أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد العبيدي - الإناء النذري (( الوركاء))















المزيد.....

الإناء النذري (( الوركاء))


محمد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2545 - 2009 / 2 / 2 - 06:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الإناء النذري (( الوركاء))

إناء كبير من رخام كلسي، نقش ظاهره بمنظر طقوسي ديني يمثل الالهه(( أنين)) سيدة السماء تتقبل الهدايا والنذور ، وجد في الوركاء 3000 سنة قبل الميلاد.
ويعتبر من أهم القطع المعروضة في المتحف.








مجمل الكتابات التاريخية هي بالتأكيد مقاربات متنوعة للنص الفني لنتاجات بلاد الرافدين أيا كان نوع النتاج (( الفخار، الرسم الجداري، النحت، العمارة)) ولكن هذا العمل موضوع الكتابة له قراءة وخصوصية عبر خطاب وبلاغ نستطيع ان نلمس من خلال دلالاته، وإبراز معالم جمالياته ، التي تقوم على أراء جدلية للنص الذي نقش على جدران هذا الإناء الرخامي، ولغرض إرساء عملية تحليل النحت المضاف على الإناء هو عرض لطرق مترامية الإبعاد الفكرية ، ومرامي النص الفني الذي يحتويه ، باعتبار أن النص المضاف هو الشرط الضروري لعملية التحليل .
وفي توقفنا عند مسألة العلاقة بين الوصف الإنساني والوصف الإلهي ومن خلال فعالية اجتماعية ، هي تقديم النذور إلى أعلى سلطة فوقية تعمد الفنان في نحت الأشكال المضافة على الإناء لتمثيل ومتابعة الصلة بين الجانب الوصفي، الإنساني في الفعالية الاجتماعية وتقديم النذور والامتداد المتباعد الذي يتعدى الوصف الإنساني ويذهب إلى إعداد عناصر فوقية تبتعد عن المنطق وخصوصا ابتعادها عن العناصر اللانسانية ، أهمية الحالة في النص المضاف أعظم من ماهو طبيعي لذلك يرجح اختيار الفنان الرافد يني إلى إتباع عناصر مقيدة لايمكن التحكم بها كونها أخذت صفة الإلوهية ، ولنتابع من خلال الوصف لعبارات كتب بها عن (( الإناء النذري)) الأستاذ الدكتور زهير صاحب:

تمكنت المعرفة الفكرية الرافدينية أن تؤسس نظاماً معرفياً لفلسفة القوى الكونية ، بهيئة قوى مثالية أزلية عليا ، وقوى زائلة أرضية . ويتمثل ذلك في نظام الإنشاء التصويري ، حيث قًسم سطح الإناء إلى عدد من الأشرطة الأفقية ، مستخدماً حسابات هندسية دقيقة في ذلك . ساعياً إلى تكوين (سيناريو) زمنية لرواية تتابع الأحداث بدءً من الأرض وحتى السماء . فهذا الإناء في محتواه الفكري كان بمثابة زقورة تربط السماء بعالم الأرض .

من الملاحظ حقا أن الأفكار هنا تلعب دورا مركزيا في الفعالية ، وشكلت أهم مساحة مكانية عندما قسمها الفنان إلى حقلين حقل أعلى وحقل أسفل ، وهذا ليس بجديد عن فنون بلاد الرافدين فقد كانت الرسوم الجدارية تقسم على أساس مكانية النص وتتم الأحداث وفق قدسية العامل الدلالي الخاص .
وبما أن هذا النتاج المهم مثل الجانب ألطقوسي الجانب الطاغي على الفنون الرافدينية، أثارت حالات الانتباه هو متابعة الوصف في سرد الحالة بالرغم من الفراغات المتروكة بقصدية من الفنان، وعملية الإضافة لم تأخذ دور عملية تسطيح المفردة لتبقي أهميتها من خلال شكلها الخارجي وهو الأهم ، أم كونها فعالية فأنها تتفاعل وترفد بإبعاد ومرامي تقوي وتؤكد الحالة الطقسية والشعائرية وموقفها الذي يمارس لحد هذه اللحظة وأنا اكتب المقال وعندما ندقق بالدلالات وبشكل لايقبل اللبس أبدا هو الدخول في صراع مع الأفكار من الأرض وصولا إلى السماء وبدلا من الوقوع في فخ المحتوى الفكري الذي يحطم ويبدد المحتويات من خلال إنشائية التصوير ، ولكن النتاج أعطى صورة وكأنه بانوروما يؤكد الاستمرار بالوجود مرة وبالوحدانية مرة أخرى هذا لايعطي وضعا مختلفا ولا تنفرد فيه بقية النتاجات وخصوصا منحوتات النحت البارز ، ولكن محتويات الإناء وبالرغم من ترك الفراغات اوجد التماثل والتناسب دون انقطاع لا على المستوى الفكري ولاحتى التقني وكأن هناك نوع من التواصل الطبيعي ، الذي يؤكد سياق التكوين النصي ، وكذلك دوران الشكل وإضافة المفردات أعطى للوصف نوع من الدلالة البصرية ، الذي يطابق الفكرة مع الحدث وهذا جعل (( الإناء النذري))
أن يحمل بعدا رهيف في الإثارة من خلال الكثافة الخاصة للأشخاص (( والغلات ، والحيوانات)) المقدمة كنذور هذه أعطت إشارات قائمة في النص ، واسميها دعوة حسنة للمشاركة من اجل البقاء والتغلب على مصاعب الحياة من خلال (( سيدة السماء)) هذا التلقي الوصفي هو أهم عقدة لشبكة التعقيد في ان يخضع الفن دائما واللعب في دائرة المعتقد الديني، وبسبب تداعي الفعالية المكررة في اغلب الأعمال لكنها لم تجد الوصف الوثيق الارتباط بحالة الوصف الا في الإناء النذري وأهمية الوصف القصصي تغلب على إقحام الفن في هذه الدائرة.
وإذا كان الوصف قد بدا بوضوح يحمل في ذاته حكما إزاء موضوعه وهو الفعالية الطقسية فانه في الوقت نفسه، حكم على الذات من خلال وجود (( سيدة السماء)) التي لم تترك الفعالية بالرغم من حالة المواقف المتعددة التي تضمنتها الفعالية، وبهذا ماعلى المتلقي الا ان يبني المواقف وبدوره يحسم تقديم النذور دون الوقوع في شرك الموقف المزيف القائم على تناقض الأشياء والابتعاد عن واقع الأحداث لبيئة بلاد الرافدين.

ولا أجد لحركة التقسيم ومراكز الثقل ونقاط الارتباطات وصلات التفرعات والتي أقدمها موضوعا للدراسة مثلما وجدتها عند الأستاذ الدكتور (( زهير صاحب)) في هذه السطور لأختم مقالتي ولا اكتب شيئا بعده من كلمات .

فعلى الحقل الأول من الأسفل ، مَثَلَ الفنان وبواقعية كبيرة ، نسقاً من سنابل القمح وقد نمت على ضفاف أحد الأنهار . وفي الحقل التالي ودائماً إلى الأعلى ، وضع الفكر صفاً متتابعاً متقدماً ومتصاعداً من أشكال الأغنام والماعز . ومن ثم شريط أفقي خالٍ من الأشكال ليؤدي دوره جمالياً في الاستيعاب البصري وليدلل أيضاً إن الفكر كان يعزل النفس النباتية النامية عن النفس الحيوانية الحسّاسة ، وهي هبة السماء لأرض سومر من خيرات .
وبعد شريط فارغ ، يأتي دور الإنسان (النفس الناطقة) ليحمل بشكل متتابع ومتصاعد ، خيرات الأرض ليقدمها للآلهة التي احتلت القمة في بنائية التكوين ، عرفاناً منه بالجميل الكبير ، وكمظهر تعبدي تؤديه الروح ، ليشع فيها نوعاً من الدينامية الحيوية ، هي سر من أسرار أزلية الحياة واستمرارها .
وبعد هذا الحوار الدرامي العميق في نظم الظواهر ، فإن هذا السمو الذي يكون بنية المضمون ، لا بد له أن ينال التقديس الروحي في مادة الرخام الجميلة لوناً وملمساً وحيويةً وفاعليةً فتشيه . فالروحي هنا يجد كمالهِ في ذات مادتهِ الجليلة التي قولب فيها دلالته الفكرية .
تُشير الخطوط الخارجية للإناء المرمري ، إلى شاعرية وقدرة تجريدية كبيرة في تجويف ونحت الشكل العام ، هذه الخبرة الجمالية تتأكد أيضاً في أشكال السنابل والحيوانات التي نحتت بواقعية فوتوغرافية كبيرة رغم صلابة مادة التمثيل. في حين (أُسلبت) الأشكال البشرية إلى نظم تجريدية ، لتؤدي فاعليتها بغير محدودية في مثل هذا التراجيد المسرحي الكبير . الذي يمثل في أعياد الربيع كل عام ، إنه نداء أرض الرافدين الأبدي ، الذي فاضَ خيراً وسلاماً وإبداعاً وأصالةً وفلسفةً على الإنسانية جمعاء .

محمد العبيدي





#محمد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثور المجنح .... وخصوصية النحت المجسم
- دلالة التكوين الفني في العربة الآشورية..
- قاسم حمزة : فن الخزف والخطاب البصري
- الالهه عشتار....تبارك التنصيب الملكي.
- أهوار العراق.....والهجرة إلى الشمال.
- زينب حفني ... افروديته....
- سعد جاسم..... يقدم الكلمات قرابين للشعر
- الأم إلهة الخصب والبركة والتكاثر...
- التجاذب والتنافر في أعمال جواد الشكرجي
- ماري ميناء على نهر الفرات....
- ابتهال بليبل
- عبير عبيد..... رموز فاعلة في لوحة التشكيل.
- إسماعيل الشيخلي ....لوحة تشكيلية في إيصال المفهوم الفكري.
- عبد القادر الرسام .....لوحات الرسم العراقي المعاصر
- جواد الشكرجي بين الفن و(( ؟؟؟؟؟؟ )) ..
- سوسيولوجيا الآنية الفخارية السومرية....
- الدلالة الإيحائية للمدركات غير المجسمة.
- دعاء موجه إلى نهر الفرات.....
- سهاد حسن مانع..... وجدت مكاني في المدرسة التعبيرية
- المالكي في متحف برلين ......


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد العبيدي - الإناء النذري (( الوركاء))