أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟ - رياض الحبيّب - العمل مفتاح الأمل- ثانياً















المزيد.....

العمل مفتاح الأمل- ثانياً


رياض الحبيّب

الحوار المتمدن-العدد: 2632 - 2009 / 4 / 30 - 10:21
المحور: ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟
    


يبدأ كامو الفصل الأخير من كتابه (أسطورة سيزيف) بتوظيف جانب من الميثولوجيا الإغريقية في صراع الحياة العبثي من أجل البقاء والإستمرار؛ من خلال حكم الآلهة [التي كبيرها زيوس] على سيزيف بإصعاد صخرة إلى أعلى جبل، كانت تتدحرج كلّ مرّة وكان يحاول إصعادها من جديد، ما اعتُبر رمزاً للعذاب الأبدي. وقد وُصِفت جميع الأنشطة التي لا هدف محدداً لها ولا تعرف لها نهاية بأنها سيزيفية.
وقد رأى كامو [في مقاله المنشور عام 1942] أن سيزيف يجسّد عبثية الحياة الإنسانية وأنّ المرء لا بدّ من أن يتخيل سيزيف سعيداً، بما أنّ الكفاح نحو بلوغ العَلياء كافٍ ليغمر قلب الإنسان بالسعادة.
إنّ من يقرأ لكامو يلاحظ بسهولة أنّ العبثية مُفردة مهمّة في قاموسه ومن الصعب التخلي عنها أو استبدالها، مع ذلك لم يكن كامو مستسلماً لها ولا منطوياً على نفسه ولا يائساً فالصراع عنده مستمرّ ولا بدّ من مواصلته.
أمّا فيلكر Welcker* فقد اقترح أن سيزيف يرمز إلى الصراع العبثي للإنسان في سبيل المعرفة.

ولا يخفى أنّ گلگامش عاش صراعاً قاسياً وهو يبحث عن الخلود؛ تاركاً مملكته أوروك* ولا سيّما بعد موت أنكيدو - صديقه الحميم- متخلياً عن ثيابه الفاخرة ومرتدياً ملابس من جلود الحيوانات. ذهب إلى دلمون* أرض الخلود وغاص في أعماق البحر هناك، حتى حصل على العشب السّحري الذي يُعيد الشباب إليه فلا يموت بعدئذ، إلّا أنّ أسطورته هي التي بقيت خالدة في الأذهان ولم تمت.

إنّ الصّراع ضروري في مختلف الأمكنة والأزمنة ولا بديل لسواه ما دام الكائن حيّاً، إنّه يشمل جميع الكائنات الحيّة ومنها تلك التي تدافع ولو عبثاً عن كيانها ضد المخاطر التي تهدد وجودها.

ويمكن لأيّ شخص حرّ الإنفصال عن المجتمع لتفادي أيّ صراع؛ إمّا بالإنتقال إلى مكان آمن ولو لا وجود- في رأيي- لأمان مطلق، أو بالعزلة كالعزلة التي في رواية ماركيز* أو في بعض الأديرة، أو بالإبحار مع النصف الآخر إلى جزيرة نائية من الجزر- غير الآهلة بالسكان- وهي كثيرة ومتناثرة في المحيطات والبدء بتكوين مجتمع جديد عدد سكّانه سيبدأ بشخصَين اثنين متفاهمَين- وهذا محض خيال من لدن الكاتب.

ويسألونك لماذا تركت بلدك- العراق
وكيف يتخلّى عاقل عن حقوقه في الماء والخضراء وطيّبات أجمل النساء
وأين يمكن أن يتذوّق العراقي گيمر* أربيل وبغداد وكربلاء
قل ما كان العراق بلد شقاق ولا نفاق ولا بلد مزايدات سياسية ومجازر طائفية بل بلد الأرزاق
إنها بلاد أوروك وأكد وأور وسومر ولارسا وبابل ولگش وأشور ونينوى فحذار من خلط الأوراق
وما أدراك ما الجنائن المعلقة! هي الوحيدة التي يصعد الماء لإروائها بدون تدخل اصطناعي- أي بخلاف جاذبية العلّامة نيوتن- وهي ليست خيالية كجزر الواق واق

فما الذي دفع الشاعر بدر شاكر السيّاب إلى القول: ما مرّ عامٌ والعراق ليس فيه جوع
وما الذي دفع سائحاً كويتيّاً إلى القول: من يصدّق أن أهل البلاد ما بين النهرَين يشترون الماء وعندهم أعذب المياه
وكيف أصدق عينيّ في رؤية البنزين يُباع في السّوق السّوداء ونحن العراقيين أينما حفرنا حفرة في العراق يتدفّق البترول
وكيف لي أن أنسى صديق الصّبا الذي اختفى لمجرّد تقوّله بكلمة واحدة على مؤسس حزب البعث- كانت تلك الكلمة مكوّنة من ثلاثة أحرف: ن غ ل

وهل لي أن أنسى وَيلة تلك الأمّ التي حضرت مشهد إعدام ابنها الجندي؛
حدّثني رفيق الغربة عن شاهد عيان أن وحدات من الجيش العراقي كانت تُساق صوب الحدود بعد حادثة الشهيد الفلسطيني محمد جمال الدرة، قال الرئيس العراقي آنذاك للعرب ما معناه: أما اهتزّت شواربكم؟ لكنّ الجيش انسحب بدون إداء المهمّة التي أنيطت به. وفي أثناء الإنسحاب علّق الجنديّ: أما اهتزّت شواربكم؟! فقام أحد السّفلة بالإخبار عنه، حتى صدر قرار [من فوق] بإعدامه فوراً. قيل له ماذا تريد قبل أن تموت، قال: جوعان. فأتوه بطعام، أكله وهو يرتجف من الخوف ثمّ فارق الحياة-
ولكنّه قبل ذلك بلحظات سمع صوت أمّه صارخاً بأشدّ لوعة (يُمّه) فرفع رأسه لحظة واحدة ونكس رأسه. فتوالى عليه رمي الرّصاص عبثاً!

ولقد نُبِّئتُ بإلغاء العملة العراقية الأصليّة سنة 1992 بدون أيّة متابعة لأخبار السّاعة، لكنْ لمجرّد رؤيتي تهافت النّاس في الأردنّ على شرائها. قلت في نفسي: لا تفرحوا أيّها الهانئون اليوم لأنكم ستبكون قريباً وتلطمون. ويا سبحان الله، وجدت الناس في الأردنّ يلقون بتلك العملة من شبابيك البيوت والشقق- بعد مضيّ أسبوع واحد على النبوءة- ومنهم من كان يلفّ الورق منها ليضع فيها حبّات من الباقلّاء المسلوقة التي يبيع بائعُ الباقلاء حادياً عربته- على باب الله

في اليوم الذي تركت العراق لم تكن في ذهني إلّا ملحمة گلگامش وأسطورة سيزيف ولم يكن في جيبي إلّا ما يُعادل عشرين ديناراً أردنيّاً آنذاك.
قلت في نفسي: إمّا أن أكون گلگامش- بعد المغامرة بأكل ذلك العشب السّحري أي بدون أن أحاول تجربته على أحد، مثلما فعل گلگامش-
أو أكون سيزيف أواخر القرن العشرين- لكنْ مع عدم التقرّب إلى عروش الآلهة وبَلاطات الملوك،
بَيْدَ أنّي- على أيّة حال- لستُ أعدّ نفسي خيراً من گلگامش ولا أنكيدو ولا سيزيف ولا أتمنّى أن أعيش أفضل من أيّ جائع في النيبال أو زيمبابوي ولو نمت على جادّة أحد جسور المشاة كالتي في شوارع بغداد أو على المدرج الروماني في الساحة الهاشمية أو في بناية من مخلّفات الحرب اللبنانية أو على إحدى الصخرات المرئية من جهة ساحل ليماصول القبرصي.

كان أوّل عمل مارست خارج العراق، في مدينة إربد (عروس الشمال الأردني) هو المساعدة والبيع في محلّ بيع خضار وفواكه- من الفجر حتى المساء. أقمت مجّاناً في شقّة متواضعة يملكها رجل فلسطيني كريم ويسكنها اثنان من العمّال المصريّين الكرام أيضاً وقد قاما بواجب الضيافة بأحسن وجه. كان أحدهما يعمل في العراق، قال لي: لم أتخيّل أنّ يوماً ما سيأتي والعراقي يبحث عن عمل في الخارج! ولكني تركت العمل في اليوم الثاني فما أدراكم ما السبب! يوم سألت ربّّ العمل (الأردني) عن أجرتي أجاب ببساطة وبرودة خاطر وارتياح: يعطيك العافية!

كان اليوم الذي تلاه يوم الأحد فذهبت إلى إحدى الكنائس القريبة ورحّب بي راعيها وحكيت له ما جرى- بدون ذكر أسماء- ففتح صندوقاً صغيراً في الكنيسة وأخرج منه عشرة دنانير أردنيّة ووضعها في جيبي- جزاه الله ومن ذكرتُ قبله خيراً.
في اليوم التالي غادرت إلى عمّان والتقيت رجلاً فاضلاً؛ سألني إعطاء بضعة دروس خصوصيّة لثلاثة من أولاده، كان الأكبر منهم في المرحلة التوجيهية ولديه مشاكل في مادّة الفيزياء والوسطى تعاني من مشكلة مزمنة مع الرّياضيّات وأمّا الصغير فيلاقي صعوبة في هضم الكيمياء العضوية. وبعد انتهاء المدّة المقرّرة أكرمني الرجل (وهو أردني أيضاً) أحسن إكرام ودفع لي أكثر من استحقاقي.

في الوقت عينه فاتتني فرصة عمل في مدينة مادبا- حوالي 30 كم جنوبيّ عمّان- لأنّ أحد رؤساء الأديرة خطّط لمساعدته في إدارة دير وخدمة كنيسة الدّير فأخفى عنّي اتصال أحد أرباب العمل- يبحث عن شخص له مؤهّلات كالتي لديّّ وقتذاك- سامح الله رئيس ذلك الدّير.

كانت إقامتي محدّدة بثلاثة أشهر قابلة للتمديد مرّة واحدة وبعد ذلك عليّ بالمغادرة ما لم أحصل على إقامة سنويّة فحاولتها وفشلت. ويا عُمّال العالم اتحدوا
وللحديث تتمّة

..............

* Friedrich Gottlieb Welcker 1784 – 1868 فيلكر: عالم ألماني بالآثار وفقه اللغة

أوروك Uruk: الوركاء حالياً- جنوبيّ العراق. يُقال أن من أوروك اشتقاق تسمية العراق أو من لارسا أي لاراك

* دلمون: مملكة البحرين

* گابرييل گارسيا ماركيز Gabriel José García Márquez
روائي وصحافي وناشر وناشط سياسي. ولد في 6 آذار- مارس 1927 وعاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا ويقضي حالياً معظم وقته في مكسيكو سيتي- عاصمة المكسيك. هو الكولومبي الأول الذي نال جائزة نوبل للأدب عام 1982م والرابع في أمريكا اللاتينية. ومن أشهر رواياته [مائة عام من العزلة، عام 1967م] والتي بيع منها أزيد من عشرة ملايين نسخة والتي تروي قصّة قرية معزولة في أمريكا الجنوبية تحدث فيها أحداث غريبة- المزيد من سيرته في ويكيبيديا

* گيمر: هو القشطة العراقية التي لا تشبهها أيّة قشطة، لا الأردنيّة ولا الهولندية- فيما بعد- ولا الدنيماركية




#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل مفتاح الأمل- أوّلاً
- زيدوا من مواقفكم المُحَسّنة بدلاً من القرصنة
- حرية التعليق ومتنفس التصويت
- من وحي المقالة السابعة والسبعين في شأن عصبة مالك الحزين
- الجريء
- القضية الفلسطينية ممّا في ذاكرتي العراقية
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثالثاً
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب- ثانياً
- الرِّدَّة- رَدّاً على البُرْدَة
- مقاطع من عودة الحذر
- عودة الحذر
- ذكر واحد يساوي أنثى واحدة فقط لا غير
- رفع الحصانة عن إبليس في قضية التضليل والتدليس
- الرِّحْلة المُرَقَّمَة 622 إلى القمَر
- الكشف الدقيق- ردّاً على تعليق
- إنصاف النصف الآخر
- المنهل الطَّيِّب في موجز تعليقات الحبيِّب
- صوت مع العلمنة


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....



المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف 1 ايار 2009 - اثار وانعكاس الازمة الاقتصادية العالمية على الطبقة العاملة والفئات الفقيرة وسبل مواجهتها؟ - رياض الحبيّب - العمل مفتاح الأمل- ثانياً