أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - جبار حميد ونان الشطري مازلت حيا














المزيد.....

جبار حميد ونان الشطري مازلت حيا


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


تصفحت مطبوع شهداء الحزب الشيوعي في طبعته الثانية.سبرت السطور أتلمس مفردات الشهادة في عيون هذا الجمع الذي ضمته دفتي الكتاب.
أحصيتهم 658 شهيدا في سجل مفتوح، وغيرهم ينتظر العد في كتب أخرى.
غابت وكبت أرواحهم النضرة بعد أن مزقت أجسادهم مخالب الضباع بهمجية ووحشية.
بحثت بين العيون،بثثت وجدي وناديت، أين أنتم أيها البواسل..يا صفوة الأخيار.
أين أنتم فالحياة يسع فرحها الجميع..
ما وجدت غير الوجع ورجع أصوات مكبوتة تلوك ألمها بين أضلعي.
إيه أيها العالم المترامي السعة..ما الذي تحمله سيماك الماكرة الملوثة.
غرر هؤلاء الشباب تنبلج كوة يخرج منها صراخ صاخب ينفث دما قانيا.
ازائي.. خلفي ...أمامي تدور أرواحهم مثل ضباب كثيف يلفني هذه اللحظة
فأصاب بلوثة ملعونة تبحث عن سبب الموت المجاني العابث في هذا العراق النازف أبدا.

أبدية إغفاءاتهم المقدسة السرمدية توقظ الفزع في صدري وكأنها تناديني رغم بكمها..
لا وسادة معطرة وليس هناك شرشف مطرز، سوى التراب تتلحفه أجسادهم.
عيونهم يقضة، وصرخات ألمهم تسمع كدوي طبول..
إيه أيها العالم الوحشي، لِمَّ لم تدعهم ينشدون مزاميرهم وأشعارهم في بوادي السندس وعند منعطفات الأنهر والوديان وأزقة المدن والقرى الصاخبة أو المنسية.
لِمَ لم تمنحهم فرصة، أو حتى فسحة فرح أخرى.

تلمست طريقي بين لوعة ألمهم وكانت عيونهم تترقبني.
جلهم في ريعان شبابه..بعضهم لم يكمل ثمالة الصبا..
بينما كان الموت يقترب منهم مثل سرب عقبان كواسر كانت أرواحهم تصون حيائها بوحدتها الموحشة.
أنه الهول الذي يغرس نصله ليقوض وينهار معه كل شيء.
ولكن أصواتهم ..أصواتهم ما زالت تدوي بالصمت.. تصرخ ملء الحناجر...ونظل ننصت لها لتترسب في الروح فجيعة أبدية..فجيعة تتلوى فينا كجمر متقد.
وبعد أن تهدأ الروح في غيبوبتها ويخمد معها والى الأبد كل شيء..
يخرج السؤال الملحاح ..
لماذا....؟.
أكون ناياتهم كانت تعزف ألحانا ساحرة مبهرة .....
أم أن قلوبهم المجلجلة بالفرح والأمل لا تستهوي شياطينك....
آه أيها العالم الملوث بالحقد والدناءات..لم تجب بعد..ولن تجيب السؤال..فكبره لا يحتمله زمنك الداعر المخادع..


مازال مثلما كان صعبا بالنسبة ليَّ نسيان تلك العيون ومروج من ابتسامات وقفشات وصحبة أماسي فاتنة ندية..
صعب عليَّ أن أنسى جنون صاخب يبث صبوة شبابه، يضمخها بمودات وخصومات ودموع وضحكات وأغان ما كنا لنسمع فيها غير شقشقات قلوبنا الطرية الطافحة بالأعاجيب والسكرى بنشوة السعادة..
ما ادخرته هو كل هذا وذاك وصور رجراجة مزركشة أقتنصها واحتضنها وأدعها تتدلى أمامي مضيئة متوهجة برونقها الطلسمي..
أسمع أصواتهم تناديني وأردد معهم قصائد مضمخة بشذا المحبة ووجع الناس.
أعرف البعض وأجهل الكثير ولكن حشدهم اقرب ليَّ من نبض القلب..
عيونهم جميعا تطالعني وبدت أمامي كبحر هائج يموج في خاطري فتذكرت صاحبي الشطري الوديع جبار.
إيه جبار حميد ونان الشطري. يا ندى الأيام وشقاوتها، يا أبراج الأحلام وقلاعها المهشمات.

ما تعرفت عليه ولم يعرفني بنفسه، ولكنه قدمَ ليَّ في مساء مسرف الأنوار، بؤرة فرح تشع منها عطور ضحكات ونبوغ.كان ريفيا نبيلا خرج من بطائح مدينة الشطرة مطرزا بسعد شطئانها وغدرانها.كان متقدا بحيوية الناس وبساطتهم وقرنفلات حمر تحيك له أناشيده الشذية.
جسده الناحل قد من صخر أسمر غامق كسواد عينيه الفاحمتين.تسربلت أصابعه بأعشاب الغراف وكانت تمور بماء البدعة الدافق.في تلك المدينة المزروعة بين نهرين وغابات قصب وأهوار، نمى ذاك الفتى مثل غرين سومري. جسد متصالب وروح عامرة وطيب خاطر ومودة وكفاف... مشت قدماه لتمسكان أرض مدينة أخرى.
جاء مدينة الحرية في بغداد يحمل عبق مساءات أزقة الشطرة ونسائم بساتينها البليلة.متماسك يحمل كتابا وحزمة من أسئلة جوالة مثل ناياته الطليقة حين يترنح الرأس ثملا من نشوة تترقب إطلالات الأمل المتوهج في الأفق المجهول.
كان كالمسحور بلوثات وأعاجيب مدينتنا وكانت في مجمرة حنجرته ألغاز يطلقها أسراب فراشات تتراقص قصائد.
جعبته تلملم قصائد من جمال ومحبة تتألق بنثارات ثورية مبهجة.عرف كيف يناغم كلماته حين يطلق شرر الحب ولوعته ليخالطه بدوي وهجير شيوعيته.
كان صانع نمانم وعناقيد مذهبة كان يمكن لها أن تحيله كوكبا أخر في سماء الشعر ...ولكن..
ذهب الشاعر بفراشاته الملونة عبر البوادي ..حلم أنها الأرض التي تسع في يوما ما نثارات أشعاره..ولكنه تاه في البعيد عند حواف حراب صدئات.
مثلما نحن ما كان يدري ، أننا سوف ندس أسمه وصورته في صفحة ورق صقيل دون أن ندعه يمكث في بقعة أرض معروفة نتردد عليها احتفاء بذكراه، كلما هزنا الحنين والحزن المضنّ.
ولكن أين هي تلك الأرض والزمن نزع عنه دثار العفة وتاهت حواشيه بين أخاديد أرض بور، طغاتها القساة يحرثوها ويعدون لنا القبور دون شواهد.

كان يحمل نبؤته بصحبة أمل فصار في ضحى صيف قائظ قربانا لأمله.
ياه ..أيها الشطري جبار كم كنت صلبا وكم كنت شفافا رقيقا ووفيا.
آه أيها الشطري ...أفلا عافتك الضباع لتنشد قصائدك المبهجات.

الآن وكل يوم وأنت في خاطري.كلما تذوقت شرابا، كلما تجولت في الحدائق ..كلما جلست على تخت عتيق... كلما تذكرت مدينتي.. تذكرت وجهك الباسم بحزنه المفرط...
أَتذكر يا صاحبي علامة الاختبار أم تراك نسيتها.أخالك لن تنساها أبدا.. دعها تمرح بزهو في قصائدك...وأنا أعدك ..ما نسيتها أبدا طالما أنت لست ببعيد..

*لون تنفع بالبواجي عليك
أشكَ صدري أبدال الزيج وأدلع


مطلع من قصيدة في رثاء صديق، كتبها الشاعر الشهيد جبار حميد الشطري الذي أعدم عام 1981 من قبل ضباع البعث.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي العراقي،خسارة أو نجاح أم كبوة أم انحسار
- جولة مع فنتازيا الفوضى في بغداد
- هل للسيد المالكي من يُسمعه حديث الناس
- إرجاع الحقوق القانونية للكرد الفيلية
- سبع عجاف أم سبع سمان
- منظمة لوكَية بلاحدود
- مدنيون نزدهر في النور
- طنطل السفارة
- ألعاب الأطفال جريمة لا تغتفر
- الانبار محافظة الوعد
- مَن الذي يحكم العراق ؟ هو أم هم
- موسوعة نبش القبور_ ثقافة عجائز الحارات
- ختيبلة فدرالية
- الدور الحقوقي لمنظمات المجتمع المدني
- فرحكم أبكاني فرحا
- .......هل يصلح التغيير ما أفسده
- صابرين بين الحقيقة والتضليل
- نحو أي الجهات تتحرك الهمر الأمريكية
- ما أغفله تقرير لجنة بيكر _هاملتون
- إحصائية لعينات أوربية تطالب بإعدام المجرم صدام


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - جبار حميد ونان الشطري مازلت حيا