أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان الدراجي - المذياع














المزيد.....

المذياع


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2523 - 2009 / 1 / 11 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أفاق من قيلولته المعتادة وقبض على عكازه ليحمله إلى حيث يجثم المذياع الحبيب, أدار عجلة التشغيل وأنصت بشغف, نبضَ قلبه بشده إذ استشعر حالا أن في الأفق أخبارا لا تسر, نضح الاهتياج والتشنج ينبئ بالسوء, كان المذياع يذرف خطبا وتصريحات مبطنة بلوم الذبيح الذي عصفت رفساته بالجلاد وشجت جبينه, تساءل المذياع طويلا عن جدوى هذه الرفسات العشوائية التي ستؤدي إلى استثارة غضب الجلاد وتطرف قسوته, هذرَ كثيرا قبل أن يختم ثرثرته بالتباكي الزائف على ضحايا غضب الجلاد الذين لولا تلك الرفسة لما أصابهم سوء.
• ماذا المَّ بهذا المذياع العجوز, أتصاب الأجهزة بالخرف؟ كيف يجترأ على حق الضحية في مقاومة الجلاد!!
لم يخيب ظنه من قبل كما فعل الآن فقد كان مذياعه العتيق أثيرا على قلبه فهو النفيس الفخم الوقور الوفي, تقاسم معه الأخبار خيرها وشرها وطالما زف له بشارات النصر وهون عليه الهزائم وأمّله بالمستقبل المشرق وانس وحشته بأحاديث عن الماضي الزاهي.
كان رؤوفا به إذ حرص دائما على تلميع الأخبار وتنقيتها وتزويقها ولم يخنه أبدا فسلة أخباره مترعة بأصناف الأنباء، لهذا لم يجرؤ على تكذيبه يوما فليس من الوفاء تكذيب الخلان.
شغفه بجهازه الخشبي اعجز التلفزيون العادي والملون عن كسب وده, وكم تأجج من اجل مذياعه وطيس نقاشاته الحامية مع الحاجة زوجته وأبنائه واقرب أصدقائه منتصرا لترفع المذياع عن سفاهات الأجهزة المرئية, وحين اقتنى حفيده جهاز الحاسوب رمقه بنظرة احتقار وغادر مسرعا إلى غرفته.
جلس على طرف الأريكة ممسكا بعكازه بكلتا يديه وأوسد عليهما خده الأيمن ثم أسبل عينيه وراح يستل من ركام ذكرياته أريج تلك الأيام التي اقتنى فيها مذياعه, كانت أياما مكللة بالمجد! لم تزل زغاريد والدته ترن قي أذنيه لكنه لم يعد يتذكر إن كانت زغاريدها لمذياعه الجديد أو لفشل العدوان الثلاثي وانتهاء المظاهرات التي دأب ولدها على الاشتراك بها رغم قمع السلطة آنذاك.
أنتابه شعور بالارتياح, رفع رأسه وملأ رئتيه بشهيق عميق فقد أسكره عبق تلك الأيام التي اقترنت بالمرحومة زوجته الأولى, حبه لها لم يغادر فؤاده أبدا, عاشا عشقا لم يقمعه فقده لها أبان نكسة حزيران, تحسر بحرقة إذ كان جرحا لم تشفه السنون.
انتشل نفسه من الماضي والتفت إلى انيسه, أدار المؤشر لعل المذياع يعود إلى رشده, أزاح صرير الجهاز جانبا بإدارة عجلة المؤشر الصغرى بهدوء واخذ يستمع:
قمم قمم
قمم الأشاوس تنعقد
وستدق أعناق الجزم
قمم قمم
ستنتقم
لدماء عامورية الثكلى
بلعق أعناق الجزم
وسنصافح اللقطاء رغم أنوفهم
وسننتصر وسننتصر وسننتصر
اسند حنكه على قبضته الماسكة بالطرف المعقوف من عكازه مبتعدا عن مسند الأريكة الباهتة الألوان بعد أن تفادى سقوط عقاله بلف طرفي كوفيته حول رأسه ثم راحت يده تدير عجلة المؤشر باحثا عن أخر أخبار العدوان فما وجد غير زعيق المعلق الرياضي الذي احتل معظم الإذاعات العربية.
لعنَ الرياضة والرياضيين وعاد يحرك عجلة المؤشر بغضب فالتقط صوتا رخيما يبشر المستمعين الكرام بقرب إذاعة التعليق السياسي, أنصت العجوز للموسيقى الهادرة التي سبقت التعليق ثم بدأ المذيع يتلو حديث الإذاعة السياسي الذي تفنن في إسباغ صفات العظمة على سيادة القائد المفدى ونصائحه الحكيمة في آداب الانبطاح في حضرة شذاذ الآفاق فهوت قبضة الشيخ على عجلة المؤشر الذي تفادى الصدمة بإزاحة المؤشر نحو نهايته القصوى.
ألقى الشيخ بعكازه جانبا والتجأ إلى مسند الأريكة المتهالكة تاركا ذراعيه ينسابان إلى جانبيه وقد انتفخت أوداجه, كانت لحظة سكون إذ لم يسمع غير صوت زفيره وشهيقه العميقين لكن سرعان ما تبدد الصمت بعاصفة تصفيق انسابت من سماعة المذياع ليرافقها صوت أنثوي رقيق أعلن اسم الفائز بمسابقة الغناء العربي الكبرى.


د.عدنان الدراجي
[email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتفاخ
- منطق الأمراض
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل
- صعلكة
- سياحة
- الوطن البكر
- نزوة شجرة
- قصة أنفاس الفجر


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان الدراجي - المذياع