أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - صخرةُ العالِم














المزيد.....

صخرةُ العالِم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2536 - 2009 / 1 / 24 - 09:07
المحور: سيرة ذاتية
    


"يا مسجون كَسَّرِ الصخرة، للصخرةِ سبعة أبواب، شوف فين الباب واضربْ"، هكذا كان يزعقُ السجّانُ الخشن في وجه المفكر المصريّ الكبير "محمود أمين العالم"، وهو يلوّحُ بالسوط. السوطُ الذي نالَ من ظهر العالِم ورفاقه من مثقفيْ ومفكريْ ومناضليْ وثوّار مصرَ في معتقلات 59 الشهيرة. هذا أثناء النهار، أما في المساء، فكان العالمُ يدعو السجّانَ إلى زنزانته لكي يعلّمَه القراءةَ والكتابة، وطبعا يسرِّبُ في وعيه حقوقَه المهدَرةَ عند حاكمه وعند الحياة. أندهشُ وأهتفُ في عجبٍ: يا أستاذ محمود، يجلدُك بالنهار، وتمحو أميّتَه بالليل! فيقول، وابتسامته الرائقةُ الشهيرةُ تُشرِقُ وجهَه: طبعا يا فاطمة، كلٌّ منّا يؤدي دورَه. هو يظنُّ أنني مجرمٌ يستحقُ العقاب؛ لأن رؤساءه أفهموه أنّ "شيوعيّ" يعني: كافر وعدو الوطن، ولذلك جلْدُه لي واجبٌ يؤديه بإتقان، وأما واجبي، وحقُّه عندي، فهو تعليمُه وتثقيفه هو وسواه ممن جعلتهم الدولةُ جهلاءَ أُميّين كي تسوسَهم وتبطشَ بهم أعداءها من مثقفين يكافحون من أجل تحقيق الديموقراطية والعدالة لمثله من الأميين والفقراء. أسألُه: يعني لم تكره سجّانَك؟ فيجيبني: "مطلقا، بالعكس، هو ضحيةُ التغييب والجهل، بل أحبّه وأشفقُ عليه، وأصغي إليه إصغاءَ التلميذِ لأستاذه وهو يتأمل الصخرةَ، ثم يشيرُ بإصبعه على مكامن ضعفها لأهبطَ بمِعولي عليها فتتحطم، ذاك عملي في عقوبة الأشغال الشاقة. لا تتفتتُ الصخرةُ إلا من نقاط ضعفها السبع، أبوابها السبعة. يعلمني بالنهار كيف أفتتُ الصخور، وأعلمه بالليل كيف يفتتُ أسوارَ العتمة من حوله." ثم يقضي الأستاذُ الجميل ليلَه الطويل بالزنزانة في كتابة القصائدِ على الحائط، ولم تزل تلك القصائدُ موجودةً في سجن القلعة، ترفض الحيطانُ أن تمحوها!
هذا هو محمود أمين العالم، الذي فقدناه بالأمس، من أسفٍ، لتسقطَ من صندوق جواهرنا أيقونةٌ حُرّةٌ نادرةٌ، ليت مصرَ تقدرُ أن تعوضها!
جاءني شابٌ في أحد المؤتمرات لأتوسّط له أن يصافحَ الأستاذ. فقلتُ: "اذهبْ إليه وحدَك، فليس أكثر تواضعا ورُقيًّا من العلماء، وهو عالِمٌ أيُّ عالِمٍ!" لكن حياءَ الشاب منعه، فذهبت وقلت: "هذا الشابُ يودُّ مصافحتك يا أستاذ." فينهض العالمُ الجليل من مقعده ويصافحه في نبلٍ قائلا: "أنا اسمي محمود أمين العالم." فأغتاظُ وأقولُ: "يا أستاذنا لا تقدّمْ نفسَكَ، فتلك صفعةٌ لنا، وأنتَ مَنْ أنت!" فيضحك قائلا: "بطلي بَكش يا بنت، هو أنا عملت حاجة؟ انتوا اللي حتعملوا وتصلحوا البلد دي!" يسيرُ في الشارع فيسلّم على البواب والسائس ويسأل عن أولادهم ويسمع شكاواهم! فأيّ رجلٍ هذا الذي فقدنا!
أما الطُّرفةُ التي لا أنساها فكانت يوم نشر "الأهرام" خبرا عن كتابي: "الكتابة بالطباشير"، تحت عنوان: "العالم يحذّر من كتاب ناعوت". وكان الأستاذُ قد كتب مقدمةً فاتنة لكتابي تحت عنوان "تحذيرٌ ومقاربة"، أعتبرُها، وأبدا، وسامًا فوق صدري أفاخرُ به العالمين. حذّرَ الأستاذُ محمود في مقدمته القارئَ من القراءة السطحية غير العميقة لهذا الكتاب. يومها أيقظني رنينُ الهاتف في السادسة صباحا، لأجد أمي تصرخ: "هببتي ايه في كتابك الأخير؟ وليه بيحذّروا الناس منه؟!" والحكاية أن "الأهرام" لم يضع كسرةً تحت اللام في كلمة "العالِم"، فقرأتها أمي: "العالَم يُحذّر من كتاب ناعوت!"، وارتعبتْ.
أستاذي الجميل، سلامٌ عليك، وقبلةٌ على يدك!المصري اليوم 19/1/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يُعلّمُ سجّانَه الأبجدية في المساء، ويستسلم لسوطه بالنهار
- حين ترقصُ الأغنيةُ مثل صلاة
- من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!
- هنا فَلسطين!
- لا يتكلمُ عن الأدبِ مَنْ عَدِمَه!
- سارة
- المرأةُ، كبشُ الفداءِ اليسِرُ
- لِمِثْلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ
- أغنيةٌ إلى فينسينت
- هذه ليستْ تفاحة!
- هذه هي الكواليس، سيدي الرئيس
- أنا مؤمن والمؤمن مُصاب، بس انتم لأ!
- ليلةُ غفران
- ليلةٌ تضيئُها النجوم
- الرغيفُ أمْ القيثارة؟
- أنتِ جميعُ أسبابي!
- خلسة المختلس
- العصافيرُ ستدخلُ الجنة
- يا مولانا رفقا بالصبيّ!
- انظرْ أمامَك بغضب


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - صخرةُ العالِم