أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)















المزيد.....

المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2579 - 2009 / 3 / 8 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاتجاه البلشفي
هو اتجاه متميّز فيما يتعلق بالمسألة القومية، كان لينين وستالين من أهم قادة هذا الاتجاه، لذا فإننا سنتعرض إلى مساهمتهما، ومن خلال ذلك سنتعرف على تيارات ماركسية أخرى ( الاستقلال الثقافي الذاتي/ أوتو باور، والعدمية القومية/ روزا لوكسمبورغ، الاقتصادية الإمبريالية بشكليها الأوروبي والآسيوي/ بوخارين وروي )، وقف منها لينين موقفا نقديا صارما.
لقد كان لينين من الماركسيين القلائل الذين نظروا إلى المستعمرات كسبب للنهوض الثوري في النظام الرأسمالي ككل، وكعامل أساسي في الاستراتيجية الثورية خلال المرحلة الإمبريالية. وكانت النقطة المركزية في المفهوم اللينيني حول المسألة القومية هي الربط بين المسألة الوطنية والقومية من جهة، وبين المسألة الاجتماعية - الطبقية من جهة أخرى. فلم يكن مرة إلا مساجلا ضد الطرحين الحديين: الطرح الذي يختزل المسألة القومية بأنها مسألة طبقية، والثاني الذي يتناسى المحددات الطبقية في المسألة القومية نفسها.
وقد ميّز بين اتجاهين لتطور الرأسمالية، وحدد علاقة هذين الاتجاهين بالمسألة القومية: أولهما، الاتجاه السائد خلال مرحلة القضاء على الإقطاع والأطوار الأولى من الرأسمالية، وهو الاتجاه نحو بناء الوحدات القومية والدول القومية. وثانيهما، هو الذي يسود الرأسمالية في أطوارها المتقدمة، حيث تتجاوز الأطر القومية وتتحول إلى قومية شوفينية .
لقد مرت التصورات اللينينية عن المسألة القومية بثلاث مراحل كبرى من التطور:
أولا- مرحلة التكوّن (1895-1913)، وهي المرحلة التي تشمل كل الحقبة التي سبقت ورافقت وتلت مباشرة انعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي - الديمقراطي الروسي في عام 1903.
إنّ أول إشارة في كتابات لينين إلى حق تقرير المصير وردت في مشروع برنامج الحزب الاشتراكي - الديموقراطي، الذي كتبه في سجنه ببطرسبورغ في عام 1895 - 1896. وقد كانت الإشارة إلى ذلك الحق مبهمة وغير محددة، وتطالب لا بحق تقرير المصير وإنما بـ " حرية الضمير والمساواة بين جميع القوميات " في الإمبراطورية الروسية. وفي المشروع الثاني لبرنامج الحزب في عام 1899 اكتفى بصياغة مطلب ديموقراطي عام مثل " المساواة التامة بين جميع المواطنين ".
والواقع أنّ أول ذكر لحق الأمم في تقرير مصيرها لم يرد بصيغة واضحة إلا في مشروع برنامج الحزب لعام 1903، حيث نص البرنامج في البند التاسع من الفقرة (ج) على: الاعتراف لجميع الأمم التي تتألف منها الإمبراطورية بحقها في تقرير مصيرها. وقبل إقرار الصيغة السابقة في برنامج المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي - الديموقراطي الروسي كان لينين قد كتب مقالين عن المسألة القومية: أولهما، بخصوص ما طرحه الاشتراكيون - الديموقراطيون الأرمن حول المسألة القومية، خاصة في منطقة القوقاز التي تتميز بتعايش عدة قوميات. وثانيهما، مناظرته مع الاشتراكيين البولونيين.
ففي منتصف عام 1902 تشكل في القوقاز فرع جديد لحزب عمال روسيا الاشتراكي - الديموقراطي تحت اسم " اتحاد الاشتراكيين - الديموقراطيين الأرمن ". ونظرا للوضع القومي المعقد في القوقاز، حيث تتعايش عدة قوميات خصص التنظيم الجديد قسما كبيرا من بيانه التأسيسي الأول للمسألة القومية. وقد ميّز البيان، في طرحه لهذه المسألة، بين مستويين اثنين: المستوى الروسي (كدولة متعددة القوميات) والمستوى القوقازي (كإقليم متعدد القوميات داخل نطاق تلك الدولة). فعلى مستوى الدولة الروسية طالب البيان بتأسيس جمهورية اتحادية في روسيا الحرة مستقبلا كضمانة للتطور الحر لجميع القوميات الداخلة في تركيب الدولة الروسية . وعلى مستوى إقليم القوقاز رفض البيان إدراج مطلب حق تقرير المصير للقوميات القوقازية في برنامج " الاتحاد الأرمني "، حيث تتعدد القوميات والإثنيات وتتداخل حدودها الجغرافية. وبالمقابل طالب البيان بالاستقلال الذاتي للإقليم، فيما يتعلق بالحياة الثقافية، كحرية اللغة والمدارس والتربية.
وقد رحب لينين ببيان الاشتراكيين - الديموقراطيين الأرمن، وأشار إلى أنه قد طرح المسألة القومية طرحا صحيحا واشتراكيا - ديموقراطيا، ولكنه لاحظ، في الوقت نفسه، أنه اشتمل على بعض الأحكام المتسرعة. فمطالبة البيان بجمهورية اتحادية في روسيا الحرة مستقبلا تتناقض مع حق تقرير المصير، فالاتحاد لا يقوم أصلا إلا بين كيانات قومية مستقلة ومتمتعة - من الأساس - بحق تقرير المصير.
وهكذا، فقد اغتنم لينين فرصة هذا " التناقض" الذي أوقع الاشتراكيون - الديموقراطيون الأرمن أنفسهم فيه ليشرح معنى حق تقرير المصير وموقف الاشتراكيين الديموقراطين الروس منه:
(أ) - إنّ الاشتراكيين - الديموقراطيين الروس إذ يرفعون شعار حق الأمم في تقرير مصيرها لا يقصدون من ذلك - البتة - تجزئة الدولة الروسية وخلق دول مستقلة، ذلك أنّ مهمة البروليتاريا الثورية توحيد نضال عمال جميع القوميات على أوسع نطاق ممكن من أجل الجمهورية الديموقراطية والاشتراكية، وليس هدفها تجزئة ذلك النضال باسم الاعتبارات القومية.
(ب) - إنّ حق تقرير المصير هو، بالتالي، حق سلبي، فما دام الهدف توحيد نضال عمال جميع القوميات، ومادام الاضطهاد القومي يعرقل هذه الوحدة، لذا فإنّ " الاعتراف بحق تقرير المصير لكل قومية يعني - فقط - أن من واجبنا، بوصفنا حزب البروليتاريا، أن نكون دوما، وفي كل الشروط، معارضين لكل محاولة للتأثير من الخارج، بالعنف أو بالظلم، على التقرير الحر لكل شعب لمصيره ". وهذا الواجب، واجب نضالي ضد العنف في المسألة القومية وبالتعريف "واجب سلبي ".
(ج) - إنّ حق تقرير المصير لا يأخذ معنى إيجابيا إلا إذا فُهم على أنه حق بروليتاريا كل أمة في تقرير مصيرها، والاشتراكيون - الديموقراطيون إنما يناضلون في سبيل هذا الحق وحده، لا في سبيل حق الأمم والشعوب - ككل - في تقرير مصائرها.
(د) - إنّ الاشتراكيين - الديموقراطيين إذ يلتزمون بحق تقرير المصير لا يلتزمون ولا يعترفون، في الوقت نفسه وبصورة آلية، بكل مطالب الاستقلال القومي، فمطلب الاستقلال القومي أو الذاتي " ليس مطلبا إلزاميا في برنامج البروليتاريا، ولا يمكن أن يصبح كذلك إلا في حالات خاصة واستثنائية ".
وهكذا، فإنّ لينين، في أوائل عام 1903، لم يكن يرى إلا الوجه السلبي للنزعة القومية التي كان يؤجِّجُ أوارها الاضطهاد الروسي الرجعي لمواطني / رعايا الإمبراطورية من غير الروس، ولم يكن يرى وجهها الإيجابي. كان يعي ويدرك أنّ الاضطهاد القومي يؤجج جذوة الخصوصيات القومية، ويهدد - بالتالي - وحدة نضال عمال جميع القوميات، تلك الوحدة التي كانت ضرورية للإطاحة بالقيصرية، ولكنه كان منتبها - بالمقابل - إلى أنّ الاضطهاد القومي يؤدي أيضا إلى تأجيج نضال أبناء القومية المضطهَدة ضد الأوتوقراطية. وذلك هو بالضبط دياليكتيك الظاهرة القومية في دولة أتوقراطية متعددة القوميات: من جهة أولى، ميل إلى الانعزال والانفصال والخصوصية. ومن الجهة الثانية، رفد للحركة الثورية، المناضلة في سبيل الإطاحة بالطبقة الحاكمة الأتوقراطية بكل سخط الأمة المضطهَدة وتمردها.
وفي شهر مارس/آذار عام 1903 نشرت مجلة " الفجر " الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي البولوني ( كان البولونيون من رعايا الإمبراطورية الروسية، وقد انقسم حزبهم الاشتراكي إلى حزبين متمايزين: الحزب الاشتراكي - الديموقراطي، والحزب الاشتراكي البولوني، وبقدر ما كان الحزب الأول أممي النزعة كان الحزب الثاني قوميا، وقد اندمج الحزب الأول مع الحزب الاشتراكي - الديموقراطي الروسي ) مقالا بعنوان " موقف الاشتراكية - الديموقراطية الروسية من المسألة القومية " لروزا لوكسمبورغ حملت فيه - بشدة - على تفسير لينين " المدهش " لمبدأ حق تقرير المصير، واتهمت الاشتراكيين - الديموقراطيين الروس بأنهم يريدون أن ينصّبوا أنفسهم " أساتذة " في مسألة حقوق الأمم. وأضافت: إنّ الهدف الأول للاشتراكيين البولونيين هو تحرير بولونيا وتوحيدها وإقامة الاشتراكية فيها، وإنّ هذا الهدف لا يتناقض مع نضال الاشتراكيين الروس في سبيل الإطاحة بالقيصرية، وكل ما هنالك أنّ دور الاشتراكيين البولونيين يكمن في " إضعاف القيصرية عن طريق سلخ بولونيا عنها "، أما الإطاحة بهذه القيصرية فهي " من مهمة الرفاق الروس".
وردَّ لينين في مقال نشره في " الآيسكرا " في 15 يوليو/تموز 1903، وقد بدأ الرد بأن أكد من جديد بأنّ حق تقرير المصير يعني، بالنسبة إلى الاشتراكيين - الديموقراطيين واجب النضال ضد كل عنف قومي خارجي، وأنّ هذا الحق لا يلزمهم بتأييد جميع مطالب تقرير المصير القومي، لأن مهمتهم الأساسية، حسب تعبيره في تلك المرحلة، تمكين بروليتاريا كل أمة من تقرير مصيرها، لا كل طبقات الأمة، وبالتالي توحيد نضال بروليتاريا جميع الطبقات لا تجزئته.
وقد سلّط لينين الضوء، في ردِّه على مقال " الفجر "، على جوانب عديدة وهامة لمفهومه عن حق تقرير المصير، نجملها فيما يلي:
(أ) - أنه من الواجب التمييز بين الاعتراف بحق تقرير المصير وبين تأييد المطالبة بتقرير المصير، فمن الواجب التمييز بين الحق وبين نتائجه العملية (مثل التمييز بين حق الطلاق والطلاق) .
(ب) - أنّ الاشتراكيين - الديموقراطيين، ليسوا أنصارا غير مشروطين لمطلب الاستقلال القومي، فهم لا يؤيدونه إلا بـ " شروط محددة "، وهذه الشروط هي مصالح النضال الطبقي للبروليتاريا.
(ج ) - لئن كانت بولونيا قد مثّلت، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الحصن المتقدم للديموقراطية في أوروبا، فإنّ " بطرسبورغ أصبحت في الساعة الراهنة أهم من وارسو، والحركة الثورية الروسية لها الآن مدى أممي أكبر مما للحركة الثورية البولونية ". وفي مثل هذا الوضع تصبح المطالبة القومية المحضة باستقلال بولونيا " طوباوية رجعية "، ويتوجب على البروليتاريا البولونية أن تربط نضالها في سبيل استقلال بولونيا بـ " المصالح الطبقية للبروليتاريا الأممية وأن توحد نضالها بالتالي مع رفاقها الطبقيين في الدول الثلاث، التي تحتل بولونيا ".
(د) - إنّ الحزب الاشتراكي البولوني يريد تجزئة الإمبراطورية الروسية، أما الاشتراكيون - الديموقراطيون فغايتهم الإطاحة بالأتوقراطية، والدعوة إلى التجزئة " تظل وستظل جملة جوفاء مادام التطور الاقتصادي يتجه نحو توثيق العرى بين مختلف أجزاء التشكيلة السياسية الواحدة ".
إنّ أخطر موضوعة طورها لينين، من خلال مناقشته مع الاشتراكيين البولونيين تكمن في التمييز الذي أقامه بين الحق وتحقيقه، بين حق تقرير المصير وبين تقرير المصير فعلا، إذ أنه اشترط الاعتراف بهذا الحق بضمان مصالح النضال الطبقي للبروليتاريا ( هنا نرى ضرورة الخروج عن سياق الموقف اللينيني من المسألة القومية في مرحلة التكوّن لنثير مجموعة أسئلة طرحتها الحياة بعد مرور أكثر من تسعين سنة على انتصار الثورة الروسية، مثل: مَنْ يحدِّدُ مصالح النضال الطبقي للبروليتاريا ؟ أهو الحزب الشيوعي السوفياتي ؟ أم السياسة الخارجية للدولة السوفياتية ؟ هل قمع " ربيع براغ " في العام 1968 خدم مصالح النضال الطبقي للبروليتاريا ؟ أم تراه التدخل السوفياتي في أفغانستان في العام 1979 قد خدم هذه المصالح ؟ أم أن تأييد " منغستو ماريام " في مواجهته لثوار أرتيريا، المطالبين بحق تقرير مصيرهم، هو الذي خدم هذه المصالح ؟
ثمة أسئلة عديدة راودتنا منذ ستينيات القرن الماضي، عندما كانت الأغلبية من شيوعيي بلداننا العربية لا تعرف من اللينينية حول المسألة القومية إلا مواقفها " الشعاراتية "، والإضافات الستالينية السطحية والدوغمائية. مما جعلهم، في المسائل المتعلقة بالمسألة القومية العربية منعزلين عن القضايا الكبرى للنضال العربي المعاصر.
ولم ندع الأسئلة دون بحث ودراسة، فقد أعددنا أطروحة جامعية حول " موقف الحزب الشيوعي السوري من الوحدة المصرية – السورية "، كما أعددنا قراءة نقدية لملاحظات وآراء الساسة والعلماء السوفييت حول " مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوري " في أوائل السبعينيات، ونشرنا دراسة تحت عنوان " نحن والبريسترويكا " في العام 1988، لنبين مدى الأضرار التي ألحقتها تبعية الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية للاتحاد السوفياتي على نضال هذه الأحزاب وتفاعلها مع قضايا شعوبها ).
لم تكن مناقشة لينين مع الاشتراكيين - الديموقراطيين الأرمن ومع الاشتراكيين البولونيين حول حق الأمم في تقرير مصيرها إلا جزءا من المناقشة التي سبقت ورافقت انعقاد المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي - الديموقراطي الروسي، ببروكسل ثم بلندن بين 17 يوليو/تموز و 10 أغسطس/آب، 1903. وبالتالي، فمن الصعب أن نفهم موقف لينين من الاعتراف بحق تقرير المصير، وحرصه على التمييز بين الحق وتطبيقه، إذا لم نأخذ بعين الاعتبار المشكلات التي كانت تواجه الماركسيين الروس، في أوائل القرن العشرين، لتنظيم حزب عمالي ثوري.
وما كان في وسع لينين، بوصفه ماركسيا من جيل معيّن، إلا أن يكون نصيرا متحمسا للمركزية. فقد كان يرى أنّ الحركة الثورية، في روسيا، ستظل ضعيفة وعاجزة مادامت متفرقة لا تجمع بينها وحدة مركزية. ومما زاد في تعقيد المسألة أنّ الكثير من الثوريين، من رعايا الإمبراطورية الروسية، كانوا يستلهمون، في نضالهم وعملهم وتنظيمهم، تجارب الأحزاب الثورية المتقدمة في بلدان أوروبا الغربية، ولا سيما الحزبين الاشتراكيين - الديموقراطيين الألماني والنمساوي. فقد كانت تجربة الحزب النمساوي - خاصة - مغرية وقابلة لأن تكون مثالا يُحتذى، نظرا إلى أنّ الأمبراطورية النمساوية - المجرية كانت كالأمبراطورية الروسية متعددة القوميات.
لقد وقف لينين، قبيل المؤتمر الثاني للحزب وأثناءه، يدافع عن مبدأ المركزية ويفنّد حجج أنصار الفيدرالية من الاشتراكيين البولونيين أو البونديين اليهود " إنّ تاريخ الأوتوقراطية الملعون قد خلّف لنا عزلة شديدة بين الطبقات العاملة من شتى القوميات المضطهَدة من قبل تلك الأتوقراطية. وهذه العزلة هي أدهى شر وأكبر عقبة في النضال ضد الأوتوقراطية، ومن واجبنا ألا نضفي على هذا الشر صفة شرعية، من واجبنا ألا نكرّس هذه الفضيحة بأي مبدأ من مبادىء الخصوصية الحزبية أو الاتحادية الحزبية ". لقد كانت نقطة الانطلاق في هذا التحليل ضرورة إسقاط الأوتوقراطية الروسية، وكانت نقطة الوصول: الإيمان بأنّ إسقاط الأوتوقراطية غير ممكن إلا من خلال الوحدة الكاملة لعمال روسيا قاطبة.
وبعد ثورة 1905 الروسية، نشر لينين تحليلا مفصّلا للمناقشة التي دارت في مؤتمر " شتوتغارت " للأممية الثانية حول مسألة المستعمرات. وقد انتقد الأفكار التي نادى بها كل من: فان كول، وبرنشتاين، ودافييد، التي اعتقدت أنّ الاشتراكيين - الديموقراطيين غير ملزمين، من حيث المبدأ بإدانة أية سياسة استعمارية. وأعلن أنّ الفكرة التي برزت في قرارات المؤتمر، التي صيغت بعبارات مراوغة حول إمكانية إقرار مبدئي بالسياسة الاستعمارية، لا تعني سوى التسليم الأممي بوجهة النظر البورجوازية، وأنها خطوة حاسمة نحو الخضوع لـ " الإمبريالية البورجوازية ".
كما أشار لينين إلى أنّ الاعتراف بـ " سياسة استعمارية اشتراكية " قد نال (108) أصوات مقابل (128) صوتا، مما كشف القناع عن " الاشتراكية الانتهازية السابحة في مياه البورجوازية، وبذلك تجلّى الجانب السلبي من جوانب حركة العمال الأوروبية، جانب يمكن أن يسبب الكثير من الأضرار لقضية البروليتاريا ". وتابع لينين " وهكذا، تتكون في بعض البلدان القاعدة المادية والاقتصادية، لنشر عدوى الشوفينية الاستعمارية بين بروليتاريا هذا البلد أو ذاك. ومن الطبيعي أنّ ذلك قد لا يكون مجرد ظاهرة عرضية عابرة، ومع ذلك، ينبغي لنا أن ندرك الشر بوضوح وأن نفهم أسبابه، لكي نكون على استعداد لتهيئة البروليتاريا للنضال ضد مثل هذه الانتهازية ".
وبين سنتي 1908 و 1912، حيث كانت الثورات تندلع في الشرق، أعار لينين انتباها دقيقا إلى الإمكانيات الثورية لدى الشعوب المستعبَدة من جانب الاستعمار. وجعل من بحثه في هذا الشأن جزءا من عمله المكثف لصياغة رؤية ثورية عن الإمبريالية والثورات البروليتارية. فقد رأى في الثورة الإيرانية، وثورة تركيا الفتاة، وثورة الصين، مقدمات وبشائر يقظة الشعوب المضطهَدة.
لقد استخدم لينين الصين كمثال، ليُظهر القوى المحركة في الثورة التحررية بالشرق، وليوضح طبيعتها السياسية – الاجتماعية. وكتب عن الثورات الديمقراطية التي كان يمكن للبورجوازية، التي كانت لا تزال تحتفظ بشحنة ديمقراطية - ثورية، أن تلعب فيها دورا فعالا. ففي عام 1912 كتب محللا السمات الأساسية للنظام الذي قام في الصين إثر ثورة 1911، وأكد على دور الفلاحين من الزاوية الاجتماعية، وعلى تأثير الغرب من الزاوية الحضارية " إنّ الشرق قد انخرط نهائيا في طريق الغرب، وإنّ مئات ومئات الملايين الجديدة من الناس ستشترك من الآن فصاعدا في النضال لأجل المُثُل التي نادى بها الغرب ... وفي آسيا ما تزال توجد بورجوازية جديرة بتمثيل ديمقراطية حقيقية، وكفاحية ومعقولة، جديرة بأن تكون ندا للرجال العظام والأنبياء الكبار الذين أنجبتهم فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر. إنّ الممثل الرئيسي أو الدعامة الاجتماعية الرئيسية لهذه البورجوازية الآسيوية، التي ما تزال قادرة على الوفاء بعمل تاريخي تقدمي، هو الفلاح ".
وفي عام 1913 طور لينين موضوعته، التي تقول أنّ البورجوازية قادرة على القيام بدور تقدمي في آسيا، فكتب " إنّ أوروبا المتمدنة والمتقدمة، بتقنيتها المتطورة تطورا باهرا وبثقافتها الغنية المتعددة الأشكال والصور، وبدساتيرها، وقد وصلت إلى لحظة تاريخية غدت فيها البورجوازية السائدة تؤيد، بسبب من خوفها من البروليتاريا المتنامية والمتعاظمة القوى، كل متأخر، وكل ما ينتمي إلى القرون الوسطى . إنّ البورجوازية التي دبّ فيها البلى تتحالف مع جميع القوى التي قضت وتقضي أيامها الأخيرة، بغية الإبقاء على نظام العبودية المأجور المتداعي ".
وفي المقابل، تنمو في آسيا حركة ديمقراطية قوية " فما تزال البورجوازية تسير مع الشعب ضد الرجعية. فمئات الملايين من الناس تستيقظ للحياة والنور والحرية. أية حمية تبعثها هذه الحركة الكونية الشاملة في قلوب جميع العمال الواعين الذين يعلمون أنّ الطريق إلى الاشتراكية يمر عبر الديمقراطية ! ! وأي عطف وتحبيذ قد ملأا جوانح جميع الديمقراطيين الشرفاء لآسيا الفتية ".



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (2)
- توجهات السياسة الخارجية التركية
- المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (1)
- الاتحاد المغاربي .. إلى أين ؟
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (4)
- الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)
- مفاهيم ومصطلحات أهم قضايا المسألة القومية (2)
- محاولة تحديد أهم قضايا المسألة القومية (1)
- الانتخابات الإسرائيلية تشرعن التطرف والعنصرية
- مدلولات الانتخابات العراقية
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (2)
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (1)
- مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي (3)
- أولوية ترتيب البيت الفلسطيني
- تركيا الصاعدة في الشرق الأوسط
- هل يكفي الغضب العربي لنصرة أهل غزة ؟
- القوة - الذكية - للسياسة الخارجية الأمريكية
- محرقة غزة .. إلى أين ؟
- المخاطر المحيطة بعرب إسرائيل
- الحل الوسط في الصحراء الغربية


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)