أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - أسورتك لا بأس بها














المزيد.....

أسورتك لا بأس بها


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 05:00
المحور: الادب والفن
    


هرع ولدي الصغير صائحا:بابا في الباب جماعة يسألون عنك, امتدت اكف تعلو معاصمها أسورة قبيحة مطلية بطبقة رقيقة من الذهب الرديء, كان الزيف والتباهي طاغين على تصرفاتهم حتى أنهم كانوا يحركون أيديهم من غير مناسبة ليظهروا ما خفي تحت أكمامهم.
لم تفلح أجواء ضيوفي الاحتفالية عن إزاحة مسحة الانزعاج والكدر المرتسمة على صفحة وجهي, وكحال هذه المناسبات اندلقت أكوام اللغو وتباهت الألسن الطوال بسوابق مدعاة ومآثر مدلسة وتدحرجت الأنا على ألسنتهم مزوقة ومغلفة بشمائل المروءة ومقارعة الطغيان.
أخيرا خلصت الضوضاء إلى منحى أخر إذ استأذنني احدهم لأريه اسورتي, تلقفت أيديهم معصمي وقد اشرأبت الأعناق, تصنعوا هيئة الخبراء العارفين, تناقشوا ودققوا وتباحثوا وتشاوروا قبل إعلان تقييمهم النهائي(أسورتك لا بأس بها) ثم بدأ فصل النصائح, فهذا يحذرني إياك أن تخلعها(ليتني أستطيع) وذاك يأمرني اظهر للناس زينتك, ومضى كل واحد منهم يروي كيف نال أسورته.
خبرتي بهم فضحت ما تحت أقنعتهم المتغضنة وما تخفي أنيابهم الباسمة, ولهذا امتنعت عن إشاعة خبر سقوط هذه الاسورة المقيتة على معصمي في أول الأمر لكن هيهات إذ سرعان ما استرقوا الأخبار, إلا أني حرصت على إخفاء قصة تورطي بهذه الاسورة إلى النهاية.
كنت دائم التوجس إذ لم أتوهم يوما أن بضاعتي ستلاقي رواجا لو عرضتها في أسواق الأمس أو اليوم, ثم ما الذي يدعوني لمزاحمة عَـيّـاري السوق وشياطينه ومن أين لي أنف يحتمل روائح النتانة والبرك الآسنة التي تواءمت مع أسواقنا, لم أبخس حق بضاعتي فكتنزتها, وساعدني على ذلك لجامي المتين الذي كبح جماحي, فتشرنقت بالجَلـََد منتظرا الغيث, كنت اختلق من أكوام شقائي أحلاما وردية فمضيت خفيفا أسابق عنت حياتي, حتى أدبرت عني شروخ العمر تترا غير آسف.
غداة اليوم سرت منتشيا في درب خلته يسلك بي نحو وادٍ مشجر ظليل فقد تاقت نفسي للهواء العليل ولفسحة من فضاء حر, كان الوادي يبدو قريبا إلا أني كلما اقتربت منه تملص مني , كانت أشباح المنهكين تتناثر في المنعرجات كأكوام لا ملامح لها مما زاد من وحشة الطريق, وقفت عند شجرة باسقة وافرة الظل مثقلة بثمار غاية في الجمال كان عطرها الفواح يطرب النفوس, تمعنت بها مسحورا بجمالها الأخاذ فزهدت عن متابعة طريقي, استندت إلى جذعها لاستزيد من نسيمها المعطر وأتمتع بمنظرها البديع فغفوت لا ادري كم لبثت بحضنها, أيقضني صوت طائر مغرد قد استوطن أغصانها ففركت عينيّ لأزيل ما علق بهما من النعاس فشعرت ببرودة معدن يحيط بمعصمي, ما هذا؟ سوار محكم الإغلاق في كل معصم.
كيف أحاطا بمعصمي؟ من الذي قذفني بهما؟ لا ادري!! وجدت نفسي مثقلا بأساور ما تمنيتها يوما, تحسستهما وحاولت الخلاص منهما, وفي كل محاولة كانا يضيقان حتى التصقا تماما بجلد معصمي.
لم اتفحصهما إن كانا من معدن نفيس أو زهيد, فما الفرق بين نجاسة الخمرة الفاخرة والرديئة, انحصرت آمالي في استرداد براءة معصمي, لكن القنوط قد اعتراني إذ تبددت حيلتي في نيل خلاصي.
استفزني تسارع قرص الشمس نحو الغروب ففزعت عائدا متعثرا بفوضى أفكاري, ترى هل ارضخ واحتمل زينة زائفة!!؟ تخبطت أفكاري وكأني أقاد إلى حتفي.
حاولت تهدئة روعي فعللت نفسي بالحداد لعله يحررني من أسورة الشؤم من غير أن يدميني, لن ابخل عليه بشيء, سأعطية ما يرضي طمعه ويخرس لسانه!! نعم سأفعل, سأتحرر, سأعود إلى سيرتي الأولى ولن يعلم الناس عني غير ما علموا, أزاحت الآمال ضغط الهموم عن صدري.
ترقبت خلو الطرقات لانسل سريعا, وفي اللحظة التي اتجهت بها نحو باب داري لأغادر نحو نافذة أملي (الحداد), في تلك اللحظة تماما طرق الباب فأسقط في يدي وكانوا فوج مهنئين تلتهم أفواجا.
كأنهم التصقوا بمقاعدهم فما من بارقة تنبؤ بقرب مغادرتهم فأسلمت أمري إلى الله ومضيت أتسلى بمراقبة لمعان معاصمهم التي ترسم خيوطا ضوئية تومض مع كل انبساط يد أو انقباض كف.
صخبهم خنقني دون رحمة إلا أن شعوري بالوحدة كان يتفاقم مع مرور الوقت فأطرقت انظر إلى معصمي.
وعلى حين غفلة شق صراخي عنان السماء!! تحلقوا حولي متسائلين, ما بك؟ ما الذي يؤلمك؟ رفعت عيني الجاحظتين إليهم وصحت بصوت أشبه بالنحيب, أترون هذه السلسلة التي تجمع بين السوارين.
فأجابوا بصوت آلي رتيب: لدينا مثلها!!
إذن تعلمون إنها ليست أسورة, إنها قيود, قيود, إنها قيود ذهبية لعينة.
رشقوني بنظرات الاستهجان وقد عَلا الامتعاض سحنهم.

د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر
- قصة رائحة بلدي
- نبتة الخلود


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - أسورتك لا بأس بها