أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض العصري - حول اشكالية الوجود والعدم















المزيد.....

حول اشكالية الوجود والعدم


رياض العصري
كاتب

(Riad Ala Sri Baghdadi)


الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فكرة الوجود والعدم فكرة فلسفية قديمة شغلت تفكير الفلاسفة في العصور القديمة والوسطى والحديثة ولازالت حتى زمننا هذا , كما ان الفكر الديني أيضا أدلى بدلوه في هذه البئر العميقة , وبسبب تعذر بلوغ الحقيقة في هذه القضية فقد بقيت غامضة مبهمة وبقي مجالها واسعا لطرح النظريات والافكار الميتافيزيقية المتضاربة وبضمنها الفكر الديني , ان الخوض في اشكالية الوجود والعدم لابد ان يقودنا الى الخوض ايضا في اشكالية الموجد الذي أوجد هذا الوجود , وسوف نتطرق بالنقد بشكل مختصر لنظرية الفكر الديني في تفسير الوجود , ثم أعرض بعدها رؤية ( عقيدة العصر الجديد ) لاشكالية الوجود والعدم وهي رؤية واقعية منطقية منسجمة مع الحقائق العلمية ومعطيات عصرنا الحالي , والان أود ان أثير غبارا في ساحة المعركة الفكرية بطرح التساؤلات الاتية , ثم نرى في النهاية وبعد ان ينجلي الغبار ما صفت به الساحة من افكار :
اننا نحيا على سطح هذا الكوكب الصغير الذي هو جزء من كون واسع جدا يحتوي على ما لايعد ولا يحصى من المجرات والنجوم والكواكب وغيرها من الاجرام السماوية , والتي هي في حالة حركة مستمرة دون توقف , وهذه كلها تمثل بالنسبة لنا الوجود , ولكن هذا الوجود كيف انبثق وأصبح يشكل وجود ؟ هل انبثق هذا الوجود من العدم , أم من وجود سابق له ؟ وهل حدث انبثاقه بشكل تلقائي أم بفعل فاعل ؟ من خلق هذا الوجود , وما هي طبيعة هذا الخالق ؟ وهل فعلا خلق الوجود من العدم , أم انه كانت هناك مسبقا مادة وطاقة في الكون فصنع منهما بارادته هذا الوجود ؟ هل يمكن ان نفترض وجود مادة وطاقة في الكون سبقت وجود الخالق ؟ من أين جاءت مادة هذا الكون وطاقته ؟ اذا اعتبرنا المادة الكونية تشمل جميع العناصر الكيميائية المدرجة في الجدول الدوري الحديث ( Periodic Table) ويبلغ عددها في الوقت الحاضر 109عنصر , وربما هناك في الكون عناصر اخرى لا وجود لها على كوكبنا , فان هذه العناصر تختلف بعضها عن بعض في تركيبتها وفي خواصها حسب الرقم الذري ِ ( Atomic Number ) لكل نوع , فكيف تشكلت هذه العناصر بهذا الشكل , ومن الذي وضع لها نظامها الداخلي ؟ وهل ستبقى على تركيبتها هذه دون تغيير الى الابد ؟ من الذي منح لكل نوع من العناصر صفاته وخواصه المميزة ؟ من الذي وضع نظام التوزيع الالكتروني للذرات ؟ من الذي قرر ان يكون لذرة عنصر الهيدروجين مثلا , بروتون واحد والكترون واحد ؟ هل يمكن تصديق ان خالق هذا الكون اللامتناهي في الكبر هو نفسه خالق البروتون او الالكترون اللامتناهي في الصغر ؟ واذا كان لهذا الكون والوجود خالق , اذن هذا الخالق من خلقه ؟ هل انبثق خالق الوجود من العدم تلقائيا دون ارادة منه ليصير في حالة وجود , ام انه خلق ذاته بارادته ؟ وهل ارادته في هذه الحالة سبقت وجوده ؟ اذا كان للوجود مشوار له بداية ونهاية فما الذي يحدد طول هذا المشوار ؟ وهل سيحل العدم في نهاية المشوار , أم انه ليس هناك عدم , فقط الوجود هو الموجود ؟
وفي ما يتعلق بوجود الانسان , فالانسان تبدأ رحلته مع الحياة ومع الوجود منذ لحظة صيرورته بويضة مخصبة او ملقحة ( والتي تسمى علميا Zygote ) داخل رحم الام , والبويضة الملقحة ما هي الا مادة ذات تركيب معين فيها ما يكفي من الطاقة لانطلاق عملياتها الحيوية , ونحن نؤمن بان المادة ـ وفقا للمنطق العلمي ـ لا تفنى ولا تستحدث من العدم , فأين كانت مادة البويضة قبل الحمل ؟ أين كانت موجودة هذه المادة قبل صيرورتها بويضة ملقحة تنبض بالحياة , وبأي كيفية كانت ؟ اين كان موجودا الانسان قبل ان يبدأ رحلته مع الحياة انطلاقا من البويضة الملقحة ؟ وهل ان الانسان قبل انطلاق رحلته مع الحياة لم يكن له وجود , أي انه كان في حالة عدم ؟ فاذا كانت المادة المكونة للبويضة الملقحة مصدرها البيئة , فالوجود الحقيقي هنا اذن لمن , للانسان الذي سينمو عن هذه البويضة ليحيا الى أجل محدد ثم يموت في نهاية المشوار, أم للبيئة التي هي أصل هذه البويضة , حيث من البيئة تخرج المواد واليها تعود ؟ البشر الذين ماتوا قبل آلاف السنين وقبل مئات السنين الى أين رحلوا ؟ اين ذهبت المادة المكونة لاجسادهم ؟ هل الموت هو انتقال من الوجود الى العدم , ام انتقال من وجود الى وجود من نوع اخر ؟ وكيف السبيل الى الخلود لتجاوز محنة العدم ؟ نكتفي بهذه الاسئلة لفسح المجال لغبار المعركة لكي ينجلي , فنستطلع من بين هذا الغبار موقف الفكر الديني :
الفكر الديني يقدم لنا نظريته عن الوجود والعدم من خلال روايته لكيفية خلق الكون , فهو يعتبر خلق الكون قد حدث بارادة الاله العظيم الذي خلق الكون في ستة ايام ليظهر قدرته العظيمة على خلق كل شيء بكلمة منه اذ يكفي ان يقول للشيء كن فيكون , بالنسبة لنا نحن نرى ان خلق الشيء بالكلمة يعني خلقه من العدم , واذا كنا مخطئين في فهمنا , فان ذلك يعني خلق الشيء من مادة موجودة في الكون , ولكن لم يخبرنا الفكر الديني عن مصدر المادة التي خلق منها الكون , هل كانت موجودة قبل خلق الكون ؟ بمعنى هل كانت هناك مادة اولية ( خام ) مخلوقة مسبقا من قبل جهة ما فاستفاد منها الله في خلق الكون وجعله بالشكل الحالي الذي نعرفه , أم ان الله قد خلق الوجود من العدم دفعة واحدة مادة وتشكيلا ؟
يعلن الفكر الديني ايضا بان الخالق لم يلد ولم يولد , نفهم من ذلك ان وجود الخالق لا يخضع لقوانين المادة والطاقة , فوجوده ليس حلقة في سلسلة , وليس جزء من دائرة , فهو لم يولد من وجود سابق ولم يولد منه وجود لاحق , أي انه نظام خاص وليس جزء من النظام الكوني المغلق , ونحن نعلم بان الوجود هو نظام مغلق , وليس هناك خارج هذا النظام سوى العدم , فاذا كان الله نظام خاص خارج النظام الكوني , فما هي طبيعته , وكيف حدث وجوده ؟
يقول الفكر الديني بان الخالق خلق آدم من تراب , حسنا ولكن التراب ذاته من خلقه ؟ فاذا كان الجواب هو الله , فهل خلق الله التراب من العدم , أم وجده مخلوقا من قبل جهة ما فاستفاد منه في خلق آدم ؟ واذا كان الله قد خلق التراب من عدم , فانه بوسعه ان يخلق آدم من العدم ايضا دون الحاجة الى التراب , فخلقه لآدم ليس مرهونا بتوفر التراب لانه يقول للشيء كن فيكون , الا اذا كان خالق آدم هو ليس نفسه خالق التراب , وطبعا هذا مأزق كبير
يعلن الفكر الديني بان الانسان الذي يؤمن بمعتقداته ويلتزم بتعاليمه فستتم مكافئته في يوم القيامة بوضعه في الجنة حيث تتوفر هناك انواع المتع المادية , واما من لا يؤمن بمعتقداته ولا يلتزم بتعاليمه فستتم معاقبته برميه في نار جهنم حيث يسلط عليه انواع العذاب البدني , ويوم القيامة حسب الفكر الديني هو موعد في زمن آتي لا يعلمه احد , يكون فيه البشر قد ماتوا جميعا ولم يبقى منهم أحد على قيد الحياة , هنا في هذا السيناريو يربط الفكر الديني بين الانسان وجسده ربطا محكما ودائميا , فهما لا ينفصلان حتى بعد الموت , وبموجب هذه النظرية عندما تعلن ساعة الحساب في ذلك اليوم سيخرج الاموات من قبورهم ـ هذا ان بقيت ثمة قبور ـ سيخرجون بأجسادهم كاملة وليس بهياكلهم العظمية ـ ان بقيت لهم عظام ـ طبعا سيقولون ان الله ( يحيي العظام وهي رميم ) , فاذا كان سيحيي العظام في يوم القيامة فلماذا يجعلها تترمم في الدنيا , ما الفائدة من تركها تترمم ؟ على اية حال سيخرجون الاموات من قبورهم ليستلم كل واحد منهم كشف حساب بأعماله خلال حياته ويستلم نتيجته حيث الترحيل اما الى دار النعيم واما الى نار الجحيم وفقا للنتيجة , وطبعا وجود الجسد هنا ضروري لكي يشعر الانسان بلذة النعيم أو بعذاب الجحيم , لانه ليس من المعقول ان يكافأ الانسان او يعذب وهو بلا جسد ؟ ويبدو لنا واضحا ان هذه النظرية مخالفة لقوانين الطبيعة , لان جسد الانسان ليس الا مادة , وهذه المادة ليست ملك له وانما هي ملك للبيئة تمنحها له في الحياة وتستردها منه بعد الوفاة , ويمكننا هنا ان نشبه هذه المادة بالعملة الورقية المتداولة بين الناس فهي تنتقل من يد الى يد ولكنها لا تسقط بموت صاحبها , يموت الانسان والمال لا يموت وانما ينتقل الى الورثة , فهل فلسفة الدين تنسجم وتتوافق مع الواقع ومع قوانين الطبيعة ؟ اننا نعتقد ان اشكالية الوجود والعدم في الفكر الديني ليست الا دوران في حلقة مغلقة لا مخرج لها , اذ يقحم الفكر الديني نفسه في قضايا فلسفية معقدة فيغوص فيها دون ان يعرف مخرجا له منها .
نحن في ( عقيدة العصر الجديد ) نعرّف الوجود بكلمتين بسيطتين فنقول بانه كل ما هو موجود في الكون من مادة وطاقة ( Matter & Energy ) بأي شكل كانا او بأي صورة , اما العدم فهو حالة اللاوجود لكل من المادة والطاقة , بالنسبة لرؤيتنا للوجود من حيث كيفية نشأته ونشأة الانسان , فنحن اذ لا نتفق مع رؤية الفكر الديني لانها بعيدة كل البعد عن الحقائق العلمية والمعطيات الموضوعية , فاننا نؤمن بقاعدة أخلاقية وهي ان الاعتراف صراحة بالجهل خيرا من الادعاء كذبا بالمعرفة , فالجهل الصادق هو أفضل من المعرفة الكاذبة , الكذب صفة منكرة وخاصة اذا كان الهدف منه تضليل الناس وابتزازهم , والكذب لن يدوم وسيخسر الكاذب في نهاية المطاف ثقة الاخرين به , اما الجهل فهو بالرغم من كونه صفة غير مستحبة ولا تليق بالانسان الا انه لا ينطوي على دوافع سيئة او معادية للاخرين , كما ان طريق المعرفة مفتوح أمام الجاهل للسير فيه , ولن يخسر الجاهل ثقة الاخرين واحترامهم اذا اختار ان يسعى في طلب المعرفة ملتزما بالصدق مع نفسه ومع الاخرين , والانسان ليس مجبرا على الكذب في ما لا علم له به , اذ ليس بوسع الانسان ان يعرف كل شيء عن هذا الكون الواسع جدا فذلك خارج نطاق قدراته الذاتية , نحن في ( عقيدة العصر الجديد ) نعتبر المعرفة معيارا من معايير القيمة الانسانية , ونحث على طلب العلم والمعرفة , لان العلم هو السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة , وفي بلوغ الحقيقة راحة للنفس وشعور بالسعادة .
ما يتعلق برؤيتنا لكيفية نشوء هذا الوجود , فاننا نقر بان سر هذا الوجود وهوية خالق هذا الوجود أمرا مجهولا على البشر , فلا أحد يعرف الحقيقة بالضبط في كيفية خلق الوجود , ولا أحد يعرف أصل أو مصدر المادة وكذلك الطاقة الموجودتين في الكون منذ نشأة الكون , نعلم بان هنالك نظرية تقول بان جميع العناصر الكيميائية المعروفة لدينا حاليا لها أصل واحد , وهذا الاصل هو عنصر الهيدروجين , تقول هذه النظرية ان الهيدروجين كان العنصر الوحيد الموجود في الكون عندما حدث الانفجار العظيم الذي أدى الى ولادة الكون , وقد نتج عن ذلك الانفجار تكون العناصر الاخرى المعروفة في الكيمياء وانتشارها في جميع أرجاء الكون لتشكل الوجود , هذا ما تقوله النظرية ولكن لا احد لديه الامكانية للتحقق من ذلك والتأكد من نوع ومصدر تلك المادة التي انفجرت ومصدر الطاقة التي فجّرت تلك المادة , هذا مع العلم بان نظرية الاصل الواحد نظرية صحيحة في ما يتعلق بالكائنات الحية الموجودة على كوكب الارض , اذ ان جميع الكائنات الحية الموجودة على كوكبنا انحدرت من أصل واحد , ولكنها اختلفت بمرور الزمن لان مسارات تطورها تنوعت وفقا لتنوع البيئة , ان الكائنات الحية الموجودة على كوكب الارض هي جزء من المادة الموجودة على سطح هذا الكوكب والتي هي بدورها جزء من المادة الكونية , الانسان باعتباره جزء من الكائنات الحية الموجودة على هذا الكوكب فهو ايضا يتكون من مادة سطح هذا الكوكب , فالانسان الحي هو مادة ذات طاقة وهو جزء من هذا الوجود , الطاقة تتمثل في القوة التي تحرك هذا الجسد والتي يطلق عليها الروح في الفكر الديني , ولكن بالتاكيد ان مشوار الحياة لاي انسان هو الذي يحدد حقيقة وجوده , أي بمعنى ( أنا حي أرزق , اذن أنا موجود ) ومشوار الحياة لكل انسان له نقطة بداية ونقطة نهاية , وبرأينا ان نقطة البداية لوجود الانسان تبدأ منذ لحظة حصول تلقيح بويضة المرأة بحيوان منوي لرجل وتكوين بويضة ملقحة ( Zygote ) فهذه اللحظة هي نقطة البداية لمشوار الانسان في الحياة , البويضة ليست مخلوقة من العدم , كما ان الحيوان المنوي ليس مخلوقا من العدم , فالانسان اذن لم يأتي من العدم وانما هو نتاج خلط مادتين تناسليتين مصدرهما والديه , المادة التناسلية تنتجها الاجهزة التناسلية في أجسامنا بالاستفادة من الغذاء الذي نتناوله وطبعا تحت تحكم هورموني , تقريبا معظم مكونات البويضة الملقحة مصدرها الانثى المنتجة لها , ما عدا جزء صغير جدا من هذه المكونات مصدره الذكر والذي هو الحيوان المنوي الذي يقوم بعملية التلقيح , حيث تبدأ البويضة بعد عملية التلقيح بالانشطار المستمر لتزداد حجما وكتلة , في عملية شبيهة بالتفاعل النووي الانشطاري , تبدأ البويضة الملقحة بالنمو داخل رحم الام كأنها بذرة تنمو داخل التربة , تزن البويضة الملقحة بضعة ملليغرامات في بداية التلقيح وبعد 9 اشهر يخرج الجنين من رحم امه بوزن( 3 ـ 4 ) كغم , هذا الفرق الكبير في الوزن مصدره الغذاء عن طريق الام والذي يمد البويضة بالمادة والطاقة لمواصلة الانشطارات والتوسع وفقا لنظام خاص , ومعلوم ان المواد التي تدخل الى جسم الانسان كغذاء فانها تستخدم في عمليات النمو البدني وفي تلبية احتياجات الجسم من الطاقة , وعند بلوغ الانسان يبدأ جهازه التناسلي في انتاج المادة التناسلية الناقلة للجينات الوراثية ( البويضة لدى الانثى او الحيوانات المنوية لدى الذكر) من خلال تحويل الغذاء بواسطة غدد خاصة , فاذا كانت المادة التناسلية المكونة للبويضة الملقحة مصدرها الغذاء الذي يتناوله الوالدين للجنين , وان البيئة هي المصدر الاساسي لغذاء الانسان , فان ذلك يعني ان مادة جسم الانسان موجودة في البيئة أي في الطبيعة منذ ما قبل صيرورته بويضة ملقحة , بمعنى ان العناصر المكونة لمادة جسد الانسان موجودة في البيئة ولكن بحالة متفرقة مشتتة او اذا جاز التعبيرعلى شكل مواد خام , اما جسد الانسان ككيان مادي مستقل قائم بذاته وكمنظومة منتجة للطاقة فلا وجود له قبل مرحلة البويضة الملقحة , أي انه في حالة العدم , ان البيئة هي المجال الحيوي للانسان ولكل كائن حي , هي الثدي الذي يرضع منه كل كائن حي , هي مصدر غذائه وطاقته بشكل مباشر او غير مباشر , وان المادة المكونة لجسم الكائن الحي ستعود حتما الى البيئة مهما يطول العمر بهذا الكائن , جسم الانسان الحي عبارة عن مادة متحركة بفعل الطاقة التي يقوم جسمه بتوليدها ذاتيا والتي هي متجددة باستمرارمن خلال الغذاء الذي يتناوله , والغذاء الذي يتناوله الانسان يتم انفاقه في عمليات البناء والترميم وفي توليد الطاقة , ويتم طرح نواتج هذه العمليات مع الفائض عن حاجة الجسم من الغذاء واعادته الى البيئة على شكل مخلفات عضوية بحالة صلبة او سائلة او غازية , أجسامنا فيها مداخل ومخارج لغرض تحقق عملية دوران المادة بيننا وبين البيئة في نظام مغلق هو جزء من النظام الكوني المغلق , أما الطاقة التي تنتجها اجسمنا فهي التي تجعلنا نتحرك , وعندما يتوقف الجسم عن انتاج الطاقة تكون النتيجة الموت , فالموت اذن هو نتيجة لتوقف الجسم عن انتاج الطاقة وليس سببا في توقف الطاقة , بعد الموت تجري عمليات معاكسة لعمليات البناء , أي تجري عمليات هدم , حيث يتحلل الجسم ويتفسخ ويعود مرة اخرى الى مصدره الاصلي أي البيئة على هيئة مواد اولية او مركبات او عناصر حرة يمكن ان تستفيد منها كائنات حية اخرى , وبالتالي يعود الانسان ككيان مستقل وكمنظومة طاقة الى حالة العدم من جديد , ان ولادة أي انسان هي أشبه بعملية فتح حساب لدى مصرف البيئة , حيث ان مصرف البيئة هو مصرف يمنح القروض لغرض الاستثمار , مع العلم بان رأس مال الانسان عند الولادة ايضا مصدره البيئة , تمنح البيئة القروض للانسان على شكل أغذية لغرض الاستثمار لصالحه , ويقوم الانسان بتسديد ما بذمته الى البيئة على شكل مخلفات عضوية لتقرضها البيئة مرة أخرى الى كائنات حية أخرى , وبعد الموت يعيد الانسان الى المصرف وبشكل تلقائي كل ما تبقى بذمته من القروض مع رأس المال طبعا , وأما ما يتبقى له كرصيد دائم فهو سمعته وانجازاته واعماله وسيرته بين الناس , ونحن في ( عقيدة العصر الجديد ) نعتقد انه من الضروري اعادة النظر في عملية دفن جثث المتوفين , اننا نرى من الافضل ان تتم الاستفادة من الاعضاء السليمة في جثث المتوفين بدلا من اتلافها بعملية الدفن , ان مصلحة المجتمع تقتضي الاستفادة من أجسام الاموات في معالجة واصلاح أجسام الاحياء , ما ضر الميت لو اقتطعت قطعة او اكثر من جسده لتمنح الى انسان اخر ما زال حيا وهو بحاجة ماسة اليها , هل هي انانية الانسان ان يتلف ما عنده بدلا من منحه لمن يحتاج ؟ المقبرة في رأينا أشبه بموقع لرمي النفايات , لان دفن الجثث ما هو الا رمي نفايات وطمرها بباطن الارض , ان الدوافع الانسانية تستوجب ان يمنح كل انسان جسده بعد موته للجهات الطبية لكي تستفيد منها في اصلاح او معالجة أجساد بشر مايزالوا أحياء , واما ما يتبقى من الجسد مما هو لا فائدة فيه فيتم احراقه , اذ ان احراق الجثث افضل بيئيا من دفنها رغم ان العمليتين تؤديان الى نفس النتيجة وهي عودة مكونات الجسد الى البيئة , وتتم عملية الاحراق في محرقة خاصة وتحت اشراف الجهات الصحية , اننا نؤمن بان قيمة الانسان ليست في جسده وانما في أعماله , من عمل صالحا فله قيمة كبيرة في قلوب الناس وفي ضمائرها , ومن كانت اعماله سيئة وشريرة فلا قيمة له ولا ذكرى طيبة له حتى لو تم رش العطور على جثته , وواهم من يعتقد ان وجود القبر يمنحه الخلود , فليس بالقبر يخلد الانسان , اذا اراد الانسان الخلود فليصنع شيئا للناس ينتفعون منه من بعده , واذا اراد الانسان ان يكون له قبرا بعد موته فليكن ذلك القبر في قلوب الناس وفي ضمائرهم وليس في باطن الارض , ان النفايات فقط تدفن في باطن الارض , وان حرق النفايات أصلح للبيئة من دفنها , فليصنع كل انسان قبرا له في ذاكرة الناس الذين من حوله او في ذاكرة كل البشرية من خلال اعمال صالحه ونافعة في خدمة البشرية , فهذه الاعمال تبقى حية لا تموت , وهي التي تمنح الانسان الخلود من بعد الموت .









#رياض_العصري (هاشتاغ)       Riad_Ala_Sri_Baghdadi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 2
- في نقد المعتقدات الدينية المسيحية 1
- في نقد الفكر الديني
- ما هي عقيدة العصر الجديد ؟
- أضواء حول مقال - نهاية العقيدة الدينية
- نهاية العقيدة الدينية
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الاخلاقية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 3
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 2
- المباديء الفكرية في عقيدة العصر الجديد 1
- المباديء السياسية في عقيدة - العصر الجديد
- العلمانية في عقيدة - العصر الجديد
- المباديء الاقتصادية في عقيدة العصر الجديد
- نقد المعتقدات الدينية
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 8
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 7
- مفاهيم ورؤى من (العصر الجديد ) 6
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 5
- مفاهيم ورؤى من ( العصر الجديد ) 4


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض العصري - حول اشكالية الوجود والعدم