أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)















المزيد.....

الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2606 - 2009 / 4 / 4 - 08:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(2) - الياس مرقص
تتميز كتابات الياس مرقص بإعادة الاهتمام بمسألة الأسس الفكرية والتاريخية الكبرى لقضايا المسألة القومية العربية، وليس الركض وراء أحداثها الجزئية، وهو يؤمن بالمراجعة الشاملة والكاملة للتيارين الماركسي والقومي، أملا بأن يؤدي ذلك إلى مصالحة الإنسان العربي مع ذاته، ويجعله يطمح للتقدم الفعلي. لقد تميزت كتاباته بالعمق والحيوية والراهنية والاستشرافية، وقد أفصحت عن نفسها من خلال الموضوعات التي تصدى لها والأفكار التي صاغها.
لم يترك الياس مرقص ( ولد في مدينة اللاذقية/سورية في العام 1929، ودرس فيها " مدرسة الفرير "، وحصل على شهادة البكالوريا - قسم ثاني في العام 1945. سافر إلى بلجيكا ضمن عداد أول بعثة سورية في عصر الاستقلال، حيث درس في جامعة بروكسل الحرة. حصل على شهادة مجاز في علم الاجتماع والتربية، وعمل في مجال التعليم في الفترة ما بين سنتي 1952-1979 في اللاذقية. انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري في أواخر الأربعينيات وتركه، أو طرد منه، في العام 1957. ساهم في مجلة " دراسات عربية "، وإنشاء " دار الحقيقة " للنشر، وإصدار مجلة " الواقع " في بيروت، وتأسيس مجلة " الوحدة " في الرباط، إضافة إلى العديد من الندوات الفكرية عربيا وعالميا. توفي بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 1991. بدأ التأليف والترجمة في العام 1955 ) لحظة من حياته إلا ووظفها فيما كان يسميه " جرد الواقع " والتعرف عليه، وفي التحصيل المعرفي والفكري، الذي حوله إلى متابع لتظاهرات الواقع في حياة ووعي الإنسان، وإلى طالب معرفة لا يكلُّ، يصل ليله بنهاره في عمل عقلي دائب، قاده إلى طرق جميع مجاهل ودروب المعرفة على وجه التقريب، وإلى العمل طيلة نيف وأربعين عاما بوتيرة لا يكاد المرء أن يصدق أنّ لها مثيلا في حياتنا، تعرّف خلالها إلى التاريخ والاقتصاد والفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع والسياسة واللاهوت وتاريخ الفن والرياضيات.
لقد كان الرجل يعتبر نفسه مناضلا من أجل الحقيقة أكثر مما كان يرى في ذاته مناضلا سياسيا، وكان يرفض رفضا قاطعا أي تنازل يمس علاقته بما يعتقد أنه الحقيقة. ومن يقرأ كتبه سيجد أنه قال أكثر الأفكار جرأة وخطورة دون خوف أو تردد، وأنه انتقد الواقع العربي والوطني بصراحة وقسوة لا مثيل لها في لغة السياسة العربية المعاصرة.
لقد تميز إنتاجه الفكري بدرجة عالية من العمق النظري، كما أنّ جهده النقدي في إعادة صياغة أوليات الفلسفة العربية القومية في ضوء مقتضيات التقدم العربي، جعله يساهم في بلورة منظور فكري اتسم بكثير من الاتساق، وعكس وجها من أوجه جدلية التاريخ والفكر في سياق تطور الفكر العربي المعاصر. وبصورة عامة يمكن القول أنه، في كل ما كتبه، كان يجمع بين النقد السياسي والنقد الفكري. وكان النقد السياسي بالمعنى الضيق للكلمة، أي " السياسوي "، والنقد الأيديولوجي يتقلصان ويضمران عاما بعد عام، في حين كان الفكري يتعمق ويتجذر.
كتب الياس مرقص الكثير في مجال اختصاصه، وقصد بالفلسفة شيئين أساسيين: أولهما، نظرية المعرفة، بما تنطوي عليه من رفض للأيديولوجيا، خاصة حين يعتقد البعض أنها تعادل الفكر. فالأيديولوجيا الماركسية ليست، بوصفها كذلك، حاملة الحق، ولا الأيديولوجيا البورجوازية حاملة بالضرورة الباطل. وعليه، فقد قال " ليس ما ينقصنا هو الأيديولوجيا بل المنطق والمعرفة والثقافة والاخلاق، و... أيديولوجية تحترم وتثمّن بالأساس المنطق والمعرفة والثقافة والأخلاق. وثانيهما، هو تصور للإنسان وتاريخه ومصائره، وهذا مفقود في الفكر العربي المعاصر، في معظم الحالات. فلئن كانت ماركسية ستالين وآخرين قد أعطت صورة مغلوطة عن وحدة تاريخ الإنسان، فإنّ قسما كبيرا من الفكر العربي يتبنى، فعليا وعمليا، موقف نفي لهذه الوحدة. إذ هناك شرق وغرب، فكرة النوع الإنساني ملغاة، أي ليس لها قيمة نظرية وتاريخية " من المحال والعبث والحماقة أن نخرج خارج تاريخ البشرية، خارج مصائر الإنسان اليوم، هذا التاريخ الكوني لا يخرج: إما أن نصير ذاتا وفاعلا وصانعا له وفيه، وإما أن نكون وأن نعود كما كنا قبل قرن مادة وموضوعا وسمادا لتاريخ ننخلع عنه وينخلع عنا ".
كان لابد من هذه المقدمة لتحديد الإطار العام لحياة ومؤلفات وفكر الياس مرقص، ولكننا في إطار مقاربتنا سنتناول أهم قضايا المسألة القومية والماركسية العربية لديه: الوحدة العربية، والمقاومة الفلسطينية، والديمقراطية، والمجتمع المدني، وتعريب الماركسية، والموقف من الستالينية، وعلاقته بالحزب الشيوعي السوري، ونقده للفكر القومي.
(1) - المسألة القومية
لقد شغلت المسألة القومية، بوصفها واحدة من أهم مسائل الواقع العربي ببعديه التاريخي والعالمي، موقعا هاما في فكر وعمل الياس مرقص، فقد كانت من أهم المعايير التي انتقد في ضوئها الماركسية الدوغمائية والفكر القومي. فقد تتبع في مؤلفاته مواقف الماركسيين عموما، والماركسيين العرب خصوصا، من مسألة الاستعمار والإمبريالية، وبالتالي من مسألة الاستقلال السياسي والتحرر من التبعية، ومواقفهم من قضية الاندماج القومي والوحدة العربية، ومن الصراع العربي ـ الصهيوني. وفي سياق عملية التتبع والنقد والتأسيس جمع مرقص، على نحو خلاق، بين الماركسية والقومية بالمعنى الحديث للكلمة، فقد كان ماركسيا بقدر ما كان قوميا، وكانت " ماركسيته " قومية بقدر ما كانت " قوميته " ماركسية.
ويمكن القول أنه تناول المسألة القومية بطريقتين: مباشرة، تتجلى في المؤلفات التي خصصها لهذا الموضوع مثل " نقد الفكر القومي عند ساطع الحصري "، و" الماركسية والمسألة القومية "، و" في الأمة والمسألة القومية والوحدة العربية " مع مكسيم رودنسون وإميل توما، و" عفوية النظرية في العمل الفدائي "، و" المقاومة الفلسطينية والموقف الراهن "، وسلسلة من المقالات والدراسات. والثانية طريقة غير مباشرة، تجلت في عدد كبير من الآراء والأفكار والملاحظات في ثنايا مؤلفاته الأخرى. ذلك لأنّ قضيته المركزية كانت قضية الفكر والواقع والشعب، قضية العرب والأمة العربية في العالم وفي إطار قضية الإنسان وتاريخه ومصائره. لقد اكتسبت المسألة القومية عنده طابعا جديدا، واغتنت بمضمون حديث.
لقد كانت قضية الوحدة العربية هي قضية القضايا في فكره، إذ كان يعتقد أنّ لا طريق للتقدم والتحرر العربيين دون تحقيقها، وبأنّ تحقيقها لن يتم إلا من خلال سيرورة تاريخية كاملة، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وأنّ المدخل إلى ذلك هو تحديث الحياة العربية. ففي مواجهة العدمية القومية أكد مرقص " أنّ الأمة العربية تكونت خلال تاريخ طويل وأنّ القسم الأكبر، والأكثر حسما في هذا التكون التاريخي الطويل هو التكون التاريخي لحقبة ما بعد الإسلام. فالأمة العربية ليست امتدادا في الزمان لأمة ساميّة عامة غير موجودة، وليست تمددا في المكان لمعين قرشي أصلي. إنّ أبناءها .. ينتسبون إلى عدنان وغسان في اللغة، والباقي (الإنتاج والثقافة) لا ينبع من اللغة. الموقف المعاكس هو نفي لوجود تقدم حقيقي، للنمو بما يتضمنه هذا المفهوم الفلسفي من تغير في طبيعة الشيء. وإنّ الوجود القومي العربي قد ارتكز على تشابه قديم في أسلوب الإنتاج والملامح النفسية - الثقافية واللغات، وتحقق على أساس لغة محددة قديمة وثابتة هي اللغة العربية، لغة قريش. هذه اللغة تاريخها اللاحق الوحيد هو تاريخها الخارجي، أي تاريخ انتشارها وصيرورتها لغة عشرات الملايين من البشر، لغة لاقتصادهم وثقافتهم وعلاقاتهم وحياتهم، أي تاريخ صيرورتها لغة قومية. أما تاريخها الداخلي، أي تاريخ تكونها لغة، تاريخ نشوء مفرداتها الأساسية وقواعدها فهو يرجع إلى ما قبل التاريخ المعلوم ".
وفي نقده للنظرية " الاقتصادوية " في تكوّن الأمة، واهتمامه بالعنصر السياسي " الدولة " والعنصر الأيديولوجي " الدين "، كتب " إنّ تاريخ نشوء وتكون الأمة العربية يبقى شيئا عصيا على الفهم إذا لم نضع العنصر السياسي والعنصر الأيديولوجي في مكان الصدارة. لولا الإسلام والقرآن، حافِظُ اللغة، ولولا الدولة العربية - الإسلامية الأولى، وبقاء الطابع العربي للحكم قرونا طويلة بعد انقسام هذه الدولة الواحدة، لما كان لدينا اليوم أمة عربية ممتدة من الخليج إلى المحيط. تلك عناصر لا تنحلُّ في مقولة الاقتصاد، فمن العبث، ومن غير المجدي على صعيد تلمُّس تاريخ الأمم ومصيرها، أن نعتبر الاقتصاد سببا، محض سبب، والدولة والأيديولوجيا نتيجة، محض نتيجة. ومن العبث أن نقول أنّ الأمة تخلق الدولة القومية، وأنّ الدولة القومية لا تنشئ الأمة. إنّ التاريخ يخطّئ هذه النظرة الأحادية الجانب، يخطّؤها بدرجات متفاوتة، لكنه يخطّؤها دائما ".
وإذ يخلط الفكر القومي التقليدي بين الهوية والأصل، أكد الياس مرقص أنّ الأصل والهوية شيئان مختلفان وليسا شيئا واحدا، وأنّ " الشد إلى الأصل ليس إلغاء للوجود، بل هو إلغاء للأمة ". ولعل مفهوم الأصل يحيل على العرق والشعب العريق، وعلى اللغة، مجرد اللغة، أو الدين ... أي على الجوهر الثابت المتعالي على التاريخ، وعلى الوجود الماهوي، والرسالة الخالدة ...
إنّ مفهوم الأصل الذي يحيل على الجوهر الثابت، أو الوجود الماهوي، يوجه عملية وعي الذات نحو الماضي ونحو التراث والثقافة التقليدية والدين. وينتج أوهاما شتى حول العلاقة بين العروبة والإسلام، ويحل مفهوم الجماعة، أو مفهوم الملّة الدينيين محل مفهوم الأمة العلماني. إنّ قومية العرب لا تتقوّم بانتسابهم إلى عدنان أو غسان أو إبراهيم .. ولا في كونهم مسيحيين أو مسلمين، ولا حتى بالتكلم بلغة واحدة .. بل في حريتهم واستقلالهم، وإنتاجهم شروط حياتهم ووجودهم، وتطلعهم إلى مستقبل ممكن وواجب. لذلك كان من الضروري تمييز أو فرز مفهوم القومية عن مفهوم الأمة. فالقومية التي تحيل على مفهوم القوم، بكل حمولاته الرمزية والأيديولوجية واللغوية والإثنية القارة في اللاشعور الجمعي والمخيال الاجتماعي، هي شعور بالانتماء إلى الأمة، يمكن أن يرقى إلى مستوى الوعي مع تقدم الأمة وتفتّح إمكاناتها، ووعي الأفراد حقيقة العلاقات القائمة فيما بينهم، بوصفها الشيء العام المشترك بينهم والذي هو جوهرهم وماهيتهم. هذا الشعور بالانتماء القومي هو محصلة سيرورة تاريخية هي سيرورة تكوّن الأمة أو تشكّلها، تسنده ولا شك وحدة اللغة والثقافة والتجربة التاريخية.
أما الأمة، فهي مقولة اجتماعية وسياسية وثقافية، تاريخية، تدل على جملة من الروابط والعلاقات الواقعية المتغيرة بين الأفراد والجماعات والفئات والطبقات والمذاهب والتيارات والأحزاب .. التي هي أجزاء الأمة وتجسيدها العياني. وهي مقولة مرتبطة أوثق ارتباط وأشده بمقولة العمل، والإنتاج الاجتماعي - الإنساني، إنتاج الوجود البشري، والخيرات المادية والثروات الروحية. القومية، بما هي شعور أو وعي، تنتمي إلى دائرة الذاتي، في حين تنتمي الأمة (المجتمع المدني والدولة) إلى دائرة الموضوعي، وجدل الذات والموضوع هو الذي يضبط العلاقة بينهما منطقيا وتاريخيا.
وخلافا للرؤية التوتاليتارية/الشمولية التي تذوّب الفرد في الجماعة فتلغي فرادته وحريته واستقلاله، أي تلغي شخصيته وذاتيته تحت عناوين مختلفة: دينية ووطنية وشعبية وطبقية وثورية ... الخ، أكد مرقص أنّ المجتمع هو أولا وقبل أي شيء آخر مجتمع الأفراد، والأمة أمة الأفراد، وإلا فلا معنى، ولا معقولية. وكما يكون الأفراد يكون المجتمع وتكون الأمة، فالمجتمع الذي يلغي حرية الأفراد واستقلالهم وذاتيتهم إنما يلغي حريته واستقلاله وذاتيته، إنّ إلغاء الفرد والخاص هو إلغاء للعام. ومن البديهي أننا بإلغاء الفرد والخاص لا نلغي وجود الأفراد، بل نلغي العلاقات التي تشكل جوهرهم وماهيتهم، أي نلغي الأمة، وننتج حالة من التناثر الاجتماعي والقومي أشبه بحالة اجتماع حبات الرمل أو أفراد القطيع.
وفي هذا السياق كتب مرقص " إذا ما ألغينا الأفراد وأكدنا الهوية لن يكون لدينا أي تطور، ولن يكون لدينا سوى جوهر وهمي للأمة، عندئذ لا نكون إزاء مسألة الهوية، بل بالأحرى إزاء عقدة الهوية، والفرق كبير، إلى ما لا نهاية، بين الهوية وعقدة الهوية. الهوية ذاتية حقيقية، ثقة بالذات، استقلال فعلي، حرية، حرية للإنسان فردا ومجتمعا وأمة ".
لقد رأى مرقص أنّ الوحدة العربية، كما أسلفنا، شرط التقدم العربي، اللازم ولكن غير الكافي. وأنّ سيرورة تكوّن الأمة العربية وأشكال وحدتها قد ارتبطت بمراحل النهوض والتقدم، كما ارتبطت التجزئة تاريخيا بالانحطاط والتراجع، وبالهيمنة العالمية لدول كبرى وقوى أجنبية. وأنّ النزوع الوحدوي لم يصبح واضحا وجديا في التاريخ العربي المعاصر إلا عندما نمت حركة الجماهير المعادية للإمبريالية، ولا سيما عندما أدركت القيادة الناصرية أنّ استقلال مصر الحقيقي يقتضي تصفية النفوذ الإمبريالي في العالم العربي، وعندما أدركت الجماهير والقيادات السورية أنّ درء الخطر الخارجي ومقاومة الأحلاف الاستعمارية غير ممكنين إلا بالوحدة، فكانت وحدة العام 1958 بين سورية ومصر التي سُحقت بسبب طابعها القومي التقدمي المعادي للإمبريالية والصهيونية، فضلا عن نزوعها إلى العدالة الاجتماعية.
تلك التجربة علّمت الياس مرقص أنّ العرب لن يتقدموا ثانية في طريق الوحدة العربية ما لم تتمكن قوى الثورة العربية من إعادة بناء الوعي القومي على أسس إنسانية وعلمانية وعقلانية وديمقراطية، وما لم تضع قضية الوحدة في محور عملها الاستراتيجي، وما لم تعِ أنّ السيرورة الوحدوية هي حركة جماع الأمة وليست مقصورة على طبقة أو فئة أو حزب، وأنها - بالتالي - صيحة احتجاج جماعية ضد التأخر والتجزئة والهيمنة الإمبريالية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
وباعتبار أنّ القضية الفلسطينية هي أحد أهم قضايا المسألة القومية العربية، فقد انتقد الياس مرقص المقاومة الفلسطينية، في أوائل السبعينيات، انتقادا لاذعا. ومما كتبه " لقد أرادت المقاومة الفلسطينية أن تكون الردَّ التاريخي على التقاعس العربي فكان الغرور المقاوِم تبريرا للهروب العربي. أرادت المقاومة أن تكون انتشالا للعرب من واقعهم الموضوعي الفاسد، فكانت ذاتية المقاومة " تعويضا " وتبريرا لهذا الواقع. الموضوع العربي والذات المقاومة وجهان متكاملان في عملة واحدة. المقاومة قالت: نحن المحور وأنتم المساندة. والشركاء قالوا: موافقون، أنتم المحور ونحن المساندة. الطرفان وجدا في ذلك مصلحتهما. الطرف الأول ـ الفلسطيني ـ وجد فيه مصلحته المعنوية (الذاتية، عظمة الأنا). والطرف الثاني ـ الشركاء العرب ـ وجد فيه مصلحته المادية تماما (المصالح البترولية، مصالح البيروقراطيات العسكرية والأيديولوجية، مصالح اللعب السياسي مع " العالم " ضد مصر وضد الوحدة العربية) .
إنّ أيديولوجيا المقاومة قد منحت براءة ذمة وجواز مرور لجمعية المنتفعين بالقضية الفلسطينية. تلك هي وظيفتها الموضوعية، المشهودة في الواقع العياني ".
لقد أرادت المقاومة الفلسطينية، حسب الياس مرقص، أن تكون في واقعها وممارستها نفيا " نقيضا " للواقع العربي والممارسة العربية، فكانت أيديولوجيتها تثبيتا لهذا الواقع وهذه الممارسة. فلم تدرك المقاومة أنّ الفلسطينيين لا يستطيعون أن يقفوا ويتابعوا نضالهم بينما العرب قاعدون وراكعون. وقد قدم في حينه مجموعة نصائح إلى المقاومة من أهمها " إنّ المقاومة الفلسطينية تملك ـ الآن ـ أن تجعل صوتها مسموعا أكثر مما كان مسموعا في 1968 بكثير. يكفي أن تُسمِعَ صوتها وأن يكون صوت حق. يكفي أن تصفع الديماغوجيا بكلتي يديها. يكفي أن تقطع الصلة مع المتاجرين بالقضية الفلسطينية. أن تقطع الصلة مع طاحونة الكلام العربية، مع النزعة الكلامية العربية " الأصيلة " التي يمقتها الشعب العربي، أن تضع الأشياء قبل الكلمات، أن لا تستخدم كلمات إلا للدلالة على الأشياء. أن تميّز الأقوال والأعمال، أن تجرَّ الدول إلى العمل، وأن تسمي القوّال قوّالاً. أن تسمي الدول بأسمائها. أن تجتث الذاتية من الجذور وأن تزرع الموضوعية ... أن تخفض صحفها وبياناتها وملصقاتها الجدارية وكل قطاع الإعلام والعلاقات العامة بمقدار 95 %. أن تغلق 95% من مكاتبها. أن تمنع اللباس المبرقع فيما عدا ساحة القتال والتدريب ".
وهكذا فإنّ الياس مرقص نقل المسألة القومية العربية، بكل منطوياتها، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وبكل مسائلها، من حقل التأمل النظري والتطلع الرومانسي والحنين إلى الماضي والتعلق بالتراث والتقليد، إلى مستوى الواقعية والحداثة، مع فكرة الإنسان والتاريخ والتقدم. فقد نقلها من مستوى الوجود المجرد، الجوهري، اللاتاريخي، إلى الوجود المعيّن، فوضعها في إطار المجتمع المدني ودولة الحق والقانون، مؤكدا مضمونها العلماني الديمقراطي واتجاهها المستقبلي وبعدها الإنساني.





#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة ما بعد - انتصار - حماس
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (2)
- الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (1)
- أي سلام مع حكومة نتنياهو ؟
- موسم المصالحات العربية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (6)
- زمن المحاكمات الدولية
- آفاق التحول الديمقراطي في العالم العربي
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (5)
- القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (4)
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (2)
- توجهات السياسة الخارجية التركية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (1)
- الاتحاد المغاربي .. إلى أين ؟
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (4)
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)
- مفاهيم ومصطلحات أهم قضايا المسألة القومية (2)
- محاولة تحديد أهم قضايا المسألة القومية (1)


المزيد.....




- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية دون تطبيع إسرائيلي؟ مسؤول ...
- قد يحضره 1.5 مليون شخص.. حفل مجاني لماداونا يحظى باهتمام واس ...
- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)