أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)















المزيد.....

الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 08:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأدوات والمفاهيم النظرية تشكل أهمية كبيرة لمقاربة قضايا المسألة القومية، إذ أنها المدخل اللازم لإجراء قراءة تاريخية نقدية مقارنة لأفكار وممارسات الأحزاب السياسية في العالم العربي تجاه قضايا المسألة القومية. ومن أجل ذلك، فإننا نتناول هنا مجموعة مفاهيم تشكل أسسا هامة للمسألة القومية (فلسفة التنوير، الحداثة، العقلانية، الليبرالية، الديمقراطية، العلمانية، الماركسية).
1- التنوير: وهو خروج الإنسان من حالة القصور، التي هي حالة العجز عن استخدام العقل خارج قيادة الآخرين. فقد كان شعار التنوير، حسب كانط " لتكن لديك الشجاعة على استخدام عقلك بنفسك ".
وبمعنى آخر فالتنوير هو امتلاك نظري للواقع ونقد للفكر بارتباط مع هذا الامتلاك، إنه وهو يمارس مهمته على هذا النحو فإنما يطمح لأن يكون الشكل الأرقى للوعي، وأن يتحول إلى وعي مهيمن منطلقا من أهمية الوعي بوصفه عنصرا من عناصر تغيير العالم. وبذلك، فإنه " يؤسس لحرية ارتياد الإنسان للواقع بكل عناصره ".
إذ يطرح التنوير السؤال الأساسي: هل الدولة القائمة متطابقة مع مستوى تطور المجتمع بكل أبعاده وفي حاضره، فتقوم بدور الدافع لحركة الحاضر نحو الأعلى، إذ ذاك تكتسب صفة الدولة العقلانية. أم أنها على العكس من ذلك متخلفة عن مستوى تطور المجتمع فتكبح حركة الحاضر وبالتالي تغدو دولة لا عقلانية ؟
لقد جددت فلسفة الأنوار الوعي كي يستجيب للإطار المجتمعي، الذي أخذ في التكون انطلاقا من عصر النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، فهي لم تتطلع إلى تكوين الدولة - الأمة على أنه ناتج " طبيعي " للتطور، بل اتخذت موقفا مبدئيا وأنمت خطابا آخر، فأعلنت أنّ الدولة - الأمة هي فعل عقد اجتماعي يربط مواطنين أحرارا بعضهم ببعض، ولا وجود لها في غياب هذا العقد، أي من دون القرار الواعي من قبل " مواطنين " وليست ناتج تطور " طبيعي " يفرض نفسه من دون عمل الوعي.
كُنْ شجاعا واستعمل ذهنك: هذا هو " رصيد التنوير ". وعصر الأنوار يحيل إلى هذه الظاهرة الفكرية، الواسعة الانتشار، التي عرفتها أوروبا في القرن الثامن عشر، وخصوصا ألمانيا وفرنسا، التي تجلت في عدة جوانب، منها: النقد الديني الذي تجلى في حركة الإصلاح البروتستانتي، التي دعت إلى حرية تأويل النصوص المقدسة، وحاربت الطغيان الكنسي، ورفضت فكرة التوسط بين الرب وعباده. كما قامت هذه الظاهرة على تأكيد أولوية الإنسان ودعم استقلاله وإرادته، ورفعه إلى مستوى يكون فيه مرجع سلوكه، والقاعدة المعيارية لممارسته الاجتماعية.
لقد مثّل عصر الأنوار نقطة تحول كبرى في النظام المعرفي، وشكّل - في الآن نفسه - قاعدة التفكير للحداثة كلها، إذ أنه الفضاء الذي يقوم على أربعة محددات:
1- العقلانية، التي ترى في الذات مصدر المعرفة.
2- التاريخانية، أي أنّ الحداثة قامت على معقولية التحول، وأفضت إلى تصور حركي للمجتمع، يحدد مراحل لنموه وتطوره، وهو نمو يخضع لمعيار التقدم ويبشّر به كسلاح أيديولوجي.
3- الحرية، كأرضية تعيّن شرعية السلطة، وتؤكد حق الإنسان في تقرير شؤونه المدنية، دون إكراه أو قيد، كما توفر المقولة ذاتها محددات الممارسة الاقتصادية، وتشكل أيضا منطلقا للتعبئة الأيديولوجية.
4- العلمانية، أي فصل السلطة السياسية عن المؤسسة الدينية، وفي مقابل ذلك الانطلاق من الإنسان كمفهوم مرجعي للممارسة النظرية والسلوك الأخلاقي والسياسي.
لكنّ مشروعَي " فلسفة الأنوار " و " الثورة الفرنسية " اصطدما بواقع التوسع الرأسمالي الذي تحدد مغزاه في بعدين اثنين: أولهما، ما ترتب على أساليب انتشار الرأسمالية في أوروبا نفسها. فلم تفتح الرأسمالية سبيلا لها خارج بريطانيا وفرنسا وهولندا من خلال ثورات بورجوازية، بل بالاعتماد على إقامة الدول الوطنية (الدولة - الأمة) لأوروبا الحديثة. ففي حالة ألمانيا مثلا كان تكوين هذه الدولة ناتجا مركّبا لاستخدام القوة لمملكة بروسيا وانضمام أرستقراطيات الدويلات الألمانية لمشروع بسمارك، وإن تحققت ثورة بورجوازية تدريجيا.
وثانيهما، يخص التوسع الرأسمالي في الأطراف الآسيوية والأفريقية. فلم يخطر ببال أصحاب الحكم الاستعماري أن يعاملوا شعوب المستعمرات طبقا للقيم الديمقراطية لفلسفة الأنوار. بل وجد هؤلاء الحكام من مصلحتهم إبقاء تلك الشعوب خاضعة لـ " تقاليدها "، وتوظيف هذه التقاليد من أجل تكريس حكم الاستعمار.
وفي سياق تعرّفنا على انعكاسات فلسفة الأنوار على المسألة القومية يجدر بنا التعرف على كيفية تعامل الفكر العربي معها، وهنا يمكن أن نميّز ثلاثة مواقف:
1- لقد بلور المصلحون المصريون والسوريون والمغاربة اختيارات فكرية تدعو إلى قيم التنوير، وتسلّم بأهمية المفاهيم التنويرية في تطوير الفكر العربي والواقع العربي.
2- مقابل حماسة الموقف الأول للأنوار نعثر في الفكر العربي على مواقف رفض ومعاداة فكر الأنوار، ففي نصوص النزعة الإصلاحية السلفية نجد رفضا صريحا للأطروحات التنويرية.
3- في العقدين الأخيرين ثمة اتجاه في الفكر العربي لإعادة إنتاج فكر الأنوار بطريقة تتميز عن الموقفين السابقين، وذلك في إطار تدعيم العقلانية والحرية والتقدم في الفكر العربي والواقع العربي. ففي الأعمال النقدية لمحمد أركون ومحمد عابد الجابري ملامح للبعد الأنواري في فكرهما، رغم تنوّع نتائج أبحاثهما. إنهما يساهمان في توسيع مساحة التنوير في الفكر العربي، كما يساهمان في بلورة تقاليد البحث العقلاني. أما في المسائل السياسية، فإنّ الجهود الفكرية التي بذلها عبدالله العروي والياس مرقص وياسين الحافظ وسمير أمين وغيرهم في الدفاع عن دروس الحداثة المتشبعة بفلسفة الأنوار، قد ساهمت في بلورة دعوة سياسية مستوعبة لأهم دروس الأنوار في المجال السياسي.
2- الحداثة والعقلانية، ليس من نظرية للحداثة بل ثمة منطق وأيديولوجية للحداثة، ففي الغرب وُلدت بعد التحولات العميقة الاقتصادية والاجتماعية، وهي تتجلى في كل الميادين: دولة حديثة، تقنية حديثة، آداب وفنون حديثة، عادات وأفكار حديثة. ولا نستطيع تجاهل أثر التطور السريع للعلوم على مفهوم الحداثة، فالحديث عن الإنتاجية القصوى وعالمية الانتشار وتسارع الأدوار واتساع المشاركة هو حديث يحمل معه قيما أخرى للحياة، ونمطا جديدا للحضارة.
أما العقلانية فهي " الطرائق الجديدة التي يبتدعها الإنسان على صعيد الواقع أو النظرية لتحسين مردودية جهده ورفع فعاليته "، وهي ببساطة " القدرة على الترشيد في العمل والنظر الإنسانيين، وهي القدرة الناجمة عن تراكم الخبرة البشرية والحضارية "، وأنّ اقتصاد الجهد الذي هو المعنى الوحيد للعقلانية " يقوم على التنسيق والترتيب والتنفيذ وتنظيم المعطيات الموجودة في الواقع، بما في ذلك الواقع الإنساني والاجتماعي بحسب منطق يقلل من الهدر في الوقت والجهد ".
وبمعنى آخر، إنها البحث المستمر في المعايير التي تقاس بها صحة الاستراتيجيات التي تصوغها الجماعات أو تسعى إلى صياغتها من أجل إحراز التقدم ومسايرة التاريخ. إنها تؤمن بالاكتشاف التدريجي للحقيقة بواسطة العقل وحده، ومع هذه الحركة الفكرية انخرط المجتمع والدولة في طريق العقلنة.
ومن جهة أخرى، لابد أن نلمس حقيقة الوجه المزدوج للحداثة الأوروبية، إذ أنّ حملة نابليون بونابرت على مصر والشام (1798-1801) نقلت معها الدعائم الثلاث التي قامت عليها الحداثة الأوروبية: القوة، والمنافسة، والمعرفة ( التوسع الاستعماري، التنافس الأوروبي البريطاني - الفرنسي، الفكر التحديثي ).
لقد ساد فكر " الأنوار"، الذي أعلى من شأن العقل ومجّد القيم الإنسانية المثلى ( إخاء، حرية، مساواة )، وجه الحداثة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر. ولكنّ الوجه الآخر سرعان ما أخذ " يزاحم هذا الوجه التنويري داخل أوروبا نفسها، بل وفي أوساط الثورة الفرنسية ذاتها، التي كانت التعبير العملي لأيديولوجيا الأنوار، والتي امتزج مجراها بما يتناقض مع مبادئها ... لقد بدا واضحا منذ أواخر القرن الثامن عشر أنّ قيم الحداثة هذه تفقد، عند أهلها والمبشرين بها، صبغتها الإنسانية المطلقة عندما يتعلق الأمر بمجال آخر غير مجال الصراع مع القوى صاحبة الامتياز في الداخل ".
وإذا كانت حملة نابليون على مصر والشام قد كشفت للعرب عن حقيقة هذه الازدواجية ( التنوير- الاستعمار )، فإنّ المشروع النهضوي العربي قد قُدّر له أن " يعيش في عصر انحسار الوجه التنويري وطغيان الوجه الآخر في الحداثة الأوروبية ". وبتحليل مضمون الخطاب التحديثي العربي يتبين أنّ مقولة الحداثة قد اكتسبت ثلاث دلالات متباينة، تختلف بحسب السياقات النظرية:
(1)- دلالة تقنية، تتلخص في مقتضى الأخذ بأسباب القوة التقنية، واستيراد العلوم الحديثة واستنباتها، وعيا بأنّ هذا المسلك هو الكفيل بتدارك الغرب المتطور، الذي لم يصل إلى موقعه الريادي المتقدم إلا بفضل هذا النهج العلمي التقني.
(2)- دلالة تاريخية، تماهي بين مفهوم الحداثة ومرجعيتها الغربية، باعتبار نشأته الأصلية في المجال الأوروبي، وارتباطه بمجموعة من العوامل النظرية والمجتمعية، أصبحت بالضرورة داخلة في تعيين معاييره ومقوماته، ومن ثم فإنّ أي مشروع تحديثي لابد أن يستلهم هذه الرؤية الغربية، التي تمسكت بها المجتمعات التي سلكت المسلك التحديثي.
(3)- دلالة تصورية نظرية، تضبط مفهوم الحداثة في حقله الدلالي، الذي تعبر عنه مقولات التقدم والتنوير، وقيم العقلانية.. وغيرها من المفاهيم المؤسِسة للفكر الحديث، مع تباين واضح في ضبط وتوظيف هذه المقولات والقيم، مما يعكسه اختلاف التيارات الفكرية العربية.
ومن هنا تبدو أهمية الاستعادة العقلانية النقدية لفكر النهضة العربية الحديثة، خاصة ما يتعلق منه بمعنى الدولة الحديثة والفرد والمجتمع، إضافة إلى أدواتها المفاهيمية ( حقوق الإنسان، المواطنة، الأمة، المجتمع المدني، التعاقد الاجتماعي، الشرعية الدستورية القانونية، العقلانية، الديمقراطية، التنوير). وتبرز أهمية مثل هذه الاستعادة إذا علمنا أنّ الحداثة عندنا جاءت عبر نخب تأثرت بالأفكار الغربية الحديثة، ولم تحاول تكييفها مع واقع البنية المجتمعية العربية، بل حاولت فرضها مجتزئة على هذه البنية، عبر السيطرة على جهاز الدولة أو استغلاله. وقد ولّد هذا انفصاما بين البنيتين الدولاتية والمجتمعية، لم نجده في الغرب.
ولعل العودة إلى مفاهيم " الوعي المطابق " لياسين الحافظ يساعدنا في هذه الاستعادة العقلانية النقدية، فالمستوى التاريخي في إنتاج وعي مطابق للواقع " يوميء إلى أنّ الواقع العربي لم يحقق الثورة القومية الديمقراطية، فهي هدف لابد منه لتحقيق الاندماج القومي في وجه التكسّر الاجتماعي .. فالثورة الديمقراطية ضرورة داخلية تستدعيها " المواطنية " لتجاوز" الرعوية " و " الأموّية " لتجاوز " الملية "، حيث تحديث السياسة بالديمقراطية، وتحديث الثقافة بالعلمنة، من أجل صياغة وعي وطني حديث قادر على القبول بالتعدد والتنوع والمغايرة ".
3- الليبرالية والديمقراطية، فالليبرالية هي منظومة الأفكار والقيم والمبادئ المتكونة في الغرب خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، حاربت بها الطبقة البورجوازية الأفكار والأنظمة والقيم والمؤسسات الوسطوية - الإقطاعية. وبكلمة " هي التي تشكل المجتمع الحديث والفكر الحديث ". ولا يمكن أن تُختزل إلى نظرية في الاقتصاد " إنها أبعد وأشمل بكثير من مجرد دعوة إلى حرية المشروع الاقتصادي، بل يمكن القول أنّ موقفها على الصعيد الاقتصادي مجرد تظاهرة فرعية من تظاهرات موقفها السياسي، موقفها من حرية الفرد ".
أما الديمقراطية فهي " منهج ضرورة يقتضيه التعايش السلمي بين أفراد المجتمع وجماعاته، منهج يقوم على مبادئ ومؤسسات تمكّن الجماعة السياسية من إدارة أوجه الاختلاف في الآراء وتباين المصالح بشكل سلمي. وتمكّن المجتمع – بالتالي - من السيطرة على مصادر العنف ومواجهة أسباب الفتن والحروب الأهلية ".
أما السياسة الحديثة، التي يمكن أن تقوم بدورها الراديكالي - التقدمي، فينبغي أن تتوفر على عدة شروط، من أهمها:
أ- استيعاب معطيات السياسات الحديثة، وتفهّم منطقها وآليات عملها.
ب- الانطلاق من الواقع، وليس من الرغبات والأوهام والتصورات الأيديولوجية. وفي الوقت نفسه، رؤية إمكانات الواقع ومسارات تطوره، ورؤية الطاقات القائمة والكامنة. وبعبارة أخرى، إدراك الصيرورة التاريخية لحركة الواقع ليس بهدف تفسيرها أو فهمها فقط، بل من أجل السعي إلى تغييره.
ج- أن يكون الوعي مطابقا لحاجات تغيير الواقع المتغيّر باستمرار، والسياسة المستندة إلى وعي مطابق بعكس السياسة المستندة إلى الأوهام، لها الحظوظ الكبرى في التقدم وخدمة الأهداف التي تضعها لنفسها.
د- إنّ سياسة عربية قومية ديمقراطية يجب أن تنطلق من المصلحة القومية، المفهومة فهما صحيحا في علاقتها بالخصوصيات القطرية والأوضاع الدولية، وبناء على ذلك تتحدد استراتيجيات العداء والصراع، واستراتيجيات الحوار والتحالف، حيث تكفُّ السياسة عن كونها نيات حسنة أو شريرة، بل تصبح صراعا للمصالح بين دول، يربح القوي ويخسر الضعيف، وخسارة الضعيف هي ضريبة لا بد منها، حتى يتدارك عوامل ضعفه.
4- العلمانية، نظام عام عقلاني ينظّم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، فيما بينها وفيما بينها والدولة، على أساس مبادئ وقوانين عامة مستمدة من الواقع الاجتماعي، يتساوى أمامها جميع أعضاء المجتمع وفئاته بصرف النظر عن الانتماءات والخلفيات وتشمل:
ا- فصل الدين عن الدولة وإقرار حيادها تجاهه، والامتناع عن تحديد هويتها الدينية.
ب- إلغاء الطائفية السياسية.
ج- تعزيز المحاكم المدنية العامة، لضمان المساواة التامة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم.
د- إقرار توحيد قانون الأحوال الشخصية، بحيث يساوي بين المرأة والرجل، ويمنح المواطن حق الاختيار بين الزواج المدني أو الديني أو كليهما.
هـ- اعتبار القوانين نسبية لا مطلقة، مصدرها المجتمع، فتُعدَّل بضوء حاجاته ومشكلاته، وبمقتضى الأحداث التاريخية الجارية وحسب مشيئة الشعب الذي يُحكَم باسم هذه القوانين.
و- اعتبار الحاكم حاكما باسم الشعب، يستمد سلطته من الناس ويمثل إرادتهم، ولا يستمدها من أية إرادة فوق المجتمع.
ز- تعزيز الثقافة العلمية العقلانية.
ح - الإقرار بحقوق مختلف المذاهب والطوائف والجماعات.
ط - تحرير الدين من سيطرة الدولة، والدولة من سيطرة الدين.
وهكذا، يبدو أنّ العلمانية ليست شعارا يُرْفَعُ، بل هي اتجاه تاريخي، وجملة مواقف، وقوى اجتماعية ونظرية، تُلِّمُ بالتاريخ، وتتوافق مع الترقّي، ومع التحولات الاجتماعية على الصعيد العالمي. ومن ثم، فالعلمانية - بما يُراد لها أن تكون تشخيصا عربيا - " ترى في إقصاء التناقضات والصراعات الطائفية والمذهبية والإقليمية والإثنية، التي تُؤجَّج وتُسَعَّرُ في العالم العربي، أمرا حاسما في صالح الخطوة الأولى باتجاه فعل تاريخي عربي مفتوح. وبهذا، فإنّ العلمانية المعنية هنا لا علاقة لها بما تلصقه الأصولية الإسلامية من مماهاة بينها وبين الإلحاد، ومن الاعتقاد بأنها مؤامرة غربية لتدمير الإسلام من داخله ".
ولما كان الأمر كذلك، فإنّ العلمانية " تجد مرتعها الخصب في إطار من الديمقراطية، التي تمارس عقلانيا وتنويريا، وذلك على نحو تغدو فيه الديمقراطية والعقلانية والتنوير أحد أوجه العلمانية وصيغة من صيغ التحفيز عليها ".
إنّ العلمانية ارتبطت بأكثر من معنى، فهي ليست فقط بمعنى فصل الدين عن الدولة كما هو شائع في العالم العربي، بل كان الارتباط الأوثق بين العلمانية والفكرة القومية، حين " انبثقت من ثقافة ديمقراطية وصراع في سبيل التقدم وكرامة الإنسان، وجاءت بمثابة تأكيد على قدرته على تنظيم شؤونه تنظيما عقلانيا، بلا قبليات. لذا فالمبدأ الأساسي في العلمنة يؤكد أنّ الدين أمر شخصي، وينبغي، بالتالي، فصله عن الدولة والمدرسة والأحوال الشخصية ".
وتعتبر العلمانية منظومة متكاملة، فهي على المستوى المعرفي، مُعَادلٌ للعقلانية، والرؤية الدنيوية إلى الكون، والإنسان، والمجتمع، والثقافة. وعلى المستوى القومي، تغدو العلمانية الشرط التاريخي لـ " الاندماج القومي " الذي يتجاوز التكسير الاجتماعي، ويُصَفّي تناثر الأمة. وعلى المستوى السياسي، تبدو شرطا ضروريا للديمقراطية، فلا يمكن دمقرطة المجتمع دون علمنته، فالوجه الأول لأي مشروع قومي هو العلمانية والثاني هو الديمقراطية.
إنّ الكثيرين لا يدركون تماما ماهية العلمانية هذه ومدى أهميتها من أجل بناء مجتمع ديمقراطي على مستوى تحديات العصر. ولعل السبب في رفضهم العلمانية هو أنهم يخشون أن تكون مرادفا لمعاداة الدين " أزعم أنّ هذا الخلط لا أساس له، بل أزعم أنّ العلمانية من شأنها أن تحرّر الدين من استغلال السلطة له. وبالتالي فإنّ العلمانية من شأنها أن تقوّي بُعْدَ القناعة الفردية الحرة من العقيدة، وذلك من خلال فك الربط بين الدين والسلطة ".
وعندما تُطرح العلمانية، بمعنى عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية لمواطنيها وبحيث تكون المواطنة هي أساس العلاقة بين الدولة والمواطن، فإنها - في هذه الحالة - أقرب لأن تكون مفهوما سياسيا، يشكل ضمانة أكيدة للمساواة ولتلاحم المجتمع، حيث تكون العلاقة بالوطن والدولة علاقة سياسية وليست علاقة دينية قد تحدُّ من المساواة السياسية بين أصحاب الديانات المختلفة.
إنّ العلمنة منظومة عقلية منطقية غير قابلة للتجزئة، فليس ثمة نصف علمنة، كما أنه ليس هناك إمكانية لعلمنة حيّزٍ من المجتمع دون الآخر، فهي لا تكون فاعلة في المجتمع ما لم تتناول كل بناه الثقافية والاجتماعية والسياسية.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم ومصطلحات أهم قضايا المسألة القومية (2)
- محاولة تحديد أهم قضايا المسألة القومية (1)
- الانتخابات الإسرائيلية تشرعن التطرف والعنصرية
- مدلولات الانتخابات العراقية
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (2)
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (1)
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (3)
- أولوية ترتيب البيت الفلسطيني
- تركيا الصاعدة في الشرق الأوسط
- هل يكفي الغضب العربي لنصرة أهل غزة ؟
- القوة - الذكية - للسياسة الخارجية الأمريكية
- محرقة غزة .. إلى أين ؟
- المخاطر المحيطة بعرب إسرائيل
- الحل الوسط في الصحراء الغربية
- هل يكسب الفلسطينيون الرهان ؟
- حسيب بن عمّار .. وداعا
- حقوق الإنسان .. تراث مشترك للإنسانية
- تحديات مغاربية
- حقوق الإنسان في عالم متغيّر
- كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع التحديات


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)