أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الحبيّب - من أوراق العراق- 2 من ما لانهاية














المزيد.....

من أوراق العراق- 2 من ما لانهاية


رياض الحبيّب

الحوار المتمدن-العدد: 2643 - 2009 / 5 / 11 - 05:50
المحور: الادب والفن
    


أبو شيماء
.......

كنّا ستة جنود في الحظيرة التي تدعى حظيرة مُعِيني الجبهة
قادمين من محافظات بتعددية ثقافات
المعروف عن أفرادها أنهم خرّيجو دراسة جامعية أو معاهد
كانت تخصصاتنا علمية وأدبية ومهنية
قمت مع حلول الفجر بتسليم مسؤولية الحراسة لعريف أو رئيس عرفاء
وانسحبت إلى الحظيرة كي أخلد للنوم ولو سويعة من شدّة التعب والإرهاق
إذ لا تعرف ساعة التعرّض من قطعات (العدو) أو عليها
قد تعلن صفارة التعداد في الثامنة أو التاسعة
أغفيت هنيهة فاذا صوتها من بعيد مدغم بصوت صارخ في البرية: تعداد-
أي هلمّ إلى التجمّع في ساحة العرضات
في لحظة إغفاءة عميقة تسكن جميع خلايا الجسم كأنها في سبات
لا استجابة في تراخيها إلى أصداء العالم الخارجي إلّا من خلال طبلة أذن رقيقة
من الصعب التمييز في تلك اللحظة من الصرخة أو النداء بين موتي وبين بقائي على قيد الحياة
هي لحظة من اللاوعي قد توغل المشاعر خلالها في حلم
بربوع جنة وردية أو زرقاء أو خضراء
أو بحادثة ما قد حصلت أو قد تحصل لأحد من الأحبّاء
رددت على الصوت المنادي منتفضاً بصَيْحة هي أقوى ما في وسعي في وجه الإزعاج
وأردفت بسبّ التعداد والجيش والحزب الحاكم والمقدّسات

كان منّا عريف في الحظيرة اسمه أبو شيماء
من مواليد صدر قرار تسريح من الخدمة في شأنهم
حتى احتفلنا جميعاً وهنّأناه
سيغادر الوحدة بعد أسبوع أو أزيد بيوم أو أقلّ
لكنّه مع ذلك قام بتدوين كل كلمة خرجت من فمي
كأنّ كلامي من سِفر يشوع بن نون أو من سورة الأنفال
وقبل أن يحين موعد العشاء
قام اثنان من رفاق الحزب المذكور باستدعائي إلى غرفة اجتماع
أحدهما معروف بالمرونة وحسن المعشر
والآخر معروف بالخبث وتصيّد الكلام غير الموزون
طرفا نقيض في علاقة ما بين الخير والشرّ
ردّد الثاني مفردات المسبّة تلاوة بدون نقصان حرف
ولو ردّدها الأوّل لأعْوزها الترنيم مع موسيقى فيفالدي أو باخ
فوجئت وارتعدت إلى أقصى حد
لم تشفع لي شهادتي الجامعية ولا وداعتي المألوفة
قلت لهما متظاهراً بالإستغراب: ما هذا؟!
قالا إنّا نعرف أنك جندي جيّد.. حسناً انصرف الآن

تمّ استدعاء جميع الذين كانوا وقت المسبّة (أو اللعنة) في الحظيرة قبل استدعائي وبعده
في زمن يكفي للموت تقرير واحد مرفوع لشعبة الإستخبارات الثانية
لا منجىً منه ولا خلاص
من قرار فوري بالإعدام رمياً بالرصاص
لكنّ رفاق السّلاح استنكروا ادّعاء أبي شيماء
وانفتح الموضوع حولة قصعة العشاء: مَنِ المخبر... منْ في دائرة الشكّ؟
قد انتظر الجميع أن أرمق أحداً منهم بنظرة اتهام
سألني كلّ واحد منهم مشيراً إلى شخصه: أنا؟
قطعاً لست أنت- أخي رحيم
قطعاً لست أنت- أخي سيّد نور
قطعاً لست أنت- أخي محمّد
قطعاً لست أنت- أخي عبد المنعم
فتساءل أبو شيماء بمكر واستهزاء: إذاً بقي أبو شيماء وحده في دائرة الشك
قلت: لا يا أبا شيماء، لستَ في دائرة الشك، إنما في عين اليقين
فضحك الرفاق

مرّت الأيّام حتى صدر قرار انتدابي إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
كنت في باص النقل أنوي السفر صوب جهة ما
هل هي مصادفة أن يستقلّ أبو شيماء الباص الذي كنت فيه؟
كنّا قادمين من محافظتين تبعد الواحدة عن الأخرى 500 كم في الأقل
رآني وسلّم عليّ فدعوته أن يجلس إلى جانبي فاتخذ جهة الشبّاك
تساءلت مرحّباً- بالدارجة العراقية: شلونك أبو شيماء وشلون صحتك
ردّ بغصّة وعلامة من الندم في محيّاه: سامحني خوي (أخي) سامحني... أعلم أني فعلاً أسأت إليك
قلت: عفواً أبا شيماء، شيء من الماضي الأليم … وانتهى
قال: لِمَ تدعوني أبا شيماء... أما سمعت؟
قلت: ماذا... أبشر يا أبا شيماء
قال: صار اسمي أبا جعفر
قلت- بالدارجة: شنو يعني... ليش؟
قال: شيماء راحت- بعيداً عنك- في حادث سير
ترحّمت على شيماء- يرحمها الله
ثمّ دار حديث عادي حول أوضاع الوطن المزرية آنذاك
وكأنّ الذي كان بيننا لم يكن
وصلنا إلى مركز المدينة فسلّمنا على بعضنا بعضاً وافترقنا- حتى هذا اليوم
.
.
.
مع السلامة أبا جعفر- سامحتك... لعلّ الله يغفر لك

10.05.2009



#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوراق العراق- 1 من ما لانهاية
- العجز اللغوي في الكتاب البدوي
- مقاطع من ليماسول- رابعاً وأخيراً
- مقاطع من ليماسول- ثانياً
- مقاطع من ليماسول- ثالثاً
- مقاطع من ليماسول- أوّلاً
- العمل مفتاح الأمل- رابعاً وأخيراً
- العمل مفتاح الأمل- ثالثاً
- العمل مفتاح الأمل- ثانياً
- العمل مفتاح الأمل- أوّلاً
- زيدوا من مواقفكم المُحَسّنة بدلاً من القرصنة
- حرية التعليق ومتنفس التصويت
- من وحي المقالة السابعة والسبعين في شأن عصبة مالك الحزين
- الجريء
- القضية الفلسطينية ممّا في ذاكرتي العراقية
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثالثاً
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثانياً
- الرِّدَّة- رَدّاً على البُرْدَة
- مقاطع من عودة الحذر
- عودة الحذر


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الحبيّب - من أوراق العراق- 2 من ما لانهاية