أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض العصري - في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2















المزيد.....



في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2


رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)


الحوار المتمدن-العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20 - 10:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في هذا الجزء نستكمل بحثنا النقدي للمعتقدات الدينية المسيحية , بتقديم تفسير للاحداث والوقائع التي تحدثنا عنها في الجزء الاول من المقال , التفسير سيكون وفقا لتقديرنا لطبيعة وظروف كل حدث , مع حرصنا الشديد على ان يكون هذا التفسير واقعيا ولا يتعارض مع قوانين الطبيعة التي هي غير قابلة للخرق من قبل أي كائن حي , كما سيتضمن المقال رؤية عامة للفكر الديني المسيحي متضمنا نقدا لبعض منطلقاته وثوابته
التفسير :
1ـ في ما يتعلق بقضية حمل مريم العذراء نعتقد ان الحمل كان ناجما بكل تأكيد عن فعل اغتصاب وقعت مريم ضحية له في ظروف غامضة لم تكن خلالها مريم في وعيها , ويمكن ان نقدم التفسير الاتي لهذه القضية : من المعروف ان مرحلة المراهقة في حياة كل انسان هي مرحلة حرجة وحساسة , لان في هذه المرحلة تكتمل القدرات الجنسية للانسان قبل اكتمال قدراته العقلية , ان محاولة خداع واستدراج فتاة مراهقة بعمر 15 او 16 سنة لممارسة جنسية غير شرعية هو احتمال وارد جدا في حالة غياب الرقابة والسيطرة من قبل الاهل , وقد تكون ممارسة الجنس برضاها ودون ادراك منها لخطورة هذا التصرف , او تكون الممارسة من غير رضاها عندما تتعرض للاغتصاب بالاكراه او في ظروف فقدان الوعي لسبب ما , وما نعتقده بقضية حمل مريم هو انها كانت في حالة فقدان الوعي حينما وقع لها حادث الاغتصاب , فوقعت ضحية لهذا الاعتداء وهي لا حول لها ولا قوة , وهناك عدة احتمالات لاسباب فقدانها للوعي , ربما من جراء تناولها لكمية كبيرة من الخمر بتخطيط مسبق من المعتدي للنيل منها , علما بان شرب الخمر كان شائعا في مجتمع ذلك الوقت , او ربما كان فقدان الوعي من جراء حادثة ما تعرضت لها , فاستغل المعتدي هذه الحالة الطارئة وحصل فعل الاغتصاب , ان اسباب فقدان الوعي كثيرة والاحتمالات تتعدد ولكن النتيجة واحدة وهي حصول فعل اغتصاب اثناء حالة فقدان الوعي , ونعتقد ان مريم بعد ان عاد لها وعيها , لم تدرك ما حدث لها بالضبط , ولم تكتشف ما تعرضت له من اعتداء جنسي , لانها كانت صغيرة السن لا خبرة لها بمثل هذه الامور, كما اننا نستطيع ان نتوقع ان هذا الاعتداء لم يترك أي أثر على المنطقة التناسلية الخارجية , وهذا هو السبب في عدم اكتشافها لما تعرضت له من اعتداء جنسي , ولكن هذا لا يمكن اعتباره دليلا على عدم وقوع الاغتصاب , لان الاعتداء سيترك أثرا في المنطقة التناسلية الداخلية , ولا يكتشف الا بعد ظهور أعراض الحمل ربما بعد بضعة أشهر , وليس خافيا ان هناك نوع من النساء يمتلكن غشاء بكارة لا يتمزق أثناء عملية الجماع بسبب مرونته العالية , أي ذو خاصية مطاطية , وبالتالي فان عملية الجماع في هذه الحالة لن تترك أثرا خارجيا , وهذا يعني امكانية حصول الحمل مع بقاء الغشاء سليما , ومن المحتمل ان مريم كانت من هذا النوع من النساء , وخلاصة القول ان اعتداءا جنسيا قد وقع عليها من قبل شخص ما , وهي لم تكتشف هذا الشيء الا بعد بضعة أشهر بعدما أختفت الادلة والاثباتات , وتعذر معرفة المعتدي .
ولكي نفهم ظروف وملابسات هذه الواقعة , يجدر بنا ان نستطلع البيئة المحيطة بالواقعة والمكان الذي كانت تتواجد فيه مريم والذي يحتمل وقوع الاعتداء فيه , فوفقا للمعلومات المتوفرة لدينا كانت مريم تعمل في المعبد اليهودي او ما يسمى بالهيكل كخادمة حين وقوع هذا الحدث وحصول الحمل لها , والهيكل هنا ليس هيكل اورشليم في القدس لانها كانت تقيم في مدينة الناصرة , ولا نعرف سبب تسمية هذا المعبد بالهيكل في المصادر وهو ليس الا مبنى لأداء العبادات , وقد كان مسؤولا عن ادارة هذا المعبد او مشارك في ادارته الكاهن زكريا , وزكريا هذا هو زوج اليصابات خالة مريم , وقد كان تواجد مريم في المعبد بشكل يومي للخدمة بناءا على رغبة والدتها ( وأسمها حنّة ) ونعتقد ان هناك احتمالين للسبب الذي دفع والدة مريم لارسال ابنتها للخدمة في المعبد , الاحتمال الاول هو ان أم مريم كانت امرأة أرملة لا معيل لها ( اذ توفي زوجها يواكيم وقد كان يخدم ككاهن في المعبد ) وكانت تعيش هي وابنتها الوحيدة مريم في ظروف معيشية صعبة , فقررت ارسال ابنتها وهي ما تزال صغيرة السن بعمر 5 سنوات للخدمة في المعبد , لتعيش هي وابنتها على العطايا والتقدمات التي تقدم في المعبد من قبل المصلين واصحاب النذور, والاحتمال الثاني هو اعتقادها بان الرب قد منّ عليها بفضل كبير اذ رزقها ببنت , بينما هذه اختها اليصابات امرأة عاقر لا تنجب , فقررت ان تشكر الرب على فضله هذا بان تجعل ابنتها خادمة في المعبد الذي هو بيت الرب , وفي نفس الوقت تضمن ابعاد ابنتها عن عيني الاخت العاقر خوفا من الحسد حسب المعتقدات السائدة , رحب زكريا بهذه الفكرة , وأخذ مريم معه الى المعبد الذي يتولى ادارته لتقوم بالخدمة فيه , وقد وافق الكهنة الاخرون الذين يشاركونه في ادارة المعبد على قيام مريم الطفلة الصغيرة بالخدمة تكريما منهم لوالدها يواكيم الذي كان يخدم في المعبد ككاهن , وطبعا ستنال مريم مقابل خدماتها في المعبد الطعام والشراب والملبس مما يتصدق به الناس وما يقدموه الى المعبد من تقدمات وطعام وكساء وهدايا , هذه هي الظروف التي كانت تعيشها مريم قبل وقوع الاعتداء عليها , أمضت مريم اكثر من 10 سنوات في الخدمة في المعبد قبل ان تقع لها هذه الحادثة , ونعتقد ان وجود مريم بشكل دائم في المعبد وهي في مرحلة المراهقة بعيدة عن عيني امها ودون رقيب جعلها عرضة لحالات التحرش الجنسي , وبالتالي تعرضها للاغتصاب في ظروف غامضة , وقد كان هناك الكثيرون ممن يقدمون لها الطعام والشراب من زائري المعبد وكذلك من العاملين في المعبد , وبعد مرور بضعة اشهر على الاعتداء من قبل الشخص المجهول , اكتشف أهلها انها في حالة حمل , فكان هذا الخبر صدمة كبيرة لهم ولها لانها تفاجأت بهذا الذي في احشائها , كما كان صدمة كبيرة لمعارفها والمقربين منها , سألوها عن هوية الشخص المعتدي عليها فأجابتهم بانها لا تعرفه ولا تعرف كيف حدث هذا , ولأن هذه الحالة لا يمكن اخفائها , فقد انتشر الخبر بسرعة بين الناس , انتشر خبر أن خادمة المعبد الفتاة العذراء مريم البالغة من العمر 15 او16 سنة في حالة حمل , لم تستطع الفتاة المسكينة ان تقدم تفسيرا لكيفية حدوث الحمل عندها , فاتهمها الجميع باتهامات باطلة , ولكنها في الحقيقة كانت بريئة , وقعت ضحية اعتداء وانها كانت تجهل فعلا ما تعرضت له , حيث كانت في حالة فقدان للوعي عندما اختلى بها المعتدي المجهول واعتدى عليها , فالاعتداء الذي حصل لمريم قد يكون حدث داخل المعبد اثناء فترة الاستراحة , وهذا يعني انتهاك لقدسية المعبد , والمعتدي ربما يكون أحد العاملين في المعبد , وربما يكون شخص خارجي يتردد على المعبد كزائر, مع عدم استبعاد حدوث الاعتداء خارج المعبد , والاحتمالات كثيرة والنتيجة خطيرة لانه يتعلق بخادمة المعبد وهذا يمس مكانة العقيدة , ومن المفيد ان نشير هنا الى بعض الروايات التي تقول ان زكريا كان يزور مريم دائما في حجرتها بالمعبد للاطمئنان عليها , وكان في كل مرة يجد عندها طعاما وشرابا ليس من طعام وشراب المعبد او من التقدمات , فيسألها عن مصدره فتجيبه بانها وجدته في حجرتها ولا تعرف مصدره , فان صحّت هذه الرواية فالاحتمال قوي ان الاعتداء حصل داخل المعبد ولكن ليس بالضرورة ان يكون المعتدي أحد العاملين فيه , هذا وقد صدم كهنة المعبد جميعا بهذا الحدث ووقع على رؤوسهم وقع الصاعقة , ووضعهم في مأزق كبير , وتسائلوا كيف حدث هذا ؟ وما هو الاجراء الذي ينبغي اتخاذه أزاء هذه الحالة , هل تعاقب مريم بموجب الشريعة ؟ ان العقيدة اليهودية تفرض عقوبة الرجم حتى الموت لمرتكب فعل الزنا للرجل والمرأة , ولكن المشكلة هنا كيف يدينون خادمة المعبد بينما المعتدي مازال مجهولا ؟ فمريم تعمل في المعبد وتقضي معظم النهار في الخدمة داخل المعبد , وان الشبهات ستحوم بالتأكيد هنا حول كهنة المعبد وان هذا سوف يقوض العقيدة ويهدد المكانة الاجتماعية لجميع الكهنة , وبعد نقاشات ومداولات قرر الكهنة في النهاية طردها من المعبد وترحيلها من مدينة الناصرة التي تقيم فيها , كعقاب لها بدلا من عقوبة الرجم وفقا للشريعة , رحمة بها لصغر سنها وكونها يتيمة وتكريما لوالدها الراحل يواكيم , وانقاذا لسمعة المعبد ورجاله .
2ـ ان اسلوب التبليغ على انفراد الذي أتبعه الملاك مع مريم هو نفس الاسلوب المتبع في كافة العقائد الدينية , حيث اتبع هذا الاسلوب مع موسى على انفراد فوق جبل الطور في سيناء , ومع محمد على انفراد فوق جبل ثور في مكة , ومن المناسب ان نشير هنا الى قصة معاصرة لقصة حمل مريم وهي قصة حمل اليصابات امرأة زكريا , فقد ورد في المصادر الدينية انه دخل زكريا ذات مرة الى الهيكل او المحراب لوحده ضمن نوبته للتقدمة كما تسمى , وبقي الناس في خارج المحراب ينتظرون خروجه وقد أطال فترة مكوثه , وعندما خرج من المحراب قال لهم ان سبب تأخره داخل المحراب هو ظهور الملاك له ـ حسب ادعائه ـ ليبلغه بان امرأته اليصابات ستصبح حامل بمكرمة من الرب وانها ستنجب ذكرا يسميه يحيى , واليصابات كما هو معروف كانت امرأة عاقر وعجوز , ويبدو ان خالق الكون ورب البشر لديه متسع من الوقت للنظر في شؤون النساء العواقر واصدار المكرمات بتحويلهن الى نساء حوامل بعد ان أصبحن عجائز استثناءا من قوانين الطبيعة طالما ان الواسطة موجودة , وطبعا الواسطة ضرورية لان هذه المكرمة لا تشمل جميع النساء العواقر, فزكريا ادعى ان حمل زوجته انما هو بمكرمة من الرب حسب تبليغ الملاك ونحن نتسائل : ترى ما هو الضرر لو ان الملاك خرج من المحراب وأعلن أمام الحضور هذا الخبر المكرمة تقديرا لجهود زكريا في خدمة الرب , فلعل الناس يتفانون في خدمة الرب أكثر من زكريا ؟ لماذا هذا الاسلوب الذي يستهين بعقول البشر ؟ واضح ان العقائد الدينية تتبع اساليب مضللة لبلوغ غاياتها , فعندما تريد اظهار قدرة الله تستعين بوسائل ساذجة تستخف بالعقل البشري , وعندما تريد اظهار مكانة رموزها عند الله تستخدم الخرافات كوسيلة لبلوغ الهدف ولكنها بهذه الوسائل تزرع الشكوك وتسيء الى هذه الرموز , فهي تظهر ان قدرة الله حولت اليصابات من عاقر الى حامل , وهذا التحويل كان اكراما لزكريا لمكانته عند الرب , والنتيجة اننا نضع علامة استفهام حول مصداقية زكريا , ووفقا لتقديرنا فاننا لا نعتقد ان اليصابات كانت عاقر واما بالنسبة لعمرها فهي قد تكون كبيرة السن ولكن لم ينقطع عندها الحيض بعد , هذا ومن المعلوم ان سبب العقم قد يكون الرجل وليس المرأة .
ما نريد ان نقوله بالنسبة لاسلوب التبليغ على انفراد من قبل الملاك للانبياء والاولياء والمقربين انما هو اسلوب ابتكره مؤسسوا الاديان وكذلك كهنة المعابد ليحققوا من ورائه هدفين : اولا الظهور امام الناس بانهم مقربون عند الله ولديهم واسطة وبالتالي يكسبون نفوذا وسلطة على مجتمعاتهم , وثانيا امكانية التخلص من أي احراج عند العجز عن تقديم تفسير لأمور مريبة وأحداث غريبة , حيث تعزى الامور في هذه الحالة لارادة رب السماء وحكمته وانتهى , وطبعا لا احد يستطيع مناقشة رب السماء , ويتضح لنا ان العقائد الدينية تحرص على تجريد الانسان من ارادته , فكل شيء يحدث على الارض انما هو نتيجة لارادة سلطة عليا , قد تكون ارادة الله او ارادة الشيطان , ودون ان يكون للبشر علم بما تخطط لهم ارادة السماء , فمشيئة السماء تصل الى الارض على شكل تبليغات خاصة سرية ومن خلف الابواب الموصدة , وأما عموم الناس فلا احد يعرف الحقيقة ولا احد يستطيع ان يناقش , كل ما عليهم هو ان يصدقوا ما يملى عليهم وان يقولوا آمين .
3ـ بالنسبة للعلاقة التي ربطت بين مريم ويوسف فنحن نعتقد بأن هذه العلاقة بدأت بعد اعلان حمل مريم وليس قبله , اذ انه بعد ان انكشف موضوع حمل مريم , قرر كهنة المعبد طردها فورا لابعاد الشبهات عنهم بعد الصدمة الكبيرة التي احدثتها لهم , وحيث انها ليس بوسعها مغادرة المدينة وهي في هذه الحال , فقد وجد كهنة المعبد الرجل الذي وافق ان يكون معيلا لمريم بعد طردها وهو يوسف النجار , ويوسف لم يكن من رجال الدين وانما كان يعمل في مهنة النجارة , وكان كهنة المعبد يستدعونه لاصلاح اثاث المعبد وانجاز بعض الاعمال المطلوبة داخل المعبد كلما تطلبت الحاجة , وهو رجل فقير الحال وملتزم دينيا , يعمل باخلاص في انجاز اعماله داخل المعبد , ونعتقد انه لم يكن شابا ربما كان في متوسط العمر , وقد تعرف على مريم الفتاة اليتيمة اثناء عمله في المعبد , وقد وافق يوسف على مصاحبة مريم في خروجها من الناصرة وهي حامل , ووافق ايضا على اعالتها وهو ليس بزوجها شرعا , فالمصادر المسيحية تذكره بصفته خطيبا لمريم ولم تذكر انهما تزوجا وفقا للشريعة , ويوسف كان يدرك ان ما تحمله مريم في أحشائها هو نتيجة تعرضها لحادثة اغتصاب في ظروف غامضة كما شاع في المدينة , جاءت موافقة يوسف بموجب اتفاق بينه وبين كهنة المعبد , وتضمن الاتفاق ان يرحل فورا هو ومريم من هذه المدينة ( أي الناصرة ) الى مدينة اخرى مقابل منحه مبلغا من المال , بعد ان منح صفة خطيب لمريم لغرض التغطية , فقرر الرحيل الى مدينة بيت لحم , ومن المحتمل ان يوسف قد تعرض لضغوط قوية وربما الى تهديدات من قبل الكهنة للموافقة على قيامه بهذا الدور مقابل ثمن او ربما هناك سبب غامض لا نعرفه ولم يتناقله المؤرخون .
4ـ بالنسبة لواقعة ولادة عيسى , فمن المعروف ان مريم كانت تقيم في مدينة الناصرة حين حصل الحمل لها ولكنها انجبت عيسى في مدينة بيت لحم وهذا دليل على ابعادها وطردها من المعبد ومن مدينة الناصرة , وان ما تذكره الاناجيل من ان ذهاب مريم ويوسف الى بيت لحم كان لغرض المشاركة في التعداد السكاني فان هذا يبدو لنا غير معقول , لان سكان كل مدينة كانوا يسجلون انفسهم لغرض التعداد في نفس مدينتهم , كما ان التعداد حدث في اواخر فترة الحمل بينما خروج مريم من الناصرة بصحبة يوسف كان في بدايات ظهور اعراض ومعالم الحمل عليها , وبالنسبة لسبب حدوث الولادة في الاسطبل كما ورد في بعض الاناجيل , نعتقد السبب هو ان مريم ويوسف بعدما استقرا في مدينة بيت لحم , قررا كلاهما العمل في الاسطبل الذي يعود للسلطة المحلية الرومانية الحاكمة , فربما اختار يوسف العمل كنجار لدى السلطة المحلية واختارت مريم العمل في الاسطبل في اعمال الغسل والتنظيف , كما انهما اختارا السكن في هذا المكان ليكونا بعيدين عن الاختلاط بسكان المدينة وما يؤدي هذا الاختلاط من احراج لهما , بقيا في هذه المدينة سنتين تقريبا ثم غادرا ومعهم الطفل الى مصر, وربما كان سبب مغادرتهم مدينة بيت لحم هو مضايقات الناس لهم والكلام الذي كان يدور على الالسن رغم كل محاولاتهم تجنب الاختلاط بالناس , فقررا الهجرة الى بلد بعيد وهم قد سمعوا بمصر في قصص التوراة واعتقدوا انهم سيجدون الاستقرار هناك , وان ما تذكره الاناجيل من ان سبب الهجرة هو تهديدات السلطة الحاكمة نعتقد انه ليس صحيحا وهو يصب في اطار ميثولوجيا الشعوب القديمة حيث الخطر يهدد حياة الزعيم او البطل ويتم انقاذه في اللحظة الاخيرة , ولم يقررا العودة الى الناصرة الا بعد بضعة سنوات من اقامتهم في مصر , وعندما رجعوا الى الناصرة كان زكريا قد توفي , كما ان الضجة التي حدثت في المدينة بسبب الحمل غير الشرعي لمريم قد هدأت نوعا ما , عاد يوسف ليعمل في مهنة النجارة وكان الطفل عيسى يساعده في العمل , هذا وقد عاش يوسف مع مريم بحدود 15 عام ثم توفي ربما عن مرض , وخلال هذه السنوات لم تنجب مريم من يوسف رغم انهما كانا يعيشان في بيت واحد بغض النظر عن طبيعة العلاقة بينهما , وهذا ما يجعلنا نضع علامة استفهام حول الحالة الصحية والقدرات الجنسية ليوسف والتي جعلته يوافق على اعالة مريم وطفلها دون ان يكون مسؤولا عنهما شرعا .
5 ـ بالنسبة لطبيعة العلاقة بين عيسى وامه مريم فنعتقد انها لم تكن علاقة مودة ومحبة حسب تقديرنا , وقد ذكرنا بانه لم يكن يناديها أمي , ولم يذكرها في خطبه , ولم يوافق على مرافقتها له في جولاته , وان فلسفة الخطيئة والخلاص التي آمن بها تعكس تلك العلاقة غير الودية بين الابن وامه , لقد عانى عيسى كثيرا عند بلوغه وامتلاكه الوعي والادراك لما حوله , عانى بقسوة من الشكوك التي كانت تساوره تجاه والدته , وعانى من نظرة السخرية التي كان مجتمعه يواجهه بها عندما كانوا يسألونه : من هو أبوك ؟ لقد هجر عيسى أمه وهجر بيته وهام في البرية يبحث عن الخلاص من هذه المحنة , لانه اكتشف انه بلا أب , كان يبحث عن أبيه , ولكن أمه خذلته لانها لا تعرف من هو أبيه , كما ان مجتمعه خذله ورجال الدين اليهود خذلوه , وقد عاملوه بقسوة وهو لا ذنب له في ما حصل لأمه , كما أن أمه لا ذنب لها في ما حصل لها , فكلاهما ضحية , ومن هنا لم نجد ذكر لمريم في احاديث وخطب عيسى , وعندما صلب عيسى كانت أمه مريم قد بلغت نهاية الاربعينات من العمر , وقد حضرت هذه الواقعة وشهدت بمرارة وألم رحيل ابنها , ففقدت بفقدانه كل ما تملك في الحياة , فهي قد ولدت وحيدة لابويها حيث لا أخ لها ولا أخت , كما انها لم تتزوج , وعاشت جزءا من حياتها مع رجل يحمل صفة خطيبها الذي توفي فيما بعد , وهاهو ابنها الوحيد الذي لم يتزوج وقد بلغ من العمر 33 سنة يصلب أمام عينيها لاسباب عقائدية , لتعيش بقية ايام حياتها تحمل بلا ذنب خطيئة ذلك الاغتصاب الذي اقترفه بحقها معتد أثيم وتركها تواجه هذا المصير المؤلم , فتحيا وحيدة بلا أهل ولا زوج ولا أبناء .
6 ـ بالنسبة لفكرة قيامة عيسى بعد موته , هذه الفكرة قد اشار اليها عيسى في احاديثه مع تلاميذه في أيامه الاخيرة , ونعتقد ان هذه الفكرة تعكس حالته النفسية المتردية في تلك الاوقات الحرجة , حيث كان يواجه صعوبة بالغة في التمتع بحقه في التبشير بدعوته ونشر افكاره بسبب موقف المتطرفين اليهود المعارض بشدة لهذه الدعوة , فقد أخذوا يهددونه باستمرار بعد ان دخل معهم في نقاشات حادة وعنيفة , وكان يتوقع اغتياله في أي لحظة , فابتكر فكرة قيامته من الموت اذا ما قتل ليعزز من معنوياته ويمنح اصحابه الثقة بآرائه ومعتقداته , كما انها تكشف عن رغبته العميقة في الحياة لمواصلة مسيرته ونشر رسالته لانه كان على ثقة كبيرة بصحة مبادئه وآرائه , تذكر بعض الاناجيل ان عيسى صرخ باعلى صوته اثناء عملية صلبه مخاطبا السماء ( أبي لماذا تركتني ) وهذه تعكس مدى شعوره بالمرارة وخيبة الامل كونه سقط ضحية مخططات الزعماء الدينين اليهود , وان أباه الذي في السماء ـ كما يعتقد هو ـ والذي وضع كل ثقته به قد تخلى عنه ولم ينقذه في هذه اللحظات العصيبة .
انتشرت فكرة قيامة المسيح عيسى بشكل واسع عقب واقعة اختفاء جثته من القبر , عندما جاءت بعض النسوة من اتباعه لزيارة القبر بعد مرور ليلتين على دفنه في الكهف او المغارة ولم يجدن الجثة في مكانها , علما بان دفنه كان في مساء يوم الجمعة , وان زيارة القبر من قبل النسوة حصلت صباح يوم الاحد , صدمن هؤلاء النسوة بعدم وجود الجثة , وان الحجر الذي أغلق به القبر كان متدحرجا من مكانه , فانطلق الروايات حول قيامة عيسى من القبر , وقد ذكر عدد من تلاميذه بانهم شاهدوا عيسى وقد تحدث معهم من السماء وانه أخبرهم بانه سيعود قريبا , وطبعا هذه الروايات من نتاجات الاخيلة المشحونة بالانفعالات , لان الذين ألّفوا هذه الرواية والذين تناقلوها وهم جميعا من تلاميذ عيسى كانوا مأخوذين بهول المصاب الجلل بفقدانه حيا ثم بفقدان جثته ميتا , ملئتهم العاطفة الجياشة فشحنتهم بطاقة كبيرة من الخيال , وأضافوا اليها فيما بعد الكثير من المبالغة والتهويل , وعلى الرغم من الطابع الخيالي المحض لهذه الروايات فاننا نتلمس فيها ذلك الحب العميق الذي يكنه هؤلاء التلاميذ لمعلمهم وشدة تعلقهم به , وللحقيقة فان عيسى ابن مريم يستحق هذا الحب لانه كان حقا انسانا نظيفا طاهرا زاهدا , لا طمع له في الدنيا ولا رغبة له في ملذات الحياة , فكسب قلوب الناس , وشغل عقولهم .
والشيء الذي يثير الاستغراب هنا ان مريم العذراء لم تكن من ضمن النسوة اللواتي ذهبن لزيارة قبر ابنها في ذلك اليوم , علما بانها كانت حاضرة في واقعة الصلب , هذا وتذكر المصادر بان تلاميذ عيسى قد هربوا عندما القت السلطة المحلية القبض عليه ولم يكن احدا منهم موجود في ميدان الصلب خوفا من انتقام المتطرفين اليهود , ونعتقد ان وضع جثمان عيسى في الكهف وعدم دفنه في باطن الارض كما هو متبع عادة انما هو يأتي في سياق خطة أعدت من قبل السلطة الحاكمة لاخفاء الجثة لاحقا , لان العملية تبدو كأنها ايداع مؤقت للجثة في الكهف وليس دفن , حيث اغلق مدخل الكهف بحجارة كبيرة , وطبعا ليس من الصعب ازاحة هذه الحجارة فيما بعد , فمن وضعها يستطيع ازاحتها , وهذا ما حصل حسب اعتقادنا اذ أخرجت جثة عيسى من القبر في صباح اليوم التالي لدفنها ( أي في يوم السبت والذي هو يوم عطلة لدى اليهود ) أخرجت من قبل حراس القبر وهم من الجنود الرومان , ومعلوم ان الرومان لم يكونوا منتمين للديانة اليهودية , حيث قاموا بازاحة الحجارة عن المدخل وأخذوا الجثة فقط وتركوا الكفن لقصد او دون قصد ورحلوا دون ان يظهر لهم أي صوت او صدى فيما بعد .
والتساؤل هنا ما هو هدف الحكومة المحلية من اخراج الجثة من القبر؟ نعتقد ان السلطة الرومانية المحلية الحاكمة التي نفذت حكم الاعدام صلبا بعيسى , كانت واثقة من براءته وعدم وجود أي تهمة يستحق عليها الاعدام , وان قرار الاعدام جاء استجابة لرغبة زعماء اليهود , وحتى عملية اخفاء الجثة ربما جاءت بناءا على نصيحة من الزعماء اليهود انفسهم لكي يتم اسدال الستار على هذه الجريمة النكراء واخفاء جميع معالمها وآثارها ورموزها , ولكي لا يتحول القبر الى مزار بعدما شاهدوا كيف أجريت عملية تكفين جسد عيسى بعد انزاله من الصليب بقماش كتان مغمور بالعطور والتوابل من قبل اتباعه تعبيرا عن محبتهم واخلاصهم له , لقد تمت عملية اخفاء معالم هذه الجريمة النكراء بسرية تامة حيث قاموا حراس القبر باخراج الجثة من القبر ونقلها دون ان يكون هناك شاهد عيان لما حدث بسبب عطلة السبت , وان ادعاء السلطة الرومانية امام الناس بان الجثة قد سرقت من قبل تلاميذ عيسى انما هو لابعاد الشبهات عنها ومنعا لحدوث اضطرابات ضد السلطة , ويجب ان نتذكر ان تلاميذ عيسى قد هربوا بعد الصلب مباشرة وتشتتوا في جميع الارجاء خوفا من بطش السلطة الحاكمة وبطش المتطرفين من اليهود , ولم يبق في المدينة من اتباع عيسى من يتتبع خبر اختفاء الجثة , وبالتالي استقر في العقول ان عيسى قام بجسده وصعد الى السماء , تحقيقا لتنبؤاته السابقة , ولكن الحقيقة ان الجنود الرومان حراس القبر قد أخرجوا جثة عيسى من القبر في صباح اليوم التالي للدفن وأخذوها في عربة الى مكان بعيد ودفنوها , وأختفى كل شيء وبقي الامل لدى اتباع عيسى بعودته منذ ألفي عام ولكنه لم يعود ولن يعود , لان الموت قانون طبيعي , ولا وجود أبدا لانسان فوق سلطة قوانين الطبيعة .
في الفكر المسيحي :
ارتكز الفكر المسيحي على الثقافة التي كان يمتلكها مؤسس الديانة , وان مصدر ثقافة عيسى هي العقيدة اليهودية , حيث كان يصطحبه مربيه يوسف الى المعبد ليتلقى الدروس من الكهنة عندما كان صبيا , ثم اخذ يحضر بشكل دائم الدروس التي تلقى في المعبد , وكان رفيقه الدائم في صباه يحيى ابن زكريا ( او يوحنا المعمدان ) , وقد كان الاثنان بنفس العمر وتربط بينهما صلة قرابة من جهة الام بالطبع , ويعتقد ان يحيى كان يقيم مع مريم وعيسى في نفس البيت بعد وفاة والديه , وقد اصيب عيسى بصدمة نفسية عميقة عندما أعدم يحيى فيما بعد بأمر من الحاكم الروماني , وكان اعدامه ظلما وعدوانا , تميز عيسى بحب المعرفة والرغبة الشديدة في التعلم , وكان يحضر بانتظام الدروس او المحاضرات الدينية في المعبد , ولكنه كان يشعر بالحرج الشديد عندما كان المدرسون وهم كهنة المعبد يتحدثون عن موضوع الزنا والذي يعتبر بموجب العقيدة اليهودية من الافعال المنكرة يستحق مرتكبها الرجل والمرأة عقوبة الرجم حتى الموت , كانت تحرجه هذه الاحاديث احراجا شديدا لانها كانت تذكره بأنه دون اب , وكم كان يتألم عندما يجد نظرات الناس من حوله فيها الكثير من التجريح بأصله المجهول .
عاش عيسى في بدايات وعيه ومطلع شبابه صدى واقعة الحمل الغامضة وعانى منها بقسوة لان مصدر هذا الحمل بقي مجهولا , فتركت هذه الواقعة أثرا عميقا في نفسه , كان دائم الحزن , منطويا على نفسه , منعزلا عن الناس يتجنب الاختلاط بهم , يشعر بالضياع والغربة في مجتمعه , ترك دروسه فيما بعد وترك المعبد وعاش مشردا هائما على وجهه في البرية يبحث عن الخلاص من محنة لا ذنب له فيها , هرب من مجتمعه ليتنقل بين المجتمعات المجاورة غير اليهودية لعله ينسى مأساته , فوجد في العيش مع الغرباء ما افتقده في مجتمعه , وجد المحبة والملاذ والسكينة , وكان يتسائل مع نفسه عن سبب عدم نشر الدعوة لعبادة الله بين هؤلاء الاقوام غير اليهودية , وهل ان الله هو رب لليهود فقط ؟ في جولاته هذه بدأت تتشكل بدايات أفكاره وعقيدته , وبدأت تنضج في اعماقه عقيدة جديدة تختلف عن العقيدة اليهودية التي أنكرته ونبذته وعاملته بقسوة وازدراء , بدأ بنشر دعوته بين غير اليهود , اولئك الذين التقاهم في القرى التي كان يتجول فيها , قرر ان يخرج عن المعتقدات اليهودية التي تقوم على فكرة شعب الله المختار ليتوجه الى كل الناس ليعبدوا الله , وبدأ يعلم الناس العقيدة كما يعتقدها , وبدأ رحلته لنشر عقيدة الخلاص الابدي , اكتشف عيسى فيما بعد مواهبه وقدراته المتميزة والفريدة ولاحظ مدى التأثير الذي يحدثه في الناس عندما يتحدث اليهم وشدة انجذابهم اليه , لقد تميز عيسى بذكاء عالي ومواهب فريدة واحساس رفيع , تميز بمقدرته العالية على اقناع الاخرين والتأثير فيهم من خلال اسلوبه الرقيق في الكلام وحسن سلوكه ووداعته الذي شهد له الجميع , ونعتقد ان هذا التفوق في قدراته الذهنية وموهبته الخطابية جعلته يشعر انه مميز عن البشر الذين من حوله , وبالتالي ترسخ في ذهنه ان أباه هو الرب المقيم في السماء , لانه وفقا لتقديره او لتقدير الناس في ذلك العهد لا يمكن لشخص مجهول الاب ان يمتلك مثل هذه المواهب والقدرات او ما سميت بالمعجزات , وتذكر الاناجيل بان عيسى كان يسأل تلاميذه عما يعتقدونه تجاه شخصه , فيجيبونه بانه المسيح ابن الله فيشعر بالرضا والارتياح أزاء هذا الجواب , كما انه ورد في موقع ( كل الطلاب العرب ) وهو خاص بالدعوة المسيحية عن حياة عيسى ( لقد صرح يسوع بوضوح أنه يتمتع بصفات لا يملكها الا الله وحده ) وطبعا مثل هذا الكلام لا يناقض مفاهيم ومعتقدات المجتمع اليهودي الذي ينتمي اليه فحسب , بل ويخرج حتى عن سياق المنطق والمعقول , ويعكس هذا الفكر اشكالية التناقض بين الجذور والقمة , كان الناس في مجتمعه يعيرونه بجذوره لانه بلا أب , ولكنه بلغ القمة بين الناس بتفوقه الذهني , ولتحقيق التوازن النفسي بداخله قطع جذوره الارضية ومد جذوره نحو السماء , فمن يمتلك هذه القدرات المميزة لا يمكن ان تكون جذوره الا في السماء , وفي ايامه الاخيرة أصابته حالة اكتئاب شديدة لان اليهود ضيقوا الخناق عليه بعدما ادعى علنا بان الله هو اباه , وانه اذا مات فسيقوم من الموت وبالتالي فهو حي لا يموت وهذه من صفات الله , وانه يغفر للناس خطاياهم , هذه الادعاءات أثارت غضب رجال الدين اليهود ونقمتهم عليه لانه خرج عن عقيدتهم وشريعتهم فاتهموه بالتجديف , وأوصلوه الى خشبة الصليب ليموت دفاعا عن قناعاته هذه .
لقد ضحى عيسى بحياته في سبيل العقيدة التي آمن بها ولم يرضخ لمطالب وشروط زعماء اليهود اثناء محاكمتهم له , وقد كان هدفه نشر عقيدة الايمان بالله بين الاخرين من البشر ممن لا ينتمون الى الديانة اليهودية , كان يريد ان ينشر فكرة الخلاص بين جميع البشر والغاء نظرية ( شعب الله المختار ) لانه مؤمنا بان البشر جميعا هم أبناء الله , وان الله لا يفرق بين ابنائه البشر , وان الله لم يختار شعب معين ليشمله برعايته ويترك الشعوب الاخرى , بل ان جميع الشعوب تشملها رعاية الله , هذه هي فلسفة عيسى فهو كان يتوجه الى جميع الناس , فأحبه الكثيرون وآمنوا به من اليهود وغير اليهود .
ـ من الافكار التي تقوم عليها فلسفة العقيدة المسيحية هي فكرة ان عيسى قد ضحى بحياته ليحمل عن الناس خطاياهم وآثامهم وذنوبهم ويمنحهم المغفرة والخلاص الابدي , وبرأينا ان من الصعب تقبل مثل هذه الفلسفة , لانه ليس من المنطق ان يحمل انسان ذنوب الاخرين وخطاياهم , فكل انسان يحمل ذنوبه وآثامه , وكل انسان مسؤول عن اعماله , فلماذا يدفع عيسى ثمن خطايا الاخرين ؟ الا اذا كان المقصود هنا هو الخطيئة التي ارتكبها الشخص المجهول بحق أمه مريم لتثمر تلك الخطيئة عن انسان عاش حياته يدفع ثمن تلك الخطيئة , لقد تميز عيسى بحساسية تجاه الامور التي جرحته والمته في صباه وشبابه وخاصة موضوع الزنا والخطيئة والتطهر والخلاص من الذنوب , فبقيت هذه الموضوعات شغله الشاغل طوال فترة رسالته القصيرة , وعبارته المشهورة في حادثة المرأة الزانية التي طلب حكمه عليها ( من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر ) تعكس فلسفته تجاه موضوع الزنا والخطيئة , فالبشر بطبيعتهم يخطأون , وليس هناك انسان معصوم من الخطأ , وكم من الابرياء يدفعون ثمن أخطاء غيرهم من الخطاة , فعيسى قد عاش حياته يحمل على اكتافه خطيئة غيره ودفع ثمن باهض لتلك الخطيئة, فكانت ولادته من غير أب قد جلبت عليه نقمة المجتمع , اذ انكره المجتمع وحاربه المتطرفون اليهود ولم يستطع ان يعيش حياته بشكل طبيعي فعاش منبوذا مشردا , وفي النهاية دفع حياته ثمنا لتلك الخطيئة التي حملها وهو غير مسؤول عنها , سيق الى الصليب ليدفع ثمن اخطاء المجتمع وظلم المجتمع وقسوة المجتمع .
ـ وبالنسبة لقضية المعجزات والخوارق التي ذكرت كثيرا في سيرة حياة عيسى , فنحن مع اقرارنا بان بعض البشر يتمتعون فعلا بقابليات فريدة ومتميزة كالتخاطر مع الاخرين والتأثير بالايحاء تجاه الاخرين , وما هذه القدرات الا موهبة ذاتية طبيعية لا تتوفر لجميع البشر وهي ليست منحة خاصة من السماء لان هذه المواهب او القدرات ليست محصورة بمؤسسي الاديان , كما انها تبقى محدودة التأثير لا يسري مفعولها على كل من يخضع لها , ان القدرات الذاتية فوق الطبيعية لبعض البشر لا تعتبر خارقة لقوانين الطبيعة وانما هي فوق الطبيعي نسبة الى قدرات البشر العادية , فهي اذن قدرات فائقة وفقا لمعايير نسبية وليس مطلقة , وفي عصرنا هذا هناك اشخاص لا علاقة لهم بشؤون الدين لديهم قدرات فنية تبدو كأنها خارقة لقوانين الطبيعة , كما ان فنون الخداع البصري ليست منحة من السماء وانما هي موهبة ذاتية مجردة من قضية الايمان بالله , ان الذين عاصروا عيسى من أتباعه والذين شهدوا أحداث حياته وكذلك الذين تناقلوا روايات تلك الوقائع قد بالغوا كثيرا في قضية المعجزات واعطوها حجما كبيرا خرج عن نطاق المعقول وذلك لاهداف دعائية , وهذا شيء طبيعي بالنسبة للبشر الذين عاشوا في ذلك الزمن حيث الجهل والتخلف , فيأخذهم خيالهم بعيدا خارج نطاق قوانين الطبيعة , ومثل هؤلاء لا يمكن الوثوق باقوالهم ولا يمكن التعويل على رواياتهم
الختام :
في ختام مقالنا هذا نرى من المفيد تأكيد الملاحظات الاتية :
1ـ ليس كل ما وصل الينا عن سيرة حياة مؤسس الديانة المسيحية يعبر عن الحقيقة , وكذلك الحال بالنسبة لمؤسس الديانة اليهودية ومؤسس الديانة الاسلامية , فالكثير من الخيال والاساطير والاوهام نسجت حول خصال مؤسسي تلك الديانات وحول الاحداث التي رافقت نشر دعوتهم , فابتعدت سيرة حياتهم عن الحقيقة ابتعادا كبيرا , واننا مطالبون بالبحث عن الحقيقة وتثبيتها وترك ما هو خارج المنطق والمعقول , اننا قد نعجب بشخصية ما اعجابا كبيرا ولكن يجب ان لا يجعلنا هذا الاعجاب نغمض اعيننا عن الحقيقة فلا نبصرها , ان أي انسان يستطيع ان يتلمس الحقيقة ويتتبعها حتى وان لم يكن في يده سوى بصيص من الضوء طالما امتلك الوعي الكافي والقدرة على الرؤية السليمة الصافية واعتمد الاسلوب العلمي في البحث , ان العقل تحكمه الادلة والبراهين , اما الاقوال التي تناقلتها الاجيال فهي قد امتزجت بالكثير من الخرافات والاساطير , لان الوعي البشري في تلك الحقبة من الزمن لم يبلغ النضج الكافي للحكم العقلاني على الاشياء , ويجب ان نكون حذرين في تداول تلك الروايات الموروثة جيلا بعد جيل , فكتب التاريخ ليست مرايا تعكس كل الحقيقة وانما هي لوحات يرسم عليها المؤرخون الاحداث وفقا لرؤاهم , وكل رؤية تحكمها عوامل شخصية تخص المؤرخ ذاته من حيث الثقافة والمزاج والولاء والميول , نحن الان نحيا في عصر يختلف عن ذاك العصر اختلافا شاسعا فدعونا ننظر الى احداث التاريخ بعيوننا نحن لا بعيون المؤرخين حتى نتمكن من استكشاف الحقائق التي غفل عنها المؤرخون او تجاهلوها دون ادراك لقيمتها التاريخية , اننا لا نريد ان نقلل من عظمة الفكر الذي حمله عيسى بن مريم ولا نريد ان نقلل من مقدار التضحية التي قدمها دفاعا عن المباديء التي آمن بها , كان انسانا عظيما بفكره وباخلاقه وبزهده وترفعه عن ملذات الحياة , كان دمث الاخلاق لطيف المعشر , احب الفقراء وعاش معهم يشاركهم خبزهم وملحهم , فمنحوه حبهم وولائهم , وتبعوه في مشاويره وتجواله بين القرى , ولو لم تكن هذه المحبة موجودة لما كانت هناك تضحيات كبيرة من قبل اتباعه , ولكن ونحن حاليا في عصر العلم والمعرفة والحضارة علينا ان لا نتقبل الروايات التي تخرج عن نطاق المعقول فيما يتعلق بسيرة حياته كالروايات التي تدعي بأن مريم قد حملت به دون ان يتقرب منها أي رجل , وانه كان يكلم الناس وهو في المهد , وانه أبن الله , وانه صنع معجزات خارقة لقوانين الطبيعة ليثبت بأنه أبن الله , وأنه قد قام من موته بعد صلبه وارتفع الى السماء , وغيرها من الروايات غير المعقولة وغير المنطقية والتي لا يتقبلها العقل ولا تتفق مع قوانين الطبيعة , علينا ان نضع نصب أعيننا ان الاشياء غير المعقولة قد تثير اعجابا وانبهارا ولكنها لن تتحول الى حقيقة , وبالتالي فانها ستخلف ورائها شكوكا , فان أردنا كسب الاخرين علينا ان نكون واقعيين معهم فنكسب ثقتهم ونصون مصداقيتنا
2ـ ان جميع المصادر الدينية حرصت كل الحرص على جعل الجذور التي انحدر منها مؤسسي الاديان جذور فائقة الصفاء والنقاء وبطريقة مغرقة في المثاليات , وان تجعل ولاداتهم مصحوبة بتحديات خطيرة تهدد حياتهم , وانه لولا العناية الالهية وتدخل ارادة السماء لما عاش هؤلاء المؤسسون , وانهم صنعوا معجزات واعمال خارقة , وطبعا هذه الصورة تحمل طابع ميثولوجيا الشعوب القديمة وتعكس نمط الفكر الانساني في تلك العصور , فكل دين يحاول ان يظهر مؤسسه وقد انحدر من أرقى نسل وأطهر جذر , والحقيقة العلمية هي انه ليس هناك علاقة ترابط بين شخصية المولود مستقبلا وبين الطريقة التي حبلت به أمه , فليس كل مولود عن جماع غير شرعي ( الزنا او الاغتصاب ) سيكون في المستقبل انسانا فاسدا , وليس كل مولود عن جماع شرعي ( الزواج ) سيكون في المستقبل انسانا صالحا , فقد يخرج الطيب من الخبيث وقد يخرج الخبيث من الطيب , ونرجوا ان لا يفسر كلامنا هذا على انه دعوة لاباحة الزنا فهو عمل منكر لا خلاف عليه , ولكننا نؤكد حقيقة انه لا توجد علاقة بين سلوك الانسان في الكبر وبين الاسلوب الذي حبلت به أمه ان كان اسلوبا شرعيا او غير شرعي .
3ـ ان النقد الذي وجهناه في مقالنا هذا الى المعتقدات الدينية المسيحية لا يعني ابدا ان الاديان الاخرى هي أفضل وأحسن من هذه الديانة , اننا واثقون من ان جميع الاديان الموجودة في العالم حاليا من شرقه الى غربه انما هي من نتاجات عصور الجهل والتخلف , وانها تشتمل على الكثير من الخرافات والاساطير, واننا نؤمن بان الفكر الديني هو مرحلة في تاريخ الفكر البشري , وهذه المرحلة انتهت , وان البشرية لم تعد بحاجة الى الدين , وان من لا يزال يتمسك بالمعتقدات الدينية انما يتمسك بغذاء كان فيما مضى نافعا ولكنه الان انتهت صلاحيته ولم يعد نافعا , بل ربما ضارا , وقد قدمنا في مقالات سابقة مقترح بتأسيس عقيدة جديدة بدلا من العقائد الدينية الحالية , عقيدة جديدة تناسب عصرنا وتحترم عقولنا وتنسجم مع الحقائق العلمية , وهي (( عقيدة العصر الجديد ))



#رياض_العصري (هاشتاغ)       Riad_Ala_Sri_Baghdadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 1
- في نقد الفكر الديني
- ما هي عقيدة العصر الجديد ؟
- أضواء حول مقال - نهاية العقيدة الدينية
- نهاية العقيدة الدينية
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 3
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء السياسية في عقيدة - العصر الجديد
- العلمانية في عقيدة - العصر الجديد
- المباديء الاقتصادية في عقيدة العصر الجديد
- نقد المعتقدات الدينية
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 8
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 7
- مفاهيم ورؤى من (العصر الجديد ) 6
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 5
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 4
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الحديد ) 3


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض العصري - في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2