أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - ماذا يأكل الأغنياء -قصة قصيرة















المزيد.....

ماذا يأكل الأغنياء -قصة قصيرة


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 2631 - 2009 / 4 / 29 - 09:10
المحور: الادب والفن
    



مستوحاة من الحكاية الخرافية الأفريقية
"كيف صار للفيل خرطوم"
د. ماجد الحيدر
- "ماذا يأكل الأغنياء ؟ "
تساءل "علاّوي" فجأة ودون سبب واضح قاطعاً القصيدة المدرسية التي كان يعيدها للمرة العاشرة وبفشل ذريع أمام أمه التي عيل صبرها من شروده وسرعة نسيانه.
- " ماذا دهاك يا ذا الرأس الثخين ؟ أكمل القراءة ولا تسأل أسئلة سخيفة! ألا ترى شغل البيت مكوماً فوق رأسي؟ "
في الليل تقدم من أبيه الذي أنهى عشاءه البارد وظل قاعداً في مكانه منتظراً قدح الشاي ليشعل سيجارته.
- " أبي، ماذا يأكل الأغنياء ؟ "
- " مَـن ؟ "
- " الأغنياء !"
- " ما بهم ؟ "
- " ماذا يأكلون ؟ "
- " يأكلون خــ . ومِن أين لي أن أعرف؟! اسأل معلمتك غداً "
انتظر الدرس الرابع بفارغ الصبر. كان يعرف أن معلمة العلوم هي الوحيدة القادرة على الإجابة. فهو أولاً يحبها كثيراً. وهي ثانياً تعرف الحيوانات جميعاً ، وطالما حدثتهم عن الطيور والوحوش والنحل والضفادع .. فكيف لا يعثر عندها على جواب لسؤاله المحيّر؟ جلس متحفزا وما أن سمعها تقول :
- " والآن يا أولاد، من لديه سؤال ؟"
حتى رفع يده ونهض منتصباً وصاح دون انتظار الإذن:
- " ست ! ست ! ماذا يأكل الأغنياء ؟"
انفجر التلاميذ في ضحك ساخر واقتربت منه المعلمة وربتت على كتفه وسألته:
- " هل تناولت إفطارك هذا اليوم ؟ "
- " نعم ست "
- " وماذا كان طعامكم ؟"
فاندفع مزهواً يعدد على رؤوس أصابعه:
-"بيض وجبن ست .. وقيمر .. وعسل ودبس ست .. ولحم .. لحم كثير .. وشاي .. وخبز ! "
كانت تعلم أنه أطلق لخياله الجائع العنان غير أنها ربتت على رأسه وقالت:
-" لا تشغل رأسك بهذه الأسئلة ..قد تعرف الجواب عندما تكبر"
** **
- " علاوي .. علاوي .. أنت يا علاوي !"
ثلاث مرات صاح عليه عمه وهو غافل عما حوله فصرخ في الرابعة :
-" هيه ، أنت أيها الحمار! ألا تسمع ؟! ألعن أبو اليوم اللي شغلتك فيه !"
- " ها ، نعم عمي " انتفض من أحلامه.
- " نعم عمي ؟ اللـه، اللـه ! لا شيء يا عيون عمك ! أرجو فقط أن تتكرم بكنس المحل. ألا ترى الى الشعر الذي يملأ الأرض والى المناشف المبللة التي لم تعلق في الشمس منذ الصباح؟ ثم أين علبة الشفرات التي أوصيتك بجلبها من دكان "مسعد" عند عودتك من المدرسة؟ "
- "حاضر عمّي !" وأسرع نحو المكنسة لكنه سرعان ما رماها وأسرع بالخروج.
- " الى أين يا ولد ؟ "
- " سأجلب الشفرات أولا! "
اختطف العلبة الصغيرة من يد الحاج " مسعد " وركض نحو صديقه " حمودي " وانتحى به :
- " حمودي، سأسألك سؤالا واحداً وأحلفك بقبر أبيك ان تصدقني الرد : ماذا يأكل الأغنياء؟ "
حك حمودي قذاله واتخذ هيئة الوقار ؛ فلقد أقسم عليه بروح أبيه ، وهذه نقطة ضعفه الكبرى.
-" إسمع علاوي : أنا أقف مع أخي في هذه الزاوية وأبيع معه الخضار منذ عامين ، لكني لم أر غنياً يشتري من عندنا. إنهم يمرون بسياراتهم ولا يتوقفون .. لكني أعتقد .. إحم ، إحم .. أنهم لا يأكلون الخبّيز والبصل والباقلاء مثلنا "
** **
ظهيرة اليوم التالي جاع علاوي فتتفقد دراهمه ثم مضى كعادته الى مطعم الفلافل القريب مقطب الجبين متفكراً، وما أن دخلت رائحة الفلافل الى يافوخه حتى انفتحت أساريره فلطم جبينه
-" يا لغبائي ! كيف لم أفكر بهذا من قبل ؟"
ناول عامل المطعم دراهمه فشرع هذا بتهيئة طلبه اليومي الذي لا يتغير: شطيرة فلافل حارة مع الكثير من السلطة والكثير من المخللات والكثير من .. كل شيء. ثم ناوله إياها من فوق الحاجز الخشبي المتهرئ. لكنه لاحظ أن في عيني علاوي سؤالاً ملحا يكاد يقفز منهما :
-" ما بك اليوم يا علاوي ؟"
-" لا شيء .. ولكن .."
-" لكن ماذا ؟ هل تريد المزيد من الخيار ؟"
-" كلا ، كلا .. ولكن .. قل لي يا سلمان : ماذا يأكل أولاد الأغنياء حين يجوعون ؟ أعني هل يشترون الفلافل والباذنجان المقلي من مطعمكم ؟ "
ضحك سلمان وقال :
-" آه ، أهذا إذن ما يشغل بالك ؟ كلا بالطبع يا سيدي. إنهم يأكلون الأطعمة الفاخرة من مطاعمهم الراقية. ألا تشاهد الإعلانات في التلفزيون ؟ "
-" لقد بعناه ! ولكن قل لي : هل توجد مطاعم راقية في (ولايتنا)؟"
-" لا أعرف غير مطعم الأمراء ، عند رأس السوق الكبير "
ازدرد طعامه وشرب قدحين من الماء وأسرع بالخروج. ولكن بدلاً من العودة الى الدكان قادته قدماه الى رأس السوق الكبير. تهجى اللوحة الزاهية التي رسمت عليها دجاجة زاهية الألوان ترفع رأسها بزهو .. "مط .. مطعم الـ .. الأمراء ".
راقب الأصص الكبيرة التي تزين الواجهات الزجاجية البراقة والمولد الكهربائي العملاق الذي يزمجر فوق الرصيف. انساب الجسد الضئيل بين السيارات المتلاصقة المتوقفة ودفع الباب برفق فلم تستجب له فدفعها بقوة أكبر فانفتحت بصعوبة. دخل وأفلت الباب فعادت لتنطبق على مهل فاقشعر بدنه وكأن جنيا غير مرئي يدفعها لذلك. دهمته البرودة المفاجئة وأدارت رأسه موسيقى عجيبة وروائح غريبة لذيذة فانتابه الوهن وكادت رجلاه تخذلانه لكنه استجمع شجاعته الصغيرة وتقدم صوب ذلك الرجل البدين الأصلع الأحمر الوجه الجالس في الطرف القصي، خلف مائدة ازدحمت فوقها الصحون والأقداح والقناني. ما الذي جعله يتوجه نحو ذلك الرجل بالذات ؟ ذلك أمر لم يدرك أسبابه حتى اليوم. بدا الطريق الى هناك طويلاً وخيل إليه انه مشى ساعة حتى وقف أخيراً وهو يلهث أمام المائدة ورأى الرجل البدين الأصلع يمسك بشوكة وسكين توقفتا في منتصف الطريق بين الفم الكبير المفتوح والمائدة.
-"ماذا تريد أيها الشحاذ الصغير؟" أحس بيد قوية تمسك رقبته من الخلف..
-"كيف دخلت هنا يا ابن الكلب"؟
تخلص بحركة خاطفة من اليد المجهولة واندفع الى الأمام:
-"اتركني لست شحاذاً ! أنا عندي ما أقول لهذا الرجل "
-" أتركوه ! " أمر الرجل الأصلع البدين فانصاع الجميع وعادوا الى أماكنهم
-" تقدم يا ولد . تقدم … تقدم أكثر .."
تسارعت دقات قلب الصغير وود لو رجع الزمن قليلاً كي يتجنب الورطة التي وقع فيها. كـان في مرأى الرجل وفي لهجته الواثقة الآمـرة وفي نظرته النافذة وابتسـامته الغـريبة ما بث الرعب في أوصال الصبي الذي تقدم خطوة واحدة ثم توقف.
-" ما بك ؟ تقدم أيها الصغير .. تقدم .. ماذا أردت أن تقول ؟ "
-" أنا ؟ .. لا ..أنا .. عمي .. لا .. كنت .. أريد .. أريد .. أنا عمي .. أريد أن أسأل .."
-" اسأل يا صغيري. ولكن تقدم مني أكثر ولا تخف. نعم ، نعم ، هكذا أحسن .. "
** **
لا أحد يعرف بالضبط ما الذي حصل بعدها. يقول أحد عمال المطعم إنهم سمعوا صراخ الطفل المرعوب مختلطاً بصرخة وحشية أخرى، وحين هرعوا الى المكان شاهدوا السيد يعلك بتلذذ وهدوء فلم يجرؤوا على مضايقته ورأوا الباب الثقيلة تنغلق في بطء .
الذين في الخارج قالوا إنهم شاهدوا صبياً يركض بسرعة البرق ماسكاً بطنه وهو يولول بصراخ غير مفهوم.
أمه قالت إنه ذوى واصفر وقلت شهيته للطعام واللعب.
معلمته قالت إنها بدأت تلاحظ شرداته الطويلة وعزلته وصمته الغريب.
** **
مضت السنوات وكبر علاوي ، لكنه ظل على الدوام شاباً منطوياً كتوماً ولم يلاحظ إلا أقرب المقربين إليه أمرين اثنين : الأول إنه كلما رأى سيارةً فارهةً أو شخصاً عليه سيماء الجاه ، خصوصاً إذا كان سمينا أو أصلع ، ولّى مختبئاً عن الأنظار حتى يزول " الخطر". والثاني إنه لم يعد يسأل عن شيء قط ، حتى إنه عندما يريد شراء شيء يقف كالحالم حتى يبادر البائع بالسؤال. وحين جاء وقت التحاقه بالجيش لاحظ الطبيب المكلف بفحص لياقته أمراً مريباً فأمر بإجراء تحليلات كاملة وإجراء فحصٍ شعاعيٍ للصدر والبطن. ثم رفع التقرير التالي الى رؤسائه وكان ذلك –بالمناسبة- حديث الأوساط الطبية في ذلك العام :
" .. إنه عند مراجعة المكلف بالخدمة (علي جواد محمد) وإجراء الفحص الطبي تبين ما يلي :
1-غياب الكليتين والمعدة والطحال وجزء كبير من الفص الأيسر للكبد.
2-الغياب الكامل لحاستي الذوق والشم وانعدام التحسس بالتغيرات الحرارية.
3-في المكان الذي يفترض فيه وجود القلب يوجد جسم صلب (معدني على الأرجح) على شكل علامة استفهام.
راجين الاطلاع وإعلامنا بما ينبغي اتخاذه من إجراءات "




#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسافر - قصة قصيرة
- الغراب-قصة قصيرة
- من أوراق يزيد بن مفرغ الحميري-قصة
- راشديات الثقافة وثقافة الراشديات-الحلقة الثالثة
- راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية
- شكسبير- شعر
- أغنيةٌ الى تمثالي
- راشديات الثقافة.... وثقافة الراشديات-الحلقة الأولى
- وداعاً مكتبتي الشهيدة... مرحباً مكتبتي الجديدة!
- مِن أدب الأطفال الكُردي..من سيُنزِلُ السكينةَ... على قلبِ مر ...
- وا ابن رشداه.. اقد أحرقوا كتبي!
- المسجد بيت الله
- ضحك كالبكاء...ليش ما صرت حرامي؟!
- مريم
- الحُلَّةُ الغَرّاء في مُراسَلةِ الرؤساء...الرسالة الخامسة ال ...
- تأخرتَ جداً
- ضحكٌ كالبكاء خبر عاجل : مؤتمر الوحدة الإسلامية يرجئ مشاوراته ...
- رباعيات
- بين الأدب الساخر.. والتهريج الرخيص.. أكثر من خيطٍ رفيع
- ترجمةُ الشعرِ... مهنةُ المجانين !


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - ماذا يأكل الأغنياء -قصة قصيرة