أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض العصري - في تفسير التاريخ ( 3 )















المزيد.....


في تفسير التاريخ ( 3 )


رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)


الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 08:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تفسير عقيدة العصر الجديد للتاريخ
الكيان الاجتماعي اشبه بتربة تنمو فيها نباتات مختلفة , وهذه النباتات تمثل افراد المجتمع , النباتات تتغذى مما يتوفر في تربتها وفي بيئتها من مواد غذائية ومياه , ولكن التربة بمرور الزمن تفقد خصوبتها وصلاحيتها مما ينعكس سلبا على مواصفات النباتات المزروعة فيها , ولمعالجة هذا الخلل يتوجب امداد التربة بالاسمدة العضوية , اي بمعنى تجديد شبابها وحيويتها وخصوبتها لتكون هذه التربة مادة غنية بالغذاء لنباتاتها المختلفة , التجديد هو الحياة وهو البقاء وهو الديمومة , النمو والحركة والتطور كلها من خصائص الكائن الحي , هذه الخصائص جزء من قوانين الطبيعة , وهي ذاتها خصائص المجتمع الانساني الذي ينمو ويتحرك ويتطور وفقا لقوانين الطبيعة ايضا , بالتالي فالتحول والتغير والتفاعل والتطور هو حتمية تاريخية لاي مجتمع , وان الاختلاف في مستويات التطور والتحول راجع الى عوامل طبيعية محكومة بقوانين الطبيعة , فالحتمية هنا كالغريزة بالنسبة للانسان لا مفر منها , ما يصيب المجتمعات من ركود وخمول خلال تاريخها انما هو حالة غير طبيعية ناجمة عن وجود سلطة تعسف وقوة قهر أضعفت الكيان الاجتماعي وافسدته وتركته كمياه راكدة , ولكن مثل هذه الحالة لن تدوم لان قوة القهر والتعسف مهما كان جبروتها فان الزمن كفيل باضعافها , فكل شيء متحرك في هذا الكون له دورة في حركته حيث يبزغ فيعلو ثم يأفل , الحياة هي حركة بوجود مادة وطاقة , يولد الكائن الحي فينمو فيكبر بعنفوان وطاقة ثم يدب الضعف فيه فيخبو فيموت , هذه هي قوانين الحياة التي هي جزء من قوانين الطبيعة
ما يتعلق بتفسيرنا لحركة التاريخ فاننا نرى ان قوانين الطبيعة هي المحرك الحقيقي للتاريخ , وبالتالي فان تفسيرنا للتاريخ والذي نطلق عليه التفسير العصري للتاريخ اذا جاز لنا ذلك يقوم على اعتبار ان قوانين الطبيعة هي المحرك الاساسي للتاريخ , وان العوامل الاخرى كالمادة والفكر والفرد البطل والاقتصاد وغيرها من العوامل المحركة للتاريخ انما هي فروع ثانوية تتفرع من الاصل والذي هو قوانين الطبيعة , وما يتعلق بحرية الارادة للانسان وحرية الاختيار وحرية القرار فهذه يتمتع بها ضمن حيز الحرية الذي تتيحه قوانين الطبيعة , الطبيعة لا تتدخل في ارادة ومشيئة الانسان الا عندما يصبح في مواجهة قوانينها مباشرة , قوانين الطبيعة صارمة ولا تميز بين كبير او صغير , قوي او ضعيف , بريء او مذنب , يستطيع الانسان من خلال امتلاكه للعلم ان يتعرف على قوانين الطبيعة وعلى أسرارها وبالتالي يزيد من مساحة حريته واستقلاليته بعيدا عن تأثير او تدخل الطبيعة , وكلما امتلك الانسان علم اكثر كلما ازدادت مقدرته على تسخير طاقات الطبيعة لصالحه وبالتالي تعاظمت قدراته وتوسع حيز حريته , ان علوم الطبيعة هي الطريق الوحيد لكشف أسرار الطبيعة واستغلال طاقاتها لصالح البشر , بالرغم من قناعتنا بانه مهما توغل الانسان بعيدا في كشف اسرار الطبيعة تبقى هناك حدود لا يستطيع اجتيازها وتبقى هناك قوانين لا يستطيع اختراقها , فالانسان كائن ضعيف امام قوى الطبيعة الجبارة , ومع كل ذلك فان هذا لا يمنع ابدا من مواصلة السير في طريق البحث العلمي لكشف المزيد من اسرار الطبيعة .
في الطبيعة ليس هناك شر مطلق وليس هناك خير مطلق , وليس هناك ضرر دائم وليس هناك نفع دائم , فالنقيضين مرتبطين ببعضهما ترابطا جدليا , لن تعرف الخير اذا لم يكن للشر وجود , ولن تميز الشيء النافع اذا لم تعرف نقيضه الضار, الكهرباء وهي من طاقات الطبيعة لا تسري الا عبر مواد موصله للكهرباء ولكن لو كانت جميع المواد في الطبيعة موصلة للكهرباء فاننا ما كنا نتمكن من الاستفادة من الكهرباء , والعكس ايضا صحيح , كذلك ظاهرتي الليل والنهار الطبيعيتين الموجودتين على كوكبنا حيث يتعاقبان نتيجة لدوران الكوكب ذاته حول نفسه , فنرى الليل والنهار وهما نقيضين يجتمعان على كوكبنا , ولو كان النهار فقط هو الموجود ولا وجود لليل , او العكس اي النهار لا وجود له وانما الليل فقط هو الموجود لما كان الانسان باستطاعته ان يحيا على هذا الكوكب , بل لما كان للحياة اساسا وجود , في الحقيقة ان حصول الالم ليس دليلا حتميا على وقوع الضرر لاحقا , وحصول الفرح ليس دليلا حتميا على وقوع المنفعة لاحقا , فقد تولد المنفعة من ألم وقد يولد الضرر من فرح , وفي ما يتعلق بموضوعنا التاريخ فلقد حفل التاريخ الانساني بالكثير من الحروب والمنازعات بين الامم منذ فجر الحضارة , ونحن نرى ان الصراع بين الاقوام او الشعوب وما كان ينجم عنها من احتلال وعبودية وسبي ونهب وسلب كان ذلك شيئا طبيعيا في تلك الفترة المبكرة من الحضارة الانسانية حيث تسود قوانين الطبيعة على القوانين الانسانية , فكل تلك المظاهر هي تعبير عن قوانين الطبيعة كالصراع من اجل البقاء , والبقاء للاصلح , والبقاء للاقوى , وهكذا هي حركة التاريخ تخضع بشكل كامل لمنطق قوانين الطبيعة , حتى مرحلة الاستعمار التي سادت في عصور ليست بالبعيدة عنا انما هي مرحلة طبيعية ومنطقية ومنسجمة مع قوانين الطبيعة , ان مرحلة الاستعمار التي مرت بها الشعوب الضعيفة عبر تاريخها تعتبر من الناحية العلمية مرحلة حتمية في طريق تطور تلك الشعوب , لانها تمثل تحدي ومواجهة وصراع بين ثقافتين وحضارتين مختلفتين في المستوى , وبالتالي فهي تتوافق مع قوانين الطبيعة ومع قوانين التطور , تلك المرحلة بالرغم من مآسيها وآلامها وعذاباتها بحق الشعوب التي رزحت تحتها الا انها كانت تحمل في ذاتها عوامل تحفيز لاثارة وعي ويقظة تلك الشعوب , واننا نعتقد ان الاراء التي كنا وما زلنا نسمعها ونقرأها في كتب التاريخ عن تحميل عهود الاستعمار كل المشاكل التي نعاني منها حاليا وانه لولا الاستعمار لكنا في احسن حال وغيرها من الاراء انما تعبر عن نظرة ضيقة ومحدودة المدى وعن عجز في استيعاب قوانين الطبيعة , فبالرغم مما سببه الاستعمار من آلام ومعاناة للشعوب المقهورة المستضعفة فانه جعلها تصحو من غفوتها ليعرفوا اين هم في هذا العالم , فكانت تلك المرحلة بداية صحوة للشعوب التي رزحت تحت هيمنة الاستعمار , حيث شكل الاستعمار تحدي للمهزوم لكي يعيد النظر في القيم والمفاهيم التي يؤمن بها , ويعيد ترتيب اوضاعه واعادة بناء نظمه وقواه لمواجهة هذا التحدي الخارجي , ان الفشل او الخسارة هي درس يتعلم منه الانسان , فبدون تحدي ومواجهة الصعاب لن يتعلم الانسان ولن يتقدم , وبدون منافسة في الانتاج لن يتحسن الانتاج , وبدون كفاح ونضال لن يتحقق التطور , ان تطعيم الطفل بالامصال لواقية بالرغم مما يسببه هذه الاجراء للطفل من آلام فهو فيه منفعة كبيرة له لكي يتمكن من التغلب على الامراض التي قد تصيبه , مهما كانت نتائج الاستعمار ومهما سببه من دمار فهذا هو ثمن التقدم والتطور نحو الافضل , نعم ان الاستعمار كانت له اهدافه الخاصة وراء حملاته تلك ولم يكن هدفه مساعدة الشعوب المستعمرة ولكن النتائج تأتي من حيث لا يدري في نهضة ويقظة لتلك الشعوب لتتحرر من مستعمريها وتتعلم منه وبه مفاهيم ورؤية جديدة وهذه هي المنفعة , وهي منفعة معنوية لها قيمة تاريخية , الشعوب العربية قاومت الاستعمار الاوروبي بضراوة وقدمت التضحيات الكبيرة في سبيل تحررها منه ولكنها لم تبذل مثل هذه الجهود في مقاومة الاستعمار العثماني التركي من قبل لاسباب دينية فكانت النتيجة ان بقيت متخلفة قرون عديدة , العامل الديني كان السبب في رضوخ العرب للاستعمار العثماني وعدم مقاومته فلعب الدين دورا سلبيا في تلك المرحلة من تاريخ العرب , ونفس العامل كان السبب في دفعهم لمقاومة الاستعمار الاوروبي الحديث حيث اختلاف الدين , ولكن الاستعمار الاوروبي الحديث نتج عنه منفعة كبيرة للشعوب العربية على عكس الاستعمار العثماني , لانه الاوروبي عندما جاء الى بلاد العرب كان يحمل معه منجزاته الحضارية بالاضافة الى اسلحته الفتاكة , فكان سببا مباشرا في صحوة الشعوب العربية ويقضتها المعاصرة , ان مرحلة الاستعمار انما هي درس للشعوب المتخلفة لاعادة النظر في منظوماتها الفكرية والعقائدية والاخلاقية لتصحيح او تعديل او الغاء ما يتوجب ذلك , وهكذا تتطور الشعوب وتتطور معالم الحياة وتنمو الحضارات , نحن هنا لا ندعو الى تمجيد الاستعمار والاشادة به ولكننا ندعو الى عدم توظيف تلك المرحلة لاثارة الاحقاد والعنصرية والكراهية بين الشعوب بسبب تلك المرحلة , وندعو الى ضرورة اعداد كتب التاريخ في المناهج المدرسية بطريقة عصرية علمية منطقية لا تتسبب في زرع احقاد او كراهية او عنصرية في النفوس , اننا نعتبر التاريخ ملكا لكل البشرية , ان تاريخ أي شعب من الشعوب الموجودة حاليا او المندثرة انما هو سجل تقرأه وتتعلم منه كل الشعوب الاخرى , وان كل ما حدث في الماضي من حروب وغزوات وهزائم وانتصارات كلها نعتبرها مرحلة لابد منها لغرض تطور البشرية , فالبشرية كان لابد لها ان تمر بتلك التجارب المريرة حتى تصل الى ما وصلت اليه الان من تقدم وتطور , وان التقدم الحالي والانجازات العظيمة للعلوم والتكنولوجيا انما هي نتاج لما مرت به البشرية عبر تاريخها الطويل من آلام ومآسي وحروب , الحضارة لم يصنعها الانسان بسهولة وانما دفع ثمنها دماءا وأرواحا , وعليه فاننا نرى ان تاريخ الانسان على هذا الكوكب بما احتواه من صراعات وحروب وانتصارات وهزائم انما هو ملك لجميع أمم الارض , فلا يجوز لأمة ما ان تحتفل بانتصارات حققها اجدادها في الماضي على شعوب اخرى , ولا يجوز لامة ما ان تتألم لهزائم لحقت باجدادهم في الماضي من شعوب اخرى لان هذه الامور تثير الحقد والكراهية والرغبة بالانتقام , فالانتصارات والهزائم التي حدثت في التاريخ جميعها كانت تصنع العصر الجديد للبشرية , ولكي نطوي كل مخلفات تلك الانتصارات والهزائم في نفوس البشر , فاننا نقترح ان تقوم الامم المتحدة بتحديد يوم يسمى ( يوم الاعتذار والتسامح ) حيث تقوم في ذلك اليوم كل دولة من دول العالم باصدار بيان تعلن فيه ان شعب تلك الدولة يقدم اعتذاره للشعوب الاخرى عن الاضرار والمآسي والالام التي اصابتهم نتيجة لاعمال العدوان والغزو والنهب التي قاموا اجدادهم بارتكابها في الماضي على مدى التاريخ , وتعلن ايضا في نفس البيان ان شعب تلك الدولة يسامح جميع الشعوب التي سببت لهم الالام والماسي من جراء اعمال العدوان والغزو والنهب التي ارتكبت بحقهم من قبل شعوب اخرى على مدى التاريخ , ومن الضروري ان يعاد وضع كتب التاريخ المخصصة لتلاميذ المدارس بحيث تخلو من الاحقاد والكراهية تجاه الاخرين , كما ينبغي اعادة جميع الحقوق المغتصبة ان كانت اراضي او اموال او اثار او مخطوطات وكل ما هو مدرج ضمن الملكية العامة للشعوب يجب اعادته الى اصحابه الشرعيين , لكي تطوى صفحة الماضي صفحة الاستعمار والاستغلال والنهب والسلب , وتفتح صفحة جديدة صفحة المستقبل صفحة العصر الجديد للبشرية حيث المساواة بين الشعوب والحرية لكل الشعوب والتقدم لكل الشعوب .
وأجد من المناسب هنا ان اتطرق الى موضوع التمييز بين التفسير السياسي للحدث وبين التفسير التاريخي , التفسير السياسي ينظر للحدث بنتائجه الانية او المرحلية , بينما التفسير التاريخي ياخذ بنظر الاعتبار النتائج التي تترتب على الحدث على المدى البعيد , التفسير التاريخي هو نظرة استراتيجية تتخطى الظروف الراهنة لتستشف ماوراء الافق حول مدى الانعطاف في مسار الحركة التاريخية للمجتمع بغض النظر عن الاثار الانية التي نجمت عن هذا الانعطاف , التفسير التاريخي ينظر الى المجتمع ككيان كامل يتحرك دون النظر الى واقع الافراد ومعاناتهم من جراء هذا الحدث , على عكس التفسير السياسي الذي ينظر الى الحدث ويفسره لاغراض سياسية آنية مرحلية , فمثلا احداث 11 / 9 / 2001 في الولايات المتحدة شكلت منعطفا في تاريخ المجتع الامريكي وقد ادى هذا المنعطف الى اتباع سياسة جديدة في الداخل وفي الخارج لمواجهة التحديات الجديدة , ومن نتائج السياسة الخارجية التي انتهجتها الادارة الامريكية بعد أحداث 11 / 9 هو قرارها بالتدخل العسكري لاسقاط النظامين الافغاني ( طالبان 2001) والعراقي ( البعث 2003 ) وبرأينا مهما كانت الدوافع الحقيقة وراء قرارها ذاك , فانه من الناحية التاريخية يعتبر هذا التدخل العسكري عملا ايجابيا خدم مصالح شعبي البلدين افغانستان والعراق على طريق التحرر والتقدم بالرغم مما اصاب الشعبين خلال فترة الحرب وما بعدها من آلام ومعاناة وسقوط ضحايا , فالخسائر البشرية والمادية مهما بلغت لا تعد شيئا كبيرا امام الافاق العظيمة التي فتحت للشعبين لصنع مستقبل مزدهر للاجيال اللاحقة لتعيش في حرية وكرامة بعد ان تحررا من نظامين ديكتاتوريين طاغيين , هذا الانجاز بحد ذاته وبشكل مجرد من جميع النوايا والدوافع يعتبر منعطفا نوعيا ايجابيا في حركة التاريخ وهذا ما نسميه تفسيرا تاريخيا , الانجازات التاريخية لا تقاس بمعايير الخسائر البشرية والمادية الآنية وانما بمعايير التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الكيان الاجتماعي في المدى البعيد , كما ان الشعوب ذاتها تتحمل جانب كبير من المسؤولية في كثرة الخسائر الناجمة عن مثل هكذا تحولات بسبب ضعف قدرتها على الاستجابة لمتطلبات هذا التحول الكبير والتفاعل معه , اما الذين انتقدوا هذا العمل واعتبروه احتلالا عسكريا وعدوانا على بلدان مستقلة ذات سيادة وانه انتهاك لقوانين ومواثيق الامم المتحدة فانهم كانوا ينظرون للحدث من الزاوية السياسية حيث تضارب المصالح الانية وهذا ما نسميه تفسيرا سياسيا للحدث , فالمنتقدون يتحدثون بلغة المواثيق وعدم التدخل بالشؤون الداخلية ولا تعنيهم حرية الشعوب طالما يحكمهم حكام وطنيون اذا جاز التعبير , ونحن برأينا ان الظلم هو ظلم وهو مرفوض ان كان مصدره داخليا او خارجيا , ونعتقد ان الدوافع الحقيقية للكثير من المنتقدين هو كراهيتهم للرئيس بوش او كراهيتهم للولايات المتحدة لاسباب سياسية او اسباب دينية او غيرها , اما نحن فنرى ذلك العمل كان انجازا تاريخيا ينبغي على شعبي افغانستان والعراق ان يقدراه حق قدره , المنعطفات التاريخية تحتاج الى قرار شجاع لاجتيازها وهكذا كان قرار الرئيس بوش ومن خلفه شعب الولايات المتحدة بالاشتراك مع حلفائهم الذين قدموا التضحيات الى جانب تضحيات االشعبين المتحررين الافغاني والعراقي , وبغض النظر عن طبيعة شخصية الرئيس بوش ان كان مذنبا أو بريئا , شريرا او خيرا فاننا نرى ان قراره كان تاريخيا بحق حيث فتح آفاقا واسعة رحبة لشعبي البلدين لينطلقا في رحاب الحرية والتقدم , وبالتالي فان صانع هذا الانجاز التاريخي يستحق عليه الشكر والتقدير ان كانت نيته مساعدتنا ويستحق عليه مسامحتنا ان كانت نيته ايذائنا , ونحن هنا لسنا في معرض الدفاع عن الرئيس بوش فقد رحل الرجل وترك منصبه بطريقة ديمقراطية محترمة وجاء الرئيس الجديد اوباما وبالتالي نستطيع ان نقيم عمله ذاك من الناحية التاريخية , وان تقييمنا هذا نابع من فلسفة عقيدة العصر الجديد التي تفصل بين الفعل والفاعل عندما يستلزم تقييم الفعل , فنقيم الاعمال او التصرفات بشكل مجرد عن تقييم صاحبها , نقبل الفعل الايجابي مهما كان مصدره ونرفض الفعل السلبي مهما كان مصدره , لاننا نعتقد انه قد يصدر عن الفاعل الشرير فعل خير تحت ظرف ما وقد يصدر عن الفاعل الخير فعل شر تحت ظرف ما , وبالتالي فمن الظلم ان نرفض او ننكر فعل الخير لانه صدر من فاعل شرير , وحتى لو كان الفاعل يخفي شرا وراء عمله للخير فان تمرير مثل هذه المخططات المبطنة لن يكتب لنواياها النجاح , ومخطأ من يظن ان الناس في عصرنا هذا مازالوا سذجا يسهل خداعهم بالمخططات المبطنة , حسب رأينا ان اسقاط نظامين ظالمين حتى لو كان من قبل نظام شرير فهو عمل ايجابي وخطوة الى الامام , ومن الناحية المبدأية ضرب الباطل بالباطل مكسب للحق , ومخطأ من يقول ان الشعبين لم يتحررا وانما خرجا من ظلم ودخلا الى ظلم جديد , ان عمليات التحول التاريخية لا تعطي ثمارها سريعا ولا بد من الصبر على النتائج , من مبادئنا ان ما نراه حق يجب ان نقول عنه انه حق حتى لو كان من طرف ممن لا نحب , وما نراه باطل يجب ان نقول عنه انه باطل حتى لو كان من طرف ممن نحب , يجب ان لا ندع الكراهية هي التي توجهنا في تقييمنا لاعمال من لا نحبهم , كما يجب ان لا ندع العواطف تتحكم بقراراتنا ومواقفنا فنميل حيثما تميل قلوبنا , فذلك خطأ في التصرف وظلم للاخرين , هذا مبدأ اخلاقي من مبادئنا نعتمده في تقييمنا للاحداث التاريخية
المجتمعات الانسانية في حالة حركة مستمرة , وهذه الحركة تقود الى احداث تحولات في القيم الاجتماعية وفي الواقع الاقتصادي وفي النظام السياسي وهي عملية مستمرة ضمن عجلة التطور , ان التطور هو من سنة الحياة ونعتقد آن الاوان لجميع الشعوب ان تتخلى عن المعتقدات الدينية لان عصر الاوهام والخرافات والاساطير قد ولى , كما ان الاديان قد تحولت الى مصدر للنزاع والفتن بين الشعوب وحتى بين افراد الشعب الواحد , والتيار المتعصب في الدين الاسلامي والذي يوصف بالتيار السلفي يعتبر في الوقت الحاضر اكثر الافكار خطورة على السلم العالمي لانه يقر باستخدام العنف والقتل في سبيل تحقيق اهدافه تحت دعوى الجهاد الذي هو احد اركان هذا الدين . اننا ننظر الى طبيعة حركة التاريخ في عصرنا هذا الى انه حركة صراع بين العلمانية والدين بشكل اساسي , وان الصراعات الاخرى القائمة على اسس اقتصادية او اجتماعية او اقليمية هي ليست على مستوى خطورة الصراع بين العلمانية والدين , فالصراع بين اليسار واليمين قابل للتفاوض , والصراع بين الاشتراكية والرأسمالية قابل للتفاوض , حتى وان لم يحصل اتفاق فان امكانية الاتفاق في وقت ما مستقبلا ممكنة , ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الفكر الديني حيث لا مجال للتفاوض معه لان اتباعه يعتبرونه فكرا الهيا منزلا من السماء صالح لكل زمان ومكان وبالتالي لا يجوز تبديله او تعديله او حتى توجيه النقد له , وهذا ما يجعلنا نعتبر ان اخطر فكر يهدد السلم والامن في العالم هو الفكر الديني وبالتحديد الفكر السلفي الاسلامي , ان التعصب والتطرف هما من الظواهر المقيتة في المجتمع , الانتماءات الموروثة هي اقوى دوافع التعصب العنصري او التطرف الفكري , ان ثقافة التمييز على اساس الانتماء هي ثقافة التخلف والجهل , من الخطأ بل ومن الظلم تقييم البشر على أساس انتماءاتهم أو انحدارهم ( الديني أو القومي أوالطبقي او الجغرافي او التاريخي ) فهذه كلها موروثات لا ينبغي التعامل مع الناس على اساسها , المعيار الصحيح للتقييم هو الانتماء الناجم عن ارادة حرة وقناعة شخصية , ان التعامل مع الاخرين على اساس انتماءاتهم الموروثة مخالف للقوانين ومخالف لمنطق الحق والعدالة , ولكي نصنع مجتمعا منضبطا ومتماسكا , تسوده روح المواطنة الصالحة وتحترم فيه القوانين والانظمة , يجب اضعاف الولاء للموروثات من قيم وعادات وتقاليد ومفاهيم , وتقوية الولاء للدولة بقوانينها وانظمتها واجهزتها ومؤسساتها , على الدولة لكي تضمن الولاء الاوحد لها من قبل كافة افراد الشعب ان تعمل باخلاص وشفافية على ان تكون العلاقة بينها وبين الشعب من حيث الحقوق والواجبات كالعلاقة بين الاب وابنائه , وينبغي على الدولة ان تسعى بجد لنشر ثقافة الحوار وتشجيع حرية التعبير ونشر الممارسات الديمقراطية , واذا كنا ندعو الى الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي , فانه يجب الانتباه الى ان الديمقراطية في المجتمعات التي هي حديثة العهد بها يمكن ان يساء استخدامها وتصبح الديمقراطية بالتالي نقمة عليهم بدلا من ان تكون نعمة لهم , وهذا ناجم عن شيوع الجهل او شيوع النظرة الضيقة او المتخلفة , فالديمقراطية في النظام السياسي اذا كانت تعني قرار الاغلبية او خيار الاغلبية فان في المجتمعات النامية التي يسودها الجهل والامية والعصبية لا يمكن ان نتوقع ان تكون خيارات الاغلبية دوما صحيحة , اي ان الخيار الصحيح او القرار الصحيح ليس بالضرورة دوما قرار الاغلبية , فقد يكون قرار الاقلية هو الاصح وهو الصائب , لذلك نعتقد ان وضع ضوابط لممارسة الديمقراطية في النظام السياسي في المجتمعات النامية التي هي حديثة العهد بهذه الممارسات شيء على جانب كبير من الاهمية , كأن توضع نوع من المرشحات ( filters) في دوائر تشريع القرارات لكي يتم منع تمرير قرارات الاغلبية التي قد تنطوي على سوء خيار او سوء تصرف او عدم دراية وخبرة , والمقصود بالمرشحات هو ان تكون هناك هيئة من اشخاص ذوي علم ومعرفة وخبرة في الشؤون السياسية هي التي تكون بمثابة مرشحات امام القرارات , هذه الهيئة تسمى مثلا هيئة الشورى لها صلاحية منع تمرير القرارات التي تراها غير صائبة او صادرة في ظرف غير مناسب حتى وان كانت صادرة من الاغلبية , القرارات الصائبة لا تحتاج الى رأي الاغلبية , وان اسلوب الاستفتاء او التصويت لاخذ رأي الاغلبية يجب ان يكون مقيدا بشروط لكي لا تكون الديمقراطية وسيلة حق يراد بها باطل عن قصد او بدون قصد
ان بناء الانسان اهم من البناء المادي للحضارة , اذا لم نصنع عقيدة اجتماعية تجعل الانسان صانع للحضارة ومحترما لقيمها فانه سيتحول الى مدمر , وان كل ما يبنيه الانسان من منجزات حضارية سيكون في خطر عندما تكون العقائد الاجتماعية غير رصينة وغير ملبية للحاجات الانسانية وغير متوافقة مع قوانين الطبيعة , وان سعي المجتمع لتحقيق استقراره يستلزم توفر الشروط الاتية : 1 ـ عقيدة اجتماعية صالحة . 2 ـ حكومة صالحة لادارة شؤون المجتمع . 3 ـ مواطنون صالحون , هذه الشروط كفيلة بتحقيق السعادة الاجتماعية , ان العالم يتجه نحو التوحد في فكر جديد , وكلما يقترب العالم من بعضه كلما تذوب الاديان ويظهر على السطح منطق المصالح الحيوية للبشر , المصالح الحيوية تقرب الشعوب من بعضها بينما العقائد الدينية تفرقها , والبقاء للمصالح الحيوية وبالتالي تصبح الاديان عبارة عن معتقدات بالية لا تسمن ولا تغني من جوع , ان توحد العالم هو حتمية وان صراع الحضارات او صراع الثقافات هو تعبير حقيقي وواقعي عن صراع حضارة العصر الحديث ضد ثقافة الفكر الديني الذي يقف في طريقها , ان وجود عقيدة صحيحة وسليمة لتكون مرجعا فكريا واخلاقيا موجها للمجتمع وداعما للتآلف والتضامن الاجتماعي له دور كبير ومؤثر في شيوع حالة الاستقرار والثقة والامان , ونعتقد ان جميع العقائد الدينية السائدة في العالم حاليا ليست مؤهلة في ظروفنا الحالية لتكون عقائد ضامنة للاستقرار الاجتماعي في اي مجتمع , لانها وجدت لزمن غير زمننا هذا , وقد ثبت فشل نظرياتها الاجتماعية من خلال حوادث الاضطرابات والفوضى والاعتداءات والحروب الكثيرة التي يحفل بها التاريخ والتي تعكس تضارب نظرياتها مع الحقائق الموضوعية وطبيعة الاشياء , وبالتالي فانها فقدت مبررات وجودها , واننا نرى بان عقيدة (( العصر الجديد )) التي نتبناها وندعو لها تصلح ان تكون عقيدة بديلة عن العقائد الدينية السائدة حاليا لانها مناسبة لعصرنا الحالي ومتطلباته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
الجزء الرابع والاخير من المقال سيكون حول ( نقد التفسير الاسلامي للتاريخ )



#رياض_العصري (هاشتاغ)       Riad_Ala_Sri_Baghdadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تفسير التاريخ ( 2 )
- في تفسير التاريخ ( 1 )
- حول اشكالية الوجود والعدم
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 1
- في نقد الفكر الديني
- ما هي عقيدة العصر الجديد ؟
- أضواء حول مقال - نهاية العقيدة الدينية
- نهاية العقيدة الدينية
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 3
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء السياسية في عقيدة - العصر الجديد
- العلمانية في عقيدة - العصر الجديد
- المباديء الاقتصادية في عقيدة العصر الجديد
- نقد المعتقدات الدينية
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 8
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 7


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض العصري - في تفسير التاريخ ( 3 )