أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - دفاعا عن -إبداع-














المزيد.....

دفاعا عن -إبداع-


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2626 - 2009 / 4 / 24 - 09:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


هنيئا لنا إذن، أصبح لدينا مندوبون عن الله، يحكمون بدلا منه ويقررون عقاب من يرون أنهم أساءوا إلى الذات الإلهية من وجهة نظرهم. تصدى هؤلاء المندوبون لقضيتين كان مبرر الإدانة فيهما جريمة من نوع ما ارتكبت في حق الله وليس في حق بشر من عباده. القضية الأولى كانت غريبة وفريدة من نوعها، وهي القضية التي اشتهرت إعلاميا بقضية "تبادل الزوجات"، وتضمنت حيثيات الحكم فيها أن المتهمين "ارتكبا جريمة يهتز لها عرش الرحمن!!". والقضية الثانية حكمت فيها المحكمة بإلغاء ترخيص "مجلة إبداع" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكانت الجريمة نشر قصيدة للشاعر حلمي سالم تضمنت ما اعتبرته المحكمة واعتبره المدعون "إساءة إلى الذات الإلهية".

من صفات الله أنه الحكم والحكيم، بل إنه أحكم الحاكمين وفقا للنصوص الدينية، كما أنه "العزيز" و"الغني عن العالمين" و "ذو القوة المتين"، وصاحب المشيئة النافذة وأنه "إذا شاء فعل". ورغم كل هذه الصفات الفائقة، يصر هؤلاء على أن الله في حاجة إليهم لكي يحكموا ويقرروا أن سلوكا بعينه أو نصا ما ينطوي على إساءة أو جريمة في حق الذات الإلهية.

في الحالة الأولى – تبادل الزوجات – ِأصر المدعون على أن رجلا وامرأة استطاعا أن يهزا عرش الرحمن لأنهما قررا أن يعيشا حياتهما الخاصة بطريقة مختلفة لم تتضمن جرائم الاغتصاب أو الدعارة أو الابتزاز، أي أنهما لم يرتكبا أي جريمة في حق آخرين وتصرفا فيما يخصهما فقط. ومع ذلك "يهتز عرش الرحمن" – الذي وسع كرسيه السماوات والأرض – لهذا الفعل الشخصي الصرف، ولكنه لا يهتز لجرائم أخرى فظيعة أودت بحياة الآلاف من الأبرياء مثل كارثة غرق العبارة، أو كارثة انهيار المقطم على حي سكني فقير، أو كوارث القطارات، أو المبيدات المسرطنة، أو نهب أراضي الدولة أو الرشوة … إلى آخر قائمة الجرائم الشنيعة التي تهدر حقوق ومصالح الآلاف، بل والملايين، من الفقراء! وهل هناك بشر فان يمتلك القدرة على أن يهز عرش الرحمن؟! وأدانت المحكمة الرجل والمرأة وحكمت عليهما بالسجن.

وفي الحالة الثانية رأى المدعون أن بضعة أسطر في قصيدة نشرت في مجلة لا يقرأها إلا نخبة من المثقفين تسيء إلى الذات الإلهية، واستدعى ذلك حكما من المحكمة بإلغاء ترخيص المجلة حماية للذات الإلهية من المعتدين.

وعندما نلاحظ أن من صفات الله أنه أحكم الحاكمين، ينبغي إذن أن نكون على يقين تام بأن الله هو الأقدر على الحكم ما إذا كانت القصيدة تتضمن إساءة إليه أم لا، وإذا وضعنا في اعتبارنا أنه "العزيز" والغني عن العالمين، فلابد إذن أن نوقن أنه لا يحتاج إلى من يحكم ويقرر نيابة عنه، وعندما نعرف أنه "ذو القوة المتين" وأنه إذا شاء فعل، كان علينا أن ندرك أنه قادر على وقف الإساءة وعقاب من أساء.

ولكن الله لم يعاقب الشاعر ولا القائمين على المجلة، وإنما عاقبتهم المحكمة، فإما أن الله لم يجد في القصيدة ما يسيء إلى ذاته العلية، أو أنه لم يشأ العقاب. وإذا كان جل جلاله يريد تأجيل عقابه لمن أساءوا في حقه، فلماذا يتدخل من بني البشر من يستعجلون هذا العقاب دون أن يكونوا على يقين بإرادة الله فيه؟ وإذا كانوا بذلك قد اعتدوا على حقوق الإبداع والمبدعين، فإنهم بذلك أيضا يرتكبون في حق الله إثما مزدوجا. فمن ناحية، يقررون لله حكما دون أن يتيقنوا أن الله قد حكم به فعلا، ومن ناحية أخرى، لا ينتظرون نفاذ إرادة الله في الأمر وينفذون عقوبة نيابة عنه ودون أن يتيقنوا أيضا أن الله أراد هذه العقوبة. والأخطر من ذلك أنهم يتهمون الله بالعجز بطريقة غير مباشرة، أو أنهم يعلنون بطريقة غير مباشرة عن عدم ثقتهم في أن الله حكيم وقادر، يستطيع أن يقرر دون واسطة من أحد وأن يعاقب دون الحاجة إلى تدخل منهم.

كل ما أتمناه أن يتوقف هذا العبث والنفاق، أن يترك أمر الله وحقوقه له يقرر فيها ما يشاء، وألا ندع سلطة تجمل وجهها القبيح من خلال الادعاء بأنها ترعى حقوق الله في الأرض. علينا أن نهتم نحن بأمرنا، أن نتوقف عن اصطياد من نستضعفه لأنه لا يلتزم بعقائد وسلوك القطيع وننتقم منه انتقام العاجز والضعيف عندما ينفرد بمن هو أضعف منه وأعجز أمام العقائد والأفكار السائدة. علينا أن نهتم بحماية المرضى من أكياس الدم الملوثة، وحماية الفقراء من الأطعمة الفاسدة، وحماية السجناء من التعذيب، وحماية ثروة المجتمع من النهب. وإذا كنا عاجزين عن حماية أنفسنا من طغيان الفساد والاستبداد، فأضعف الإيمان أن نتوقف عن الانتقام من أنفسنا ونرحب بأكبر قدر من الحرية في الفكر والإبداع علها تضيء طريقا للخروج من هذا النفق المعتم.





#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع والممنوع في دعم المقاومة
- هكذا يفكر دون كيشوت
- الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
- سيكولوجية القطيع
- عفة زائفة ودعارة مقدسة
- تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
- أمامنا مستقبل لنكسبه
- الخروج من الأسر
- واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
- آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
- انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
- اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
- الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
- لا تنتحر ولا تذهب إلى المملكة!
- اقتصاد الفقاقيع
- الأزمة والفوضى … جوهر اقتصاد السوق
- أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي
- مرجريت في الإسكندرية
- معركة المعارضة الضرورية: سيناريو التوريث أم مواجهة النظام؟
- مواجهة الفساد أم مناورة لامتصاص الغضب؟


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - دفاعا عن -إبداع-