جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2577 - 2009 / 3 / 6 - 10:40
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
جائتني قبل إسبوعين رسالة من الديوان الملكي الأردني موقعةً من معالي رئيس الديوان الملكي الأردني :ناصر اللوزي , وقد تلقيتُ الرسالة ومكتوب بها في أعلى الصفحة : سعادة الأستاذ جهاد العلاونه.
في الحقيقة الرسالة تنمُ عن الشكر العميق لي على كتابي : الفردية والجماعية , الذي أهديتُ منه نسختين للديوان الملكي وإلى رئيس الديوان بالإضافة لمسماه الوظيفي .
وسأردُ على الرسالة في وقتٍ قريب جداً.
ولم أكن لأفكر مسبقاً بزيارة الديوان الملكي الأردني , لأنني أعيش لحظات صعبة مع الحكومات الأردنية , وبالذات مع جهاز المخابرات , لذلك كان إعتقادي أنني سأطرد من على الباب , ولكنني فوجئت بهذا الصرح الكبير مفتوحاً لي وللأردنيين , وحين سألوني عن مهنتي؟
قلتُ لهم : كاتباً أردنياً .
عندها إحترموني وأجلوني , رغم أن رؤساء البلديات وغالبية المسؤولين الأردنيين , يقرفون جدا ً من كلمة مثقف أو كاتب .
وهم بهذا يعطون للُكتّاب تصوراً من أن النظام الملكي الأردني هو الذي يريدُ ذلك , غير أن تصريحات جلالة الملك تقولُ عكس تصرفات المسؤولين الأردنيين وخصوصاًمعي أنا .
ماكنتُ لأفكرَ يوماً أن زيارة الديوان الملكي الأردني الهاشمي هي أسهلُ بكثيرٍ من زيارة , موظف بسيط في الحكومة الأردنية , فحين فكرتُ بالزيارة وضعت ُ أمامي 100سوآلٍ سأسألُ عنهن حين أصل باب الديوان الملكي , وبقيتُ طوال إسبوع ٍ كامل أفكرُ في كيفية الإجابة عن كل تلك الأسئلة .
مثلاً: لماذا؟ تريدُ لزيارة ؟
-وهل لك معارف؟
- ومن هو أنت ؟
-وهل سبق لك وأن نظمت في أحزاب سياسية ٍ؟
كلُ تلك الأسئلة المقترحة , إعتقدتُ أنها ستحدث معي ولكنني فوجئتُ على الباب الأول :
-تفضل هويتك وين بدك إتروح ؟
- أنا كاتب أردني ...إلخ.
وبمجرد أن قلتُ كاتب أردني , إنقطعت نهائياً كل ُ الإسئلة وقالوا لي جميعاً:
_أهلاً وسهلاً كاتب أردني ؟
- نعم,
-تفضل .
وفي الحقيقة صُعقتُ من هول ما سمعتُ وبقيت ُ أتنقلُ بسيارات المسؤولين والمراجعين حتى وصلتُ لما أريد وبدون أي معوقات وكل ذلك حدث معي في نصف ساعة على الأكثر .
ولكن لماذا ؟ حين نزور دائرة أردنية أخرى , نبدأ أولاً بالتعرف على أسماء الموظفين ونبدأ أيضاً بمعرفة أنسابهم وأقربائهم , وذلك حتى نجد طرفاً يوصلنا إليهم , ونهلك جداً ونحن نمشي من مكتب لمكتب ومن دائرة لدائرة .
وأي دائرة في الأردن حكومية مثلاً أذهبُ إليها لأقدم عرضاً لشراء كتابي لا يأتيني الرد نهائياً لا بالإيجاب ولا بالقبول , حتى أذهبَ لهناك عدة مشاوير , وهنالك طبعا ًمثل ما بحكوا سين وجيم ووين بدك , وشغله بتقرف جدا جدا .
حياتنا ينقصها الإحترام , فأنا مواطن أردني وحين أراجع أي دائرة حكومية أتساأل ؟
لماذا لا تتم اصول المعاملات بشكل رسمي ؟
لماذا العقد في طريق المنشار ؟
طيب : بدهم مني كتب؟ أو ما بدهمش؟ , ليش ما يحترموا أنفسهم ويبعثولي الرد على عنوان بريدي أو على الهاتف ؟
وهنالك الكثيرون الذين ينكرون أصلاًوجود كتابي عندهم .
الديوان ُ الملكي الأردني هو أعلى سلطة بالمملكة الأردنية , والتوجه له وزيارته هي أسهل بكثير من زيارة مراسل(فراش) في أي دائرة حكومية .
زرتُ الديوان ودخلتُ إليه وقدموا لي قهوةً وشايا ًوتحدثتُ معهم وكل ذلك لم يستغرق أكثر من نصف ساعة .
أما يا حبيبي إذا بدي أزور رئيس بلديه أردني , أي أصعب بكثيرٍ من زيارة الديوان الملكي وهو أعلى رمز وطني وحكومي وملكي في البلد.
إن التربية والدعاية الهدامة هي التي تفرضُ علينا مثل تلك المخاوف , لأننا متعودون على مواجهة المتاعب في أي دائرة ندخلها , بسبب إنتشار الفساد والمطامع , وبدون مبالغة أعتقدُ أنني لو أردتُ مقابلة جلالة الملك لقابلته , دون أي متاعب , ولكانت مقابلته أبسط وأسهل من مقابلة ضابط بدائي في المخابرات الأردنية .
الكبار أخلاقهم عالية حتى وإن ظلمونا ..وحتى لو قسو علينا ..وحتى لو وجهنا لهم تهماً قمعيةً.
وفي هذه اللحظة يبدو أن هنالك ضعفاً في أداء المخابرات العربية بكافة أجهزتها وهي اليوم ليست على مايرام وأن الضباط القدامى قد فقدوا لياقتهم بسبب غرامياتهم الجنسية , أو بسبب الثقة الزائدة الموجودة في دواخلهم.
أو أنهم فقدوا لياقتهم بسبب تقدم أعمارهم , وأن الضباط الحديثي الولادة مازالت الغشاوة على أعينهم , فهم أغرار جداً , والمثقفون والحزبيون اليوم لديهم خبرة في التعامل مع المخابرات أكثر منهم أنفسهم .
غير أن الصحيح والواقع يجبُ أن يكون معكوساً , فيجب على الضباط الحديثين أن يكشفوا طرائق تفكير المثقفين , والمسألة هنا مقلوبة رأساً على عقب ْ أي للمثقفين قدرة على قراءة نشاطات المخابرات والأماكن التي من الممكن أن يصطادوا بها المثقفين.
وأنا شخصيا _وبدون غرور_ أعرفُ أين هي المواقع التي من السهل على المخابرات الأردنية أن تكشف بها نقطة ضعفي وعدم قدرتي بها على المقاومة , لأنني أعرفُ أين سقطت سنة 1996م.
وبما أنني أعرفُ المواقع التي سقطتُ بها فإنه وعلى هذا الأساس لا يمكن بالضباط الجدد أن يوقعوني بها , زد على ذلك أن جلالة الملك عبد الله هذا اليوم , نكن له نحن ُ المثقفون كل الشكر من هذه الناحية , لأنه وديوانه الملكي العامر قد خفف من حدة الإطاحة بالمثقفين والسياسيين ونحن اليوم نعيش في ظروف أحسن من ظروف ما قبل عشر سنوات.الأمر ُ اليوم يتعلقُ بالإصلاحات الجذرية , ولن تطالنا يد المخابرات ما دمنا في رعاية جلالة الملك عبد الله الثاني .
أنا لا أقولُ هذا محاباة , ولا هزاً للأكتافأو هزاً (للذَنَبْ) , بل يجب أن نتحدث عن مساوىء الوطن ومحاسنه بصدق وبأمانة حتى نتمكن جميعنا من وضع اليد على مكان الجرح والألم , صحيح أنني ما زلتُ أنزف من تجربتي مع المخابرات سنة 1996, وكيف أوقعوا بي , نظراً لأنني كنتُ هشاً وضعيفاً وأثقُ بكل الناس .
ولكن تلك التجربة أعطتني اليوم قوة مضاعفة وزادت جداً من لياقتي البدنية والفنية والعقلية , في الوقت الذي فقد به غيري لياقته البدنية والقمعية .
جهود جلالة الملك مشكورة جداً , رغم أن لي بعض التحفظات , ولكنها لا تعدُ شيئاً مقابل ما منحنا إياه جلالة الملك .غير أنني أتمنى أن أنال حظاً من التعويض عن الآلام التي سببتها لي المخابرات الأردنية , وأتمنى أن يحكي الجميع صراحتهم , ولا داعي للتفنن كثيراً في الكذب والرياء , فكلنا يعرفُ صاحبه حق المعرفة .
كنتُ أعتقدُ سنة 1996م أنه من واجبي أن أعمل كمثقف ٍ في الثقافة , وكان لديّ تصور آخر مقابل هذا التصورُ : وهو أنه بمقابل ذلك يجبُ على المخابرات أن تقوم بحمايتي من الغوغاء والحسودين والحقودين, غير أن توقعاتي بائت بالفشل وإذا بهم , هم, من يقف خلف كل متاعبي , وحين كنتُ أشكو لهم ذلك كانوا يقولون لي : شو دخلنا بمشاكلك .
غير أن الصحيح أنهم هم من يقف خلف تلك المشاكل .
ولو أن كل المسؤولين الأردنيين يتعاملون معنا كما هو الديوان الملكي , لإنتهت المشاكل وعمليات الطخ بكل الإتجاهات.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟