|
-إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 09:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنَّ أحداً من العقلاء لن يسخر مني إذا ما انضممتُ إلى "كبار المانحين الواهبين الماليين"، في شرم الشيخ، وأعلنتُ تبرعي بمبلغ 100 مليون دولار، مثلاً، على سبيل المساهمة الشخصية من جانبي في إعادة إعمار قطاع غزة، فصِدْق الوعود، في السياسة على وجه العموم، وفي المساعدات المالية على وجه الخصوص، بات هو "العملة الصعبة النادرة".
وأنا قد أخجل من نفسي، فأكتفي بإرسال مبلغ 100 دولار إلى منكوبي آلة الموت والدمار الإسرائيلية في قطاع غزة؛ أمَّا هم، أي بعض كبار المانحين من الدول، وغير الدول، فلن يشعروا بشيء من الخجل الإنساني إذا ما غدت جبال المال التي وعدوا بمنحها عن طيب خاطر كالعهن المنفوش.
ويُحْسِن صُنعاً منظمو المؤتمر في شرم الشيخ لو علَّقوا لافتة في قاعته، كتبوا فيها "إنْ لم تستحِ، أي إذا ما كنتَ من كبار الساسة المانحين للأموال، فقُلْ ما شئت!".
إنَّهم، وقبل أن تصل مئات الملايين من الأوراق التي بعضها على هيئة دولار ويورو، إذا ما وصلت، إلى قطاع غزة، زاروا، على هيئة الحجيج، بعضاً من المواقع والأماكن التي زارتها من قبلهم آلة الموت والدمار الإسرائيلية، لابسين لبوس القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، وإنْ اضطُّروا إلى جعل "الزيارة الإنسانية" ضرباً من "السياحة السياسية"، فتحدَّث بعضهم، والألم والحزن يمزقان نياط قلبه، عن الضحية؛ ولكن بصفة كونها المسؤولة عن المأساة التي حلَّت بها.. على أيدي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، فلو لم تعبث غزة بأمن سديروت لما أصابها ما أصابها.. وكفى الله الزائرين شرَّ مزيدٍ من التعليل والتفسير، فـ "السبب" عندهم أهم من "المسبِّب"!
أحدهم، وهو بلير، وبصفة كونه ممثل اللجنة الرباعية الدولية، تحدَّث، وكأنَّه يجهل أنَّ لكل مقام مقال، فاكتشف، إذ نظر، وأمعن النظر، في الدمار الهيروشيمي، وفي تسلُّم ممثلي هذا الدمار للسلطة في إسرائيل، "فرصاً حقيقية للسلام"، ينبغي لـ "أهل السلام" اغتنامها.
هل أفْتَرِض أنَّ بلير تشجَّع كثيراً إذ سمع كبير الكذابين في إسرائيل، وهو إيهود اولمرت، يعلن أنَّ "شعرة" كانت تفصل المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين عن إنجاز اتفاق سلام.. أم أفْتَرِض أنَّه سمع شالوم وهو يشرح أهمية وضرورة أن تمتنع الحكومة الإسرائيلية المقبلة عن قبول فكرة حل الدولتين، أو قرأ تقرير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية والذي كشفت فيه النقاب عن "خطة للسلام" مع الفلسطينيين أعدَّها نتنياهو، وناقشها مع ليفني، وتقوم على منح الفلسطينيين 50 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ليقيموا "دولة فلسطينية بلا سيادة"؟!
لقد فهم بلير كل هذا الذي خلَّفته آلة الحرب الإسرائيلية من موت ودمار في قطاع غزة على أنه مُسْتَنْبَت لفرص حقيقية للسلام، فهو، وبلغة الغموض السياسي، قال إنَّ المساعدات المالية الدولية "السخية" من أجل إعادة إعمار قطاع غزة لن تحقِّق هدفها، وهو إعادة الإعمار، إلاَّ في مناخ السلام.
ومع جلاء هذا الغموض عمَّا قال، نفهم قوله على النحو الآتي: إعادة الإعمار لن تتحقق قبل أن يتحقق السلام، الذي لن يتحقق قبل أن يعلن الرافضون قبولهم الشروط الثلاثة للجنة الرباعية الدولية، وفي مقدَّمها شرط الاعتراف بإسرائيل.
أمَّا إذا ترجمنا قول بلير، بعد هذه التنقية له من الغموض السياسي، بلغة سياسية فلسطينية فصحى، فسنقرأه على النحو الآتي: إنَّ إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية من بيوت ومدارس ومستشفيات ومصانع وطرقات..، لا بدَّ لها من أن تكون الوجه الآخر لـ "الهدم".. لهدم ما بقي من بناء في الإرادة السياسية القومية للشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون جميعاً ينبغي لهم أن يفهموا الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على أنَّه "فرض عين"، فلو كان "فرض كفاية" لاكتفى بلير وأمثاله باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.
الحصار، وعلى طوله ووحشيته، لم يفِ بالغرض، فـ "الراية البيضاء" المكتوب فيها "نعترف بحق إسرائيل في الوجود" لم ترفع حتى ترى؛ فخرجوا للحرب، وضربوا قطاع غزة وأهله بما يعدل قنبلة نووية هيروشيمية لجهة قوته التدميرية، فلم تدمَّر الإرادة السياسية للفلسطينيين، وظلَّت تلك "الراية البيضاء" وهماً إسرائيلياً خالصاً؛ فَلْتَكُنْ، على ما قرَّروا، إعادة الإعمار طريقهم إلى الهدف ذاته، والذي فشلوا في بلوغه من طريقي الحصار والحرب!
هذا هو الجوهر السياسي لمؤتمر شرم الشيخ، الذي فيه، وبه، يتحوَّل المانحون إلى مستثمرين لأموالهم الوفيرة في حقل سياسي واعد، هو قطاع غزة، أو الدمار في قطاع غزة!
سينتهي المؤتمر إلى إعلان، يقرِّر فيه المانحون مبلغاً ضخماً لإعادة إعمار قطاع غزة؛ أمَّا "التنفيذ" فيسترك أمر بتِّه إلى "الغائب ـ الحاضر الأكبر" وهو إسرائيل التي بيدها، وبيدها وحدها، مفتاح المعابر كافة، فقطاع غزة عرف، أي عانى، تجربتين لثنائية "مال ـ بضاعة"، فتارة وُجِدَت فيه بضائع، وإنْ بكميات ضئيلة؛ ولكن شحَّت سيولته المالية؛ وطورا وُجِدَت فيه كمية من الأوراق النقدية؛ ولكن فُقِدت من أسواقه البضائع.
والآن، أي بعد مؤتمر شرم الشيخ، وبفضله، سنرى جبلاً من الأوراق النقدية؛ ولكن كل ما يلزم من بضائع (كالحديد والاسمنت) لإعادة الإعمار لن نرى له من أثر يُذْكَر في قطاع غزة؛ لأنَّ إسرائيل هي التي تتحكم في معابره؛ ولن تفتحها قبل افتتاح الفلسطينيين لسياسة جديدة، قوامها تعميم الاعتراف الفلسطيني المجاني بالدولة اليهودية.
أمَّا إذا ذهبت النتائج الفلسطينية بكل ما توقَّعه سياسياً "مانحو المال"، و"مالكو المفاتيح"، فإنَّ صرخة التحذير التي أطلقتها منظمة "أوكسفام" الدولية لن تقع على أسماع تشبه سمعها، ولن يدخل إلى قطاع غزة، بالتالي، من البضائع إلا الغذاء، الذي إنْ كفى فلن يكفي إلا لمنع "الموت جوعا" من أن يتحوَّل إلى ظاهرة عامة!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
-
أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!
-
على نتنياهو أولا أن يلتزم ما التزمه عباس!
-
أوباما يطلب -الترياق- ولو في السويد!
-
تهويد -مبدأ كلينتون- بدءاً من حي سلوان!
-
جريمة الإنكار وإنكار الجريمة!
-
نتنياهو يملك وليبرمان يحكم!
-
-العبثية- في وجهيها!
-
الفلسطينيون بين ليبرمان وأشباهه من العرب!
-
خُبْث اولمرت!
-
الرسالة الجوابية الفلسطينية!
-
-المبادرة العربية- تتمخَّض عن ليبرمان!
-
إذا ما -فازت- استطلاعات الرأي!
-
الأهم من -إعادة بناء- المنظَّمة!
-
أين -الرباعية الدولية- من هذا الحزب الإسرائيلي؟!
-
معركة -إعادة البناء- في قطاع غزة
-
عندما يتكاثر -القادة- وتتلاشى -المرجعية.. فلسطينياً!
-
بديل -المنظَّمة- هو -المنظَّمة-!
-
الرَّجُل!
-
-أزمة التمثيل- هي أُمُّ الأزمات فلسطينياً!
المزيد.....
-
الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الان
...
-
الولايات المتحدة غيّرت مسار المواجهة - كيف سترد إيران؟
-
خاص يورونيوز: إسرائيل ترفض تقرير الاتحاد الأوروبي حول غزة وت
...
-
خبير إسرائيلي: تل أبيب لا تريد التصعيد والكرة في الملعب الإي
...
-
هل فشلت -أم القنابل- في تدمير -درة تاج- برنامج إيران النووي؟
...
-
أحداث تاريخية هزت العالم بالأسبوع الرابع من يونيو
-
الرأسمالية نظام -غير ديمقراطي- يستنزف جنوب العالم ليرفّه عن
...
-
هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
-
كيف نُفذت الضربة الأميركية على إيران؟ وما الأسلحة المستخدمة؟
...
-
كيف يرد الحوثيون بعد هجمات واشنطن على إيران؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|