أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ماجد الحيدر - راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية















المزيد.....

راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 2595 - 2009 / 3 / 24 - 08:34
المحور: كتابات ساخرة
    


ضحك كالبكاء
إذا كان الراشدي الأول الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة داخلاً في خانة "إعادة الرشد" كما أشارت ملاحظة ذكية لأحد الأصدقاء المعلقين الذي فرق بينه وبين "السطرة" التي تسطر أي تُذهب الرشد، وإذا كان بعيداً –الى حد ما- عن التوصيف السلطوي للعملية أي صدورها من "الما فوق" الى "الـما دون" كما اعتاد "العريف عيدان" أن يُدخِل في أدمغتنا العنيدة في مركز تدريب الطبابة العسكرية، وهو السبب في اللهجة "المتراخية" غير المتشددة في الإدانة –كما أخذ عليَّ صديقٌ آخر- لاعتقادي بأن الطرفين في تلك الحادثة متورطان في حينها بالصعود الى المركب نفسه: مركب توظيف القلم والريشة والفرشاة والكاميرة والنغمة –عن قناعة أو عن غيرها- في خدمة الماكنة الإعلامية للسلطة الحاكمة آنذاك، ولكون الطرفين –وهو أمر يحسب لهما- من أوائل الذين أعلنوا بصدق أسفهم واعتذارهم عن بعض مواقفهم السابقة وعادوا ليشاركونا في دفع ضريبة البقاء والشقاء.
أقول إذا كان الراشدي الأول تصاحبه كل هذه "الظروف المخففة" كما يقول أهل القانون، فإن الراشدي الثالث كما سنأتي على تفاصيله في الحلقة الثالثة يمثل نموذجاً "للظروف المشددة" للراشدي البعثي الفاشي "المتميّز".
أما "راشدينا" لهذه الحلقة فهو حالة غريبة تحتاج –دون مزاح- الى تحليل "سايكوباثي" و" سوسيو-بوليتيكي" و "سيمونطيقي" .. الخ من طاقم المصطلحات! إنه باختصار "راشدي" الخائف المرعوب الذي يحمل شرطيه أينما حلَّ من الأرض ذات العرض. ولندخل في صلب الحكاية وأترك لكم الحكم فيها: حدثت هذه الواقعة في إحدى العواصم العربية في تلك الأيام "الخالدة" .. أيام قادسية صدام حسين المجيـ...دة وأم المعارك الفريدة، عندما كانت العواصم العربية "الشقيقة" مرتعاً وبوابة خلفية لأصحاب السواعد السمراء والشوارب المفتولة من "الويلاد" و "الملحقين" من كل الأصناف والألوان (وهو مشهد له علاقة وثيقة بأجواء القصة)..
في جلسة ضمت "الموسيقار" العراقي المغترب (...) والممثل العربي الراحل (...) جرى التطرق الى الحديث و(العياذ بالله) عن السياسة والسياسيين والقادة العرب. ولأن الفنان العربي الراحل كان قد عاش فترة من حياته في العراق أيام حملة السادات على اليسار المصري وكان يعرف "البير وغطاه" ويعرف أي نوع من الرجال يحكم هذا البلد المسكين، ولأنه ظن أن وجوده في عقر داره سيسمح له بقول ما يشاء فإنه أدلى بتعليق يعد مساساً بشخص "صقر البيدة حفظه الله آنذاك" فما كان من "موسيقارنا الكبير" إلا أن يستنفر غيرته اليعربية المستعارة دفاعاً عن قائده الفذ ويهوي على وجه الممثل العربي بصفعة مدوية كان بالطبع حريصاً على إشهارها أمام أعين من حضر من العراقيين أولاً ليقوموا بإيصالها الى أولي الأمر منهم!
-"وفيما العجب يا أرشيدوق!؟ إنها مجرد صفعة أخرى في تاريخنا الحافل بالصفعات "
قد يسألني سائل عن وجه الغرابة في ذلك. وسأجيبه أن الأمر ما كان سيعد بالشاذ أو الغريب لو أنه صدر عن واحد من أزلام النظام أو سفرائه أو وزرائه (وما تزال ذكريات الصحون الطائرة للسيد طارق عزيز أو المشاهد المسلية للرفيق عزة في مؤتمر القمة الإسلامية، باعتباره آخر "أرفع" مسئول بعثي يحضر مؤتمراً دولياً ويمارس فيه سلوكه النموذجي، طرية وماثلة في الأذهان).. لكن أن يصدر هذا الراشدي من "موسيقار مرهف الحس" كصاحبنا لنصرة زعيم مافيا ووحش يتلذذ بالدماء فلا يعني إلا أن غريزة البقاء هي التي تحكمت بالفنان لفعل ما فعل لعلمه بأنه إن اكتفى بالسكوت أو العتاب الرقيق (ناهيك عن الموافقة والتأييد) لارتفعت التقارير من فورها متهمة إياه بالخيانة والتخاذل والتعاون مع الأعداء الحاقدين ولك أن تعرف العواقب!
ولكي أساعد القارئ الكريم على تخيل بعض السيناريوهات المحتملة سأتطوع بعرض بعض ملابسات القضية وأقارنها بقضية أخرى لها بعض الشبه: ولأوضح أولاً أن "فناننا القدير" كان بعيداً تماماً عن الشعور بالأمان حتى وهو ناءٍ عن "بغداد المحبة والسلام" فقد سبق أن جرب الدخول في عناد بسيط مع سفير عراقي في عاصمة عربية أخرى ليجد نفسه "مشحوناً" بطريقة فنية سحرية الى عاصمة بلاده حيث مقرات الأمن التي قدمت له –بلا شك- واجب الضيافة المعهود وتحدثت معه حديث "أخ مع أخيه ومواطن شريف مع مواطن شريف". والحق أن الرجل قد خرج منها بعد فترة وجيزة جداً تعد رقماً قياسياً (بضعة أيام لا غير) وعاد معززاً مكرماً الى نشاطه في الخارج مع ملاحظة تحوله الى نجم مدلل في وسائل الإعلام وزيادة ملحوظة في التضمينات والإشارات "القومية" و "القادسيوية" في موسيقاه، الأمر الذي يؤكد أنه فهم الدرس سريعاً !
ولنعد الى القضية المشابهة: فقد حدث أن التقينا خلال وجودنا في جبهات الحرب العراقية-الإيرانية بزميل مجند جديد من الوسط الطبي لاحظنا فور قدومه أنه يكبرنا بعدة أعوام أي أن
(مواليده ساقطة) حسب التعبير الشائع في أوساط الجيش. كما لاحظنا بعد فترة من اندماجه معنا أنه يسكت تماماً ويشحب لونه ثم يشيح مبتعداً إذا ما جرنا الحديث الى أدنى تعليق تشم منه رائحة السخرية أو التذمر من الوضع القائم. ظل هذا السلوك مثار حيرتنا الى أن كشف لنا السر وراء ذلك بعد أن صرنا الى قدر من الثقة المشتركة: لقد كان صاحبنا يعيش في دولة عربية قريبة بعد أن أنهى بعثة الى أوربا ثم قرر الاستقرار مع زوجته العربية في ذلك البلد العربي وظل في الوقت نفسه على ارتباطه القديم بحزب البعث حيث وصل الى درجة "عضو شعبة" أو شيء من هذا القبيل.. ولندعه يكمل الحديث:
"كانت الدنيا تضحك لي وأموري في أحسن حال حتى قررت ذات يوم أن أزور بغداد لرؤية أهلي وتعريفهم بزوجتي الحامل بطفلنا الأول وتمشية بعض أعمالي التجارية، ولكن ما أن نزلت من الطائرة حتى رأيت "الكلبجات" في يدي و "عينك ما تشوف إلا النور" من تعذيب وإهانات ورعب. أما تهمتي فكانت ببساطة شديدة "الابتسام" نعم لا تتعجبوا: الابتسام! فقد ذكرني المحققون بحادثة عرضية كنت قد نسيتها وهي أنني كنت جالساً مع مجموعة من العراقيين المغتربين فأطلق أحدهم نكتة تتعلق بالسيد الرئيس القائد فضحك بعض الحضور مثنين على النكتة فيما اكتفيت أنا بالسكوت وقد ارتسمت على شفاهي ابتسامة تنم عن الضيق والإحراج فقد كنت "والحق أقول لكم" ملتزما بمبادئ الحزب ومعجباً بشخصية سيادته، غير أني آثرت عدم الدخول في جدال يعكر الجلسة. في التحقيق عرفت أن أحد الحاضرين رفع تقريراً مفصلاً عن الجلسة ذاكراً فيه أنني ضحكت لنكتة تسخر من الرئيس القائد وكان هذا كافيا لإحالتي الى محكمة الثورة والحكم علي بالإعدام الذي خفف الى السجن المؤبد لأن واجبي كمسؤول حزبي يلزمني بالإبلاغ عن كل ما حدث في تلك الجلسة!
ولقد قضيت في سجن أبي غريب الرهيب عدداً خيرة سنوات عمري كانت زوجتي خلالها قد ولدت لي ابنتي التي دخلت المتوسطة ولم أرها حتى الساعة إذ فرت بها خوفاً على حياتها عائدة الى ذلك البلد. ثم خرجت من السجن في مصادفة لا تخطر في الأحلام لأجد نفسي ممنوعاً من السفر ومطلوباً للخدمة العسكرية وموقعاً على تعهد خطي بالحكم علي بالإعدام في حالة تكرار "جريمتي" .. والآن هل عرفتم سبب تهربي منكم عندما تصل أحاديثكم الى هذا الحد من التهور.. أرجوكم .. أرجوكم.. دعوني أخرج من الغرفة قبل أن تتحدثوا في هذه الأمور.. لا أريد أن أموت.. أريد أن أرى ابنتي !"
-"حسناً" سيسألني نفس السائل اللحوح "إنها قصة مؤثرة ولكنني ما زلت لا أفهم ما الذي يرغم "فناننا" على تحمل ذلك.. أعني لماذا لم يضرب كل شيء عرض الحائط وينفصل عن هذه الدائرة المرعبة؟"
-"تعني أن يعلن طلاقه النهائي مع النظام وينضم الى حشود المثقفين والأدباء والفنانين المنفيين في مغارب الأرض ومشارقها؟ .. جواباً على هذا سوف "أتفلسف" قليلاً برأسك ورأس القارئ الكريم وأقول لكما:
إعلموا يا إخوتي أن "جمهوريات الرعب والمكرمات" من طراز جمهورية القائد الضرورة تخلي فيها المشاعر والعواطف والأحاسيس أماكنها لثلاثة مشاعر تكاد تكون هي السائدة وهي الخوف والطمع والغضب، هذا طبعا إضافة الى الكآبة واليأس والقلق.. الخ من حزمة المشاعر المباركة! فإذا علمنا أن التعبير العلني عن الغضب لا مجال له وإنه غالباً ما يتحول الى أمراض نفسية وجسمانية وسلوكيات عدوانية في الأسرة والعمل، فإن المرء (والحديث هنا عن الأغلبية لا عن الجميع) لا بد أن يقع تحت تأثير خليط غير متجانس من الخوف والطمع فتزداد نسبة هذا الى ذاك أو ذاك الى هذا مما يقرر سلوكه من انكفاء أو سكوت أو تقية أو انعزال أو تملق أو مسح للأكتاف أو الأحذية الخ.
هذا الخليط من الخوف والطمع هو ما أحسبه قد دفع "الفنان القدير" الى هذا السلوك الشائن الخارج عن أصول اللياقة والضيافة التي لخصها المثل العراقي "يا غريب كن أديب".. فالرجل خائف من الشرطي بنوعيه الداخلي والخارجي وهو في الوقت نفسه حريص على إشباع نرجستيه المرضية وعلى "الرعاية الأبوية للرئيس القائد" التي تتمثل بالموقع الوظيفي والأضواء والمكرمات وحرية السفر والامتيازات الأخرى.. التي لا يستطيع ببساطة أن يتخلى عنها وينضم االى جيوش المنفيين.

قد أكون مخطئاً في تحليلي هذا وقد أكون (كعادتي بالطبع) على صواب!! لكنني أعدكم بأن الراشدي القادم سيكون أكثر حرارة ووضوحاً وأقل مدعاة الى دوخة الراس .. فإلى لقاء وكل راشدي وأنتم بخير!



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكسبير- شعر
- أغنيةٌ الى تمثالي
- راشديات الثقافة.... وثقافة الراشديات-الحلقة الأولى
- وداعاً مكتبتي الشهيدة... مرحباً مكتبتي الجديدة!
- مِن أدب الأطفال الكُردي..من سيُنزِلُ السكينةَ... على قلبِ مر ...
- وا ابن رشداه.. اقد أحرقوا كتبي!
- المسجد بيت الله
- ضحك كالبكاء...ليش ما صرت حرامي؟!
- مريم
- الحُلَّةُ الغَرّاء في مُراسَلةِ الرؤساء...الرسالة الخامسة ال ...
- تأخرتَ جداً
- ضحكٌ كالبكاء خبر عاجل : مؤتمر الوحدة الإسلامية يرجئ مشاوراته ...
- رباعيات
- بين الأدب الساخر.. والتهريج الرخيص.. أكثر من خيطٍ رفيع
- ترجمةُ الشعرِ... مهنةُ المجانين !
- الرجل .. الذي.. عقر.. الناقة
- مزامير راكوم الدهماء
- وما الفائدة؟؟
- ماجد الحيدر...ما بين ديالى ودهوك جسر من الحلم أعبره كل مساء
- شتاء


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ماجد الحيدر - راشديات الثقافة.. وثقافة الراشديات – الحلقة الثانية