصري الرعب واستمرار تهديده لأطول فترة لدى الرأي العام ، وإلاّ اعتبر الفعل الإرهابي جريمة عادية . وهذا ما تواصل إسرائيل فعله باستمرار ليل نهار ، عن طريق حصار غزة ومنع الغذاء والكهرباء والماء عن شعب فلسطين.
* عامل سياسي يتمثل في الاستنفار الأمني الدائم للدولة وأجهزتها السياسية وما يترتب على ذلك من خسائر مادية وبشرية وإعلامية بما يضر بسمعة البلاد على المستوى الدولي ويشوه صورة الإسلام عقيدة وسلوكاً .
إن الردع والسلام تؤمان .. وهذا ما يؤكده واقع العلاقة المتوازنة بين القوى الدولية الكبرى ليس في عصرنا فحسب ، بل في العصور الغابرة أيضاً .
فدولتا الفرس واليونان القديمتان عدوتان . غلبت فارس اليونان لأنها الأقوى وانعكست النتيجة عندما أصبحت اليونان هي الأقوى بقيادة الإسكندر .
دولة الفرس ودولة الروم كانتا على عداء تاريخي قبل الإسلام في العصور الوسطى .
ما الذي حال دون تدمير إحداهما للأخرى . قوة الردع عند كل منهما
الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية : ما الذي حال دون تدمير إحداهما للأخرى . قوة الردع عند كل منهما .
إن الهدف من السلام هو تحقيق الأمن لشعوب الأطراف المتحاربة أو المتصارعة في ناحية من العالم .. فهل تحقق الأمن لأطراف الصراع في منطقتنا العربية ؟! هل تحقق لشعوب الدول التي وقعت على معاهدات سلام مع الدولة الصهيونية ؟! هل حققت أوسلو السلام؟!
على الرغم من أن شيئاً من ذلك لم يتحقق على أرض الواقع ، نجد من الغرابة أن يتشدق البعض بما أطلقوا عليه (خيار السلام) وكأن ليس أمام العرب بدائل غيره !! وعلى هذا ، فإن شعار السلام الذي رفعته الأنظمة العربية ، لم يزد عن كونه راية بيضاء رفعتها الأنظمة أمام مدفع الهوية الصهيونية بما يوقفنا أمام حتميتين احداهما تشهر مدفعها والأخرى ترفع رايتها البيضاء. فأين هو الخيار الذي تزعمه أنظمة الرايات البيضاء ؟! وهنا نكون وجهاً لوجه أمام زيف توظيف المفاهيم فالاستسلام يصبح السلام والحتمية تصبح الخيار ، وانتفاء إرادة اتخاذ القرار يصبح نصراً والإرهاب يصبح جهاداً عند زمرة من المتمسحين بالأصولية الدينية ويصبح ديمقراطية عند أمريكا ومن شايعها في أوروبا.
فما معنى الكلام عن ثقافة سلام بدون قدرة على الردع ، وما معنى الكلام عن السلام ونحن نعيش نكبات متصلة منذ الغزو العثماني (1517 حتى 1798م) ونعيش الانقسامات القبلية والطائفية والحدودية بقرارات (سايس بيكو) بعد هزيمة مشروع محمد علي النهضوي التحديثي ونعيش صراعات التصفية الدموية والتطهير العرقي منذ مكنت إنجلترا الشتات الصهيوني من دولة فلسطين التاريخية اتصالاً مع المذابح الصهيونية اليومية للشعب الفلسطيني والمذابح الطائفية اليومية التي أتاحها الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق ، والمذابح العرقية في السودان والصومال بتمويل أمريكي وأوروبي .
وهل يتحقق السلام بين شعبين دون تحقق الشرط الموضوعي أي دون أن تسود ثقافة السلام في المجتمع لا أن تقتصر على النخبة الحاكمة ومثقفيها سواء المثقفين التقليديين أو مثقفي طلب هزيمة الأعداء بالأدعية الدينية – انطلاقا من فكرة قائلة: إن العدو في نظر هؤلاء هو كل من لا يدين لهم بالسمع والطاعة -.
وهل يتحقق السلام خارجياً دون وجود سلام اجتماعي داخلي . إن ثقافة السلام لدى النخب الحاكمة في بلدين بينهما عداء تاريخي ليست قادرة على تحقيق سلام حقيقي بينهما دون وجود ثقافة سلام شعبية حرة في كلا الدولتين معاً. فهل تشيع ثقافة السلام بين الشعب الإسرائيلي.
إن السلام لا يمكن أن يتحقق على أي حال من الأحوال بين دولة لها سيادتها على حدودها المعترف بها دولياً ودولة ما تزال بغير حدود جغرافية شرعية معترف بها دولياً حيث تأسست على الاعتداء والتوسع على حساب الغير لاستيعاب الشتات اليهودي العالمي وليس أمام هدفها في التوسع سوى شراء الأرض أو استلابها بالحروب أو فرض الأمر الواقع بالإرهاب .
إن السلام لا يتحقق بين شعبين تحتل جيوش إحداهما بلاد الشعب الآخر كما تفعل إسرائيل بإغاراتها الليلية علي المدنيين الفلسطينيين العزّل .
يعلمنا تاريخنا القديم أن ما أدركه الملك الفرعوني إخناتون في القرن الرابع ق.م عندما قرر سحب القوات المصرية وأمراء الولايات التي احتلها ملوك الفراعنة الذين سبقوه من الأراضي الآسيوية لم يحقق سلاماً فردياً – من طرف واحد – بقرار فردي مرتكزعلى (نظرية الكل في واحد) وفلسفة الجمع بين السلطتين الدينية والسياسية في آن واحد .
إن ذلك القرار الفردي النابع من ثقافة اخناتون المستبد العادل التأملية المسالمة ، أدت إلى محاولات متكررة لقتله بتدبير من الكهنة الذين تمكنوا منه في نهاية المطاف لا لأنه ألغى عبادة آمون وأقام بديلاً عنها عبادة آتون فحسب ، ولكن لإزاحته لكهنة آمون عن السلطة وحرمانهم مع أطراف النخب الحاكمة المتسترة وراء ديانة آمون من جني الثروات من المستعمرات في (خيتا وفي ميتاني) - بلاد الشام الآن - .
لقد كانت فلسفة السلام عند إخناتون من أقدم الممارسات التي استمرت في تطبيق ثقافة السلام لما يقرب من سبعة عشر عاماً ما بين (1375-1358ق.م) لكنها كانت ثقافة سلام الحاكم الفرد ، أي أنها تأسست علي شرطه هو الذاتي دون مواءمته للشرط الموضوعي لشعبه.
هذا التمهيد لا ينفصل عن قضية العنف والسلام في منطقتنا وانعكاساته في مسرحنا العربي.

• المسرح وقضايا العنف والسلام:
تعرض المسرح العربي لقضية العنف والإرهاب والحرب والسلام منذ أن شرع إخناتون في ترسيخ فلسفة السلام في مصر القديمة ، حيث تناول كتاب المسرح صورا من حياته وفلسفته في التوحيد ، ودوره في تحرير شعوب مملكتي (خيتا) و (ميتاني) ، وفي نشر السلام على الأرض ، وقد كتبت عنه عشرات النصوص المسرحية منها : (مسرحية إخناتون لأجثا كريستي سقوط فرعون لألفريد فرج إخناتون ملك التوحيد لشوقي خميس ، آخر أيام إخناتون لمهدي بندق أيام إخناتون لإبراهيم الحسيني اخناتون لمنصور مكاوي )
وكلها تصور فشل محاولات إخناتون في فرض سلام من طرف واحد .. ذلك أن الشرط الموضوعي كان غائباً ، حيث اعتمدت حركة السلام على إرادته الذاتية إرادته هو وحده دون أن توأمة مع إرادة الرأي العام للنخبة الحاكمة في مصر- في أضعف الإيمان- وهذا نفسه الذي حدث بالنسبة للسلطة الفلسطينية بعد أسلو ، في ظل رأي جماهيري عام مغيب أومنقاد. هكذا توالت محاولات اغتيال إخناتون التي نجحت في تغييبه عن الوجود كله ومن ثم غابت فكرة السلام. ذاك كان شأناً من شؤون ثقافة خيار السلام الذي توفر الشرط الذاتي لصحة نفاذه على أرض الواقع وغاب شرطه الموضوعي على مستوى ثقافة الداخل (الوطني) وعلى مستوى الثقافة الخارجية (الطرف الأجنبي) .
ونستخلص من ذلك أن خيار السلام من طرف واحد لا يعد خياراً ولكنه سلام المنتحرين .

مثال تطبيقي من مسرحية أيام إخناتون:
إذا كان فشل ثقافة خيار السلام من طرف واحد قد فشلت في تاريخنا المصري القديم وجرى على بلادنا ما جرى من غزوات الاحتلال الأجنبي المتتالية عبر العصور ، فإن ذلك لم يحل دون غزو عربي لإسبانيا بجيش طارق وتأسيس عبد الرحمن الداخل دولته في بداية الدولة العباسية بنفر من بني أمية أفلتوا بأرواحهم من البطش العباسي وتمكنوا من تأسيس دولة الأندلس في أسبانيا .
وقد صور بعض كتاب المسرح الأسبانيين والعرب أمجاد تلك الدولة كما صور تفتت دولتهم وتفرقهم في ممالك ضعيفة سرعان ما اجتاحتها جيوش الأسبان الموحدة بسبب تناحرهم ومؤامرات بعضهم بعضاً . ومن الكتابات المسرحية حول دور العرب الأندلسيين في نهضتهم وفي نكساتهم مسرحيات:
(طارق أو فتح الأندلس) للشاعر التركي عبد الحق حامد - (فتح الأندلس )للزعيم الوطني المصري مصطفى كامل –(سقوط الأندلس) للشاعر عزيز أباظة – ( الوزير العاشق ) للشاعر فاروق جويدة

* الإرهاب بين ثقافة الكل في واحد وثقافة الكون في واحد :
تتمثل ثقافة (الكل في واحد) في خضوع الرعية التام للراعي ( الحاكم الفرد المستبد العادل الذي له علي الرعية السمع والطاعة) وتتمثل ثقافة ( الكون في واحد) في خضوع دول العالم لدولة واحدة قوية لها علي الدول السمع والطاعة . ومن يخرج علي ذلك يعاقب:
" امنحوتب الثالث : السياسة دايماً ليها ضحاياها والحاكم العاقل اللي يحكم بأقل عدد من
الضحايا "
بعد نجاة إخناتون من محاولة شاب فرعوني لقتله والإمساك بالجاني :
" إخناتون : اتكلم ما تخافش .. ليه عايزين تقتلوني دي تالت محاولة قتل الشهر ده .
الشاب : أنا ما أعرفش أي محاولة قبل كده ، وأنا مش خاين .. الملكة المقدسة "تي" اتهمتني بكده ، لكن أنا فاهم حاجة تانية ؛ إن الخاين هوه الملك .
إخناتون : أنا ..؟
الشاب : أيوه
إخناتون : وإيه كمان
الشاب : وكافر بالإله آمون ..
إخناتون : كمّل
الشاب : ومتواطئ مع أعداء مصر في مملكة خيتا وميتاني ، ومع قبائل الخابيرو
إخناتون : وإيه كمان ؟
الشاب : عشان كده الكاهن الأكبر أهدر دمك.
إخناتون : وانت شايفني خاين وكافر ومتواطئ فعلاً .. فكرت كويس؟
الشاب : أنا ما اتعودتش أفكّر . الكاهن الأكبر هو اللي بيفكر لينا كلنا .
إخناتون : إنت ما عندكش عقل ؟
الشاب : عندي .. لكن أكيد عقل الكاهن الأكبر بتاح موس أكبر من عقلي "
(يأتي صوت بتاح موس من الخارج)
بتاح موس: مولاي الملك .. (يدخل مسرعاً ليركع تحت قدمي ‘خناتون)
اعذرني يا مولاي مش قادر أسيطر على الناس ولا على الكهنة..الدنيا بتغلي بره"
" تي : دا الوعد اللي بينا يا بتاح موس ..
بتاح موس: مولاتي أنا ما أعرفش حاجة عن حوادث الاغتيال اللي ممكن تكون حصلت للملك
.. وعشان كده أنا هانتقم من الخاين ده بنفسي .. دا ما يستحقش غير القتل
(يطعنه بتاح موس بخنجره ، يحاول إخناتون إنقاذه فلا يستطيع )
إخناتون : لا ما تقتلوش
(يسقط الشاب على الأرض يدور بعينيه بين إخناتون وبتاح موس)
الشاب : (بصعوبة) مش عارف مين فيكم اللي صح ومين اللي غلط (يموت)
بتاح موس : مولاي دا خاين
إخناتون : (منفعلاً) الخاين هوه إنت .. اخرج بره القصر".
هذا مثال لتسلط السلطة التدينية ومسارعتها بإخفاء وسيلته للتآمر ضد الشرعية وهذا نفسه الحاصل في عصرنا ، فانفراد الحاكم المستبد العادل يوجد مستبدا آخر باسم الدين كل منها يريد استحواذ علي سمع الشعب وطاعته ، وهو ما يصنع العنف والإرهاب . أليس ذلك ماثلا في نزاع حماس وفتح علي السلطة علي أرض محتلة نصف أرضها ومحاصر نصفها الآخر.



* المسرح ونظرية الكل في واحد بين قرار الحرب والسلام :

" حور محب : وصلتني النهاردة الصبح رسالة بتقول إن اتنين من أمرائنا قتلوا بسبب ثورات
التحرر في آسيا.. جثة واحد منهم وصلت لمعبد آمون والتانية لسه ماوصلتش
(إخناتون صامتاً .. يدور داخل المكان ، يبدو عليه الحزن والتفكير الشديد)
تي : إخناتون .. طول حياتي وأنا بلاقي في نفسي ميل للإله رع عن بقية الآلهة لكن عمري ما عاديت الكهنة .. دول نابهم أزرق وكل وقتهم للخطط والمؤامرات .
إخناتون : قصدك تقولي إيه يا أمي ؟
تي : قصدي أقول إنك بسكاتك عن ثورات التحرير في آسيا بتدّي للكهنة فرصة عمرهم .. لو
رحت معبد آمون دلوقت هتلاقي جثة الأمير اللي وصلت محنطة ومحطوطة وشها مكشوف على المذبح في معبد آمون اللي رايح واللي جاي بيتفرج عليها ، وبيسيب نفسه للكهنة يملوه كره وعداوة ليك .
حور محب : بيقولوا إن الدور جاي على مصر وناسها
إخناتون : وإيه المطلوب مني ؟
حور محب : تجهيز حملة لإخماد الثورات في آسيا
تي : والصلح مع الكهنة .. ولو بالكذب
حور محب : فكر يا مولاي
إخناتون : حور .. اكتب إلى أمرائنا في آسيا قول لهم إن الملك إخناتون سياسته السلام ، مش
الحرب وعليهم جميعاً اتباع سياسة السلام . ومن لا يقدر منهم يمكنه العودة ، جهز كمان جيش لحماية ولايات مصر في آسيا من قبائل الخابيرو الهمجية .. الحرب فقط ضد قبائل مش ضد ثورات التحرر .
حور محب : ولكن يا مولاي
إخناتون : نفذ يا حور محب "

ولأن الأمم تهرم وتشيخ وتذبل والحضارات تموت فذلك ما جرى على العرب وعلى غيرهم من الأمم لذلك وجدنا في المسرح من يصوّر عصور السبات الطويل لشعوب المنطقة العربية بعد سقوط الامبراطورية الإسلامية ومن هؤلاء الكاتب المسرحي والناقد السوري عبد الفتاح قلعجي الذي يبلور فكرة المخلص ارتكازاً على (نظرية الكل في واحد) في هذا الحوار من مسرحيته (هبوط تيمورلنك) لا ليكسب التأييد لها بل لينقضها ويفكك محتواها الفكري : حيث المنظر لأناس محصورين في كهف معتم تحت الأرض تنبعث منه الغازات والأبخرة وهم ينتظرون المخلص المجهول لينقذهم مكتفين بالنوم وبالغناء الناشد لتحقق أملهم :
"بايزيد: وماذا نفعل الآن؟
حسن: ننتظر حتى يأتي الخامس
الجميع : (يغنون في رتابة وبرود)
أقبل أيها المنتظر – مهما كنت – شراً أنت – خيراً أنت – أقبل أيها المنتظر (صمت)
تقي الدين: نحن كلمة ينقصها حرف
سارة : كلمة لا معنى لها
بايزيد: عندما يحضر الحرف الخامس سنقرأ أنفسنا ونعرف من نحن
حسن : (يعزف ويغني) أقبل أيها المنتظر . أقبل أيها المنتظر
(ينعس الجميع ويتثاءبون) أقبل أيها الحرف الخامس "
وفجأة يسقط عليهم من كوة سقف الكهف (تيمورلنك) بلباسه التتري وسيفه
"حسن : (في برود وهمس) كدت أغفو .. انظروا إنه هو
سارة : (في لامبالاة) هو الخامس
بايزيد: (في لامبالاة) أخيراً وصل
تيمورلنك: (يتفحص المكان بعينيه ، يقترب من الجدار ، ينادي)
نور الدين.. نور الدين ( صمت .. ينظرون إليه في دهشة ، يخطو متفحصاً الجماعة)
نور الدين
بايزيد: من نور الدين؟
تيمورلنك: نور الدين قائد جيشي
بايزيد: قائد جيشك .. (ينفجر بالضحك ، يضحك الباقون)
تيمورلنك: صمتاً . (يصمتون فجأة) أنا تيمورلنك خاقان التتر الأعظم . قاهر العالم ،
من يجرؤ أن يضحك في حضرتي
(لا يستطيعون منع أنفسهم من الضحك فينفجرون معاً)
بايزيد: (يدور حول تيمورلنك) لا نعرف أحداً بهذا الاسم
حسن : أنا لم أسمع باسم تيمورلنك أبداً
سارة : ومع ذلك كنا نتوقع قدومك
تقي الدين: صحيح .. لكننا لم نكن نتصور أنك ستأتي بهذا اللباس مثل مهرجي السيرك "
فالكاتب يفضح ضحالة ثقافة الجيل المعاصر النائم والمنتظر للمخلص الحاضر الغائب . وفكك فكرة المستبد العادل أو المهدي المنتظر .

* ثقافة الحرب والسلام في معالجة القضية الفلسطينية مسرحيا:
شغل كتاب المسرح مصريون وعرب بمعالجة القضية الفلسطينية ، بالقدر نفسه الذي شغلت به وسائل الإعلام العربية ، جنبا إلي جنب مع العمل السياسي العربي ، إذ بادر " علي أحمد باكثير" بتناول القضية مع بدايات ظهورها علي مسرح الأحداث في الأربعينيات من القرن العشرين ، يوم أنهت بريطانيا إنتدابها علي فلسطين ، وسمحت في الوقت ذاته بالهجرات اليهودية التي تنظمها الجمعيات الصهيونية عبر العالم ، من أوروبا ، ومن البلاد العربية ، مع علمها بتشكلات عصابات صهيونية مسلحة وتسهيل مهمة تدريبها ، والسكون علي دورها في تصفية المدنيين الفلسطينيين وترويعهم نساء وأطفالا وشيوخا حتى يهربوا من ديارهم ليحل محلهم المهاجرون اليهود . مع استشراء ظاهرة الإرهاب الصهيوني الدموي ببقر بطون الحوامل وهتك إعراض النساء الفلسطينيات وذبح الأطفال وقتل المدنيين العزل من السلاح ، وتهديم دورهم وتجريف بساتينهم وتقليع أشجارهم أو حرق زيتونهم ، الأمر الذي أدي إلي تجميع صفوف بعض الجيوش العربية لمواجهة تلك العصابات ، وهو ما أدي إلي تحقق انتصار جزئي ، سريعا ما تحول إلي هزيمة فادحة للجيوش العربية بعد هدنة ، تم علي إثرها إعادة إمداد العصابات الصهيونية بالكثير من الأسلحة البريطانية والدعم الأوروبي ، ومناصرة الأمم المتحدة لليهود وصدور قرار تقسيم فلسطين إلي دولتين إحداهما عبرية والثانية فلسطينية ، وهو أمر رفضه العرب . ومع حرب 67 وهزيمة الجيش العربي ، احتل المزيد من أرض فلسطين المقسمة ، وجري عليها ما جرى مما هو حادث الآن علي أرضها . وقد انعكس ذلك كله في كتابات عدد من كتاب مسرحنا منهم:
( هاشم هارون رشيد في مسرحية السؤال – شوقي عبد الحكيم في مسرحية دليلة – الفريد فرج في مسرحية النار والزيتون وفي مسرحية ألحان علي أوتار عربية ومسرحية ثورة الحجارة – معين بسيسو في مسرحية ثورة الزنج – نجيب سرور في مسرحية الذباب الأزرق ومسرحية منين أجيب ناس – محمود دياب في مسرحية الغرباء لا يشربون القهوة – سعد الله ونوس في مسرحية إغتصاب ( عن الحياة المزدوجة للدكتور بالمي – للأسباني باييخو) التي عرضت بمصر تحت عنوان ( دماء علي ملابس السهرة) – رشاد رشدي في مسرحية حبيبتي شامينا – يسري الجندي في مسرحية اليهودي التائه – عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية وطني عكا – سهيل إدريس في مسرحية زهرة من دم )
وقد ركزت هذه النصوص كل منها علي جانب من جوانب القضية الفلسطينية ، سواء جانب المقاومة أو جانب الإرهاب الصهيوني ، أو وحشية السلوك الصهيوني ، أو معالجة الأمم المتحدة لأبعاد القضية وكيفية انحياز الغرب لإسرائيل علي حساب الفلسطينيين ، أو كيفية التحايل والتهديد الذي تمكنت العصابات الصهيونية عن طريقهما من الاستيلاء علي فلسطين أو دور المقاومة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الاستيطاني ، بخاصة بعد هزيمة يونيو 76 . علي أن تلك الكتابات المسرحية لم تتطرق إلي قضية السلام ، باستثناء مسرحية رشاد رشدي ( حبيبتي شامينا) التي تنحو هي ومسرحية بهيج إسماعيل ( حلم يوسف) اللتان تدعوان إلي التطبيع من وراء قناع درامي متقن . حتى علي سالم الذي زار الدولة العبيرية وهاجم مثقفينا الذين نددوا بالدعوة التطبيعية مع الدولة العبرية لم يكتب مسرحية فيها دعوة للتطبيع ، بل أصدرت له دار أخبار اليوم كتابا يحمل آراءه التطبيعية مع العدو الصهيوني .

* ثقافة الحرب قراءة استرجاعية دراماتيكية أخيرة :
تأسست فلسفة الحرب في منطقتنا العربية على مناطحة حتمية القومية العربية من ناحية لحتمية القومية اليهودية . الأولى تسعى نحو لم شتات الدول العربية في دولة موحدة تضم الأمة كلها شعوباً في نظام واحد لروابط دينية ولغوية وجغرافية وثقافية واقتصادية ، دون حسبان للكثير من الفجوات القائمة فكرياً وثقافيا وسياسياً ، بينما سعت الثانية نحو لم شتات اليهود في وطن عسكري ديني واحد على أرض حصل أجدادهم بدءاً من موسى على وعد ميتافيزيقي بوراثتها . هذا إلى جانب حتمية إشكالية أشد تعقيداً تتمثل في شعار عولمية الدين الإسلامي. إذن فنحن أمام حتميات ثلاث يؤمن بها أصحابها إيماناً يقينياً أعمى . وهكذا يتجدد الصدام الدموي الرسمي وغير الرسمي من وقت لآخر على أرض الواقع حتى مع حالة الجذر التي تعيشها الآن فكرة القومية العربية بينما ارتفعت رايات داود على أرض فلسطين ليرسم تحتها قادة الدولة الصهيونية الخارطة السياسية للمنطقة بالأسلحة الأمريكية الذكية . بينما انكمشت فكرة عالمية الإسلام أو عولميته واستحالت إلى مجرد شعارات تدوي بها مكبرات الصوت في زوايا بلاد المسلمين هنا أو هناك لينطلق بخطاب المتفجرات غير المسؤولة في الممتلكات والأرواح في أمريكا وفي أوروبا وتنفجر القبائل البشرية الاستشهادية اليائسة في فلسطين المغتصبة ، وفي العراق المغدورة وفي أفغانستان.
هكذا دار الصراع في حلقته الأخيرة بين شتات أمة يهودية احتفظت بطابع الدين القومي وأمة تشتت جهودها في محاولاتها لتجاوز حدود الأوطان.
وعلى ذلك نصل إلى أن الأفكار الحتمية ، بل كل إنجاز عملي قام على فكرة الحتمية لا دوام له ، ولنا مثال في الإتحاد السوفييتي وفكرة الحتمية الإشتراكية . ذلك هو منطق الجدل المادي والتاريخي للبقاء فما من شيء ثابت في الكون . وما من امبراطورية قامت على فكرة طال أمدها أو قصر إلا وسقطت صريعة أمراض الشيخوخة . اميراطورية الإسكندر قامت على الفكرة الأرسطية حول توحيد العالم تحت راية الفكر اليوناني والامبراطورية الرومانية قامت على فكرة قانون "كراكللا" ولكنها شاخت وماتت لأن حق المواطنة مقصور علي الرومان دون الشعوب المحتلة . وحلم نابليون الإمبراطوري في اللحاق بمجد الإسكندر قام على فكر الفيلسوف "ليبينيز" كذلك قام حلم النازية في سيطرة الدم الأزرق على العالم على فلسفة القوة عند "نيتشه" وقامت الإمبراطورية الإسلامية على فكرة عالمية الإسلام وسياسة الغزو والفتح والتوسع تحت شعار نشر الإسلام ، فأين نحن الآن ؟.
إن الفكرة التي تتحقق عن طريق التواصل عبر الحوار الإيجابي المثمر هي التي ترسخ وتحيا بالالتزام واقعاً متحدا أو متضامنا ومتفاعلاًً ، حياً قابلاً للتجدد والاستمرار ، في حين تتآكل الفكرة التي تحققت بتجييش الجيوش وعسكرة الدولة سواء رفعت شعارات القومية أو العنصرية الدينية بفعل المقاومة والنضال الذي تزكيه دماء أصحاب المصلحة الحقيقية في نفي الواقع الجبري الداخلي والخارجي المحلي والعالمي الذي حط على أوطانهم وهذا ما يحدث في فلسطين حيث ظاهرة الإرهاب الثوري وجهاً لوجه مع عدو عنصري غاشم ، وهو عمل نضالي مشروع في مواجهة الاحتلال بكل أشكاله وخاصة ذلك الاحتلال الصهيوني الاستيطاني التوسعي .. فهكذا تتحرر الشعوب عبر رحلة نضال في الداخل لتحقيق الديمقراطية وفي مواجهة الاحتلال وهو أمر يتحقق مشروطاً بوجود ساحة ووجود عقيدة قتالية وآلة نضالية ودعم وطني شعبي ورسمي أو قومي مستتر- ربما- . ولأن ذلك الدعم شبه معدوم في ظل خيار السلام الذي رفعته الأنظمة العربية الحاكمة وروجت له ترويجاً إعلامياً في ظل نظرية (الكل في واحد) تلك التي أورثتنا الإذعان التاريخي لفكرة الزعيم المخلص المستبد العادل فأوصلتنا إلى نظرية (الكون في واحد) .
وهكذا سلمنا المستبد العادل المحلي إلى المستبد العادل العالمي الذي شاء أن يسوقنا إلى القدس قطينا تحت راية مقرطة الدول الأقنان ، رافعين الرايات البيض بأيدينا في مواجهة المدافع الصهيونية منشدين خلف (شعبولا) أحدث أغنياته الشعبية (زعلان على لبنان / وعالبيت اللي انضرب / وعلى فلسطين كمان / راح فين صوت العرب؟) .
إن القراءة التحليلية لتراجيديا الحرب والسلام .. الحرب والاستسلام ، الردع والسلام ، تؤكد أن الردع والسلام توأمان ، وأن الردع هو الذي يحول دون تفكير الطرف المعادي في الاعتداء على الطرف الآخر . وأن السلام لا يقوم إلاّ عبر تفاوض قائم على الندية بين الأطراف أصحاب المصلحة في إنهاء النزاع .. وأن إمكانية إقامة سلام مع دولة التجييش العنصرية التي ليست لها حدود جغرافية معترف بها دولياً حتى الآن ، أمر مستحيل.
فما هي حدود ثقافة السلام في ظل هذه المعطيات ؟ في ظل ممارسات قانونية دولية يفرضها الطرف الدولي الأقوى بما يتيح له خرقها فور وضعها متى يشاء وكيفما يشاء .
في ظل حتمية رفع شعار (خيار السلام) نكون بإزاء إذعان عربي رسمي تظلله مظاهرات الشجب الشعبي وتحوطه ثقافة الأدعية الدينية على الأعداء.
لقد كنا شعوباً لها إرادة دون استطاعة، حيث سلمنا للمستبد العادل رقابنا طاعة للحديث : " إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم " فأسلمتنا (نظرية الكل في واحد) إلى (نظرية الكون في واحد) .
إن السلام لا يتحقق وفق خيار طرف واحد من أطراف الصراع ، إن القراءة الاستعادية للفكر الاخناتوني حول فلسفة السلام من طرف واحد تكشف عن انهيار نظامه وتعدي الممالك التي حررها من احتلال أسلافه لها على الامبراطورية المصرية حينذاك بالإضافة إلى تخلص النخبة الدينة والسياسية منه وإلى الأبد .
إن القراءة الاستعادية للفكر "الرومولوسي" للسلام من طرف واحد في الامبراطورية الرومانية تكشف عن تفكيك الامبراطورية الرومانية واجتياح العسكرية الجرمانية لأراضيها والأمر نفسه في حالتي (إخناتون) و(الامبراطور رومولوس) قريب منها قرار تفكيك جورباتشوف للامبراطورية السوفيتية مع ما تحيط به من شبهات العمالة . وقريب منه موقف الأنظمة العربية بشعارات (السلام خيارنا الوحيد) الذي يعني أن أنظمتنا العربية ( رومولوسية).
إن القراءة الاستعادية للفكر السياسي العربي الرسمي المعاصر حول فلسفة السلام تكشف عن تحول الدول العربية والإسلامية إلى جزر منعزلة على الرغم من التجاور الأفقي في الوقت الذي تعمل العسكرية الصهيونية أسنانها جهارا نهارا في قضم الأراضي الفلسطينية وتدير المذابح لأبنائها في فلسطين ، فيما يشبه مباراة خراب دموية مع جيوش أمريكا وبريطانيا على أرض الرافدين . إن إعادة قراءة شعار (الكل في واحد) الذي تدين به أمتنا عبر تاريخها البعيد وعلى امتداد تاريخها المعاصر تكشف عن أن أمتنا أفنت نفسها بنفسها في سبيل فكرة . ومن أمثلة ذلك في واقعنا المرير ما تقوم به حماس مع رفقاء الصراع ضد العدوان الصهيوني .
لكن ما هو الحل ؟! ولا أقول البديل .. فقد جربنا البدائل في إحلال مستبد عادل لا يتبقى منه غير صفته الأولى بمستبد عادل آخر بعد سعى دؤوب عبر معارضة ونضال مرير قد يصل إلى عشرات السنين للبحث المستميت عن مخلّص مستبد عادل آخر بديلاً عنه .
لا بدائل تصلح بعد الآن وإنما هو الحل ، فما هو الحل ؟ مع فقدان إرادتنا على الحرب وإرادتنا على ردع العدو التاريخي ، الذي زعمته الأنظمة صديقاً وجار سلام . الحل في نزع الاعتقاد الراسخ بإعلان السمع والطاعة لفكرة المستبد العادل والانهماك الجاد في إتقان كل منا لعمله حتى يتقدم مجتمعنا مع مقاومة ألوان استغلال النخبة الاقتصادية والسياسية لثمار جهودنا وعرقنا مع النضال السياسي عبر الحوار من أجل وجود حياة ديمقراطية حقيقية بعيداً عن الديمقراطية المركزية للنخبة الحاكمة .
هذا وإلا فلنستسلم أو نقف بطانة خلف (شعبولا) وهو يجعر بأحدث أغانيه في وصلة ندب زاعقة :
" زعلان على لبنان ع البيت اللي انضرب
على فلسطين كمان راح فين صوت العرب؟ "
وربما خرجنا على نص "شعبولا" وقلنا : (راح فين أحمد سعيد ؟! )

د.أبو الحسن سلاّم






#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السكتة الكوميدية في الكتابة المسرحية
- التباس الكتابة المسرحية بين المسرح السياسي ومسرح التسييس
- أوركسترا عناكب الثقافة العنصرية ومعزوفة النشاز العصرية
- معزوفة التواصل الحضاري
- المتدفقون - عرض مسرحي -
- هوية الصورة في فن فاروق حسني
- سيميولوجيا الفرجة الشعبية في المسرح
- المرأة في مسرح صلاح عبد الصبور
- معزوفة التواصل الثقافي الحضاري
- اتركوا النار لنا
- المونودراما وفنون مابعد الحداثة
- نظريات المسرح
- ليس ثمة من وطن .. حيثما الدين وطن
- سفر الخروج من (طما ) مونودراما الممثل الواحد
- الماركسية في الحضور وفي الغياب
- التجريب بين حلم شكسبير وحلم كولن باول
- الوصايا السبع للمسرح التجريبي
- جواز (فاطمة) من (يوسف) باطل
- المقامة التنظيرية الأردشية والصدمات المسرحية
- التجريب المسرحي بين عروض الحكي وعروض المحاكاة


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أبو الحسن سلام - فلسطين بين ثقافة العنف والسلام