أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نورس محمد قدور - امبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية (3)















المزيد.....

امبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية (3)


نورس محمد قدور

الحوار المتمدن-العدد: 2557 - 2009 / 2 / 14 - 01:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يصنع الرجال تاريخهم، لكنهم لا يصنعونه كما يشتهون، لا يصنعونه في ظروف يختارونها بأنفسهم، بل في ظروف تنشأ مباشرة عن الماضي وتنبثق منه."كارل ماركس"
وهذا التاريخ الذي يصنعه الرجال سواء كان بيدهم أو غير ذلك قد يكون سببا للنجاح، وأحياناً يكون النجاح وليد اللحظة.
فالنجاح هو شعارنا في الحياة, وكل شخص أو أمة ترى النجاح من منظورها, ولكن ما نجمع عليه وما يتفق عليه الجميع ان النجاح وفي اي مجال يبنىعلى عامل أساسي هو: القوة. وقد نجحت امريكا في هذا العامل, مما جعلها تلقب بامبراطورة الدول, وسلاحها في هذه الثروة، امبراطورية بنيت على النجاح الاقتصادي والفكر والتطبيق اللذين عززا ذلك النجاح. الا أن قصة امبراطورية الثروة تحمل, كمعظم قصص الامبراطوريات، طابعا ملحميا حافلا بالانتصارات والهزائم ، بالجرأة والتردد ،بالأفكار الجديدة والرواسب القديمة ،بالعقلاء والحمقى.لكنها كانت في شطرها الأعظم ملحمة قادتها الملايين التي لم يقف في طريقها شيء في سعيها الى تحقيق مصالحها الذاتية في ظل حكم القانون، وهذا هو اساس الحرية. وهذه الملحمة تعتبر بجوهرها نافذة نطل منها الى كل ما يحقق انسانيتنا، من خلال كتاب (إمبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الامريكية) تأليف "جون ستيل جوردون" حاصل على إجازة في الفنون – قسم التاريخ بجامعة فاندربيلت، ومن خلال ترجمة:" محمد مجد الدين باكير"

الفصل السادس: بالكد تتحقق المعجزات

لم يكن في الولايات المتحدة إلا القليل من الطرقات التي تستحق الذكر. وكانت بلدا لا يعرف الاستقرار اذ كان سكانها يزحفون غربا من منذ بداية عهد الاستيطان.وكانت طرقاتها ممتلئة بالحفر والأتربة في الصيف، وكانت تتحول الى سبخات طينية في الربيع والخريف. وكانت العربات ومركبات الجياد تستغرق ساعات في قطع بضعة أميال فقط، وكان السفر أسهل في فصل الشتاءعلى العكس من هذه الايام،عندما تكون الارض متصلبة ومتجمدة. وجاء المهندس الاسكتلندي " ماك آدام " وخلص البلاد من هذه المآزق وكانت سفينة النجاة على يده، اذ طور تقنية رصف الطرقات في مطلع القرن التاسع عشر باستخدام طبقات الحجارة والحصى. وقد أطلق اسمه على هذه العملية "ماكادام" التي انتشر استخدامها في الولايات المتحدة وبريطانية.

ولاحظت الحكومات المحلية أنه حيثما أقيمت طريق رئيسية كانت النتمية الاقتصادية تحل سريعا بانتشار الحانات والفنادق واسطبلات الخيل لتلبية حاجات المسافرين.
لم تعرف المستعمرات السفر للاستجمام وإنما للتجارة، لكنه صار شائعا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أن يمضي فيها الازواج الاثرياء رحلات شهر العسل، وشرع الاطباء في ذلك الحين يصفون السفر كعلاج لمرضاهم الأثرياء.

لكن ثمة حدود صارمة لحمولة عربة الخيل بغض النظر عن تطور الطرق وكان لا بد آنذاك من نقل السلع التي ارتفعت تكلفة نقلها عن طريق الانهار اذا اريد نقلها لأماكن بعيدة, وحيثما لم تتوافر المسالك المائية الطبيعية خرج العالم ما قبل الصناعي لحل هذه المعضلة : شق الانهار الصناعية التي عرفت بالقنال.
ان قرار شق القنال شيء وتنفيد قرار الشق أمر آخرتماما, خصوصا ان الولايات كانت تفتقر الى المهندسين المدربين, وكلفت شركة قنال "ميدلسكس لوامي بولدوين" تنفيذ المشروع.ومع ان بولدوين اطلع على مراجع في شق القنوات، لكنه لم ير قط هويسات القنال, فأقنع الشركة على الفور بتكليف رجل انجليزي يدعى ويليام ويستون كانت لديه خبرة في شق القنال. لقد كان ارتفاع التكلفة الرأسمالية للقنال ونقص الخبرات الهندسية في البلاد عاملا معيقا في السنوات الاولى, وكان المضاربون غير مستعدين للاستثمار في مشاريع القنوات الجديدة. وقررت ولاية نيويورك إقامة مشروع قنال لم يكن الاكبر في الولايات المتحدة وإنما تجاوز بحجمه ضعف أكبر قنوات العالم, وذلك بتكلفة تقديرية ضاهت الميزانية السنوية للحكومة الفيدرالية.

كان يؤمل أن تتحمل الحكومة الفيدرالية نسبة كبيرة من تكاليف أكبر مشروعات الاشغال العامة في العالم الغربي , لكن كلنتون لم يلق تشجيعا يذكر, وكذلك الحرب لم تجلب أي بارقة أمل بأن المشروع سيوضع موضع التنفيذ, لكن الدافع أحيي من جديد بعد نهاية الحرب, ووقع 100ألف شخص على عريضة رفعت الى المجلس التشريعي تطالب بشق القنال. أما من جانب المشكلات التقنية التي لا بد من تخطيها, فإن الموقف الجماعي للولايات يمكن تلحيصه في عبارة الحاكم موريس اللاتينية الرشيقة"بالكد تتحقق المعجزات".

وفي 15 ابريل 1817 أصدر المجلس التشريعي قراره فسن قانون القنال الذي أعلن بموجبه أن القنال"ستعزز الزراعة والصناعة والتجارة وسترفع ويلات الحرب وترسخ فضائل السلام وتقوي عرة الاتحاد وتدفع الازدهار قدما وترفع من مكانة الولايات المتحدة". وفي 4يوليو 1817 قلب دويت كلنتون أول رفش من التراب في منطقة قرب روما بنيويورك ،وكان قد تعهد بإتمام العمل بعشرة سنوات . وأكمل العمل بثماني سنوات، أي قبل نهاية المدة بسنتين. والتقى الماء بالماء وصب كلنتون قربة من ماء بحيرة إري في المحيط الاطلسي , ووصف أحد خطباء ذلك العصر المشروع بأنه "أطول قنال حفر بأقصر وقت وبأقل الخبرات المتاحة وبأدنى تكلفة ممكنة لتحقيق أعظم المصالح العامة".

الفصل السابع: صنائع جيفرسون الهدامة

أخذت النقود شكل العملة المعدنية في فترة 2000سنة الماضية منذ ظهورها أول مرة، وكان ضرب النقد حكرا على الحكومات. لكن تدفق الذهب من العالم الجديد في القرن السادس عشرلم يحدث فقط تضخما كبيرا, لكنه أدى أيضا الى نشوء شكل جديد من النقد.فقد كان الناس يودعون معادنهم الثمينة عند الصاغة لحفظها ويأخذون في المقابل إيصالات تسلم بقيمتها. وكانت هذه الايصالات بمنزلة المعدن الثمين إلا أن حملها أخف وأسهل. كان صاغة الذهب يزاولون أعمال الإقراض منذ أقدم الأزمنة, وقد شرعوا الآن في تحرير إيصالات بالقروض بدلا من إعطاء المقترض المعدن نفسه. وسغيا وراء تعظيم الربح أسرع الصاغة بإصدار المزيد من الإيصالات بشكل يتجاوز قيمة المعدن الموجود في خزائنهم . وبعد إصدار إيصالات تتجاوز قيمتها قيمة الذهب اللازم لوفائها, عمل صاغة الذهب على خلق نقود من العدم تقريبا. ولم يدرك كثير من المثقفين والمتعلمين جوهر عمل المصارف, ومن ثم اعتبروا ذلك نوعا من الاحتيال وقلة الامانة. لكن هذا العمل لا يمت للاحتيال بصلة, اذ كانت القروض مضمونة بأصول مقومة كالاراضي والابنية. واذا تخلف المقترض عن سداد التزاماته, يحجز المقرض الضمان وبيعه ليحصل على مستحقاته.

على الرغم من الحاجة الملحة الى الحفاظ على سمعة غير مشوبة, فإن المصرفيين في آخر المطاف هم أيضا من البشر. اذ أنهم يميلون أحيانا الى محاباة أصدقائهم ومعارفهم والى الافراط في التفاؤل وأحيانا في الانسياق وراء الجشع المفرط وعدم مراعاة الامانة . فتتعاظم رغبتهم في خلق الكثير منها.ولهذا السبب تماما كان ألكساندر هاملتون يعتقد أن البلاد في حاجة الى مصرف مركزي لتنظيم عمل مصارف الولايات المتحدة والحيلولة دون إفراط في خلق النقود. افتتح مصرف الولايات المتحدة الذي كان مقره في فيلادلفيا فروعا له في نيويورك وبوسطن وبالتيمور وتشارلستون في غضون عام واحد من تأسيسه.ثم فتح له فروعا في واشنطن ونيوأورلينز وسافانا ونورفولك. وبفضل فروعه المنتشرة في الولايات واحتكاره إيداعات الحكومة الفيدرالية صار أقوى مصرف في البلاد على الاطلاق. والمصرف الوحيد الذي كانت أوراقه النقدية (البنكوت) مقبولة في التداول بقيمتها الاسمية في كل أنحاء البلاد.

قاد هنري كلاي حملة المعارضة لاعادة النظر في رخصة المصرف. وأيد تجار المدن الشرقية إعادة ترخيص المصرف, بعد بلوغ البلاد مراتب الاستقرار المالي. وحتى جيمس ماديسون أدرك أهمية المصرف كوكيل عن الحكومة الفيدرالية وكمصدر لعملة وطنية موحدة. وقد مارس وزير الخزانة في حزانته –. البرت غالاتين- كثيرا من الضغوط سعيا لتأمين الموافقة على تجديد رخصة المصرف. كانت الرخصة على وشك الانتهاء في 4 مارس 1811 وقدمت إدارة ماديسون وثيقة الى تجديد الرخصة لمدة 20 سنة في 24 يناير .

لكن ماديسون ولسوء الطالع ، وعلى الرغم من انه سيحقق له مكانا بين عظماء الامة الامريكية بوصفه" أبو الدستور" كان يفتقر الى الكفاءة التي يتطلبها منصب الرئيس. اذ لم يمارس ضغوطا كافية لتمرير المشروع أو حتى لتوحيد أعضاء ادارته على الاقل. اذ انتهى المشروع الى فشل ذريع عندما عمل جورج كلنتون من نيويورك على ترجيح كفة المعارضين في مجلس الشيوخ لمشروع المصرف. فقد أعيد ترخيص معظم فروع المصرف في الولايات التي عملت فيها، وبيع مقر المصرف الى ستيفن جيرارد وهو تاجر من فيلادلفيا ولد في فرنسا. ودفع جيرارد115 ألف دولار نظير ذلك, وكان هذا مبلغا كبيرا جدا لتوظيفه في موجودات سائلة وعمل جيرارد بعد أن اشترى مشروعا جاهزا, على افتتاح مصرف خاص يملكه بنفسه, حيث دعم المشروع بأوراق مالية قابلة للتداول بقيمة 1,2 مليون $ وبمبلغ كبير قدره71 ألف$ .وفي وقت كان فيه أثرياء البلد يعدون على الاصابع ,أثبت جيرارد أنه ملياردير.

واستمرت الحالة الدبلوماسية في التدهور, وكان كثيرون في الغرب يتطلعون الى الحرب مغضبين أملا بفتح كندا في خضمها. وفي 1812 يونيو أرسل الرئيس ماديسون"خطابا تحذيرا" الى مجلس الشيوخ أورد فيه بالتفصيل شكاوى الولايات المتحدة من بريطانية العظمى . ولم يطلب في الخطاب صراحة إعلان الحرب, بل إنه بماعرف عنه من حرص شديد على تجنب ارتكاب أي أخطاء دستورية, عنون ذلك ب"مسألة عليا يأتمن عليها الدستورالذراع التشريعي للحكومة". لقد أيدت مناطق الغرب والجنوب الحرب كثيرا, أما الشمال الشرقي, الذي ستتعرض أساطيله التجارية العظيمة وتجارته الدولية للخطر بسببها فقد عارضها. وصوت المجلس لمصلحة الحرب بتسعة وسبعين صوتا مقابل تسعة وأربعين. ولم يعارضها من الجنوب والغرب إلا ثمانية أعضاء. وصوت مجلس الشيوخ بدوره على تأييد الحرب, لكن بأصوات أكثر تقاربا بين المؤيدين والمعارضين(19 مقابل13). وفي 19 يونيو أعلن ماديسون الحرب على بريطانية العظمى.

وبإعلان الحرب على القوة العظمى الوحيدة القادرة على مهاجمة الولايات المتحدة, صوت الكونغرس على زيادة أجور الجيش للقوات الخاصة من 5 الى 8 $ شهريا, وعلى منح علاوة تجنيد سخية قدرها 31$ و 160فدانا من الارض, ورفعت تلك التعويضات لاحقا الى124$ و320فدانا. أما الكونغرس الذي قرر انتهاج أكثر السياسات العامة تكلفة وهي الحرب ورفع تعويضات الجيش بنسب كبيرة لم يتخذ أي إجراء يساعد على الوفاء بهذه الاعباء وعلق اجتماعه في الشهر التالي. بلا شك كان هذا العمل-الحرب- أكثر الاعمال تهورا في تاريخ الكونغرس الامريكي, الذي ستكون عضويته محط منافسة ستزداد حدة مع مرور الزمن. ولو ان النجاح العسكري في الايام الاولى من الحرب تحقق لرفع من شعبيتها وسهل سبل التمويل. ولكن على الرغم من الانتصارات المتفرقة على البحرية الملكية فإنها لم تؤثر في نتيجة الحرب ألبتة, وأحكمت بريطانية حصارها على الموانئ الامريكية بشدة, مما أدى الى هبوط حاد في عوائد التعريفات الجمركية وضرائب الوزن. وحلت الكارثة على الارض.
وفي مطلع العام 1813 بلغ الوضع المالي لحكومة الولايات ادنى مستوياته. وفي مارس كتب "جالاتين"وزير الخزانة المالية الى الرئيس ماديسون أنه" ليس لدينا المال الكافي لتلبية مصاريف الشهر" ففوض الكونغرس الى الخزانة اقتراض 16مليون$ أي ما يفوق أكبر القروض في تاريخ الولايات القصير. وعمل جالاتين ما بوسعه لتأمين مصادر القروض بشروط ميسرة.

روي عن جاكسون أنه قال" أتعهد بسداد الدين القومي وأن أحول دون تنامي الطبقة الارستقراطية الثرية حول إدارتنا وتوجيه تلك الادارة لخدمة مصالحها وتقويض حرية بلدنا" وفي سبيل هذه الغاية رغب جاكسون كثيرافي التضحية فيما أطلق عليه "التحسينات الداخلية" كالطرق التي كانت أثيرة على قلوب أبناء جلدته في المناطق الغربية, اذ أكد أنه بعد سداد الدين سيكون وفرة من المال تكفي لمشاريع التطوير.وعندما توسل أحد أعضاء الكونغرس عن كنتاكي لجاكسون بعدم اللجوء الى نقض مشروع التحسينات , وعده جاكسون بدراسة وافية للمسألة. لكن عضو الكونغرس نقل الى زملائه أن"لاشيء سوى صوت من السماء سيردع هذا الرجل العجوز عن معارضة المشروع , وأنا أشك حتى في أن هذا سينفع".

ومع تخلف المقترضين الذين لم تتوافر لديهم السيولة اللازمة لسداد القروض، عمت المناطق الغربية موجة افلاسات المصارف وبدأت تمتد الى المناطق الشرقية. وبدأ الاقتصاد الامريكي ينحدر في مهاوي الكساد. وانخفض سعر القطن الى النصف في مارس وارتفع حجم التداول كثيرا في خضم موجة الهلع.وقد كتب عمدة نيويورك في مذكراته "فيايب هون" الذي اكتوى هو أيضا بنار الكساد" الثروات الفاحشة التي سمعنا عنها كثيرا في أيام المضاربة قد ذابت كالثلج تحت شمس ابريل ولا يمن لامرئ أن يتأى بنفسه عن الكارثة إلا ان كان لا يملك المال أصلا , انه لسعيد ذلك الذي لم تثقل كاهله الديون".

الفصل الثامن: نيوجيرسي يجب أن تحرر!

كان المحرك البخاري - الذي طوره جيمس واط وسجل براءة اختراعه في العام 1769- شيئا غير مسبوق: فهو أول مصدر للطاقة المنتجة منذ طواحين الهواء التي ظهرت في بلاد فارس في القرن السابع عشر. لكن واط لم يخترع المحرك البخاري إنما سجل براءة اختراعه أول مرة توماس نيوكومن، إلا أن ساعدت التحسينات التي أدخلها واط على زيادة كفاءة استهلاك الوقود في محرك نيوكومن بأربعة أضعاف. وقبل ظهور المحرك البخاري، استخدمت حيوانات الجر والمياه الساقطة وطواحين الهواء في أداء العمل. واعترت هذه الوسائل أوجه قصور كبيرة. ان كان لا بد من إقامة طواحين الماء والهواء حيثما توافرت المياه والرياح. وهذا يفسر لنا سبب اتخاذ المصانع في مطلع القرن الثامن عشر مواقعها في الارياف. وبفضل صناعة الحديد المتطورة في انجلترا، ولما كانت احتياطياتها من الفحم الحجري توفر لها مصدر للوقود الرخيص, فقد شاع استخدام المحرك البخاري سريعا في قطاعات الاقتصاد البريطاني المختلفة. أما في الولايات المتحدة ولما كانت صناعاتها متركزة اساسا في نيوإتغلاند حيث كانت قوة الماء متوفرة بكثرة فلم يستخدم البخار لأغراض الصناعة الا بوقع بطيء. وفي 1832كان هناك 249 مصنعا شرقي الأبالاشيان كانت أربعة منها فقط تستخدم البخار.على الرغم من ذلك فقد انكب الناس منذ لحظة تسجيل جيمس واط براءة الاختراع المحرك البخاري على محاولة توظيفه في تحريك القواري في الماء. فالمراكب الصغيرة يمكن تحريكها في مجاذيف صغيرة التي تحركها قوة الانسان, أما المراكب الكبيرة فلم يمكن تحريكها الا بقوة الرياح التي تهب على الاشرعة فتدفعها.

والمشكلة الاساسية في توظيف البخار في الملاحة كانت تتمثل في الطريقة التي يمكن نقل الطاقة التي يولدها المحرك البخاري الى الماء وبالتالي تحريك المراكب. وجربت كل الطرائق الممكنة وجرب جيمس رمزي نظاما لشفط الماء من جهة مقدمة السفينة وطرحه عند مؤخرتها، لكن هذا النظام المعقد جعله بعيدا عن إمكان التطبيق العملي. وبذلت محاولة أخرى لمحاكاة قدم البط لكنها باءت بالفشل أيضا.أما الوسيلة التي اقترنت بأكثر بشائر النجاح فكانت عجلة المجذاف. وقد جاءت فكرتها من طاحونة المياه(الناعورة), حيث كان الماء يدفع الدولاب ليحرك الآلة. أما دولاب المجذاف فعكس الآية: كانت الآلة تحرك الدولاب ليدفع الماء ويحرك القارب.لكن ثمة مشكلة كبيرة كانت لا تزال قائمة. فقد كانت عجلات التجذيف في أول عهدها توضع في مكان خفيض من القارب بحيث يغمر نصفها السفلي بالماء.
الرجل الاسكتلندي الذي يدعى "ويليام سيمنغتون" هو الذي حل المشكلة وذلك برفع العجلة الى الاعلى بحيث لا يدخل في الماء الا أطراف المجاذيف, وعند مستوى يجعلها تستطيع دفع الماء على نحو يكفي لتحريك القارب بكفاءة. وفي يناير 1803 قطرت سفينة تشارلوت دونداس مركبا زنته 100طن من ستوكيننغفيلد الى بورت دونداس على قنال فورث وكلايد بسرعة 3أميال في الساعة.

وبفضل هنري شريف الذي كان ذا موهبة في فن تصميم هياكل السفن والمراكب من جملة المواهب الاخرى, فقد انتقلت تلك المراكب سريعا الى أشكال جديدة منها المراكب متعددة الدكات الاكثر عرضا والاقل تقعرا والقادرة على أن تطفو على "طبقة كثيفة من الندى" كانت هذه المراكب ملائمة تماما للانهار التي تتخللها مرتفعات رملية ومنبسطات طموية. ومع انتشار هذه المراكب الانيقة المتبذلة في أنهار المناطق الداخلية, فقد تغلغلت سريعا في ذاكرة الشعب، وأصبحت رمزا باقيا لامريكا في القرن التاسع عشر.

فاندربيلت - الذي أدرك أن المستقبل سيكون للمراكب البخارية فتحول لكسب الخبرة اللازمة وأقنع جيبونزالذي كان يعمل معه على الفور ببناء مركب أكبر من الذي يعمل به ووضع فاندربيلت تصميمه بنفسه وترك خيار التسمية لمعلمه جيبونز فسماه" بيلونا" تيمنا باسم آلهة الحرب عند الرومان- ابحر الى نيويورك تحت راية "نيوجيرسي يجب أن تحرر!"هذه العبارة رفعها على المركب من دون تردد ليرسو في موضع لا تحرسه سلطات الولاية نيويورك, وليذوب على الفور في المدينة. ولم تجرؤ السلطات على احتجاز المركب نفسه وهي تعلم أن نيوجيرسي ستصعد موقفها باحتجاز أول مركب تجاري احتكاري تضع يدها عليه. وحاولت السلطات اعتقال فاندربيلت بأن صعدت المركب في منتصف مرفأ نيويورك, ولم تجد عند دفة القيادة سوى واحدة من الركاب تغلب عليها سمة البراءة بينما اختبأ فاندربيلت في حجرة سرية كان قد أعدها تحسبا لأمر كهذا أو أي أمر آخر طارئ. وأطلق الركاب صيحات الاستهجان والسخرية من الشرطة من سوء الطالع.وقد حاولت الشركة الاحتكارية استقطاب فاندربيلت بأن عرضت عليه مرتبا ضخما قدره 5000$ في العام ، لكنه رفض رفضا قاطعا قائلا: "يجب أن أفي بالتزامي للسيد جيبونز حتى يتجاوز الصعاب التي تواجهه".



#نورس_محمد_قدور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ***بسمة الماضي وحب الحاضر وأمل المستقبل***
- امبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكي ...
- امبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الامريكي ...
- ***زهرة جلق***
- حيث لا يراني أحد.....
- ناقوس الخطر
- من لهذه الطفلة البريئة؟؟؟
- مَن لهذه الطفلة البريئة ؟؟؟؟؟
- التربية الخاصة: دمج ذوي الاحتياجات الخاصة من محدّدات المفهوم ...
- أخلاق العناية: بديل فلسفي أخلاقي معاصر
- التربية الخاصة:أطفالنا كيف نجعلهم موهوبين؟ (9)
- التربية الخاصة:بطيء التعلم(8)
- الثقافة: التفسير الأنثروبولوجي
- التربية الخاصة:اضطراب الطيف التوحدي(7)Pervasive Developmenta ...
- العولمة والثقافة:تجربتنا الاجتماعية عبر الزمان والمكان
- التربية الخاصة:المتلازمات(6)syndromes
- جنوسة الدماغ
- التربية الخاصة: الاعاقة العقلية (5) Mental Handicap
- التربية الخاصة:هل أنا أعمى؟ (4)
- التربية الخاصة: هل جربت يوما أن تكون أصما؟ فافعل ان شئت!(3)


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نورس محمد قدور - امبراطورية الثروة: التاريخ الملحمي للقوة الاقتصادية الأمريكية (3)