أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع















المزيد.....

واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2528 - 2009 / 1 / 16 - 09:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


حاول بعض المثقفين التعتيم على الوجه الحقيقي للحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة بتركيز القضية على مسئولية حركة حماس عن هذه الحرب من ناحية وأن حماس تدير هذه الحرب لصالح طرف آخر هو إيران من ناحية أخرى. ورغم اعتراف بعضهم بتفاعلات الأزمة السياسية في إسرائيل بعد هزيمتها في حرب لبنان 2006 وتأثير ذلك على قرار إسرائيل تحقيق انتصار خسيس على شعب أعزل لتعويض أثر تلك الهزيمة على مكانة المؤسسة السياسية للكيان الصهيوني، فإنهم في نفس الوقت ركزوا هجومهم أكثر على حركة المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس، في محاولاتهم لتبرير التخاذل والتعاون العربي مع العدوان، أو على أقل تقدير محاولة تبرير رؤاهم النخبوية العاجزة – لأنها لم تطرح حتى الآن بديلا قويا على الأرض – القائمة على أساس ضرورة فصل الدين عن السياسة.

وأنا هنا لا أناقش آراء الأبواق الإعلامية في الصحف المرتبطة بالحكومات "المعتدلة" التي تهاجم المقاومة الفلسطينية بشكل واضح وصريح من منطلق تبرير تعاون هذه الحكومات ومصالحها المتشابكة مع الكيان الصهيوني. وإنما أناقش آراء بعض المعارضين والمثقفين الذين يتبنون رؤى علمانية لا أعرف كيف اشتقوا منها موقفا أشد في عدائه للمقاومة من عدائه للاستسلام والتواطؤ العربي. ومن هؤلاء ما كتبه مثقفون مثل سامر سليمان وعماد جاد وشريف يونس في صفحات الرأي بجريدة البديل وغيرهم كان العامل المشترك في مقالاتهم مدى واقعية أهداف المقاومة من وجهة نظر عماد جاد ومشكلة ارتباط المقاومة بأيديولوجية دينية من وجهة نظر شريف يونس وسامر سليمان بالإضافة إلى لاواقعية الأهداف والممارسة.

اعتمد جاد في محاولة تبرير إدانة حركة حماس إلى إعادة سرد الأحداث بطريقة مغلوطة في الجزء الأول من مقاله "العدوان الإسرائيلي والأداء والعربي" بتاريخ 4 يناير بجريدة البديل، حيث زعم إن حركة حماس كانت "تجتهد في منح إسرائيل مبررات شن العدوان" برفضها تجديد التهدئة التي دامت ستة أشهر، فيما كانت إسرائيل تعلن عن رغبتها في تجديد التهدئة. ورغم أن مقالته نفسها تكشف عن التفاعلات الداخلية في إسرائيل التي دفعتها للإعداد لشن عدوان شامل على قطاع غزة، فإنه استخدم هذه المغالطة الأولى لكي يلقي بمسئولية هذا العداون كاملة على حركة حماس وعدم قدرتها على تقدير الموقف مما كبد الفلسطينيين خسائر هائلة في الأرواح. تضمن المقال مغالطات أخرى مثل محاولة تبرئة السياسة المصرية من تهمة التواطؤ مع العدوان وإظهارها بأنها اتخذت موقفا محايدا في محاولة التوفيق بين سلطة عباس وحركة حماس، علاوة على محاولة الإيحاء بأن أحداث التضامن مع الفلسطينيين التي شهدت هجوما على السياسة المصرية جاءت انعكاسا لمؤامرة صيغت في طهران.

ما يهمني في هذه المقالة هو مناقشة المغالطة الأولى التي عمدت إلى سرد مبتور للأحداث من أجل تحميل حركة المقاومة المسئولية كاملة عن العدوان وتبرئة إسرائيل وأصدقائها في معسكر "الاعتدال" العربي من المسئولية. فهذا السرد المبتور عمد إلى تجاهل حقيقة هامة تتمثل في أنه منذ هزيمة إسرائيل أمام المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله ونجاح حماس في الانتخابات الفلسطينية، تزايد الحديث بكثافة بين الأنظمة العربية وإسرائيل والليبراليبن الجدد من المثقفين العرب حول الخطر الإيراني رغم اختلاف الأهداف والدوافع التي التقت جميعها مع هدف الولايات المتحدة في عزل إيران وإضعافها لإحكام سيطرتها على المنطقة. وهكذا تناسى عماد عمدا أنه بمجرد نجاح حركة حماس في الانتخابات قامت إسرائيل باختطاف واعتقال نوابها في المجلس التشريعي وبعض وزرائها، ثم قامت عناصر الأمن في السلطة الفلسطينية بإشعال النار في مكاتب حماس وبدء مرحلة الانفلات الأمني ثم إضراب أجهزة الأمن وعدم استجابتها لوزراء حماس، حتى اضطرت حكومة حماس إلى تشكيل أجهزة أمن أخرى تابعة لها والسيطرة على القطاع فيما قاموا بتسميته "انقلابا" على السلطة في غزة. هذا "الانقلاب" المزعوم اتخذه عباس فرصة لإقالة حكومة حماس، واتخذته الحكومات العربية "المعتدلة" فرصة لإنكار شرعيتها، واتخذته إسرائيل ذريعة لفرض الحصار وشن هجمات بين الحين والآخر لاصطياد عناصر حماس في ظل تهدئة كانت في جوهرها تكبيلا لحركة حماس وحرمانا لها من الرد على الأعمال العدوانية التي استمرت ولم تتوقف للحظة منذ الانتخابات.

إعادة سرد الأحداث كاملة يكشف أن حركة حماس لم تكن معتدية ولم تبادر برفض التهدئة، التي لم تكن في جوهرها تهدئة من أي نوع مع استمرار الحصار، لأن الحصار في حد ذاته عمل من أعمال الحرب كان مصحوبا أيضا بأعمال عدوانية تمارسها إسرائيل بين الحين والآخر. ولذلك فإنني اعتقد أن خطأ عماد جاد في السرد كان مقصودا ليلقي بالمسئولية على حركة حماس ويبرئ ساحة إسرائيل والحكومة المصرية التي تعاونت معها في فرض الحصار وعدم الاعتراف بشرعية الحركة وانحيازها الكامل لسلطة عباس التي خضعت تماما لشروط إسرائيل غير المحددة أصلا إلا في جانب المطالبة بوقف كل أشكال المقاومة بدون أي مكسب في المقابل.

ربما كان الخطأ الذي ارتكبته حماس ويورده عماد جاد في الجزء الثاني من مقالته في البديل بتاريخ 11 يناير هو قبول الحركة الدخول في انتخابات سلطة قامت على أساس عملية أوسلو التي ترفضها حماس من حيث المبدأ. كان هذا الخطأ كارثيا بالتأكيد خصوصا وأن من انتخبوا حماس فعلوا ذلك تعبيرا عن عدم ثقتهم في عملية أوسلو وفقدانهم الثقة تماما في السلطة التي قامت على أساسها. لقد كان تصويتا على موت أوسلو، لكن حماس لم تدرك ذلك في حينه، وما لبث الجميع بعد أن نجحت في الانتخابات أن مارس عليها جميع الضغوط حتى يقضي على مصداقيتها كحركة مقاومة - فحتى تصبح جزءا من سلطة أوسلو يجب عليها الاعتراف بمبادئها. ولم تنفع مناورات حماس في دفع الجهات الضاغطة للتجاوز عن هذا الشرط عندما طرحت "هدنة طويلة الأجل" بديلا عن العمل فورا على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. ولم تكن حماس تستطيع الانسحاب، فقد اتخذت خطوة لا تراجع فيها وإلا فقدت مصداقيتها أيضا في حالة التراجع. ففي حالة قبول مبادئ أوسلو ستفقد مصداقيتها كحركة مقاومة، وفي حالة التراجع عن السلطة بعد كسب الانتخابات ستفقد مصداقيتها كبديل مطروح لسلطة أوسلو، كان هذا هو مأزق حماس التي وضعت نفسها فيه بدخولها الانتخابات من البداية. وأدرك أعداء فكرة المقاومة نفسها ذلك في إسرائيل وفي فتح وكذلك في مصر وأمريكا. الجميع أدركوا مأزق حماس فحاصروها أكثر فأكثر ليحصلوا على ما يريدون. وأخذت حماس تناور مناورات مكشوفة وتعاني من أزمات داخلية وأزمات مع فصائل أخرى حتى جرى ما جرى بعد ذلك من أمور. المهم في هذا الصدد أن المشكلة تبدأ من هناك، ممن يوصفون بـ "سياسيين واقعيين" الذين قبلوا مبادئ أوسلو من الأساس وأقاموا سلطة ليست لها من مقومات السلطة شيء، وسعوا إلى دولة "حلم" ليس فيها من الدولة شئ، فكان فشلها وفشل من لحق بها ومن دار حولها أو بالقرب منها. وهذا ما لا يقوله عماد جاد – الذي يدافع عن تصورات سلطة أبو مازن "الواقعية"، والتي تسعى لأن تهدم بنفسها، ونيابة عن إسرائيل، كل أشكال المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، بل وتحلم أن تقوض قدرة هذا الشعب أصلا على إنتاج أو إعادة إنتاج المقاومة.

هنا ننتقل إلى موقف آخر، أو زاوية أخرى لنفس الموقف الذي يسعى لإدانة المقاومة ومن يتضامنون معها من خلال وصمها بعدم الواقعية من جانب واختصار هدفها إلى مجرد "تثبيت الإيمان" من جانب آخر. وقد عبر عن ذلك بوضوح مقال شريف يونس في جريدة البديل بتاريخ 7 يناير. ودون الخوض في تفاصيل المقال الذي يسعى تعسفيا إلى وضع جميع من يؤيدون المقاومة في سلة واحدة تربطهم جميعا بصدام حسين وحسن نصرالله واسماعيل هنية، كان واضحا أن المقال يسعى إلى تحويل المواقف التي تركز على نقد العدوان إلى نقد المقاومة باعتبارها ترفع شعارات دينية وأنها لا تمتلك رؤية سياسية "واقعية" لحل الصراع حلا جذريا قابلا للتحقيق. ولا أعرف سببا لمحاولة المطابقة بين أوضاع العراق ولبنان من جانب والوضع في فلسطين من جانب آخر، فهناك فارق شاسع بين الاحتلال العسكري في العراق ولبنان وبين الاحتلال الاستيطاني في فلسطين الذي يهدف إلى إلغاء شعب من الوجود والاستيلاء على أراضيه لتوسع الكيان الصهيوني عليها.

ويبدو أن ما دفع الكاتب إلى ذلك الربط التعسفي هو تبني حركات المقاومة في هذه الحالات الثلاثة لشعارات دينية والدفاع عن الهوية القومية في مواجهة الغزو والعدوان وهو ما اختصره تحت مصطلح "تثبيت الإيمان". والمقال عموما يركز في انتقاده على كل المواقف التي تتعاطف مع المقاومة بغض النظر عن تبني هذه المقاومة شعارات دينية. ويختتم شريف يونس مقاله بسؤال استنكاري حول ماهية هذا الإيمان وكأن ذلك هو الأهم بالنسبة لحركة المقاومة ومن يؤيدونها بصورة مطلقة تنفصل تماما عن معطيات اللحظة الراهنة.

سامر سليمان في مقالته بتاريخ 11 يناير تحت عنوان "ما بعد تديين السياسة في فلسطين ومصر" وضع الفكرة نفسها بصورة أكثر وضوحا وحدة عندما نسب كل إخفاقات السياسة في منطقتنا إلى سيطرة التيار الديني مؤكدا أنه: "في كل منطقة سيطر عليها هذا التيار كان المصير هو تفتيت الأوطان، من السودان جنوبا إلى لبنان شمالا، ومن الهند والعراق شرقا إلى الجزائر غربا، والبقية تأتي." ولم ينس في هذا السياق أن ينسب كل الكوارث التي لحقت بالقضية الفلسطينية مؤخرا إلى حركة حماس التي داست، من وجهة نظره، على كل نضالات الشعب الفلسطيني وفصلت غزة عن الوطن الأم وألحقتها بمصر، كما لم ينس الإشارة إلى الوجه الطائفي للشيخ حسن نصر الله "المتحالف مع أسوأ نظم المنطقة: إيران وسوريا، وكأن في لبنان سياسة أخرى غير طائفية حيث تناسى وهو يتحدث عن ذلك أن الدولة اللبنانية كلها قائمة على أساس المحاصصة الطائفية!

هذه الآراء تطرح قضايا كبيرة يصعب تناولها بدون إخلال في هذه المساحة الصغيرة، حيث تتطلب الكشف عن العوامل الحقيقية داخليا وخارجيا وراء الأوضاع السياسية السائدة في منطقتنا وعوامل نشأة وسقوط الحركات التي تبنت مواقف علمانية وأسباب هيمنة التيار الديني والعوامل التي تغذي بقاء هذا التيار وانتشاره. وكلها أمور لا يمكن تفصيلها في مقال صغير. وهناك العديد من الدراسات التي تناولت كل هذه القضايا تناولا علميا ورصينا لا يسعى إلى التغطية على مواقف بعينها بقدر ما يسعى إلى الكشف عن حقائق. ويكفي أن نشير هنا إلى تناقضات وردت بالمقالين في سياق تبرير النهج الاستسلامي والتوجهات الإصلاحية الفاشلة من خلال التركيز على هيمنة التيار الديني على الحركات المقاومة. وأنا شخصيا أتفق مع الكاتبين في أن أهم مشكلات حماس وحزب الله أنهما حركتين دينيتين لا تمتلكان مشروعا تقدميا يقدم حلا جذريا وقابلا للتحقيق لمشكلة الصراع مع الاستعمار. وأن البديل لذلك "ينبغي أن يكون" قوى تقدمية علمانية وديمقراطية لقيادة النضال وفقا لاستراتيجية واضحة وبتكتيكات صحيحة من أجل تحقيق الهدف (دولة ديمقراطية علمانية واحدة يتمتع فيها الجميع بغض النظر عن الدين أو الأصل العرقي أو القومي بالمساواة في الحقوق والواجبات). لكن هذه الرؤية العظيمة ينقصها وجود هذا البديل في أرض الواقع. وبالتالي ينقصها أهم ركن من أركان إمكانية تحقيقها عمليا. ولابد أن يسعى أصحاب هذه الرؤية بالتأكيد من أجل خلق وتكوين هذا البديل، ولكن ماذا يفعل الناس حتى يأتيهم هذا البديل المنتظر؟ هل يموتون وهم صامتين كالحملان؟ وهل سيولد هذا البديل بدون التجربة وبدون السجال الحي مع الواقع والتفاعل المستمر معه؟ ما هي أدوات هذا التفاعل؟ هل يكتفي الناس بنقد اللحية والبندقية انتظارا للبديل الجماهيري القوي لأن اللحية والبندقية لا تقدم حلا جذريا للصراع قابل للاستمرار والتحقيق العملي في نفس الوقت الذي يقصفون فيه بالطائرات؟ أعتقد أن الانتظار تصور خيالي وليس عمليا على الإطلاق، كما أنه لا يحل أزمة في وضع يكون التفكير النخبوي فيه رفاهية مجرمة حيث لا يتحدث إلا الرصاص. المطلوب والذي لا يمكن القيام بغيره ممن يرغبون في حل طويل الأجل أولا أن يحلوا المعضلة قصيرة الأجل، وهي كيف نواجه العدو الآن وهنا، وفي نفس الوقت يفكرون في حل معضلة الأمد الطويل بكيف يكون لهذا البديل وجود على الأرض يجعله بديلا مطروحا بحق وقابلا للتحقيق. أما غير ذلك فليس إلا عبث فليس بالإمكان هندسة العالم الحقيقي وفقا لتصورات أيديولوجية فاقدة القدرة على ترجمة نفسها في أرض الواقع.

علاوة على ذلك، فإن تمجيد العلمانية مجردة لا يعني شيئا في جوهره، لأنه لا يشير إلى ماهية هذا البديل الذي يسعى إليه الكاتبان. فسلطة عباس تتبنى تصورا علمانيا، لكنه نفس التصور الذي عبر عن فشله تماما حتى أعلن إفلاسه ورفض المقاومة. والمقالان لا يوضحان موقفهما بصراحة نحو هذا البديل العلماني الذي يريدون، ويكتفيان بترديد أن البديل هو السياسة العلمانية. وهذا التصور يفشل في الكشف عن تناقضات الأيديولوجيا وعلاقاتها المتشابكة مع الواقع، فالأيديولوجيا العلمانية مجردة لا تختلف كثيرا عن الأيديولوجيا الدينية مجردة في إمكانية أن ينتج عن هذه أو تلك توجهات وحشية ومتخلفة، أو تطرح تصورات تقدمية جزئيا في لحظة معينة وحول قضايا بعينها. العلمانية مثلا أنتجت الفاشية في أوروبا، وكانت فظائع الفاشية تفوق كل الفظائع التي شهدها العالم منذ بداية التاريخ المعروف، تماما كما أن الدين أنتج الحروب الصليبية في العصور الوسطى. وأيديولوجيات علمانية هي التي تساند الصهيونية حاليا التي تقوم على أساس ديني وترتكب فظائعها من منطلق ديني وعنصري. والأهم من مجرد طرح فكرة العلمانية كبديل هو قراءة المصالح والأهداف التي تعبر عنها مختلف الأيديولوجيات في سياقاتها في الزمان والمكان - أي هنا والآن. ولذلك لا تصح المساواة بين حركة دينية تواجه احتلالا عنصريا وهمجيا، وحركة دينية تحاول أن تعود بالمجتمع إلى ماضي متخيل ورجعي في نفس الوقت. وقد تنطوي نفس الحركة على هذه التناقضات نظرا للتناقضات الكامنة في الأيديولوجيا الدينية ذاتها. وعلى من يزعم أنه تقدمي ويهدف إلى البحث في حل المسألة السياسية من منطلق تقدمي مبدأي أن يميز بين المواقف على أساس رؤيته السياسية وبرنامجه وقدراته ومعطيات اللحظة. ولا يصدق هذا فقط على الأيديولوجيات الدينية، وإنما أيضا على الأيديولوجيات العلمانية مثل تصورات الليبرالية التقليدية واليسار الإصلاحي وغيرها. فهذه أيضا أيديولوجيات تنطوي على تناقضات تجعل مواقفها متأرجحة ومهتزة، رغم أنها أيديولوجيات علمانية وليست دينية. فمن مدخل رفض الاستخدام السياسي للدين تماهت مواقف سامر سليمان وشريف يونس مع مواقف السلطة والمعبرين عنها في الإعلام الرسمي الذي يدين المقاومة ويدافع عن التعاون والتطبيع مع إسرائيل.

وأخيرا، فإن الأفكار التي تم تناولها في السطور السابقة تعكس في جوهرها تلاقيا في المصالح منذ عام 2006 بين الأنظمة العربية "المعتدلة" وجماعة المثقفين الذين يروجون لأفكار الليبرالية، حتى وإن كان ذلك تحت صبغة يسارية زائفة، والموقف الاستسلامي للسلطة الفلسطينية في رام الله مع التوجهات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة للقضاء على خطر حزب الله في لبنان وحماس في غزة وإضعاف حكم الملالي في إيران، دون أن يعني ذلك بالتأكيد أن الكتاب الثلاثة يرغبون في التماهي مع المواقف الأمريكية والإسرائيلية، وإنما يعني فقط أن الأفكار التي يروجون لها لا تخدم إلا هذه المواقف بتركيز الهجوم على فكرة المقاومة والدفاع عن لون واحد من ألوان "الواقعية السياسية" التي تساوي بين فكرة الواقعية والاستسلام للأمر الواقع.



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
- انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
- اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
- الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
- لا تنتحر ولا تذهب إلى المملكة!
- اقتصاد الفقاقيع
- الأزمة والفوضى … جوهر اقتصاد السوق
- أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي
- مرجريت في الإسكندرية
- معركة المعارضة الضرورية: سيناريو التوريث أم مواجهة النظام؟
- مواجهة الفساد أم مناورة لامتصاص الغضب؟
- أبو الغيط يغيظ المصريين
- مالي أنا والشورى؟
- بورصة ، بورصة – ولا عزاء للفقراء
- بربرية وأمل في عصر التطرف
- أصرخ يا نور
- هل يعود بونابرت؟
- درس في التواضع
- الواقع والرمز في الهجوم على عز
- على إسمك يا جاهين


المزيد.....




- ردا على بايدن.. نتنياهو: مستعدون لوقوف بمفردنا.. وغانتس: شرا ...
- بوتين يحذر الغرب ويؤكد أن بلاده في حالة تأهب نووي دائم
- أول جامعة أوروبية تستجيب للحراك الطلابي وتعلق شراكتها مع مؤ ...
- إعلام عبري يكشف: إسرائيل أنهت بناء 4 قواعد عسكرية تتيح إقامة ...
- رئيس مؤتمر حاخامات أوروبا يتسلم جائزة شارلمان لعام 2024
- -أعمارهم تزيد عن 40 عاما-..الجيش الإسرائيلي ينشئ كتيبة احتيا ...
- دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تكشف عن عدد السكان
- مغنيات عربيات.. لماذا اخترن الراب؟
- خبير عسكري: توغل الاحتلال برفح هدفه الحصول على موطئ قدم للتو ...
- صحيفة روسية: هل حقا تشتبه إيران في تواطؤ الأسد مع الغرب؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع