أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - عندليب المتفائلين














المزيد.....

عندليب المتفائلين


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 05:54
المحور: الادب والفن
    


صباح شتوي أخر لكنه ملبد بمنغصات لا يمكن تأجيل معالجتها, اكتظاظ رأسه بالمشاكل المتنوعة جعله لا يعي ما حوله إذ ترك زمام قياده إلى قدميه المتمرستين على طي المسافة بين بيته و مقر عمله وانشغل برسم ارخص الوسائل وأنجعها لغلق المنافذ التي أتاحها سطح بيته الشائخ لماء المطر ليلة أمس.
غشيته أحلام اليقظة فتخيل نفسه واقفا في فناء منزل صغير يكفيه عناء التشرد والانتقال الإجباري من سكن إلى أخر حسب رغبة أصحاب الأملاك ويقيه مشقة مواجهة موعد دفع بدل الإيجار.
زعيق آلة الإجرام الحديثة المسرعة التي مرقت بمحاذاة حذائه المتسخ أفقده توازنه فأتقى السقوط بساعديه, تابعها ببصره لكنه عجز عن تصنيف نوعها ولونها وسنة صنعها, قذفها بنظرة ازدراء وحث خطاه من غير اكتراث بالتسحجات التي أحالت لون جلد ذراعه الأسمر إلى أحمر مقزز لكنه تألم لضياع جهوده المضنية التي بذلها لكيّ ملابسه على مراحل تبعا لمزاج التيار الكهربائي المتقطع.
عاد بخياله إلى ابنته الحبيبة آمنة ذات الثمانية أعوام, الزهرة الجميلة التي زينت باقة أبنائه الخمس, ما أسرع نمو البنات, لقد ضاقت عليها كنزتها التي اشتراها لها العام الماضي لذا قرر أن لا يعود إليها اليوم إلا ومعه كنزة وحذاء جديدان, تحسس جيب بنطاله المزركش ببقع الطين واخرج قصاصة الورق التي دون فيها ليلة أمس قائمة احتياجات البيت, زجاجة فانوس وحصير محاك من البلاستك لدرء رطوبة الأرض التي عاثت بمراتب الأطفال فسادا وقنينة زيت وعلبة معجون الطماطم.
لم يعد يبعد عن الدائرة الحكومية التي يعمل بها إلا بمقدار عبور الشارع المنصّف لمدينته الصغيرة, كاد يرتقي الرصيف الوسطي للشارع لكنه بوغت بسيارة كأن الأرض انشقت عنها, أطاح بجسده في الهواء فسقط فوق حافة الرصيف, مرق الوحش الآلي بجواره كعاصفة سوداء, تحسس أعضاءه غير مصدق بنجاته, هرع عدد من الرجال وتحلقوا حوله وهم يهمسون بلعن تقنية الموت التي كادت أن تسحق عظام الرجل البريء, لم يفقه من كلامهم شيء فقد كان يراقب امتزاج قطرات دمه مع الطين.
أبى إلا أن يضمد جراحه بنفسه رغم عروض زملائه بمرافقته إلى المستشفى, لم تفارقه ابتسامته وهو يروي بسخرية وتهكم ما جرى له في هذا الصباح وقد اقسم لهم انه حين غادر بيته قبل ساعة كان متفائلا بالحصول على جائزة ما أو نيل ترقية أو مكافأة وحين مازحه صديقه أنس وسأله: هل ما زلت متفائلا؟ أجاب: نعم فقد تملكني شعور خفي منذ الفجر أن صفحة شقائي ستطوى قبل غروب شمس اليوم ولن أفرط بتفاؤلي أبدا.
لم يثر جوابه استغراب الزملاء فقد أكتسب بجدارة لقب (عندليب المتفائلين) منذ سنين ويقال أن سبب ذلك ترديده المزمن لمقولة(تفاءلوا بالخير تجدوه) إلا انه في تلك اللحظة لم يجد سببا معقولا لتفاؤله غير خوفه المرضي من التطير والتشاؤم.
من حسن الحظ كان حمام الدائرة مجهز بالماء الساخن فغسل يديه ودعك بقع الطين اليابس من ملابسه فعاد إلى هيئته المعتادة حتى انه حين نظر في المرآة لم يعثر على آثار تجربته المرعبة.
تناسى جراحه وانهمك بعمله المكتبي لغاية انتصاف النهار حيث تباطأت وتيرة العمل فخرج من غرفته يبحث عن حلقات الثرثرة, وجد عددا من زملائه جالسين في باحة البناية ليستمدوا دفئا مفتقدا من أشعة الشمس المنفلتة من بين كتل الغيوم المتحركة البيضاء, كان أنس يلذع بلسانه البذيء بدانة زميلتهم راجحة بسخرية هامسة تثير زوابع من قهقهة سامعيه, حياهم باقتضاب وأنصت بكل أذنيه لمقالب أنس وحكاياته المضحكة التي لو رواها غيره لكانت غاية في التفاهة.
نظر إلى ساعته الصدئة ثم التفت إلى بوابة البناية فشاهد السيارة التي أدمت ذراعيه قد ركنت بإزاء الرصيف القريب وفي اللحظة ذاتها توقفت السيارة التي شجت جبهته بمحاذاة الرصيف المقابل وترجل منهما عدد من الشباب المتجهمين وبأيديهم رزم من الملصقات الانتخابية فهم بمواجهتهم وفضح أفعالهم المتهورة إلا أن بروز مسدساتهم الفاضح من تحت ملابسهم كبح محاولته وحشره في زاوية العجز والقنوط لكنه تدارك الأمر فنفس عن غضبه المكبوت بتمزيق(كروت الدعاية الانتخابية) التي امتلأت بها جيوبه.



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المذياع
- انتفاخ
- منطق الأمراض
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - عندليب المتفائلين